أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثامن 2















المزيد.....

ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثامن 2


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5830 - 2018 / 3 / 29 - 15:32
المحور: الادب والفن
    


كان قد قرر سلفاً البقاءَ في باريس ليومين على الأقل، يدفعه الحنينُ إلى أماكن الذكرى وأصدقاء الصبا. " لويس "، كان يُعدّ أكثر أصدقائه المقربين في مرحلة مبكرة من شبابه. آنذاك، كانا يشتركان باعتناق الفكر الراديكاليّ والاهتمام بالأدب. هاهما يلتقيان مجدداً في المقهى الأثير لكليهما، بمكانه الفريد على ضفة نهر السين مقابل كاتدرائية نوتردام. إنه ذات المقهى، الذي شهدَ منذ عشرة أعوام لقاءه الأول مع " هيلين "، وأسفرَ عن مضيّه في المغامرة المغربية.
في اليومين التاليين، وكان الطقس خلالهما أفضل حالاً، عرّجَ مع صديقه على بعض المتاحف والقصور القديمة. في مونبارناس، لاحظ الرجلُ المتغرّب أن صالات الفنون قد تناقصَ عددها كثيراً. ثمة ما لبثَ أن وقفَ مذهولاً أمام هيكلٍ معماريّ من الاسمنت العاري، يرتفعُ مهولاً وسط بقعة محرومة من الخصوبة الخضراء. علّقَ صديقه على ما لحظه من علامات الدهشة على ملامحه، قائلاً بتعبيره اللاذع: " إنه برجُ بابل، الجديد..! هيَ صروحُ الحداثة، في قالبها الرأسماليّ، يتم تشييدها بمكان تلك الغاليريات البائسة الواجهات، المثيرة غثيانَ الأغنياء ذوي المشاعر المرهفة ". عند ذلك، أستعادَ كلماتٍ هزلية مماثلة، سبقَ أن أطلقتها امرأة " مسيو جاك " خلال لقائهما الباريسيّ، تنبأت فيها بانطفاء شعلة عاصمة النور، الثقافية.
المطرُ بدَوره، كان في اليوم الرابع من إقامته الباريسية يذكّرُهُ بصورة هزلية أنه في أوان الصيف. اللقاء المرتقب بسليلة الأسرة المغربية المالكة، جعله يؤجل من جديد سفره إلى مزرعة الأهل في ريف باريس. أحسّ بحمرة الخجل على وجنتيه، آنَ اتصال أمه به على هاتف الغرفة في الفندق كي تستعلم عن دواعي إعاقة وصوله. أخبرها كاذباً، أنه بصدد مقابلة شخصية أدبية مهمة، مطمئناً إياها بعزمه على التوجه بعدئذٍ إلى المزرعة دونما تأخير. إذاك، جاءه صوتُ الأم على ذبذبات أسلاك الهاتف: " يسرني أن الأدب باتَ يثير اهتمامك الآن، أنتَ من كنتَ تذمه على ورق رسائلك الأنيق، المعطّر ". لقد ذكّرته بإلماح ذكيّ، فيه ما فيه من التفكّه، وَرَدَ ذات مرة في إحدى مكاتباتها: " أصبحتُ أتكهّن بوضعك الماديّ ( والنفسيّ أيضاً )، من خلال نوع الورق المستعمل في رسائلك! ". وهيَ ذي الفتاة، المُنتظرة، تسيرُ على وقع ذكرياته باتجاه المقهى. رآها برفقة صديقها، وهما تحت وابل المطر، محنية الرأس على كتفه وكأنما لتحتمي به. لم يستطع تمييز سحنتها، بالنظر لحركتها المَوْصوفة، التي جعلت خصلة كبيرة من شعرها تهمي إلى أسفل وتخفي ملامحها ـ كما تفعل ستارة المسرح.
استقبلهما في مكانه المألوف، بإزاء واجهة المقهى الزجاجية، المشرفة على مشهد الكاتدرائية. كانت فارعة القوام، رشيقته، مع بعض التضخم عند الوركين والصدر. شعرها الكستنائيّ، المضمّخ كجسدها جميعاً بعطرٍ فوّاح، كان متعارضاً مع لون بشرتها الأسمر. عيناها سوداوان، رائعتان، عكسا في نظراتهما الثابتة، المتفحّصة، صورةَ " نفيسة "؛ عشيقته أيامَ زمان. ولكنّ هذه الفتاة أكثر شباباً من تلك، آنَ التقى بها لأول مرة في مزرعة " مسيو جاك " قبل عقدٍ من السنين. مثلما أنها ذات نظرة متكبّرة، منسجمة مع الأنف الشامخ، الأقنى قليلاً شأن العربيات. بصَرف الطرف عن جمالها المتوسط، فإنها أعجبته بأناقتها الرفيعة، المنتمية لذوق أوروبيّ مهجّن بالشرقيّ. حينَ شرعت بالتحدث معه، تكلمت بفرنسية باريسية أصيلة، أدهشته. لقد لفتت أنظارَ الرجال في المقهى بشخصيتها ونظراتها المتسلطة، فيما النسوة بُهرنَ خصوصاً ببروش الماس على صدرها، المحتل بإشعاعه مكانَ الشمس المفقودة الأثر. في أحد خطابات الأم، قبل ما يقرب من خمس سنين، كتبت له عن " أم كلثوم " حينَ جاءت إلى باريس لتقديم أغنية، استغرقت في أدائها ثلاث ساعات: " الصحافة، أخبرتنا أن المطربة المصرية كانت تضع على فستانها، المنسوج من الدمقس الأخضر، بروشاً ماسياً كبيراً على شكل الهلال. وربما أنها لم تكن نيّة مبيّتة، المعلومة الملحقة بالخبر، والمفيدة بكون البروش الثمين هدية كانت المطربة قد تلقتها من ملك المغرب. تذكرتكَ حينئذٍ، وعليّ كان أن أطمئن، وأغبطك، لوجودك في بلد يحكمه هكذا رجلٌ كريم ". ليسَ في وقت وصول الخطاب، بل فيما بعد، أُخبِرَ بدَوره أن جميعَ مراسلات الأجانب تخضع لمراقبة مشددة من لدُن البوليس الملكيّ.
أستردَ فكرَهُ من تلك الذكرى البعيدة، لما انبعثَ من جواره لحنُ اللغة الفرنسية، دافئاً جزلاً، على لسان الفتاة. استثاره أيضاً لقبها السامي، " الأميرة "، الملتصق باسمها على الرغم مما أبدته من تحرر فكريّ. ولاحظ فضلاً عن ذلك، أنّ تربةَ الفتاة الثقافية مزدهرةٌ نوعاً، تنمو فيها بذورُ أزهار الأدب والرسم والموسيقى. حينَ أعلمها " لويس "، أنّ أسرة صديقه تقيم في مزرعة ليست بالبعيدة عن منزل الرسام الشهير " مونيه "، فإنها أبدت اهتمامها: " أنتَ محظوظ، بالطبع، بمجاورتك لأبي الانطباعية "، اتجهت بالقول لصديقه. ثم أردفت، مرسلةً نظرتها المتعالية عبر الطاولة الفاصلة بين مجلسيهما: " أرجو أن تصف لي طريقَ الوصول إلى ذلك المنزل، لأنّ لويس الكسول لا يُعتمد عليه في هذا الشأن ". أختتمت جملتها بضحكة غامرة، غير منسجمة مع ما في شخصيتها من أنفة وتحفّظ. أنبرى صديقها ليردّ تهمة الكسل عن نفسه، بأسلوبه اللاذع الطريف: " أعربُ عن استعدادي لمرافقتك إلى مزرعة أسرة صديقنا، لتناول الغداء على مائدتهم العامرة. ومن الأهمية بمكان الاهتمام بعملية الهضم، حيث سنتمشى بعدئذٍ وسط الطبيعة الساحرة إلى منزل معبودك. أما عن نفسي، فإنني لا أطيق الانطباعيين، وأعتبر أنه كان أفضل للفن الأصيل أن تبقى أعمالهم في صالة المرفوضات حتى تبلى! ". ومن الهزل إلى الجدّ، استجابَ صديقهما لكلا الدعوتين. شرحَ أولاً للفتاة خريطة الوصول إلى " جيفرني "، أين تقع مزرعة الرسام. ثم ما لبثَ أن أسعدهما كلاهما بالاستطراد قائلاً: " سنتبع معاً الخريطة في صباح الغد، إذا كان ذلك يناسبكما. لأننا يلزمنا نهارٌ كامل كي نتمكن من الإحاطة بموجودات المزرعة، علاوةً على ما سنقضيه من وقت لدينا في منزل الأسرة ". ثم أضافَ، كأنه يخاطبُ داخله: " ذكريات كلا المزرعتين، كانت من ضمنَ أشياءٍ حميمة غذّت خيالي أثناء رحلتي من المغرب إلى فرنسا ".









