أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - محمد عادل زكى - السودان - الاقتصاد والجغرافيا والتاريخ -















المزيد.....



السودان - الاقتصاد والجغرافيا والتاريخ -


محمد عادل زكى

الحوار المتمدن-العدد: 3815 - 2012 / 8 / 10 - 11:44
المحور: الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
    


شهد المجتمع السودانى على الصعيد السياسى خلال عام 2010 حدثين مهمين: فمن ناحية ألقت الانتخابات الشاملة التى أُجريت فى شهر أبريل من ذلك العام بظلالها على الشارع السودانى من الشمال إلى الجنوب، ومن شرقه إلى غربه؛ إذ أعتبرت تلك الانتخابات بمثابة أول إنتخابات حرة حقيقية يشهدها المجتمع السودانى منذ حصوله على الاستقلال فى الأول من يناير عام 1965، فلم تكن إنتخابات أبريل بالانتخابات العادية، بل إتجهت لها أنظار المجتمع الدولى بأسره، فهى أكبرعملية إنتخابية تحدث فى بلد لم يعرف قط معنى الديمقراطية منذ إستقلاله عن التاجين المصرى والبريطانى، إذ أجريت تلك الانتخابات بشكل شامل على ستة مستويات: بدءً من إنتخاب رئيس الجمهورية، ثم رئيس حكومة الجنوب، وحُكام الولايات، والمجلس الوطنى، ومجلس الجنوب التشريعى، ومجلس الولاية التشريعى.(3)
ومن ناحية أخرى شهد المجتمع السودانى مجموعة من الإجراءات من أجل الاعداد لقرار مصيرى يتعلق بقرار يتخذه الشعب يُحدد على أساسه مستقبل البلاد، إذ كان على المجتمع السودانى أن يُقرر إما رفض إنفصال الجنوب عن الشمال، وإما قبوله (وهو ما تم عملاً فى يناير 2011) وبالطبع فى ضوء تصاعد التوتر فى العلاقة السياسية ما بين حزب المؤتمر الوطنى(الشمال) وبين الحركة الشعبية لتحرير السودان(الجنوب) وتزايد الاحتمالات بعدم إجراء الاستفتاء فى موعده بفعل حكومة النظام التى ترى الانفصال بمثابة تهديد مباشر لحكمها فى الشمال فى المقام الاول، وبصفة خاصة بعد أن بسطت الحركة الشعبية المعزَزة بالجيش الشعبى كامل سيطرتها على كل الجنوب سياسياً وإقتصادياً وعسكرياً، بيد أن الأمر الواقع فرض نفسه وبمنتهى القوة على جميع الدعاوى المثالية غير المبررة والتى كانت تنادى بالوحدة وتتباكى عليها، إذ فرض الأمر الواقع نفسه، وإستطاع الجنوب(بكل خصوصية تركيبته الاجتماعية) أن يظفر بالاستقلال عن الشمال، ولكى تبدأ سلسلة أخرى، فى الواقع لا تبدأ، وإنما تستمر سلسلة من الصراعات المسلحة فى دولة الجنوب المستقلة، جوبا، ولكن من دون تورط حكومة الشمال، ظاهرياً، حتى الان على الأقل.
فى العام نفسه، وبعد العديد من المناورات السياسية والخلافات والضغوط المتبادلة، تمكنت القوتان الكبيرتان اللتان تحكمان البلاد(حزب المؤتمر الوطنى، والحركة الشعبية لتحرير السودان) من الوصـول إلى إتفاق يتـم بمقتضاه تقنين عمليـة الاستفتاء على تقرير المصير، إذ توصـل هذا الائتلاف الحاكم إلى حلول لبعض المشكلات الجوهرية التى مثلت عقبة دائمة فى وجه المفاوضات، أهمها تلك المشكلة المتعلقة بالنسبة المئوية اللازمة فى التصويت لإعتبار الاستفتاء(على الانفصال) صحيحاً قانوناً، وعملاً فقد تم الإتفاق على إعتبار مشاركة 60% من المسجلة أسمائهم نسبة كافية لإعتبار الاستفتاء صحيحاً قانوناً، كما أقر الإتفاق بين الحزب وبين الحركة إعتبار الانفصال قانونياً إذ ما تم بنسبة 50 + 1، وقد مضت الايام، وتم الاستفتاء كما أراد الجنوبيون، وربما البعض من أهل الشمال، وصرنا الآن أمام حقيقة إجتماعية تشكلت على أرض الواقع مفادها أننا أمام دولتين: السودان فى الشمال، وجوبا فى الجنوب، والصراع بين الدولتين صار صراعاً معلناً على الأصعدة العسكرية والسياسية والاقتصادية. فمالذى يَحدث فى الســودان؟ ولماذا الصراع بين الشمال وبين الجنــوب؟ ولما الصراع بين القبائل نفسها وبخاصة
-----------------
(3) للمزيد من التفاصيل أنظر: التقرير الاستراتيجى العربى2010 (القاهرة: مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية. القاهرة، 2010 ) ص187-194.
قبائل الجنوب؟ وعلى ماذا؟ و لأجل ماذا؟ ومَن المستفيد ومَن الخاسر؟وإن إشكالية الاشكاليات تلك المتعلقة بالانفصال. فما هو موضوع الانفصال هذا؟ وما هى النتائج المتصور ترتبها عليه؟ وما الذى دفع المسألة لمثل هذا الطريق؟ ومَن المسئول عن كُل تلك الصراعات القبلية والحروب الداخلية؟ ومَن المستفيد؟ ومَن الخاسر؟ ولماذا لم يكن هناك سودانيين، أحدهما شمالى وأخرهما جنوبى، على يد الإحتلال البريطانى، طالما عامل الاستعمار الجنوب كإمتداد للمستعمرات فى شرق أفريقيا، والشمال كإمتداد لمصر؟ وغيرها من الاسئلة التى تتعلق بتاريخ السودان ومستقبله فى ضوء حاضره.
(3)
تظل تلك الأسئلة حائرة، وعلى رأسها سؤالنا المركزى المنشغل بخط سير القيمة الزائدة التى أنتجها المجتمع السودانى خلال فترة زمنية محددة. وستظل هذه الاسئلة هكذا حائرة إذ لم نفطن إلى أن الاجابة عليها (ونكرر إن الذى يعنينا هو طريقة الإجابة؛ وليس الإجابة فى ذاتها، ونكرر دوماً أن الاجابة الصحيحة تكون نتيجة طريقة تفكيرصحيحة) نقول ان الاجابة، بمعنى طريقة الاجابة، تعتمد على مدى قدرتنا على إستخدام الأدوات الفكرية التى يمدنا بها عِلم الاقتصاد السياسى من جهة، ومدى وعينا بأهمية التحليل الجدلى للظاهرة محل البحث، من جهة أخرى؛ وعلى ذلك سوف نقوم بأربع خطوات فكرية على النحو التالى:
(أ) التعرف على الواقع الاقتصادى الآنى، بالتعرف على طبيعة وحقيقة الهيكل الاقتصادى السودانى. الأمر الذى يستلزم التعرف على مُجمل الوضع الجغرافى. ويتبدى وجه اللزوم هنا فى التأثير الحاسم لعنصر الجغرافيا فى مجمل النشاط الاقتصادى فى المجتمع السودانى، من جهة، ومن جهة أخرى فإن الجغرافيا لها الدور الرئيسى فى حروب القبائل، والولايات، بل والأقاليم، إذ ما إعتبرنا أن الشمال والجنوب بمثابة إقليمين كان يتكون منهما السودان فيما سبق.(ب) مُعاينة الكُل التاريخى الذى تُرد إليه المسألة، بحثاً فى الجذور وعنها، وإنما إبتداءً مِن (إقتصاد سياسى) وليس (تاريخ). فلن ننشغل كما يفعل البعض "برصّ" المعلومات التاريخية دون معنى يمكن إستخلاصه، وهو الأمر الذى نتجنبه بالإنشغال بموضوعنا الاساسى الذى ينطلق من موضوع نفترض أنه صحيح للاقتصاد السياسى كعِلم نمط الإنتاج الرأسمالى(4) وإنما إبتداءً من قانون القيمة. ومن ثم سيكون من المفهوم لماذا نبدأ المناقشة إبتداءً من الحركة الاستعمارية الدامجة للمجتمع السودانى بكل خصوصيته فى النظام الرأسمالى الناشىء آنذاك، من أجل تعبئة الفائض من المواد الأولية نحو الخارج.(ج) التقدم خطوة إلى الأمام بفحص التكوين الاجتماعى فى تطوره التاريخى فى البلد المراد التعرض للاشكالية المثارة بداخله، فإن إستقام لنا الطريق لتلك الخطوات، كان لنا أن نتقدم فى إتجاه خطوتنا الفكرية الرابعة. (د) وفيها ننشغل بتكوين الوعى حول طبيعة وحقيقة الصراع الجدلى الراهن، وتطوره على الصعيد الاجتماعى. والمنهج ذاته وخطواته تلك نفسها، يمكن إعمالهما على جُل بلدان قارتى (أفريقيا وأمريكا اللاتينية بوجهٍ خاص) للخصوصية التاريخية التى تشترك فيها بلدان القارتين.
