أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عماد الحسناوي - قلب الأفلاطونية عند نيتشه















المزيد.....

قلب الأفلاطونية عند نيتشه


عماد الحسناوي

الحوار المتمدن-العدد: 5236 - 2016 / 7 / 27 - 10:33
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تشكل قلب الأفلاطونية المهمة الأولى للفلسفة كما يرى نيتشه. ويظهر أن هذا القلب يعني القضاء على عالم الماهيات الثابتة، وكذا عالم المظاهر المتغيرة، لكن هذا المشروع لا يخص نيتشه وحده. محاولة قلب الأفلاطونية تعود إلى ميلاد الأفلاطونية ذاتها، وإلى أرسطو وكانط وهيجل، إلى أن هذا القلب يظل قلبا كلاسيكيا محدودا، لأنه لم يسلط الأضواء على الدافع المحرك للأفلاطونية. ومن هنا نطرح السؤال التالي ما هو المعنى الجديد الذي يعطيه نيتشه لقلب الأفلاطونية؟
إن الدافع الأفلاطوني وراء تقسيم العالم إلى عالم المعقول وعالم المحسوس، أو عالم الماهية وعالم الظاهر، أو عالم النموذج وعالم السيمولاكر... ليس رغبة في التمييز وإنما في الانتقاء. فمفهوم النموذج كما يبين جيل دولوز لا تقف مهمته في التعارض والمقابلة، وإنما يتدخل كي ينتقي النسخ المتينة التي تشبه الأصل، أي الأيقونات، ويستبعد النسخ الرديئة أي السيمولاكر.
فالأيقونة صورة جيدة قائمة على أساس متين، لأنها تتمتع بالتشابه، أما السيمولاكر فهي الصورة الساقطة في هاوية اللاتشابه. ومن هنا يتحول الصراع إلى ثنائية جديدة وهي أيقونة/ سيمولاكر، بحيث يكون هذا الصراع محصور في عالم النسخ ذاته، ولا يتدخل النموذج إلا كمعيار للتمييز بين النسخ، والمفاضلة بينهما، وانتقاء الوفي واستبعاد غيره. إذن معنى الأفلاطونية هنا هو الوقوف عند النسخة ذاتها وفحصها، لأن هناك نسخ تأتي مباشرة بعد النماذج، كونها تتمتع بالتشابه الداخلي، أي أنه ينتقل من شيء إلى مثال، ما دام المثال هو الذي يشمل العلائق والنسب المكونة للماهية الباطنية. وهناك السيمولاكر الذي يتأسس على الاختلاف وينطوي على اللاتشابه. والمسيحية التي طالما استلهمت الأفلاطونية: لعبت دورا كبيرا حيث جعلتنا في ألفة مع مفهوم السيمولاكر، لأن الله خلق الإنسان على صورته وشبهه، لكن بفعل الخطيئة فقد الإنسان الشبه وظل محتفظا بالصورة فقط، إنه غدا سيمولاكر وفقد الوجود الأخلاقي ليقتحم الوجود الجمالي. والهدف المباشر من هذه المقارنة هو الكشف على الجانب الشيطاني في السيمولاكر. ومن هنا فالأفلاطونية من جهة تحاول ضمان انتصار النسخ الأيقونة على السيمولاكر، ومن جهة أخرى تقيم أسس الميدان الذي ستعترف الفلسفة بأنها ميدانها: أي ميدان التمثل الذي يعج بنسخ الأيقونات، والذي يتحدد عن علاقة داخلية صميمية مع النموذج.
كما قلنا في البداية، أساس الأفلاطونية ليس التمييز بين المعقول والمحسوس، أو بين الماهية والمظهر أو بين النموذج والنسخة.
وبالتالي قلب الأفلاطونية لا يعني قلب هذه الثنائيات وإعطاء أهمية للمحسوسات على حساب المعقولات، والمظاهر على حساب الماهيات، لأن هذا التمييز يتم بأكمله داخل التمثل. وقلب الأفلاطونية يهدف إلى خلخلة عالم التمثل وإعادة الاعتبار للسيمولاكر والاختلاف والتنوع. يقول جيل دولوز لننظر إلى العبارتين :(لا يتخالف إلا ما يتشابه) و (إن الاختلافات وحدها هي التي تتشابه). فالأولى تدعو النظر إلى الفوارق انطلاقا من التشابه، أي أن هذه العبارة تحدد عالم النسخ والتمثلات، وهي التي تنظر إلى العالم كما لو كان نسخة. أما الثانية تدعونا أن ننظر إلى الهوية كما لو كانت حصيلة اختلاف وتنوع أولي. وأن ننظر إلى العالم كما لو كان إسهاما. ولا يهم كثيرا من وجهة النظر الثانية أن يكون التشتت الذي يقوم عليه السيمولاكر كبيرا او صغيرا، قد يكون التمييز بين السلسلات الأساسية فارق بسيط، لكن مع الرغم من ذلك فهو فارق نستطيع من خلاله معرفة التشابه في ذاته، وألا نفترض أية ذاتية أصلية، فيكون التنوع هو وحدة قياسها وائتلافها، حينئذ لا يمكن أن ننظر إلى الشبه كحصيلة هذا الاختلاف الداخلي. إذن النظرة الأولى تعتمد على التشابه الباطني وعلى الهوية.
أما النظرة الثانية ترى أن التشابه يظل قائما لكنه تشابه يتولد عن السيمولاكر كمفعول خارجي، حيث يتشكل حول السلسلات المختلفة ويدفعها إلى العمل.
والهوية تظل قائمة لكنها منتوج يتولد، أي أن الهوية قائمة على التكرار والنظرة الأولى كذلك تنظر إلى العالم على أنه نسخة والثانية تنظر إلى العالم على أنه سيمولاكر، لكن كنسخة مشوهة وإنما "النسق الذي يرتبط فيه المفارق مع المفارق عن طريق الفوارق ذاتها". وهذه النظرة الثانية لا تختلف عن العود الأبدي⚫ لأن قلب الايقونات وخلخلة عالم التمثل يتمان في العود الأبدي. ولعل هذا هو السبب الذي جعل أفلاطون ينفر من المضمون الكامن للعود الابدي . كما ينبغي تصديق نيتشه عندما يعتبر أن فكرة العود الأبدي فكرته هو، وهي فكرة تتغذى على المنابع الديونوزسية والباطنية التي تجاهلتها الأفلاطونية وكبتتها . إن العود الأبدي لا يعبر عن نظام يعارض الكاووس، وإنما هو قدرة على إثبات الكاووس. والعود الأبدي تربطه علاقة قوية بالسيمولاكر، حيث يستحيل فهم أحدهما بعيدا عن الآخر.
فما يعود هو السلسلات المختلفة بما هي مختلفة، أعني كل واحدة منها بما هي تغير موقع اختلافها مع كل ما تبقى، وهي جميعا بما هي تشدد من اختلافها في الكاووس الذي لا بداية ولا نهاية له، إن دائرة العود الأبدي هي دوما دائرة ذات مركز خارجي . والنقد القوي الذي يوجهه نيتشه للحداثة راجع بالأساس إلى عدم تحديدها بقوة السيمولاكر، لأن الحداثة لم تبرز كشيء ضد الزمن أي شيء ينتمي إلى الحداثة، ولكنه في نفس الوقت ينبغي أن ينقلب ضدها " لصالح زمان المستقبل". بهذا المعنى يمكن القول أن هناك علاقة قوية بين العود الأبدي والسيمولاكر، حيث يستحيل فهم أحدهما بعيدا عن الآخر. ويحصى فوكو إستعمالات كلمة السيمولاكر في مقاله ويقول :
-السيمولاكر هو الصورة التافهة في مقابل الحقيقة الفعلية .
-ثم يعني تمثيل شيء ما( من حيث إن هذا الشيء يفوض أمره لآخر، من حيث إنه يتجلى ويتوارى).
-ثم يعني القدوم والظهور المتآني للذات والآخر .
وتنتج عن هذه التعريفات وقلب الأفلاطونية النتائج التالية
-عالم لا مركز له ولا وحدة تضمه.
-عالم التعدد اللامتناهي.
-العالم الذي يسكن الآخر الذات، ولا يكون إلا بعد الذات عن نفسها، ذلك البعد الذي يجعلها، في اختلافها وتنوعها شبيهة بالآخر .
-عالم بلا صورة نموذجية
-العالم الذي يحكمه العود الأبدي، أي أنه لا وجود فيه للشيء إلا في عودته، إلا من حيث هو نسخة من نسخ لا متناهية.
-عالم لا معنى فيه للهوية إلا كتكرار.
عالم السيمولاكر إذن عالم يحكمه الاستنساخ وتصبح فيه الهوية تكرار، إنه عالم تتصدع فيه الذات وتنهار فيه الذاتية.