#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثامن 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السابع 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السابع 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السابع 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السابع 2
- الطريق إلى الغوطة
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السابع 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السادس 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السادس 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السادس 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السادس 2
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السادس 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الخامس 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الخامس 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الخامس 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الخامس 2
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الخامس 1
- المطعم
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الرابع 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الرابع 4


المزيد.....




- هل ترغب بتبادل أطراف الحديث مع فنان مبدع.. وراحِل.. كيف ذلك؟ ...
- “أخيرًا نزله لأطفالك” .. تردد قناة تنة ورنة الجديد 2024 لمشا ...
- باسم خندقجي أسير فلسطيني كسر القضبان بالأدب وفاز بجائزة البو ...
- “القط بيجري ورا الفأر”.. استقبل Now تردد قناة توم وجيري الجد ...
- الان Hd متابعة مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 23 مترجمة عبر ...
- تابع حلقات Sponge BoB تردد قناة سبونج الجديد 2024 لمتابعة أق ...
- من هو الشاعر والأمير السعودي بدر بن عبد المحسن؟
- وفاة الشاعر الأمير بدر بن عبد المحسن
- بتهمة -الغناء-.. الحوثيون يعتقلون 3 فنانين شعبيين
- دراسة تحدد طبيعة استجابة أدمغة كبار السن للموسيقى


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثامن 2