ولنر ذلك بشىء من التفصيل.
-----------------
(4) لم يظهر عِلم الاقتصاد السياسى كعِلم مُستقل عن باقى العلوم الاجتماعية، إلا بتبلور مجموعة من الظواهر على صعيد(الواقع) الاجتماعى، لم يعهدها المجتمع قبل ذلك، فتشكل على صعيد(الفكر) منظومة ما من شأنها التعامل النظرى مع هذه الظواهر بتقديم التفسير العِلمى الصحيح لها. وهو الامر الذى إستدعى ظهور الاقتصاد السياسى، كعِلم، كى يتولى التعامل مع الظواهر الوليدة، الآخذة فى التشكل، فى هذا المجتمع الجديد، والتى تدور جميعها فى فلك واضح ومحدد بدقة، آلا وهو فلك الإنتاج من أجل السوق من خلال الألة. بما يعنى ضرورة ظهـــور عِلم إجتماعى ينهض بتفسير جدلية وهيكل تلك العملية الاجتماعيـــــة التى تدور بأسرها حــــــول =
















-----------------
= القيمة، والقيمة الزائدة، بالتبعية لدورانها حول محور الإنتاج من أجل السوق من خلال الالة. كان من الطبيعى إذاً أن يظهر الاقتصاد السياسى(كعِلم) كى يَشرح للمجتمع ما الظاهرة وما القانون الموضوعى الحاكم لها. وهذا ما تبدى فعلياً على صعيد الإنتاج الفكرى، بدءً من فرنسوا كينيه، ووليم بتى، ومروراً بالكلاسيك وعلى رأسهم أدم سميث، وديفيد ريكاردو، كأول تنظير رأسمالى للرأسمالية نفسها، وإنتهاء بماركس، كمراجعة وإعادة نظر فى مُجمل الجسم النظرى للاقتصاد السياسى، والذى تم إنجازه على يد الكلاسيك تحديداً. وهذا هو عِلم الاقتصاد السياسى الذى أفهمه، كعِلم منشغِل بالقوانين الحاكمة للانتاج والتداول والتوزيع وإنما إبتداءً من ظاهرة القيمة، وقانون القيمة الزائدة، فى النظام الاقتصادى الرأسمالى. وأشير هنا إلى أنى أنظر إلى التواصل التاريخى الذى يُلقّن للطلاب، فى معظم المؤلفات الجامعية، ومن ثم النظرية الرسمية، التى تتناول تاريخ الفكر الاقتصادى بوجه خاص، كمرحلتين منفصلتين تمام الانفصال بل ومتناقضتين، أى أرى أن ثمة قطيعة معرفية، لا تواصل كما يُلقّن للطلاب، تمت بعد صدور المجلد الثانى من كتاب "رأس المال" الذى أنجزه ماركس، وراجعه فريدريك إنجلز عام 1885 فى هامبورج. وبمقتضاها تمت عملية منظمة مؤسسياً أدارت النظر من حقل الإنتاج إلى حقل مختلف تمام الاختلاف هو حقل التداول، أى نقل الإهتمام من المصنع إلى السوق، وإنما إبتداءً من إرساء دعائم لفن جديد من فنون تسيير الاقتصاد، كما يُطلِق عليه سمير أمين "فن تسيير"، يستلهم وجوده من قشور الفكر الكلاسيكى لدى سميث وريكاردو، ويدّعى نسبته إليه! وعلى وجه خاص جداً تكمن أهمية إستدعاء أصول عِلم الاقتصاد السياسى كما وضعه مؤسسوه كى نفهم من خلال أدواته مجريات الأمور على صعيد النظام الاقتصادى الرأسمالى العالمى المعاصر؛ فى تفسير المرحلة الصاعدة للأجزاء المتخلفة ومن ثم تفسير أداء المرحلة الهابطة للأجزاء المتقدمة، لأن ذلك هو بالفعل ما يحدث على صعيد التطور الاجتماعى والاقتصادى بل والسياسى على مستوى العالم بأكمله؛ حيث تأخذ الأن بعض الدول فى مرحلة الصعود، وتأخذ أخرى فى مرحلة الهبوط، وما كل ما يظهر على السطح من تمكاسك وقوة تلك الاقتصاديات الآخذة فى الهبوط إلا مسكنات تُخدر الوضع الحالى وتسعى بكل قوتها إلى تثبيته قدر المستطاع. ولذلك ولأن الأجزاء المتخلفة هى فى مرحلة تطور مرت به منذ عدة قرون الأجزاء المتقدمة، أى أن تلك الأجزاء المتخلفة تحياً فعلياً من الناحية الإنتاجية/التاريخية فى القرن السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر، وهى تلك الازمنة التى شهدت نضج عِلم الاقتصاد السياسى، فإنه يتعين إحياء ذلك العِلم من مرقده كى نستخدم أدواته الفكرية من أجل فهم ما يحدث الآن من صعود البلدان المتخلفة (وطبعاً من أجل فهم تأخرها عدة قرون على هذا النحو) ومن أجل أيضاً فهم ما يحدث الآن من هبوط البلدان المتقدمة (وطبعاً من أجل فهم تقدمها عدة قرون على هذا النحو) ولن يكون كل ذلك إلا من خلال (قانون القيمة) كما ناقشه سميث، وريكاردو، وماركس.
