نحن وسويسرا


محمد منير مجاهد
الحوار المتمدن - العدد: 2865 - 2009 / 12 / 22 - 11:56
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان     

صوت 57% من الناخبين السويسريين في استفتاء أجري يوم الأحد 29 نوفمبر 2009 لصالح مبادرة حظر بناء المآذن، التي أطلقها ساسة من أقصى اليمين وحظيت بتأييد حزب الشعب السويسري (يمين متشدد) والاتحاد الديمقراطي الفيدرالي (حزب مسيحي صغير)، وعارضتها بشدة بقية الأحزاب السويسرية والحكومة الفدرالية والبرلمان والكنائس، وبعد إعلان نتيجة الاستفتاء أعلن أدريان أمستوتسذ، النائب البرلماني عن حزب الشعب اليميني، الداعم الرئيسي لتلك المبادرة ، إن حزبه سيدعو في البرلمان لإجراءات ضد ما اعتبرها أسلمة زاحفة على المجتمع من أبرز مظاهرها، الزواج بالإكراه، وختان الإناث، وارتداء النقاب.

وقد حظي هذا الاستفتاء بإدانة دولية واسعة بما في ذلك منظمة العفو الدولية التي اعتبرت انه ينتهك الحرية الدينية ويتعارض مع التزامات سويسرا الدولية، ومفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان أكدت أن الحظر السويسري على بناء مآذن المساجد هو “تمييز واضح”، ويمكن أن يضع سويسرا على مسار تصادمي مع القانون الدولي، إلا أن ما يهمنا هنا هو موقف القيادات الإسلامية المصرية التي أدانت بالطبع هذا القرار، حيث أكد الدكتور علي جمعة -مفتي الجمهورية - استنكاره التام لتمرير المبادرة حظر بناء المآذن في سويسرا التي تقدم بها حزب العمل السويسري، وقال إنها تعتبر هجوماً علي حرية الاعتقاد ومحاولة لإهانة مشاعر المجتمع الإسلامي داخل سويسرا وخارجها، (الدستور 3 ديسمبر)، وأعرب الشيخ عبد الفتاح علام وكيل الأزهر عن رفض الأزهر بكل هيئاته ومؤسساته للموقف السويسري، وحذر د . محمد رأفت عثمان أستاذ الشريعة الإسلامية والعميد الأسبق لكلية الشريعة والقانون بالجامعة الأزهرية من تداعيات هذا الموقف الغريب،

كما استنكر أعضاء هيئة تدريس جامعة الأزهر في بيان نشره موقع جماعة الإخوان المسلمين (إخوان أون لاين 3 ديسمبر) نتيجة الاستفتاء مؤكدين أن النتيجة دليل على عدم تسامح الشعب السويسري مع المسلمين، وتناقضه مع دعوات حرية الأديان التي تدعيها كافة أبواق أوروبا، بينما اعتبر الداعية يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين نتيجة الاستفتاء منافية لمواثيق حقوق الإنسان والحرية الدينية والتنوع الحضاري و”ستترتب عليها مراجعات كثيرة”.

رغم أن نتيجة الاستفتاء لا يترتب عليها حظر بناء مساجد أو حظر ممارسة المسلمين لشعائرهم الدينية والدعوة لدينهم، إلا أنه يظل إجراء تمييزيا موجها ضد المسلمين وحدهم وليس ضد أي مجموعة دينية أخرى، ومن ثم فلا خلاف مع موقف المنظمات العالمية المعنية بحقوق الإنسان ولا مع موقف علماء المسلمين الذي اتفق مع موقف هذه المنظمات، فالحرية الدينية بوصفها حقا أساسيا من حقوق الإنسان لا يجوز تعريضها لخطر الانتقاص منها بحجة تشكل أغلبية شعبية تريد ذلك، ولو راج أمر هذه الاستفتاءات ستهددنا كوارث كثيرة تمس بالحقوق الأساسية في العديد من البلدان.

يكشف هذا الاستفتاء عن تزايد العداء للمسلمين في الغرب الذين أصبحوا يحتلون نفس موقع الكراهية الذي كان يحتله اليهود في أوروبا حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، إلا أنه كما قال السفير‏ علي محسن حميد (الأهرام 5 ديسمبر 2009) فللحقيقة وجها ثانيا فالأحزاب اليمينية الأوروبية لا تتحمل وحدها المسئولية التي نتحمل قسطا كبيرا منها لأن خطابنا الديني أظهرنا في معظم الأوقات في صورة من يعادي الغير بدون توقف وبدون مبرر أحيانا ويسفه دينه وقيمه ويقلل من شأنه ويضع نفسه كمحتكر للحقيقة الدينية، ووصل الأمر ببعض من اعتمدوا علي إعانات أسبوعية من الخزانة البريطانية أن طالبوا برفع راية الإسلام علي قصر بكنجهام‏، ولكن المهم من وجهة نظري هو تناقض موقف القيادات الإسلامية ومعظم المسلمين بين ما يطلبونه من الآخر الديني كأقلية دينية، وما يفعلونه بالآخر الديني حينما يكونون الأغلبية، وهو ما يفقدنا الاتساق.

