كشف حساب 2014


فؤاد قنديل
الحوار المتمدن - العدد: 4677 - 2014 / 12 / 30 - 13:25
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


انصرم عام 2014 إلى غير عودة ( وهذا أمر طبيعي ) وغير مأسوف عليه ( مسألة تختلف من شخص إلى آخر حسب مكاسبه أو مصائبه ) ، ويفضل البعض القفز بسرعة من سفينة العام الذي انتهي على أمل أن يلتقي عاما جديدا أكثر إشراقا ومتمنيا أن تتحقق فيه أماني جديدة له وللناس ، لكن علينا ألا نلعن الزمن فقد أوصانا الرسول الكريم محمد بن عبد الله بذلك لأنه لم يقرر شيئا للبشر ولم يقصد أن يموت كل هؤلاء في الحروب والحوادث أو الأوبئة ، ولا علاقة له بحسن حظ هذا وسوء حظ ذاك ، وما هو إلا توقيت مركزي للجميع لأن دقاته المنتظمة في نسق كوني هو أدق ما خلق الله ولذلك خلق الله الليل والنهار أولا من أجل المواقيت ولتنظيم حياة الناس ولتوفير المناخ الملائم لنمو المحاصيل، فقد قال في كتابه العزيز: { وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً } [ الإسراء:12] .ومن الجدير بالإشارة أن الزمن دفتر كبير تسجل فيه الأخبار والأخطاء والحسنات والسيئات والأحداث الكونية والفردية والمتغيرات والمستجدات التي تمس حياة البشر بالذات وليس الكائنات إلا على نطاق ضيق ، فالزمن إذن يخص الإنسان وهو قرينه والمطارد له . يرصد حركاته كما يرصد أيامه وساعاته والإنسان – أراد أم لم يرد مشغول بالزمن لأن السنين تنطبع على ملامحه وتضع بصماتها على قواه ومشاعره وعاداته بل وأمانيه وأحلامه .
لقد مر عام 2014 كما تمر كل السنين ولم يختلف عن السابقات لأن الحركة في كل الأعوام دائبة والموت بالمرصاد والفوز متجدد والخسارة تطرق الأبواب ، والحظوظ تتناثر هنا وهناك والصدمات تتلاحق كما تفاجئنا المسرات ، ولا تكف الأرض عن الدوران والشمس عن الشروق والغمام عن إسقاط المطر والعواصف والأعاصير تعمل عملها وأغلب ما يحدث لصالح الإنسان ، فالعالم في حالة ثورة دائمة على كل الأصعدة واختلاف الأطماع والمصالح ونزعة الشر المتأججة في بعض النفوس تدفع الحياة إلى الصراع بهدف تطويرها فهي فلسفة الله في خلقه وقد قال سبحانه " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض لكن الله ذو فضل على العالمين ،
* أسوأ ما طالعنا به هذا العام هو نشأة واستفحال مرعب لتنظيم داعش الإرهابي " الدولة الإسلامية في العراق والشام " الذي اقتحم البلاد وسحق العباد ودمر المنشآت وهدد الآمنين وذبح المسلمين والأجانب كأنه وباء لا يبقى ولا يذر واجتمعت عليه قوات وعتاد ما يزيد على ثلاثين دولة تتقدمهم أكبر الدول وما زالت الحرب دائرة والمصائب تتري من محصول هذا الكيان البشع ، ولعل ظهور هذه الجماعة المارقة هو ما أثقل ميزان العام اللعين من الخطايا.
* طالعنا عام 2014 بمشاهد جديدة من الربيع العربي بعضها تعس مثل الأحوال في سوريا والعراق واليمن وبعضها لا بأس به مثل ما حدث في مصر وتونس .
* بدأ العام باستفتاء المصريين على دستورهم الجديد الذي حاز الرضا الكامل لفرط عدله وإنصافه وتأكيده على حرية التعبير والتوازن بين السلطات ورسخ فكرة التداول والانحياز للشرائح المحرومة من التمثيل بدرجة كافية مثل المرأة والأقباط والشباب وأصحاب الاحتياجات الخاصة ، ومن أهم ما تتضمن أيضا إلغاء المادة التي تخصص للعمال والفلاحين نسبة 50% من عدد المقاعد وكانت إحدى الكوارث التي تؤثر سلبا وبشدة على كفاءة البرلمان.
* ظهرت نتائج الانتخابات البرلمانية التونسية التي تنافس على صدارتها حزب النداء الليبرالي وحزب النهضة اليمينى ، وقد أثبت الشعب التونسي تحضره بالتوجه نحو الليبرالية ففاز حزب النداء وتواري حزب النهضة ورئيسه اللذين هددا السلام الاجتماعي في تونس المتحضرة وحاولا بث كل فكر ظلامي هدام بالتعاون والتنسيق مع شبيهه في مصر .
* في منتصف العام جدد الكيان الصهيوني الاستيطاني الاستعماري عدوانه الآثم على الشعب الفلسطيني في غزة حيث أمطر المدن بمئات الغارات وآلاف القنابل وتم تدمير نصف غزة على الأقل وأوقعوا أكثر من ألفي شهيد وعشرة آلاف مصاب ومائة ألف مشرد بينما الولايات المتحدة الأمريكية تطلب في كل تصريح حماية الإسرائيليين من عدوان العرب في فلسطين ، وبعد توقف العدوان البشع الذي لم يتحرك له العالم إلا ببعض الكلمات والمظاهرات أمرت أمريكا راعية السلام في العالم بتخصيص مليارين من الدولارات لإمداد إسرائيل بقبة جديدة تحميها من أي عدوان من الفلسطينيين .