الخطوة الفكرية الأولى: الهيكل(5) والجغرافيا
مقدمة
يمكن القول بأن الفترة 2000- 2004 (وهى إنتقائية لكَونها مُتاحة نسبياً ومتفقة أرقامها تقريباً فى معظم المصادر التى رجعت إليها) للرصد الاحصائى والتحليل مِن خلال أدوات الاقتصاد الكلى؛ وصولاً إلى معاينة الهيكل الاقتصادى السودانى, نقول بأنه يُمكن القول بأن تلك الفترة قد شَهِدت, طبقاً لأرقام الرسمية التى يَتعين معها الحذر لأمرين: أولهما: إعتناقها المتوسط الذى يُخفى أكثر مما يُظهر, وثانيهما: أنها صادرة عن مؤسسة (الحُكم) فى السودان والمنظمات الدولية التى يَستعين بها رأس المال إستقداماً أو إستبعاداً، كما نقول دوماً، مِن أجل مصالحه العابرة للقارات. نقول شهدت تلك الفترة إستقراراً نسبياً فى الاداء الاقتصادى بوجه عام, حيث تحققت مُعدلات نمو موجبة (تبعاً لأرقام مؤسسة الحكم السودانية والمنظمات الدولية المعنية) إذ بَلغت مُعدلات النمو تلك (فى المتوسط) حوالي 6.6% (كى تنخفض إلى 4,2 مع أرقام 2009) وقد تَناغم هذا النمو مع دخول النفط بشكل قوى فى هيكل الإنتاج مع إرتفاع أسعاره العالمية، كما أن تطورت نسبة مساهمته فى الناتج المحلى الاجمالى لتصل إلى ما يقارب مِن 11% فى عام 2004، كذلك تنامت الاستثمارات الخارجية المباشرة التى تُمثل حوالى 7.5% من الناتج
مساهمة القطاعات فى الناتج المحلى الاجمالى خلال الفترة 2000-2004
البند (%) من الناتج المحلى الاجمالى 2000 2001 2002 2003 2004
القطاع الزراعي 46 45.6 46.0 45.6 44.5
الزراعة المروية 12 12.4 12.7 12.4 11.9
الزراعة المطرية الآلية 1 1.1 1.2 2.2 2.8
الزراعة المطرية التقليدية 8 6.2 8.1 7.3 7.1
الثروة الحيوانية 22 21.7 20.9 20.8 19.8
الغابات 2 2.1 2.0 3.0 3.0
القطاع الصناعي 21 22.8 22.1 24.1 25.4
التعدين والنفط 8 8.7 9.1 9.6 10.8
الصناعات التحويلة 7 7.9 7.9 8.2 8.2
الكهرباء والمياه 2 1.7 1.7 1.6 1.6
البناء والتشييد 5 4.5 4.4 4.7 4.8
قطاع الخدمات 22 31.6 20.9 30.2 30.1
الخدمات الحكومية 6 6.0 5.9 5.7 6.0
خدمات أخرى 26 25.6 25 24.5 24.1
الناتج المحلى الاجمالى
بالأسعار الثابتة 100 100 100 100 100
المصدر: وزارة المالية والاقتصاد الوطنى – الادارة العامة للسياسات الاقتصادية والبرامج

-----------------
(5) إعتمدت فى سبيل إستعراض الهيكل الاقتصادى السودانى على التقارير الآتية:
CIA- The world fact book (2002) (2003) (2004) (2005) Human Development Report (2003) (2004) Report of the World Social Situation (2008) World Development (2001) World Economic Outlook (2002) (2003)
- التقرير السودانى السنوى الخامس (2004)
- تقرير بنك السودان المركزى للعام (2005)؛ (2008) و(2009)
- التقرير الاستيراتيجى الافريقى، مركز البحوث الإفريقية. الطبعة الأولى، جامعة القاهرة (2007)
كما إعتمدت على المواقع الالكترونية الآتية:
(www.mof.gov.sd/arabic/socialeconomy_program.htm) (www.Aljazeera.net) (www.Arabo.com) http://www.Coptichistory.org)) ((www.Islamstory.com) (www.Sudan.gov.sd) (www.Sunanews.net

المحلى الاجمالى، وتُقدِر الأرقام الرسمية والدولية مُعدل نمو الناتج المحلى الاجمالى بحوالى 7.2% فى العام2004، ويمكن إرجاع هذا النمو إلى النمو الحاصل فى مجموعة من القطاعات أهمها:القطاع الصناعى(ويشمل الصناعات التحويلية) إذ إزدادت فى 2004 نسبة مساهمته فى الناتج المحلى الاجمالى بنحو(25,4%) بالنسبة للقطاع الصناعى، ونحو 8,2 بالنسبة للصناعات التحويلية، كما إزدادت مساهمة قطاع الغابات بنحو 3,0% من إجمالى الناتج المحلى. أيضاً قطاع الخدمات والذى شهد طفرة بأن يحقق نحو 30,1% بعد أن كان 22% فى 2000.
ومِن جهة أخرى، فإن: الجفاف...الحروب الأهلية...التصحر...أعمال العنف...التدهور المستمر، وبخاصة فى الأقاليم البعيدة، كبحر الغزال، وأعالى النيل, ربما هى الرموز السحرية المتعين إستخدامها لفهم العديد مِن المظاهر المتعلقة بالتركيبات السكانية فى السودان ولكن منظوراً إليها, على الأقل وفقاً للمراحل المنهجية, مِن جهة السكان كقوة عمل؛ والأرقام تَعكس مجموعة مِن الحقائق التى تَشكلت على أرض الواقع؛ فطبقاً لإحصاء سكانى, صادر فى عام 2002 عوَل عليه التقرير السودانى السنوى الخامس(وهو مِن ضمن قائمة المصادر التى نستند إليها بشكل رئيسى) فإن الذكور يُشكلون نحو 50.3% مِن إجمالى السكان، والاناث نحو 49.7% كما أن السكان فى المدينة يُشكلون 32% مِن جملة سكان الولايات الشمالية، بينما يُشكل سكان الريف 65% ومجموعات البدو الرحل حوالى 3% فقط، وهذا يعنى أن حوالى 65% على الأقل من السكان (البالغ عددهم 39,1 مليون نسمة؛ طبقاً لأرقام 2008) لا يزال يعيش فى الريف, ولا يَعكس الإرتفاع فى عدد سُكان المدينة نمواً حقيقياً بقدر ما يَعكس تدفق الملايين مِن النازحين مِن الارياف هرباً مِن الفقر أو الحرب أو الاضطهاد الدينى أو العرقى، الأمر الذى يعنى عبئاً مضافاً على عاتق الريف لإطعام العدد المتزايد مِن السكان فى المدينة. هذا وقد بلغت نسبة من هم تحت خط الفقر 40%.
والأرقام تَعكس مِن جهة أخرى أن حوالى 46.6% مِن السكان هم مِن الفئات العمرية الأقل مِن 14سنة, والفئة الاقل مِن 5 سنوات وحدها تُشكل حوالى 17% مِن السكان. وإذا أضفنا الى ذلك الفئة العمرية 60 عاماً فما فوق، فإن هذه الوضعية,لا شك, تستصحب عدة أزمات على صعيد المجتمع، وبصفة خاصة تواجه الحكومة من جهة الخدمات العامة(صحة، تعليم، أمن،. . . .) وأيضاً حين توزيع الناتج القومى!!
وطبقاً لإحصاء يَعود إلى عام 1993 (وهو المتوفر، ويمكن أن نسترشد به) فإن حجم القوى العاملة يُقدر بنحو 34% مِن إجمالى السكان بمُعدل نمو أقل مِن مُعدل نمو السكان؛ وحسب أرقام مؤسسة الحكم فى السودان فإن إجمالى القوة العاملة يُقدر بنحو 28% مِن السكان فى عام 1998 (2.7مليون فى المدينة, وحوالى 5.7 مليون فى المناطق الريفية) وذلك يُشير الى أن 68% (بلغ 80% مع أرقام 2009) مِن القوى العاملة تعمل فى مجالات الزراعة والرعى والنشاطات المرتبطة بهما, أما البقية فتعمل فى نشاطات صناعية مرتبطة بالزراعة، أو الخدمات. مفاد ذلك أن الصراع هنا يأخذ شكل الصراع بين الملكية العقارية الكبيرة وبين المزارعين والعمال الزراعيين.
وتشير الأرقام إلى إرتفاع مُعدل البطالة مِن 17% عام 1996 إلى 18% عام 1999, وهذه الأرقام(وهى المتاحة) لا تَعكس الحقيقة، فى تصورى،وذلك لضعف الاحصاءات الحكومية ولعدم تضمنها البطالة المستترة فى القطاع الزراعى، وفى القطاع الحضرى على السواء.
أما متوسط نصيب الفرد مِن الدخل القومى فهو يُقدر, طبقاً لأرقام 2004, بحوالى 370 دولار فى العام؛ أى حوالى دولار واحد فى اليوم، وهو ما يُعادل مستوى الكفاف حسب مؤشرات (الأمم المتحدة) ويَقل كثيراً عن متوسط سبعينات وثمانينات القرن الماضى إذ تراوح هذا النصيب مِن إجمالى الدخل القومى ما بين 400 وبين 500 دولار.
(1) الهيكل الإقتصادى
(أ) القطاع الزراعى
وهو القطاع المهيمن، ويُعد مِن أهم القطاعات إذ يُوظف نحو 80% مِن قوة العمل(أرقام 2009) ويُساهم بنحو44,5% من إجمالى الناتج المحلى (إنخفض بشدة كى يُسجل نحو 32,1% وفقاً لأرقام 2009) وكما سنرى بالتفصيل عبر خطواتنا الفكرية أن النظام البيئى يتباين فى السودان بثراء بين سافنا غنية فى أقصى الجنوب إلى بيئة صحراوية وشبه صحراوية فى أقصى الشمال، وتبعاً لتباين المناخ يتباين الإنتاج المادى للبشر فى الإقليم السودانى ككُل؛ إذ تَبلغ مساحة السودان حوالى 600 مليون فدان تُغطى البيئة الصحراوية وشبه الصحراوية حوالى 49% مِن حجم المساحة الكلية ويبلغ إجمالى الأراضى القابلة للزراعة حوالى 200 مليون فدان, المزروع منها حالياً (أرقام عام 2009) أقل مِن 35% يُضاف إلى ذلك مساحات الغابات البالغة 220 مليون فدان والمساحات غير القابلة للزراعة حوالى 180 مليون فدان. أما عن مساهمة القطاع فى الناتج المحلى الاجمالى فقد تراجع هذا القطاع فى العام 2004 كى تصل مساهمته إلى 44.5% ولكى تنخفض إنخفاضاً عنيفاَ، طبقا لأرقام 2009، لتُمثل فقط 32,1% من إجمالى الناتج المحلى؛ وذلك إنما يَرجع إلى الإنخفاض الذى طرأ على المساحة المحصودة مِن بعض المحاصيل الرئيسية كالقطن وزهرة الشمس، وتناقص مساهمة الثروة الحيوانية التي تأثرت سلباً بالصراعات وبالاوضاع الأمنية المرتبكة فى إقليم دارفور.
