للزعيم غنى الشعراء ( 1 )


فؤاد قنديل
الحوار المتمدن - العدد: 4587 - 2014 / 9 / 28 - 00:38
المحور: الادب والفن     




للزعيم غنى الشعراء ( 1 )


أتيح لى على مدى السنوات الماضيات أن أقرأ أشعارا جميلة عن الزعيم العربي البارز جمال عبد الناصر منذ رحل وحتى العام الماضي وقد بلغت نحو مائة وخمسين قصيدة
لعل أفضلها قصائد الشاعر العربي الكبير نزار قبانى الذي فاض بها حسه المرهف وحبه الصادق وأسفه الشديد لرحيل الوطنى النادر الذي تعلقت به آمال الأمة العربية ، وعششت ملامحه ومواقفه التى تنتصر للكرامة ودوى صوته وفروسيته في قلوبها. واليوم مع مرور أربعة وأربعين سنة على رحيله الصادم أضع تحت أنظاركم قصائد ثلاث لنزار ستعقبها مختارات أخرى في الأسبوع القادم لشعراء آخرين .

رسالة إلى جمال


والدُنا جمالَ عبدَ الناصرْ

عندي خطابٌ عاجلٌ إليكْ

من أرضِ مصرَ الطيبهْ

من ليلها المشغولِ بالفيروزِ والجواهرِ

ومن مقاهي سيّدي الحسين، من حدائقِ القناطرِ

ومن تُرعِ النيلِ التي تركتَها..

حزينةَ الضفائرِ..

عندي خطابٌ عاجلٌ إليكْ

من الملايينِ التي قد أدمنتْ هواكْ

من الملايين التي تريدُ أن تراكْ

عندي خطابٌ كلّهُ أشجانْ

لكنّني..

لكنّني يا سيّدي

لا أعرفُ العنوانْ…


والدُنا جمالَ عبدَ الناصرْ

الزرعُ في الغيطان، والأولادُ في البلدْ

ومولدُ النبيِّ، والمآذنُ الزرقاءُ..

والأجراسُ في يومِ الأحدْ..

وهذهِ القاهرةُ التي غفَتْ..

كزهرةٍ بيضاءَ.. في شعرِ الأبَدْ..

يسلّمونَ كلّهم عليكْ

يقبّلونَ كلّهم يديكْ..

ويسألونَ عنكَ كلَّ قادمٍ إلى البلدْ

متى تعودُ للبلدْ؟…


حمائمُ الأزهرِ يا حبيبَنا.. تُهدي لكَ السلامْ

مُعدّياتُ النيلِ يا حبيبَنا.. تّهدي لكَ السلامْ..

والقطنُ في الحقولِ، والنخيلُ، والغمامُ..

جميعُها.. جميعُها.. تُهدي لكَ السلامْ..

كرسيُّكَ المهجورُ في منشيّةِ البكريِّ..

يبكي فارسَ الأحلامْ..

والصبرُ لا صبرَ لهُ.. والنومُ لا ينامْ

وساعةُ الجدارِ.. من ذهولِها..

ضيّعتِ الأيّامْ..

يا مَن سكنتَ الوقتَ والأيامْ

عندي خطابٌ عاجلٌ إليكَ..

لكنّني…

لكنّني يا سيّدي.. لا أجدُ الكلامْ

لا أجدُ الكلامْ..


والدُنا جمالَ عبدَ الناصرْ:

الحزنُ مرسومٌ على الغيومِ، والأشجارِ، والستائرِ

وأنتَ سافرتَ ولم تسافرِ..

فأنتَ في رائحةِ الأرضِ، وفي تفتُّحِ الأزاهرِ..

في صوتِ كلِّ موجةٍ، وصوتِ كلِّ طائرِ

في كتبِ الأطفالِ، في الحروفِ، والدفاترِ

في خضرةِ العيونِ، وارتعاشةِ الأساورِ..

في صدرِ كلِّ مؤمنٍ، وسيفِ كلِّ ثائرِ..

عندي خطابٌ عاجلٌ إليكْ..

لكنّني..

لكنّني يا سيّدي..

تسحقُني مشاعري..