#عماد_الحسناوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نيتشه قارئا لكانط
- طرق العقل بالمطرقة الجينالوجية
- الميتافيزيقا عند نيتشه
- صيغ الوجود عند مارتن هيدجر
- الميتافيزيقا في الفلسفة الديكارتية
- الميتافيزيقا الأفلاطونية
- ما الميتافيزيقا ؟
- الوجود و الماهية في فلسفة نيتشه
- أزمة العقل عند نيتشه
- دور الثقافة الأروبية في ظهور البربرية
- خيانة الضيوف للجسد
- الدين الكوسمولوجي كبديل للدين التاريخي عند كانط


المزيد.....




- -لغز كبير-.. أثريون هواة يكتشفون قطعة رومانية غامضة بـ12 وجه ...
- بين الأمريكية والصينية.. لمن تميل كفة حاملة الطائرات الأحدث ...
- بي بي سي في جنوبي لبنان: منازل تحوّلت إلى -تلال من الركام-
- جامعة أمريكية توافق على إعادة النظر بعلاقاتها مع شركات مرتبط ...
- السلطات تجلي السكان بعد ثوران بركان جبل روانغ في إندونيسيا ...
- -الانفجار الكبير- ـ آفاق وتحديات توسيع الاتحاد الأوروبي
- الحكم بالسجن 6 سنوات على هاكر سرق بيانات 33 ألف مريض في فنلن ...
- إصابة 55 شخصا على الأقل جراء اصطدم قطار بحافلة في لوس أنجلوس ...
- سوريا: بين صراع الفصائل المسلحة والتجاذبات الإقليمية.. ما مس ...
- لا، جامعة هارفارد لم تستبدل العلم الأمريكي بالفلسطيني


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عماد الحسناوي - قلب الأفلاطونية عند نيتشه