ولهذا يجب على علمائنا الأجلاء ورموزنا الدينية في مصر أن يتخذوا إزاء إخواننا الأقباط موقفا يتسق مع هذا الموقف الحاسم الذي يدين كل انتقاص من حرية العبادة لأتباع أية ديانة، بالمطالبة فورا برفع القيود الموضوعة على بناء وترميم الكنائس لأهلنا من المسيحيين المصريين وهم ليسوا مهاجرين ولا وافدين ولكنهم مصريون أبناء مصريون منذ وحد جدنا الملك مينا القطرين، وأن يزال كل ما من شأنه أن يعطل حرية أبناء وطننا من الأقباط في إظهار رموزهم الدينية كالصلبان على مبانيهم الدينية؟

ويجب عليهم أيضا إدانة كل الأعمال العدوانية التي تستهدف مهاجمة الأقباط (إخواننا في الوطن) وإتلاف ممتلكاتهم ونهبها بسبب الصلاة في مبنى غير مرخص، أو اعتزامهم إنشاء كنيسة، أو بسبب واقعة حقيقة أو مختلقة يكون أحد أطرافها مسلم والطرف الآخر مسيحي؟ مثلما حدث في الشهور القليلة الماضية في المحافظات التي تنتشر فيها الفتنة وتعاني من ويلات الفقر والجهل: بني سويف وسوهاج وقنا وأسيوط

كما يجب عليهم أن يدعوا إلي وقف كل أشكال السخرية من المعتقدات الدينية لكل من يختلف عنا في العقيدة، سواء في المساجد أو في الفضائيات أو الصحافة، فقد أصبح العالم اليوم قرية صغيرة بفضل الثورة العلمية التكنولوجية، وثورة الاتصالات فلم يعد ممكنا الآن أن نفعل أشياء في بلادنا تخالف ما نقوله في المؤتمرات ولقاءات حوار الأديان وغيرها من أنشطة العلاقات العامة التجميلية.

وأخيرا يجب أن يكفوا عن إمساك العصا من منتصفها بالخضوع للعادات أو الأعراف الخاطئة - والتي تتناقض مع الحداثة ومع الإسلام – بحجة الوسطية، وفي نفس يعلنوا موقفا واضحا وصريحا من القضايا التي تشوه الإسلام سواء في أوروبا أو في بلداننا كالقضايا التي أخافت السويسريين كـ"ختان الإناث"، و"النقاب"، وغيرها

إن ختان الإناث عادة إفريقية قديمة وليس لها أي علاقة بالإسلام ولم يثبت أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد ختن أي من بناته أو حفيداته أو بنات أصحابه وهي ليست موجودة في معظم البلدان الإسلامية، وقد أثبت العلم الحديث بما لا يدع مجالا للشك أضرارها على الصحة العامة للنساء، وهي جريمة إحداث عاهة مستديمة بمواطنة مصرية يجب حمايتها، ولكن الأزهر بمواقفه "الوسطية" لا يدينها ولكنه يعتبرها "مكرمة" للمرأة.

أما النقاب فهو أيضا ليس من الإسلام وهناك اختلاف على أصله الفارسي أو التركي أو البابلي، وهو محرم في الحج ولم تعرفه مصر إلا في المدن بينما ظل الريف مطهرا منه، وقد تخلصت مصر منه مع ثورة 1919، إلا أنه عاد إلينا من بلدان ثرية بأموالها فقيرة في ثقافتها على أنه جزء من الإسلام، وحين تجرأ شيخ الأزهر وطلب من تلميذة في عمر أحفاده بأن تخلع الحجاب في معهدها الأزهري للفتيات فقط هاجمه الأئمة والعلماء والرموز الدينية وقالوا فيه ما قال مالك في الخمر، وبالطبع لم يستطيعوا أن يجعلوا النقاب جزء من الإسلام فقالوا عنه أنه ليس فريضة ولكنه "فضيلة"، وهو لا يمكن أن يكون فليس من حق أي إنسان إخفاء وجهه ولا يمكن أن يتصور أي إنسان أن يدخل على وزير أو رئيس مصلحة أو موظف كبير أو صغير فيها فيجده ملثما أو مرتديا لقناع، لا يمكن في أي دولة يسودها القانون أن يقود إنسان ملثم سيارته، وهذا الأمر ينطبق على الرجال والنساء فكل مواطن يجب أن يكون معلوم الشخصية في جميع الأوقات.

لن نستطيع أن ندافع عن مسلمي أوروبا الذين هاجروا إليها من بلداننا العربية والإسلامية هربا من الحرمان الاقتصادي، والتمييز الاجتماعي والسياسي، حيث يمارسون فيها حرية دينية يحسدهم عليها الأقليات الدينية في بلداننا، إلا إذا صلحت أمورنا في بلادنا، وحين ترفع كل القيود المفروضة على ممارسة المواطنين لحقهم في أن يعتنقوا ما شاءوا من أديان ومعتقدات دينية، وأن يتعبدوا بمفردهم أو في جماعات، وأن يبنوا دور عبادتهم، وأن يمارسوا الدعوة لمعتقداتهم الدينية دون أن يعرضهم هذا لتمييز أو اضطهاد، فكما يقول المثل الشهير "فاقد الشيء لا يعطيه".