يا أيُها المعلّمُ الكبيرْ

كم حزنُنا كبيرْ..

كم جرحُنا كبيرْ..

لكنّنا

نقسمُ باللهِ العليِّ القديرْ

أن نحبسَ الدموعَ في الأحداقْ..

ونخنقَ العبرهْ..

نقسمُ باللهِ العليِّ القديرْ..

أن نحفظَ الميثاقْ..

ونحفظَ الثورهْ..

وعندما يسألُنا أولادُنا

من أنتمُ؟

في أيِّ عصرٍ عشتمُ..؟

في عصرِ أيِّ مُلهمِ؟

في عصرِ أيِّ ساحرِ؟

نجيبُهم: في عصرِ عبدِ الناصرِ..

الله.. ما أروعها شهادةً

أن يوجدَ الإنسانُ في عصرعبد الناصر

****

( 2 )

قتلناكَ.. يا آخرَ الأنبياءْ

قتلناكَ..

ليسَ جديداً علينا

اغتيالُ الصحابةِ والأولياءْ

فكم من رسولٍ قتلنا..

وكم من إمامٍ..

ذبحناهُ وهوَ يصلّي صلاةَ العشاءْ

فتاريخُنا كلّهُ محنةٌ

وأيامُنا كلُّها كربلاءْ..


نزلتَ علينا كتاباً جميلاً

ولكننا لا نجيدُ القراءهْ..

وسافرتَ فينا لأرضِ البراءهْ

ولكننا.. ما قبلنا الرحيلا..

تركناكَ في شمسِ سيناءَ وحدكْ..

تكلّمُ ربكَ في الطورِ وحدكْ

وتعرى..

وتشقى..

وتعطشُ وحدكْ..

ونحنُ هنا نجلسُ القرفصاءْ

نبيعُ الشعاراتِ للأغبياءْ

ونحشو الجماهيرَ تبناً وقشاً

ونتركهم يعلكونَ الهواءْ

قتلناكَ..

يا جبلَ الكبرياءْ

وآخرَ قنديلِ زيتٍ..

يضيءُ لنا في ليالي الشتاءْ

وآخرَ سيفٍ من القادسيهْ

قتلناكَ نحنُ بكلتا يدينا

وقُلنا المنيَّهْ

لماذا قبلتَ المجيءَ إلينا؟

فمثلُكَ كانَ كثيراً علينا..

سقيناكَ سُمَّ العروبةِ حتى شبعتْ..

رميناكَ في نارِ عمَّانَ حتى احترقتْ

أريناكَ غدرَ العروبةِ حتى كفرتْ

لماذا ظهرتَ بأرضِ النفاقْ..

لماذا ظهرتْ؟

فنحنُ شعوبٌ من الجاهليهْ

ونحنُ التقلّبُ..

نحنُ التذبذبُ..

والباطنيّهْ..

نُبايعُ أربابنا في الصباح..

ونأكلُهم حينَ تأتي العشيّهْ..


قتلناكَ..

يا حُبّنا وهوانا

وكنتَ الصديقَ، وكنتَ الصدوقَ،

وكنتَ أبانا..

وحينَ غسلنا يدينا.. اكتشفنا

بأنّا قتلنا مُنانا..

وأنَّ دماءكَ فوقَ الوسادةِ..

كانتْ دِمانا

نفضتَ غبارَ الدراويشِ عنّا..

أعدتَ إلينا صِبانا

وسافرتَ فينا إلى المستحيل

وعلمتنا الزهوَ والعنفوانا..

ولكننا

حينَ طالَ المسيرُ علينا

وطالتْ أظافرُنا ولحانا

قتلنا الحصانا..

فتبّتْ يدانا..

فتبّتْ يدانا..

أتينا إليكَ بعاهاتنا..

وأحقادِنا.. وانحرافاتنا..

إلى أن ذبحنكَ ذبحاً

بسيفِ أسانا

فليتكَ في أرضِنا ما ظهرتَ..

وليتكَ كنتَ نبيَّ سِوانا…


أبا خالدٍ.. يا قصيدةَ شعرٍ..

تقالُ.

فيخضرُّ منها المدادْ..

