القاذفون بالحجارة من بيت اليسار


محمد منير مجاهد
الحوار المتمدن - العدد: 3244 - 2011 / 1 / 12 - 11:20
المحور: التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية     

أدهشني أن أطالع في عدد الأهالي الصادر في 29 ديسمبر 2010 مقال للأستاذ حسين أشرف أمين التجمع بالقاهرة بعنوان "بيـت اليسـار والقاذفـون بالحجـارة" يعلق فيه على مقال لي نشر في الموقع الإلكتروني «الحوار المتمدن» بعنوان "بيت اليسار"، ومصدر الدهشة أمران:

الأمر الأول: أنني كنت قد تقدمت بمقالي المشار إليه إلى جريدة الأهالي لنشرها على أساس أن موضوعها يهم الحزب وأعضاءه، وهم المعنيين بها أساسا، إلا أن الأخت والصديقة أمينة النقاش نائب رئيس الحزب ومدير تحرير جريدة الأهالي اعتذرت بلطف عن عدم النشر على أساس أن الآراء الواردة بها يمكن أن تعمق الخلافات داخل الحزب، مما اضطرني لنشرها في موقع «الحوار المتمدن»، والذي يمكن قراءته على الرابط التالي:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=237913
ولو كانت هناك رغبة حقيقية في مناقشة ما جاء بها لتم نشر مقالي في الأهالي قبل التعليق عليه، وهو ما تكرر مع هذه المقالة التي بين يدي القارئ.

الأمر الثاني: أنه رغم ترحيب الأستاذ حسين أشرف في بداية مقاله بالحوار الصادق والدافئ الذي أردت له أن يبدأ بين اليساريين داخل وخارج التجمع، إلا أن مقاله لم يعكس هذا الترحيب على الأقل من حيث توفير أرضية للحوار فقد حفل باتهامات وشتائم لأطراف الحوار الأخرى فوصفهم بـ "العابثين والمحبطين"، وبأنهم كانوا "يعملون بالخارج أو هربوا إلي النشاط في المنظمات الأهلية" التي "تتبع أجندات غربية مغرضة لكنها مربحة"، وبأنهم قد "عادوا فجأة ليستمتعوا بنقد وتقييم الآخرين.. بل وحتى التحريض علي تعميق الخلافات داخل التجمع"، ناهيك عن اتهامهم بأنهم "القاذفـون بالحجـارة".

ولو أن الأستاذ حسين أشرف كتب مقاله هذا دون إقحام اسمي فيه لما عنيت بالرد عليه، أما وقد فعل فليس أمامي إلا أن أوضح للقارئ بعض الأمور التي كان سيتفهمها لو أن المقال نشر في الأهالي كما كنت آمل، وسوف أحاول أن تكون ملاحظاتي بنفس ترتيب ورودها في مقال الأستاذ حسين أشرف.

أولا: ذكر الكاتب أن العبد لله "تطرق في مقالته لذكرياته الشخصية حينما كان عضوا بحزب التجمع"، والحقيقة أنني لم أكتب أي ذكريات ولكنني كتبت مقدمة عن علاقتي بحزب التجمع كي أوضح – كما ذكرت صراحة في المقال - أنني لا أكتب مقالي من منطلق العداء لحزب التجمع أو لقيادته، ولو سمحت المساحة لذكرت أيضا أن علاقتي الشخصية برئيس الحزب ونوابه والأمين العام وعدد كبير من قيادات الحزب الحاليين والتاريخيين، علاقة محبة وتقدير واحترام متبادلين، كما أنني لا أنسى لهم دعمهم لمجموعة "مصريون ضد التمييز الديني" التي أشرف بكوني منسقا لها، وبالتالي فلا توجد أيضا خلافات أو عداوات شخصية وراء مقالي، ولكن حينما يتعلق الأمر بمصر ومستقبلها فلا مجال لمجاملات ولا شخصنة.

ثانيا: هناك نوع من التخبط والتناقض في مواقف الأستاذ حسين ففي الوقت الذي يقول فيه "لا ضرر مطلقا من تبادل الأفكار والنصائح مع من هم خارج التجمع"، فإنه يتحدث بتعالي غير مبرر ويقول "من أراد أن يصلح شيئا يراه في مسيرة التجمع أو خطه السياسي والتنظيمي، عليه أولا أن يصبح جزءا من آلياته الداخلية"، وأنصح الأستاذ حسين ومن يرى رأيه من قيادات التجمع أن يستمع لكل ناصح أمين دون شروط مسبقة، وأن ينظر بجدية للعوامل الطاردة في التجمع ويحاول إصلاحها كي تكون أبواب التجمع مفتوحة فعلا لليسار.

ثالثا: بغض النظر عن محاولة إسناد اتهامات الأستاذ حسين لليسار خارج التجمع "لاعترافات لي" يكذبها مقالي المنشور، فلم أتغاضى بجرة قلم عن التاريخ الحافل لحزب التجمع لا في مقالي ولا في أقوالي وأفعالي، ولكن من فعل هذا للأسف هم قيادة حزب التجمع التي تسببت - كما قال الدكتور جودة عبد الخالق القيادي البارز بالحزب في مقاله المنشور في 15 ديسمبر 2010- في أن يدفع الحزب سياسيا ثمن فادح، وجازفوا بــ 34عاما من كفاح الحزب.