وفى سبيل إستيفاء التصور العام لهذا القطاع، فيمكننا القول بأن القطاع الزراعى السودانى إنما يعكس بشكل نموذجى واضح ظاهرة التخلف من جميع جوانبها على صعيدى تخلف قوى الإنتاج وتخلف علاقاته، ولنلق النظرة على هذا القطاع بشكل أكثر وضوحاً، بتتبع مظاهر تخلفه التاريخى: ضعف البنية التحتية (الطرق... الرى... المياه... الاوعية التخزينية...) وهو الامر الذى يأتى متضافراً مع تعميق الانفصال المستمر بين الريف (بكُل خصوصياته الاجتماعية) وبين المدينة (بكُل تناقضاتها) على نحو متساوق مع تخلف الاستغلال على صعيد النظم الإنتاجية المهيمنة، وعلى صعيد علاقات الإنتاج السائدة؛ بما يُحقق ضخاً مستمراً للفائض إلى خارج مسام الاقتصاد القومى السودانى, أضف إلى ذلك تَدهور الغطاء النباتى بسبب القطع الجائر الذى إنعكس سلباً على التربة ومعدلات هطول الأمطار بمناطق الزراعة المطرية؛ بيد أن هذا الغطاء قد أخذ، طبقاً لكلام مؤسسة الحكم السودانية، فى الاونة الأخيرة يَسترد عافيته إلى حد ما بفعل معدلات الامطار الوفيرة فى السنوات الأخيرة؛ مما أدى إلى تَحسن نسبة الإنبات الطبيعى لبذور الاشجار والشجيرات مع تكثيف الحماية والتشجير والذى أتى بالتوازى مع إرتفاع معدلات الوعى بأهمية الأشجار وحمايتها نتيجة لحملات التوعية والبرامج الإرشادية بقيادة رأس المال الدولى، الساعى دوماً للبحث عن المواد الأولية والبدائل، فى نفس الوقت.
وبمناسبة البدائل(6) تلك. وبمناسبة الحديث عن القطاع الزراعى فى الهيكل الاقتصادى السودانى كإقتصاد يُمثل أحد الأجزاء المتخلفة مِن الاقتصاد الرأسمالى الدولى المعاصر؛ فإنه يُمكن القول بأنه ومنذ بداية الستينات مِن القرن الماضى وفى ظل الثورة العلمية والتكنولوجية
-----------------
(6) أنظر فى شرح واف: فؤاد مرسى، الرأسمالية تجدد نفسها ( الكويت: عالم المعرفة 1990، العدد 147)
والتدويل المستمر للإنتاج؛ فقد تلاحقت الظواهر المتناقضة فى المجال الزراعى, فمِن جانب، حدث تطور كبير فى أساليب الزراعة, بحيث تَضَاعف الناتج المادى الزراعى فى السبعينات أكثر مِن مرتين.
ومِن جانب آخر فقد تزايد نقص الغذاء فى أغلبية البلدان النامية فى الوقت الذى تضاعف عدم المساواة فى توزيع موارد الزراعة بين الدول. وبفضل مُنجزات الهندسة الوراثية المتلاحقة والتقنية الهائلة فى ميدان الزراعة التى سُميت بالزراعة الكثيفة والتى تزامنت مع تدفق رأس المال، وعُززت بسلطان الدولة ودعمها المستمر فى الأجزاء المتقدمة مِن الاقتصاد الرأسمالى الدولى المعاصر, نجد أنفسنا بصدد ظاهرة تُسهم وبفاعلية فى تغيير النمط الراهن لتقسيم العمل الدولى فى الإنتاج الزراعى على الصعيد العالمى, وهو الأمر الذى أفضى فى النهاية وبعد التطورات التي حدثت فى الستينات ثم السبعينات إلى البدء فى عملية إعادة نشر الزراعة عالمياً ونقل قطاعات منها مِن الجنوب الى الشمال وهى العملية التى أخذت فى التشكل مع مطلع الثمانينات مِن القرن الماضى؛ فمن المعروف، على سبيل المثال، أن حبوب الكاكاو تُنتَج فى كُل مِن أفريقيا وأسيا وأمريكا اللاتينية، وهى مُكوِن هام(إضافة إلى إستخدامها فى التجارة العالمية للشيكولاته) فى المنتجات الدوائية وصناعة أدوات التجميل باهظة الأثمان فى الغالب؛ وبدلاً مِن إستيرادها يجرى الآن البحث(وقد نَجح فعلاً)عن إمكانية تخليق نوعية أرقى منها معملياً, كذا الحال وكما سنرى أدناه بصدد الأصماغ العربية الآخذة فى التدهور كماً وكيفاً.
(1) الغابات
تُعتبر الغابات مورداً طبيعياً ثرياً ومتعدداً, وتُغطى تلك الغابات أكثر مِن 120 مليون فدان مِن مساحة السودان الكلية وتلعب دوراً متعاظماً فى حماية الأراضى الزراعية وبخاصة فى إقليم دارفور، وكردفان، كما تلعب دوراً هاماً فى حماية مناطق الزراعة جنوب النيل الابيض، والقضارف والنيل الازرق.
وتُعتبر الغابات مأوً للحياة البرية والتى يُعتبر السودان مِن أهم مصادرها؛ فمحميات الدندر، على الحدود السودانية الاثيوبية، والردوم الواقعة جنوبى دارفور تُعتبر مصادر لانواع مِن الحيوانات ذات العائد الاقتصادى كالافيال والنمور، والتى أخذت أعدادها فى التناقص، وبصفة خاصة الأسود فى دارفور؛ نتيجة العدوان المنظَم على الطبيعة والتهديد المستمر للحياة البيولوجية بالصيد والقنص الجائر فى سبيل الحصول على العاج أو الجلود، التى كانت لوقت قريب تطرح فى السوق العالمى, كسلعة باهظة الثمن, وتتهافت عليها الصفوة, وقد خفت حدة هذا الطلب على العاج والجلود تماشياً، كذلك، مع حملات حماية حقوق الحيوان فى المجتمعات الغربية.ويُسهم قطاع الغابات بحوالى3% مِن الناتج المحلى الإجمالى، وتُرسخ الغابات قواعد العمل التقليدية (وتسودها علاقات أقرب إلى السخرة أو إلى القنانة) لدى سكان الريف (المنهِك والمأجور غالباً عيناً) خاصة فى مناطق الزراعة التقليدية، كذلك تُعتبر الغابات المرعى الطبيعى والدائم للثروة الحيوانية فى البلاد؛ حيث توفر حوالى 70% مِن الغذاء للحيوانات.
(2) الصمغ العربى
يُعتبر الصمغ العربى أحد المنتجات الرئيسية للقطاع الغابى فى السودان، وتُشرف على العملية الإنتاجية (هيئة حكومية) وهى الهيئة القومية للغابات، وذلك بمتابعة الإنتاج وتجميعه الذى يُباع مُباشرة لشركة الصمغ العربى المحدودة(تأسست فى عام 1969 على يد حوالى خمسة آلاف مِن المساهمين السودانيين، بالإضافة إلى وزارة المالية السودانية التى تملك 30% مِن رأس مال الشركة)وعلى حين يتوقف دور الهيئة القومية للغابات فى السودان، كجهة حكومية، عند الإشراف والتجميع, تَنهض شركة الصمغ العربى بعملية التسويق بتعامل مباشر مع السوق الدولية. وقد بَلَغت جُملة مًشتريات شركة الصمغ العربى مِن الهيئة القومية للغابات (التى تملكها الحكومة. حكومة مَن؟) حوالى 15.864 طن وشملت حوالى 7.953 طن مِن الهشاب(7) و7911 طن مِن الطلح (وتُعد الصحراء بيئته الطبيعية) فى عام 2004 مقابل 15838 طن فى عام 2003 بنسبة زيادة قدرها نحو 0.2% وقد بلغت جملة صادر الشركة مِن الصمغ العربى حوالى 13.994 طن فى عام 2004 مقابل 30.285 طن فى عام 2003 بنسبة نقصان 53%. حيث بلغت جُملة الكميات المصدَرة مِن صمغ الهشاب حوالى 9.364 طن، وهى تُعادل حوالى 66.9 % مِن صادرات الصمغ العربى أما صمغ الطلح فقد بلغت الكمية المصدَرة منه حوالى 4.630 طن أى ما يُعادل حوالى 33.1% مِن جُملة الصادر. وبتصورى أن الحديث عن إنتاج الصمغ العربى والتجارة فيه لا يمكن بدون الوعى بعدة أمور:
- إنخفاض مستوى الإستهلاك العالمى فى ظل ظهور البدائل الصناعية, إذ كان حوالى 60 ألف طن فى الستينات إنخفض الآن إلى حوالى 40 ألف طن نتيجة لتلك البدائل الصناعية.
