أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد بدوي - إقطاعية مصر














المزيد.....

إقطاعية مصر


أحمد بدوي

الحوار المتمدن-العدد: 5912 - 2018 / 6 / 23 - 13:58
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يعد النموذج المصري واحدا من أبشع نماذج الاستغلال الرأسمالي في ظل الغياب التام لدور الدولة الخدمي والأساسي في معظم المجالات. فيعتمد المصريون في حياتهم اليومية غالبا على الخدمات الخاصة لتعويض هذا الدور الغائب للدولة، وهو أيضا ما يترتب عليه معاناة المصريين الكبيرة والتشوه الاجتماعي الكبير الحادث.

لو نظرنا مثلا لمجال الصحة، فإن معظم المصريين يعتمدون على العيادات أو المستشفيات الخاصة كبديل عن ذلك الخواء القاتل المسمي مستشفيات حكومية. يجدر هنا الإشارة أن خريجي الكليات الطبية هم الوحيدون من بين بقية الكليات المدنية (غير الأمنية- شرطة وكليات عسكرية) الذين تتكفل الدولة بتوظيفهم المهني، وهذا يفسر أيضا صراع معظم فئات الطبقة الوسطى والفقيرة للالتحاق بها - إلى جانب الكليات الأمنية - رغبة في تأمين مستقبلهم العملي والمادي. يعمل هؤلاء الأطباء بعد التخرج في مستشفيات حكومية بيروقراطية وغالبا غير مجهزة بالحد الأدنى، وفي الوقت نفسه فإنهم يفتتحون عياداتهم الخاصة التي يهرول إليها المواطنون مجبرين. يفسر هذا تفوق وبروز معظم الأطباء ماديا على معظم فئات الشعب العاملة نتيجة المكاسب التي يحقوقونها من بيع الخدمة الطبية للجمهور خارج إطار الدولة. يسوقنا هذا بالضرورة إلى فوضى العيادات الخاصة واختلاف الخبرة والكفاءة العلمية والعملية النسبي حتى أن البعض يلجأ أحياناً إلى أكثر من عيادة خاصة في المرة الواحدة أملا في التشخيص السليم والعلاج الأفضل ودرءا للخطورة والعقبات الصحية. بزنس الصحة!

في مجال التعليم، تضطر معظم فئات الطبقة الوسطى والفقيرة إلى إلحاق أطفالهم بالمدارس الحكومية المكتظة جدا بالطلاب والتي تفتقد إلى أبسط الإمكانيات الفنية ويغيب فيها تماما الاهتمام بالمهارات والأنشطة الطلابية. يعتقد معظم هؤلاء أن العملية التعليمية بهذه المدارس الحكومية غير كافية وكفيلة بتحصيل أبنائهم بالحد الأدنى للمناهج الدراسية الأساسية، والنتيجة أنهم يتكفلون بتوفير دروس خصوصية خارج المدارس الحكومية لأبنائهم. يبيع هنا المدرس خدمة التعليم الخاص التي يضطر المواطنون إليها خارج إطار الدولة، وبالمثل تتفاوت كفاءة وخبرة المدرسين وما يعنيه ذلك من تفاوت حظوظهم من الربح والتفوق المادي واستغلال المجتمع. أما بالنسبة للقادرين ماديا والطبقة الغنية، فيلجأون إلى المدارس والجامعات الخاصة. المحصلة النهائية هي مجتمع مشوه غير متجانس وهجين وطبقي. بزنس التعليم!

في مجال النقل والمواصلات، يدرك المصريون جيدا مهلكة الاعتماد على وسائل النقل العامة من أتوبيسات وقطارات متهالكة وغير منضبطة وغير متوفرة بما يضمن راحتهم وأمنهم. فيلجأ الكثيرون إلى البديل الخاص، وهو إما سيارت خاصة يملكونها أو البدائل الأخرى المتفاوتة والفوضوية جدا إلى حد كبير، وهي بدائل لا ترفع المعاناة غالبا ولكنها تمثل حالة الاضطرار والاستسلام الأخير. بزنس النقل والمواصلات!