إلى أينَ؟

يا فارسَ الحُلمِ تمضي..

وما الشوطُ، حينَ يموتُ الجوادْ؟

إلى أينَ؟

كلُّ الأساطيرِ ماتتْ..

بموتكَ.. وانتحرتْ شهرزادْ

وراءَ الجنازةِ.. سارتْ قريشٌ

فهذا هشامٌ..

وهذا زيادْ..

وهذا يريقُ الدموعَ عليكْ

وخنجرهُ، تحتَ ثوبِ الحدادْ

وهذا يجاهدُ في نومهِ..

وفي الصحوِ..

يبكي عليهِ الجهادْ..

وهذا يحاولُ بعدكَ مُلكاً..

وبعدكَ..

كلُّ الملوكِ رمادْ..

وفودُ الخوارجِ.. جاءتْ جميعاً

لتنظمَ فيكَ..

ملاحمَ عشقٍ..

فمن كفَّروكَ..

ومَنْ خوَّنوكَ..

ومَن صلبوكَ ببابِ دمشقْ..

أُنادي عليكَ.. أبا خالدٍ

وأعرفُ أنّي أنادي بوادْ

وأعرفُ أنكَ لن تستجيبَ

وأنَّ الخوارقَ ليستْ تُعاد…
*******

( 3)

الهرم الرابع



السيّدُ نامْ

السيّدُ نام

السيّدُ نامَ كنومِ السيفِ العائدِ من إجدى الغزواتْ

السيّدُ يرقدُ مثلَ الطفلِ الغافي.. في حُضنِ الغاباتْ

السيّدُ نامَ..

وكيفَ أصدِّقُ أنَّ الهرمَ الرابعَ ماتْ؟

القائدُ لم يذهبْ أبداً

بل دخلَ الغرفةَ كي يرتاحْ

وسيصحو حينَ تطلُّ الشمسُ..

كما يصحو عطرُ التفاحْ..

الخبزُ سيأكلهُ معنا..

وسيشربُ قهوتهُ معنا..

ونقولُ لهُ..

ويقولُ لنا..

القائدُ يشعرُ بالإرهاقِ..

فخلّوهُ يغفو ساعاتْ..

يا مَن تبكونَ على ناصرْ..

السيّدُ كانَ صديقَ الشمس..

فكفّوا عن سكبِ العبراتْ..

السيّد ما زالَ هُنا..

يتمشّى فوقَ جسورِ النيلِ..

ويجلسُ في ظلِّ النخلاتْ..

ويزورُ الجيزةَ عندَ الفجرِ..

ليلثمَ حجرَ الأهراماتْ.

يسألُ عن مصرَ.. ومَن في مصرَ..

ويسقي أزهارَ الشرفاتْ..

ويصلّي الجمعةَ والعيدينِ..

ويقضي للناسِ الحاجاتْ

ما زالَ هُنا عبدُ الناصرْ..

في طميِ النيلِ، وزهرِ القطنِ..

وفي أطواقِ الفلاحاتْ..

في فرحِ الشعبِ..

وحزنِ الشعب..

وفي الأمثالِ وفي الكلماتْ

ما زالَ هُنا عبدُ الناصرْ..

من قالَ الهرمُ الرابعُ ماتْ؟


يا مَن يتساءلُ: أينَ مضى عبدُ الناصرْ؟

يا مَن يتساءلُ:

هلْ يأتي عبدُ الناصرْ..

السيّدُ موجودٌ فينا..

موجودٌ في أرغفةِ الخُبزِ..

وفي أزهارِ أوانينا..

مرسومٌ فوقَ نجومِ الصيفِ،

وفوقَ رمالِ شواطينا..

موجودٌ في أوراقِ المصحفِ

في صلواتِ مُصلّينا..

موجودٌ في كلماتِ الحبِّ..

وفي أصواتِ مُغنّينا..

موجودٌ في عرقِ العمّالِ..

وفي أسوانَ.. وفي سينا..

مكتوبٌ فوقَ بنادقنا..

مكتوبٌ فوقَ تحدينا..

السيّدُ نامَ.. وإن رجعتْ

أسرابُ الطيرِ.. سيأتينا ِ..