- المنافسة الخارجية؛ حيث زادت حصص الدول الأفريقية الاخرى المنتِجة (وكذلك التى كانت غير منتِجة!) والمعروفة بتجارة وإنتاج الصمغ العربى مثل (تشاد، ونيجيريا، وأثيوبيا وأريتريا) بِفعل تدخل رأس المال الدولى؛ حفاظاً على إنهيار ثمنه العالمى المستمر.
- الأسعار المنخفضة التى يعرضها المصنعون السودانيون المحليون لمنتجاتهم بالخارج؛ عِلماً بأن السوق الخارجى للصمغ كَسلعة دولية إنما يُسيطر عليه عدد محدود مِن الشركات مما يُشكل نوعاً مِن المضاربة الخاسرة غالباً وضغطاً على أسعار الصادر مِن تلك السلعـة. أضف إلى ذلك
التهريب والضرائب والرسوم: الاتحادية والولائية والمحلية.
- إنخراط السودان فى معاهدات دولية تضع مواصفات قياسية جديدة للمادة الخام؛ ولم تكن تلك المعاهدات ولا المواصفات القياسية الجديدة فى صالح السودان إطلاقاً؛ إذ وقْع السودان على إتفاقيات فى صالح الدول المنتِجة للأصماغ الأقل جودة؛ الأمر الذى طُرحت معه كُل الأمور على نحو معكوس؛ وربما غير مسبوق على صعيد التبادل الدولى، والذى هو بالأساس غير متكافىء. والمقصد المباشر مِن وراء ذلك هو كسر الميزة النسبية التى تَتَمتع بها السودان فى التبادل على الصعيد الدولى. وهو الأمر الذي يسعى رأس المال الدولى إلى تحقيقه دوماً عبر سلسلة طويلة ومتصلة ومُنظمة مِن عمليات خَلق بؤر التوتر وإيجاد دائم للبدائل والحفاظ على إنهيار أسعار المواد الأولية، ومنها الصمغ العربى؛ المركَب الرئيسى فى المشروبات الغازية التى تنتجها كبرى الشركات العابرة للقارات. والآن وبعد تَوتر العلاقات بين الخرطوم وواشنطن، المستهلك الأكبر، الأمر الذى أدى إلى إنخفاض عائدات الصمغ مِن (19 مليون) دولار فى عام 2005 ، بعد أن حقق (53 مليون) دولار فى عام 2002. وبعد أن بات حصاد الصمغ العربى فى غرب السودان أمراً أكثر صعوبة، إن لم يكن مستحيلاً. فالأسر التى إضطرت للنزوح بسبب النزاع المستعر فى إقليم دارفور تقطع أشجار الهشاب بغرض إستخدامها كحطب للوقود، وبعد إنخفاض المقابل المدفوع مِن قِبل الحكومة للمزارعين إلى أرقام
-----------------
(7) شجرة الهشاب هى شجرة طولها حوالى 4-7 متر وتعيش حوالى 25-30 سنة، تنتج الشجرة الصمغ بعد أن يقوم السكان المحليون بإجراء عملية (طق الصمغ) وذلك بخدش لُحاء الشجرة بألة حادة مخصصة لهذا الغرض، تقوم الشجرة بعدها بفرز الصمغ عبر هذه الفتحات وتُنتِج الشجرة الواحدة مِن 200 إلى 300 جرام مِن الصمغ.
هزلية، بعد كُل ذلك فلا شك فى أن الصمغ العربى السودانى، المستَثنَى فى إتفاقيات الحظر الدولية المفروضة على الخرطوم؛ لأهميته الكبرى للأجزاء المتقدمة مِن الاقتصاد الرأسمالى العالمى المعاصر. لا شك أنه فى خطر!!
(3) الثروة الحيوانية
ساهم قطاع الثروة الحيوانية بحوالى 19.8% فى إجمالى ناتج القطاع الزراعى، وذلك فى السنة الأخيرة مِن سنوات الفحص، بجانب مساهمته فى تحقيق الأمن الغذائى السودانى بتوفير اللحوم الحمراء والدواجن والأسماك والألبان. الامر الذى يجعلنا نتعقب النمو فى حجم القطيع القومى السودانى: إذ شهدت الفترة محل التحليل؛ نمواً فى القطيع القومى وإستقراراً فى حجمه مع الرعاية البيطرية التى شملتها حملات التطعيم والتقصى الحقلى للأمراض ووفرة الدواء البيطرى العلاجى(الذى جلبه رأس المال الدولى) لدى شركات القطاع الخاص، الأمر الذى ساهم فى الحد مِن الوبائيات عبر الوحدات البيطرية المتحركة، والممولة مِن رأس المال الدولى كذلك، فى سبيل ضمان سلامة وجودة الثروة الحيوانية المصدرة إلى الأجزاء المتقدمة، إذ تعد السودان بالنسبة لتلك الأجزاء مزرعة كبيرة! فالإرتفاع الذى شهده القطاع إنما يعزى بالضرورة إلى الرأسمال الدولى، وكما سنرى فالسودان يستورد غذائه! وقد زادت أعداد القطيع مِن 133.6 مليون رأس فى عام 2003 إلى 135.9 مليون رأس فى عام 2004 بزيادة قدرها 0.2% وحافظ إنتاج اللحوم الحمراء على مستواه مِن 1663 ألف طن فى عام 2003 إلى 1672 ألف طن فى عام 2004 بنسبة 0.5% وقد ساهمت الثروة الحيوانية فى سد إحتياجات البلاد (طبقاً لأرقام مؤسسة الحكم)مِن اللحوم الحمراء والألبان ومشتقاتها بجانب منتجات الدواجن والأسماك؛ إذ بلغ الصادر مِن الحيوانات الحية خلال عام 2004 حوالى 750 رأس مِن الأبقار فقط (وترجع تلك الضألة إلى الأهمية الشديدة للابقار فى الذهنية السودانية، وبخاصة فى الجنوب) و1595723رأس مِن الضأن و95066 رأس مِن الماعز و117044 رأس مِن الابل، بينما بلغت صادرات اللحوم حوالى 5661.9 طن.
(4) إعادة إنتاج التخلف فى القطاع الزراعى
فى الواقع فإن هذا القطاع الزراعى حاله حال باقى جُل القطاعات، فإنه يعكس جميع مظاهر إعادة إنتاج التخلف، على النحو التالى:
(أ) عدم إجراء مسح شامل للثروة الحيوانية منذ عام 1975- 1976 والذى تم إجراؤه عن طريق المسح الجوى (العشوائى والبدائى) والذى لم يتم التدقيق فى بياناته. بالإضافة إلى تدهور المراعى الطبيعية وإنكماشها وعدم توافر مياه الشرب الصالحة للحيوان. وإندلاع نيران الحروب من أجلها بين القبائل المتناحرة، وبين القبائل وبين السلطة المركزية. وهو الأمر الذى يتضافر مع مشاكل حيازة الأراضى وغياب سياسات تنظيم إستخداماتها, وما يَستصحب ذلك مِن إثارة إشكالية الصراعات القبلية وبسط النفوذ(على الأرض بما فيها وبمَن عليها) فى مرحلة أولى؛ كى تطرح فى مرحلة أولى، مكرر، إشكالية الصراع بين الطبقات المكونة للقبيلة ذاتها.
(ب)إنتشار الأمراض المستوطنة والوافدة والتاريخ المرضى للجنوب السودانى زاخر بالمأسى بعد تدمير الإنعزال الصحى الطبيعى مع أول تعارف برأس المال الدولى. الأمر الذى تساوق مع إستمرار وجود الافات الزراعية والامراض الحيوانية، وعدم إعتماد برامج وقائية للحماية منها.