* في منتصف العام اختار الشعب الرئيس الجديد عبد الفتاح السيسي بنسبة تزيد على 97% من عدد الأصوات في انتخابات حرة تماما ونزيهة بما يعد خطوة مهمة على طريق الديمقراطية إضافة للخطوة الأولى وهي وضع الدستور .
* في السادس من أغسطس افتتح الرئيس العمل في مشروع قناة السويس الجديدة التي يتم العمل فيها على قدم وساق لتكون موازية للأولى بحيث لا تتوقف سفينة فهناك قناة للمتجه من السويس إلى بورسعيد والثانية للمرور العكسي ، ومن المتوقع أن تقام حول القناة الجديدة والمناطق المجاورة عدد من المشروعات التنموية الكبرى وهي البداية لمنظومة نهضوية كفيلة بإنشاء صناعات حديثة وتشغيل ملايين العمال ورفع الكفاءة للعاملين وتوثيق العلاقات مع دول كثيرة في العالم شرقا وغربا .
* من أسوأ أخبار العام الفائت الحكم ببراءة مبارك رغم أنه يستحق الإعدام عدة مرات بعد توريد مائة مليار جنيه بعض ما نهبه وبدده وسهله للآخرين وهو المسئول عن ذلك كما أنه المسئول عن قتل المتظاهرين و القول بأنه لم يصدر أمرا بالقتل شهادة لصاحبها بالبلاهة .
* انكشفت الحقيقة الملعونة للديمقراطية الأمريكية بعد أن نشرت كل وكالات الأنباء تقريبا التقرير الرسمي الأمريكي عن عمليات تعذيب غير مسبوقة تتم في السجون الأمريكية بصورة ممنهجة ودائمة بأوامر مباشرة من البيت الأبيض ، الذي يأمر بعض الدول الدائرة في فلكها بممارسة أقسي ألوان التعذيب بالنيابة عنها فيما يعد كتابا للعار يصم كل من شارك فيه حيث كتب بدم البشر ليقضي على كل ادعاءات الحفاظ على حقوق الإنسان .
* في الشهر الأخير من العام تمكن الشعب التونسي من اختيار رئيسه الباجي قائد في انتخابات حرة ونظيفة لينتهي إلى حد كبير هيمنة حزب النهضة اليمينى المتطرف ورئيسه.
* في الشهر الأخير قام السيسي بزيارة إلى الصين شهدت توثيقا غير مسبوق للعلاقات مع دولة كبري بكل معنى الكلمة ووقعا على 26 اتفاقية اقتصادية وثقافية وعمرانية وفي مجالات أخري عديدة مثل النقل والكهرباء والطاقة .
* وفي الشهر الأخير أيضا طالعنا العام ببيان حاسم من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله يطالب بقيام قطر بالتخلي عن كل النزوات والإجراءات العدوانية ضد الشقيقة مصر وأرسل مبعوثه الخاص ومعه مساعد وزير خارجية قطر لتأكيد الاستجابة للبيان الملكي السعودي والعزم على فتح صفحة جديدة من العمل المشترك و العلاقات الرفيعة ووقف كل حملات الإعلام المخربة والمسيئة للدولة الخليجية التي اعتادت على مدى سنوات أن تأوي الإرهابيين الذين يعيثون فسادا في البلاد العربية وخاصة في مصر .
* لا تزال الشقيقة ليبيا تعاني من المخاض المتعثر ولم يتحول الشتاء القاسي لديها إلى ربيع رغم بعض الجهود المتواضعة لإنقاذ الشعب الليبي الطيب مما يحاق به بدعم مكثف من رعاة الإرهاب في المنطقة تركيا وقطر ، وإن القلب ليتصدع والعيون تزرف الدموع حزنا على هذا البلد الذي تمزقه مليشيات إرهابية لا تعرف معنى السلام ولا الأمن وإنما أقصي ما تفكر فيه التدمير والقتل وتبديد الأعمار والممتلكات في معارك مأساوية لا يعلم إلا الله متى تضع أوزارها.
فشل منتخب مصر الوطني لكرة القدم في التأهل لكأس الأمم الأفريقية بسبب المستوي المتواضع للمدرب والقائمين على أمر اتحاد الكرة .
* أعلنت منظمة فيتش أن مصر تحسن ترتيبها في الشفافية وقلة الفساد خلال العام لتتقدم عشرين مركزا ، وفي المقابل ذكرت منظمات بحثية تدرس أحوال الشعوب من حيث التعاسة والسعادة وجاء ترتيب مصر كخامس دولة يعيش شعبها في تعاسة بعد العراق وسوريا واليمن وليبيا .
* نشير الكثير من الشواهد منها انتظام عملية التعليم في المدارس والجامعات والسير بأمان كبير في الشوارع وتحسن السياحة إلى أن الجيش والشرطة تمكنا من دحر الإرهاب وتحجيمه ومطاردته وإن ظلت بقايا لا تتجاوز عشرة بالمائة مما كان عليه قبل شهور .
* تجري الآن أعمال كثيرة في طول البلاد وعرضها لتصحيح بعض الأوضاع المتردية وسوف تظهر آثار ذلك خلال سنتين على الأكثر.
* رحلت قائمة طويلة من الفنانين والأدباء ورجال السياسة والتعليم نسأل الله أن يتغمدهم بواسع رحمته
يبقى أن نتمنى لكل الشعب العربي بمسلميه ومسيحييه التوفيق والسعادة والتعاون والمحبة ونجدد أملنا في عام جديد أفضل وإن كان الزمن من صنع البشر وليس من صنع نفسه.