رابعا: يقول الأستاذ حسين "الانتخابات ليست مجرد يوم التصويت، وإنما هي معركة دعائية شرسة لخدمة الخط السياسي لليسار المصري"، والحقيقة أن هذا الزعم قد تم تفنيده من جانب العديد من الزملاء داخل حزب التجمع، ولكن ليسمح لي الأستاذ حسين أن أستشهد بما جاء في مقال الأستاذ عمرو حمزاوي المنشور بجريدة الشروق في 12 سبتمبر 2010 والذي عدد فيه ثمانية أسباب لدعوة المعارضة لمقاطعة انتخابات مجلس الشعب وهي: 1) غياب الحد الأدنى من ضمانات نزاهة وحيادية وتنافسية الانتخابات، و2) تدخلات الحزب الحاكم السافرة والمتكررة في سير كل الانتخابات التي أجريت بمصر خلال الأعوام الخمسة الماضية، و3) القيود القانونية والأمنية التي تواجهها أحزاب وحركات المعارضة في سعيها للاستعداد للانتخابات، و4) الإخفاق شبه الكامل للمعارضة بأطيافها المختلفة في التأثير على مخرجات العملية التشريعية في برلمان 2005-2010، و5) بالاستناد إلى حصاد المجلس وإلى الواقع الراهن لأحزاب وحركات المعارضة الممثلة به فيمكن الجزم بفساد هذه المقولة في الحالة المصرية، و6) أما الكلفة الباهظة لمشاركة المعارضة في مصر فترتبط بكون هذه المشاركة تقدم للنخبة الحاكمة ولحزبها من خلال المظهر التنافسي للانتخابات شرعية ديمقراطية زائفة، و7) بعد انحسار الاهتمام الدولي بقضايا الديمقراطية والإصلاح في بلاد العرب فيستحيل تمرير مشاركة المعارضة من بوابة «إظهار الحقيقة أمام العالم»، و8) من المشروع الدعوة لمقاطعة انتخابات 2010 عسى أن تحد «صدمة المقاطعة» من الجمود الراهن لحياة مصر السياسية ومن غياب آفاق التغيير.

خامسا: يسأل الأستاذ حسين عما فعله من اتخذوا قرار المقاطعة منذ المرحلة الأولي، والحقيقة أن اليسار خارج التجمع أفراد، وتعبئة الشعب المصري من أجل المقاطعة – وهو ما كان ينبغي أن يتم – واجب القوى المنظمة، ولو أن حزب التجمع اتخذ هذا الموقف الصحيح لأمكنه تعبئة الأفراد اليساريين وراءه في هذه المعركة.

سادسا: يقول الأستاذ حسين أن عدم تصحيح التجمع لموقفه من الانتخابات بالانسحاب من جولة الإعادة في ضوء ما كشفت عنه الجولة الأولي من تزوير غير مسبوق في أساليبه ومداه كان بسبب "الديمقراطية الحزبية الحقيقية التي لا يعرفها الكثيرون ممن أدمنوا العمل الفردي والمزاجي"، ولن أضيع الوقت في مناقشة هذه "الديمقراطية الحزبية" ولكنني أحيله والقراء لمقال الدكتور جودة عبد الخالق المشار إليه، وبيان لجنة محافظة الجيزة الصادر بتاريخ 13 ديسمبر 2010 بعنوان "نرفض أن يكون التجمع ورقة التوت في برلمان باطل"، والبيان الصادر بعنوان "من أجل مصر وشعبها لنحافظ جميعاً على وحدة حزب التجمع وتماسكه" والموقع عليه من: د/ إبراهيم العيسوي، وأ/ بهيج نصار، ود/ جودة عبد الخالق، وأ/ شاهندة مقلد، وأ/ عبد الغفار شكر، ود/ فخري لبيب.

سابعا: لقد دعوت لمؤتمر كبير لكل اليسار داخل وخارج الحزب لمناقشة وسائل تطوير العمل في التجمع، وبرنامجه ولائحته، وقلت أنه من المفهوم طبعا أن التوجه النهائي للحزب سيحدده أعضاءه، ولكن هذا المؤتمر سيساعد الأعضاء على تحسس الاتجاهات والسياسات التي يساعد تبنيها على عودة التجمع كـ "بيت اليسار" وربما إلى عودة الطيور المهاجرة إلى بيتهم ليخوضوا المعركة الفاصلة مع النظام الرجعي، وهذا بالطبع يختلف عن ادعاءات الأستاذ حسين بأنني دعوت إلى "فرض أجندة للمؤتمر عنوانها محاسبة التجمع"، ولكنني اقترحت "أن يعقب هذا مؤتمر لأعضاء الحزب يتم فيه محاسبة المخطئين، وتحديد الخطوات التصحيحية المطلوبة، وبرنامج التغيير وخطواته وخططه وتكتيكاته"، وقد دعوت صراحة "لأن يتم كل هذا بروح التعقل والعقلانية التي تميز اليسار، فلا أحد منا يرغب أن تتكرر تجربة حزب العمل أو حزب الغد أو حزب الوفد مع بيت اليسار" وهو لا يختلف كثيرا عما دعا إليه بيان الستة المشار إليه عاليه.

أخيرا، أؤكد على أننا أمام ظرف عصيب ولحظة فارقة بالنسبة للشعب المصري وللحياة السياسية في مصر عموما، ولليسار خصوصا وفي القلب منه حزب التجمع، ونحن أحوج ما نكون لأن نضع رؤوسنا في رؤوس بعض، وأن نفكر بموضوعية كيساريين لتجاوز هذه الأزمة، دون تعالي غير مبرر وبرغبة حقيقية في أن يعود التجمع بيتا لليسار.