(ج) ضعف آليات ومصادر التمويل الوطنية مع إرتفاع كلفة التمويل وقصر مدته وإقتصاره على تغطية عمليات الانتاج على الإنتاج مِن أجل التصدير. أى مِن أجل السوق العالمى؛ وبالتبع الاندماج المباشر فى منظومة الاثمان الدولية والتبادل غير المتكافىء.
(د) إرتفاع تكلفة الإنتاج، مع إرتفاع نسبة الفائض، إضافة إلي الأعباء الضريبية السائدة على المدخلات وتعدد الرسوم (ضرائب العبور) والجبايات على حركة الحيوان. كُل ذلك مِن جهة، ومِن جهة أخرى: إنخفاض أسعار بعض المنتجات الزراعية، مما يَنعكس سلباً على قرار الإنتاج فى ذاته. وكذلك إرتفاع تكاليف وسائل الإنتاج، وإنخفاض مُعدلات مستوى الميكنة الزراعية. وعدم توفر التقاوى والبذور المحسنة والمبيدات بالشكل الكافى. مع إستمرار الضعف فى البُنىَ الخدمية والتسويقية للنشاط الزراعى. أضف إلى ذلك إنعدام الإرتباط بين القطاعات الاقتصادية. أضف إلى ذلك ضعف تنظيم الأسواق، وضعف القدرة على تطويرها، وإنعدام آلية التنسيق بين الجهات الحكومية المعنية وذات الصلة بالثروة الحيوانية (المراعى، المياه، البحوث... إلخ)
(هـ) تأثير الوضع الأمنى المرتبك فى دارفور؛ حيث تَتَواجد بإقليم دارفور أكثر مِن خُمس الثروة الحيوانية فى السودان.
(ب) القطاع الصناعى
فانه يُمكن القول طبقاً للأرقام (الحكومية والدولية) المعلَنة بكونه قد شهد مُعدل نمو إيجابى بلغ 13% فى العام 2004 مقارنة بمُعدل قدره 10.5% فى عام 2003 وقد تولد ذلك بصورة خاصة مِن النمو الذى تحقق فى قطاعات التعدين والصناعة التحويلية والبناء والتشييد والكهرباء، وهو النمو الذى يرجع، لا إلى تنمية مستقلة، وإنما إلى المزيد مِن سيطرة الرأسمال الدولى على هياكل تلك الشركات العاملة فى تلك الحقول الصناعية, وقد إرتفعت مساهمة القطاع الصناعى فى الناتج المحلى الاجمالى إلى حوالى 25.4% عام 2004 مقارنة بنسبة قدرها 24.1% عام 2003. ( 29,4% مع أرقام 2009)
ويشمَل القطاع الصناعى كُلا مِن الصناعات التحويلية، والكهرباء، والتعدين، والتشييد والبناء. وتشمل القطاعات الفرعية التالية: الصناعات الغذائية، والغزل و النسيج، ومنتجات الجلود، والصناعات الكيماوية، وصناعة مواد البناء، والأخشاب والمواد الخشبية والأثاثات، والصناعات الهندسية، والطباعة والتغليف والورق والمنتجات الورقية، والصناعات المعدنية الاساسية، والصناعات التعدينية غير الأساسية، وصناعة الآليات والمعدات، وصناعات تحويلية أخرى, ونقتصر على بيان أهمها على النحو التالى:
(1) صناعة السكر
تبلغ الطاقة الإنتاجية لمصانع السكر فى السودان مجتمعة نحو 655 ألف طن تمثل (شركة سكر كِنانة) نسبة 45.8% منها أى أكثر مِن 300 ألف طن، وقد شهدت صناعة السكر نمواً مضطرداً خلال المواسم 1999- 2000و2003- 2004 حيث بلغت جُملة إنتاج السكر للموسم 2003- 2004 حوالى 755 ألف طن مقارنةً بحوالى 728 ألف طن للموسم 2002- 2003 بنسبة زيادة بلغت حوالى 4% أَنتجت منها (شركة سكر كِنانة) حوالى 398 ألف طن فى موسم 2002-2003 مقارنةً بحوالى 428 ألف طن فى موسم 2003- 2004 بنسبة زيادة بلغت 7% وذلك نسبة لارتفاع الإنتاجية. كما بَلغ إنتاج الشركة السودانية لانتاج السكر حوالى 327 ألف طن فى موسم 2003- 2004 مقارنةً بحوالى 330 الف طن للموسم 2002-2003 بنسبة نقصان بلغت 1% .
تأسست الشركة فى 1975، وبدأت نشاطها الإنتاجى فى 1981، وتقوم بزراعة قصب السكر وتصنيعه لإنتاج السكر الأبيض المكرر، بالإضافة إلى عدد من المنتجات الاخرى مثل المولاس والعسل، ويسهم فى الشركة كل من: حكومة جمهورية السودان (35,33%) الهيئة العامة للاستثمار/الكويت (30,64%) حكومة المملكة العربية السعودية(10,97%) الشركة العربية للاستثمار(6,99%) مصرف التنمية الصناعية (5,69%) الهيئة العربية للاستثمار والانماء الزراعى (5,59%) مجموعة البنوك التجارية السودانية (4,47%) شركة الخليج للاسماك (0,16%) شركة نيشو إيواى (0,16%) .
(2) صناعة الاسمنت
تُعتبر صناعة الأسمنت مِن الصناعات الهامة والرئيسية حيث يَتَركز الإنتاج بمصنع عطبرة الذى تم إنشائه عام 1947 كقطاع خاص وذلك بشركة مساهمة برؤوس أموال أغلبها أجنبية. وفى عام 1970 تم تأميمه وضمه إلى مؤسسات القطاع العام الصناعى. ثم صدر قرار جمهورى عام 1983 بتحويله إلى شركه خاصة سميت"شركة ماسيبو للأسمنت".
وفى أواخر العام 2002 تمت "خصخصة" الشركة وتم بيعها للشركة الافريقية للتنمية والاستثمار، ومقرها دبى ويملكها سليمان الراجحى، وصالح كامل، وإبراهيم الأفندى. وفى أواخر العام 2003 تم بيع الشركة الأفريقية للتنمية والاستثمار، لسليمان الراجحى؛ ومِن ثم ألت الشركة إليه.
كما يُوجد إلى جوار مصنع عطبرة، مصنع(ربك) وقد بلغت جُملة إنتاج المصنعين حوالى 170 الف طن، 199 ألف طن، 205 ألف طن، 265 ألف طن للأعوام 2001، 2002، 2003، 2004 على التوالى، هذا وقد شَهدت الاعوام الأخيرة التالية على أعوام حقل التحليل سعى رأس المال الدولى لرفع إنتاجية المصانع مع البدء فى تنفيذ برامج تأهيل مصنع عطبرة.
وتشير التقارير الرسمية إلى أن تلك الصناعة تواجهها العديد من المشاكل والمعوقات والتى تَتَعلق بضعف آليات النقل البرى والمناولة بميناء بورسودان وبُطء وتعثر (الواردات) مِن قطع غيار ومُدخلات الانتاج عبر ميناء بورسودان ومطار الخرطوم ذى الامكانات الضعيفة.
(3) الصناعة الدوائية
هى مِن الصناعات التى لا تَتَمكن مِن تلبية إحتياجات الشعب السودانى المحلية إلا فى بعض الأنواع مِن الأدوية التقليدية، أو التى سَمَحت الشركات الرأسمالية العملاقة بإمكانية إنتاجها محلياً. وتبلغ تكلفة إستخدام السودان للدواء فى العام (250) مليون دولار أى ما يُمثل (3%) مِن جملة إستخدام الدواء فى العالم حيث يَبلُغ إستخدام الفرد نحو (4) دولارات فى العام.
(4) الغزل والنسيج
نتيجة للهشاشة الهيكلية وضعف القدرات التنافسية فى الأسواق العالمية وإرتفاع تكلفة الإنتاج؛ فقد ظل الإنتاج فى قطاع الغزل والنسيج فى تدنٍ مُستَمر, عاكساً صورة واضحة لتخلف نُظم الاستغلال فى الأجزاء المتخلفة مِن الاقتصاد الرأسمالى الدولى, فبعد مرحلة طويلة مِن النسج اليدوى، دخلت صناعة النسيج فى مرحلة ثانية بإنشاء مصنع النسيج السودانى بالخرطوم عام 1961 بتمويل أمريكى، كما تم إنشاء شركة الخرطوم للغزل والنسيج وكان المصنعان بمثابة المتكفل الرئيسى بكساء الشعب السودانى بنسبة كبيرة جداً مِن الأقمشة الشعبية والدمورية والدبلان والملايات المطبوعة وغيرها مِن الأقمشة.