في مجال العمران السكني والإسكان، يلجأ معظم المصريين إلى الحلول الخاصة أو الرأسمالية وبعيدا عن الدولة التي لا تتحمل مسؤوليتها بالشكل اللائق. ينتج عن ذلك تشوها عمرانيا وجماليا كبيرين جدا بسبب اختلاف القدرة المادية بين المواطنين الفاعلين وحالة اضطرارهم خاصة في المناطق الفقيرة. لو نظرنا مثلا إلى الأرياف المصرية، ثمة مشكلة متزايدة وهي امتداد البنيان العمراني على حساب الرقعة الزراعية حيث يقوم الأهالي فيما بينهم ببيع وشراء الأراضي الخاصة، وبالضرورة فإن سعر مساحات الأراضي المرخص فيها بالبناء يزيد كثيرا عن سعر مساحات الأراضي الزراعية. يقوم الأهالي بأنفسهم بعد ذلك بتخطيطات الإنشاء والبناء اعتمادا على أصحاب مشروعات مقاولات خاصة، وهم غالبا مجموعة من العمال الذين لا يملكون أي دخل ثابت ويعيشون فقط من حاصل بيع مجهودهم العضلي تحت إشراف أحد المهندسين الذي يلجأ إليه صاحب الأرض ويعمل هذا المهندس ذلك العمل الحر إلى جانب عمله الحكومي أو الخاص في معظم الأحيان. ومن الملاحظ غياب دور الدولة تماما في مثل هذه العمليات الإنشائية الحرة والعشوائية باستثناء استخراج بعض التصاريح أو دفع بعض الرسوم. المحصلة النهائية هي كارثة وفوضى عمرانية وجمالية واجتماعية. أما الإيجار السكني فحدث ولا حرج، فعلى سبيل المثال يجب ألا تصيبك الصدمة إذا فوجئت بأحد الملاك القاهريين الذي يشترط تأجير بيته فقط لغير المصريين خاصة في الأحياء القاهرية الراقية. بزنس العمران السكني والإسكان!

في مجال الرعاية والخدمات الاجتماعية، يكفي أن تجلس قليلا من الوقت لمشاهدة الإعلانات المصرية لعشرات المنظمات والجمعيات الخيرية الخاصة تطالبك بالتبرع للفقراء والمرضى وبعض الأحيان خدمات البنية التحتية الأساسية في صعيد وقرى مصر الفقيرة. ولست بحاجة للتذكير بأن هذه الرعاية الاجتماعية أو حتى الخدمية هي دور أصيل للدولة وحق أساسي للمواطنين. هذا التمادي في العمل الخيري وتغطية دور الدولة يشوبه أحيانا بعض الاستغلال السياسي أو حتى الفساد، ومن أمثلة ذلك ما تم نشره مؤخرا عن مستشفى سرطان الأطفال 57357 القائمة على التبرعات والتي أسماها الكاتب المصري وحيد حامد في مقالة حديثة منشورة له بجريدة المصري اليوم ناقدة وكاشفة لشبهات فساد– "مستشفى آل أبوالنجا" نسبة لمديرها العام. بزنس الرعاية والخدمات الاجتماعية!

أن الحديث عن الدولة المصرية يثير كثيرا من السخرية والاشمئزاز لأنها لا تعني شيئا للمواطنين غير سلطة جباية واستبداد وفساد مقابل انعدام دورها الخدمي والتنظيمي والاجتماعي بالإضافة إلى عدم عدالتها في توزيع الموارد والثروات أو حتى تطبيق القانون، وما يترتب على ذلك كله من مشاكل اجتماعية واقتصادية مركبة وخطيرة. هذه الحالة المصرية البائسة تكشف لنا عن عمق الأزمة المصرية والمعاناة التي يعيشها المصريون في حياتهم اليومية حيث يبذلون التضحيات ويتحملون الصعاب الشديدة في سبيل الحد الأدنى للحياة، وما يفرضه ذلك عليهم أحيانا من تبعات خطيرة. هي إذن إقطاعية وليست دولة مصر.



#أحمد_بدوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحيا مصر
- القطعان وذئابها الجميلة
- السياسة والنخبة واليسار في مصر
- رؤية يسارية عربية لأزمات الربيع العربي والدولة الوطنية: 1. ا ...
- السياسة وأزمة التعليم في مصر
- الليل وعبدالله أقارب
- مرحبًا بك في -العصر المظلم الجديد-
- المتحف المصري الكبير وفساد الدولة الكبير
- المال الخليجي في دكان مصر
- شبه الدولة المصرية
- كرة القدم والمصريون


المزيد.....




- الجيش الأمريكي يكشف عن عدة هجمات للحوثيين في البحر الأحمر وت ...
- المفوضية الأوروبية قد تحظر TikTok
- -القيادة المركزية الأمريكية-: الحوثيون أطلقوا 6 صواريخ ومسير ...
- خبير: الجيش الروسي قد يبيد قوات كييف حتى قبل اجتياحه الشامل ...
- مصرع 25 شخصاً وإصابة 17 آخرين بحادث سقوط حافلة في البيرو
- -رفح يمكنها الانتظار، الرهائن لا يمكنهم-.. متظاهرون يغلقون ا ...
- شاي المتة .. مشروب -سحري- لفقدان الوزن وإذابة دهون البطن
- الحكم بالسجن 22 عاما على أمريكي -حاول بيع معلومات حساسة لروس ...
- أعضاء في الكونغرس يحذرون -العدل الدولية- من ملاحقة المسؤولين ...
- عالم فيزياء يخرج بنظرية تفسر عدم اتصال الحضارات الكونية مع ك ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد بدوي - إقطاعية مصر