تم بيع المصنعين لشركة كويتية. وتوقف إنتاجهما قبل تطبيق الخطة الخمسية 1970-1975 والتى شملت إنشاء المصانع الحالية للغزل والنسيج بالقطاعين العام والخاص، وقُدرت التكلفة الاجمالية لهذه المصانع بمبلغ (3) مليار دولار كتكلفة إنشائية آنذاك، وتبلغ الطاقة التصميمية لهذه المصانع 60 ألف طن مِن الغزول و350 مليون متر فى العام، وكانت تؤمن الاكتفاء الذاتى مِن الاقمشة الشعبية، وأغلب هذه المصانع اليوم متوقف والذى يَعمل منها لا تتعدى إنتاجيته 5% على الاكثر.
(5) النفط
يُسيطر على هذا القطاع "كونسرتيوم" مكوَن مِن شركات (صينية 40% وماليزية 30% وكندية 25% ، إضافة إلى الحكومة السودانية 5%)بعد إنسحاب شركة "شيفرون" فى العام 1984، التى كانت تملك حقوق إمتياز الإستخراج منذ عام 1974 (أثناء حكم جعفر النميرى) التى حفرت 90 بئراً فى مساحة قدرها (42 مليون هكتار).
بلغ إجمالى إنتاج النفط السودانى نحو (105)مليون برميل خلال العام 2004، وبلغ نصيب الحكومة منه حوالى 74.9 مليون برميل بنسبة 71% مِن إجمالى الخام المنتَج. وبعد أن كان الإنتاج الكلى مِن الخام خلال العام 2003 حوالى(95.7)مليون برميل، وكان نصيب الحكومة منه 62.1 مليون برميل بنسبة 65% مِن إجمالى الانتاج.
وتُعزى الزيادة الملحوظة(من 62,1 مليون برميل إلى 74,9 مليون برميل) فى نصيب الحكومة خلال العام 2004 إلى الارتفاع فى حجم الانتاج الكلى مِن الخام وأسعاره، حيث بلغ متوسط الإنتاج اليومى حوالى 287 ألف برميل مقابل متوسط يومى 263 ألف برميل خلال العام 2003. إضافة إلى الارتفاع الكبير فى الاسعار العالمية خلال العام 2004، والتى كان لها الاثر فى توزيع الانصبة.
ولقد زادت عائدات صادر النفط الخام فى عام 2004 بنسبة قدرها 53% أما البنزين فقد زاد بنسبة قدرها 70% والغاز المخلوط بنسبة 100% بينما إنخفض الغاز الطبيعى بنسبة قدرها 43% مقارنة بالعام 2003 وتحتل صادرات النفط المرتبة الاولى فى هيكل الصادرات إذ يُمثل 78% مِن إجمالى الصادرات خلال العام 2004(الامر الذى يُذكْر بتاريخ طويل مِن السلعة الواحدة) ويستدعى إلى الذهنية، ومباشرة، كل ما سبق وأن ناقشناه بشأن الصراع الراهن على النفط فى فنزويلا، وجدلية الصراع بين الربح الذى تحصله الشركات الامبريالية، وبين الريع الذى تتحصل عليه الحكومة المركزية. كما يستدعى كذلك كل ما ذكرناه بشأن الاعتماد فى تجديد إنتاج النفط، بوجه خاص، على وسائل الإنتاج والتقنية المنتجة فى الخارج من خلال قيمة زائدة منتجة فى الداخل بعد تحويلها إلى الشكل النقدى فى سبيل إستراد تلك الوسائل وباقى السلع الغذائية والرأسمالية كثيفة رأس المال والتكنولوجيا.
وقد بلغ إجمالى العائد المقدر مِن الكميات المصدرة لصالح الحكومة خلال العام 2004 نحو 1876.0 مليون دولار أمريكى، والجدول أدناه يوضح حجم كل من الناتج اليومى والناتج الكلى وكذلك نصيب الحكومة من الجهة الكمية والجهة النسبية، وذلك خلال شهور العام 2004.
الإنتاج الكلى من النفط خلال العام 2004برميل
الشهر الانتاج اليومى الانتاج الكلى نصيب الحكومة
الكمية النسبة
يناير 262.205.0 8.128.355 5.905.193 73%
فبراير 276.730.0 8.025.170 5.590.209 70%
مارس 273.225.0 8.469.975 6.203.880 73%
أبريل 274.209.4 8.226.282 6.024.819 73%
مايو 276.697.0 8.577.607 6.109.627 71%
يونيو 291.647.0 8.749.410 6.349.880 73%
يوليو 296.932.0 9.204.892 6.344.825 69%
أغسطس 315.117.0 9.768.627 6.982.955 71%
سبتنمبر 307.945.5 9.238.365 6.719.018 73%
أكتوبر 298.676.0 9.258.956 6.661.908 68%
نوفمبر 280.020.0 8.400.600 5.795.974 69%
ديسمبر 292.498.0 9.067.438 6.298.417 69%
الإجمالي 287000 105.115.677 74.986.705 71%
المصدر: وزارة المالية والاقتصاد الوطنى – الادارة العامة للسياسات الاقتصادية والبرامج
ويُمكن ملاحظة النمو الكبير الذى طرأ على أداء صادر خام النفط خلال العام 2004 مقارنة بالعام 2003 ويرجع هذا إلى: إرتفاع نصيب الحكومة مِن الكميات المصدَرة مِن 42.2 مليون برميل فى عام 2003 إلى 50.8 مليون برميل فى عام 2004 بمعدل نمو بلغ 20%. والواقع أن نصيب الحكومة لا شك رقمياً أنه زاد ولكن تلك الزيادة ليست نتاج صراع جدلى مع الشركات المستثمرة بقدر ما هى نتاج طبيعى للزيادة المضطردة فى إنتاج الزيت نفسه. ويُمكننا هنا إضافة سبباً آخر وهو إرتفاع مستوى الاسعار العالمية، آنذاك، مِن 27.8 دولار أمريكى للبرميل فى المتوسط فى عام 2003 إلى 38.6 دولار أمريكى للبرميل. وطبقاً لأرقام حديثة نسبياً فإنه يُمكن القول بأن الاقتصاد السودانى وحتى النصف الثانى مِن عام 2008 شهد زيادة ملحوظة فى إنتاج النفط، تلك الزيادة تزامنت مع إرتفاع سعر النفط العالمى، كما أن شهد هذا القطاع تدفقات كبيرة مِن الاستثمار الاجنبى المباشر. ولقد بدأت السودان بتصدير النفط الخام فى الربع الأخير مِن عام 1999.وبموجب المادة رقم (191) من الدستور الانتقالى(8)، تم الاتفاق على إنشاء المفوضية القومية للبترول، كما تم الإتفاق على تكوينها على النحو التالى:
-----------------------
(8) أنظر فى نصوص الدستور الانتقالى والقوانين المعمول بها فى الاقليم السودانى، بوجه عام، وكذلك نصوص المعاهدات والإتفاقيات: ممدوح عبد المنعم، السودان. مع ملحق نص الاتفاقيات كاملة، الأهرام للنشر والتوزيع. القاهرة 2011. وبمناسبة الحديث عن القواعد القانونية التى شرعها النظام من أجل تنظيم إنتاج النفط وتداوله، يمكننا القول، وإضافة لما أوردناه بالمتن، أن النفط وإن كان بمثابة ثروة ونعمة لبعض الشعوب، فهو فى السودان وبالاً ونقمة؛ فعلى الرغم من الحروب والصراعات العرقية الضروس بين الجنوبيين فقد كانوا معارضين جميعاً أشد المعارضة لإستغلال الأجانب للنفط الجنوبى(ستيت بتروليوم/كندا، أراكيس/كندا، تليسمان/كندا، الشركة الوطنية الصينية للتنمية النفطية، بتروناس كاريجالى/ماليزيا، فيدش المحدودة/ الهند، وهى أحد فروع شركة النفط والغاز الهندية،شركة لندن/بريطانية، شركة بترول الخليج/قطر) لمصلحة عرب الشمال، المحميين بمليشيات جنوبية وقوات الدفاع الشعبى والجيش، ويشرح "كولينز" الموقف بقوله:"عندما بدأت القوات المسلحة السودانية وميليشيات البقارة عملياتهم النظامية لاخلاء السكان من تلك المناطق فى غرب النيل المخصصة لحفر آبار النفط فى 2001، وجدت المساعدة فى هذا من العمال الصينيين المسلحين و"المجاهدين" من العرب الأفغان. فقد إجتاحوا المنطقة يحرقون القرى ويقتلون السكان ويستولون على قطعان كبيرة من الماشية، قبل خوض إشتباكات بالأسلحة النارية مع الحركة الشعبية. وبعد تطهير الأرض مما عليها تم تأمين المنطقة وخفارتها بدوريات من البول نوير بقيادة "باولينو ماتيب" الذى أصبح الآن برتبة لواء فى الجيش، وميليشياته المستقلة التى تدفع لها الحكومة السودانية، واستأجرتها فيما بعد شركة النفط الوطنية الصينية وشركة بتروناس لأعمال الحراسة الأمنية. وقامت شركات النفط بتشييد طرق صالحة للإستخدام فى كل الاجواء، ومدارج لهبوط الطائرات استخدمتها القوات المسلحة السودانية بحرية للهجوم على المستوطنات المدنية ومعسكرات اللاجئين فى دائرة أخذت تتوسع بإستمرار حول حقول النفط". أنظر: تاريخ السودان الحديث، ترجمة:د. مصطفى الجمال، القاهرة: المركز القومى للترجمة؛2010، ص281) ويُعلق مترجم الكتاب الاستاذ مصطفى مجدى الجمال على هذا النص فى هامش (ص281) بقوله :" نلاحظ أن المؤلف يذكر وقائع خطيرة كهذه دون ذكر مصادر محددة مما يدعو إلى ضرورة أخذها بجانب كبير من الحذر". ومن جانبنا فلن ننشغل هنا بسرد الادلة التى يريدها المترجم=
1- رئيس الجمهورية، ورئيس حكومة جنوب السودان رئيسان مشتركان.
2- أربعة أعضاء دائمون يمثلون الحكومة القومية.
3- أربعة أعضاء يمثلون حكومة الجنوب.
4- ما لا يزيد عن ثلاثة أعضاء غير دائمين يمثلون الولاية أو الولايات التى سيجرى فيها إستثمار البترول.
وطبقاً لنص الفقرة (3) من نفس المادة، فإن إختصاصات المفوضية تم تحديدها كما يلى:
- وضع السياسة العامة والموجهات المتعلقة بتنمية وإدارة قطاع البترول.
- رصد وتقويم تنفيذ السياسات المذكورة فى الفقرة(1) من نفس المادة، والتى تنص على:
- التأكد من أنها تخدم مصالح الشعب السودانى.
- وضع إستراتيجيات وبرامج قطاع البترول.
- التفاوض حول عقود إستكشاف وإستثمار البترول.
- إعداد لوائحها وإجراءاتها الداخلية.
وطبقاً لبروتوكول "نيفاشا" لإقتسام الثروة، فقد قنن الدستور الانتقالى فى المادة(194) عملية إقتسام ثروة الجنوب، وهو ما فقده الشمال بعد الإنفصال، على النحو التالى:
أ- ينشأ حساب إستقرار إيرادات البترول وتورد فيه صافى إيرادات البترول الحكومى التى يتم تحصيلها من مبيعات الصادر الفعلية فوق السعر القياسى المقرر الذى يجدد سنوياً ضمن الموازنة القومية.
ب - يخصص 2% على الاقل من عائدات البترول للولايات المنتجة للبترول حسب الكمية المنتجة فى الولاية.
ج - بعد الدفع لحساب إستقرار إيرادات البترول والولايات المنتجة يخصص لحكومة جنوب السودان إبتداءً من أول الفترة قبل الانتقالية (1/1/2005) 50% من صافى عائد البترول المستخرج من آبار البترول المنتجة فى جنوب السودان وتخصص نسبة 50% المتبقية للحكومة القومية وولايات شمال السودان.
(6) الكهرباء
شهد التوليد الكهربائى خلال الفترة المعنية نمواً مضطرداً حيث وصل التوليد الكهربائى الكُلى حوالى 3279.9 جيجا واط/ ساعة فى عام 2003 منها حوالى 3074.1 جيجا واط/ساعة
------------------------
= ونحيل بشأنها إلى ما ذكرناه بالمتن ونكتفى هنا بذكر مجموعة من التقارير الصادرة عن مؤسسات دولية، أعتقد أنها محل ثقة نسبية من المجتمع الدولى، على الرغم من إمبرياليتها المفرطة فى الغالب من الاحيان، فلقد ظهرت آنذاك تقارير الإدانة من قبل كل من: منظمة العفو الدولية، وهيومان رايتس واتش، وكريستيان أيد، والعديد من منظمات الاغاثة العاملة فى إطار عملية شريان الحياة فى السودان، كما ظهر التقرير الشهير للحكومة الكندية وإسمه "تقرير هاركر"، وكلها تدين المذابح التى تورطت فيها الخرطوم بشكل فاضح. ولقد رجع "كولينز" على ما أعتقد إلى غالبية تلك التقارير، كما يتضح من أسلوبه وإستشهاداته.
داخل الشبكة وحوالى 205.8 جيجا واط /ساعة خارج الشبكة. وإرتفع التوليد إلى حوالى 3794.7 جيجا واط/ ساعة فى عام 2004 بزيادة قدرها 15.7% مقارنة بعام 2003 منها حوالى 3505.9 جيجا واط/ساعة داخل الشبكة وحوالى 288.8 جيجا واط/ساعة خارج الشبكة. وبلغ إستهلاك الكهرباء للعام 2004 حوالى 2496.2 جيجا واط/ساعة بنسبة زيادة بلغت 8% عن العام 2003 والذى بلغ حوالى 2391.6 جيجا واط/ساعة. وترجع هذه الزيادة إلى زيادة الاستهلاك فى القطاعين السكنى والصناعى. وعادة ما يتم حصر أزمات قطاع الكهرباء فى أمرين: أولهما ضعف تمويل صناعات قطاع الكهرباء. ثانيهما إتساع الاقليم السودانى؛ الأمر الذى يزيد من تكلفة صناعة الكهرباء مِن جهتى التجديدات الطويلة للشبكة والتوليد عند الأطراف البعيدة. ووفقاً لأرقام حديثة نسبيا ًيُمكن أن نَذكُر أن: الإنتاج بلغ 4341 بليون كيلو واط (2007) والاستهلاك: 3438كيلو واط (2007)
(7) التعدين
تقوم الهيئة العامة للأبحاث الجيولوجية فى السودان بإجراء البحث والتنقيب (لاحظ: البحث والتنقيب,لا الاستخراج)عن المعادن كما تقوم بإعداد الخرائط الجيولوجية (بمعاونة الخبراء الاجانب بالطبع) وهذا القطاع بطبيعة تكونه التاريخى تُهمين عليه الشركات الدولية العملاقة على الصعيد العالمى وهو مِن تلك الوجهة يُثير التساؤلات حول مَن الذى يَستأثر بناتج الارض؟والسؤال له وجاهته مِن جهة أنه يُثير بالتوازى عدة أسئلة جوهرية, وربما حساسة, مِن قبيل مَن هو صاحب الأرض؟ ومَن هو صاحب الدولة؟ ومَن هو صاحب الشركة المستًخرِجة لما فى بطن الأرض السودانية؟ وهل تلك هى حقاً اللحظة التاريخية التي يَطفو فيها على السطح، كما الشأن فى فنزويلا، ونيجريا، وغيرهما. . . ولئن كان مِن زاوية مختلفة نسبياً، الصراع بين الريع (كظاهرة تاريخية) وبين الربح (كظاهرة تاريخية مقابلة)؟
(ج) القطاع الخدمى
ويستوعب هذا القطاع نحو 7 % من القوة العاملة، كان 13% فى العام 1998 وقد تَمكن هذا القطاع مِن تحقيق مُعدل نمو بلغ نحو 6.6% ، ونسبة مساهمة فى الناتج المحلى الاجمالى قدرها 30.1% عام 2004؛ ولكى يَرتفع ليُحقق مساهمة قدرها 38,5 % مع أرقام 2009، ويرجع ذلك، كما يَتردد فى دوائر الحكم، إلى بعض النمو الحاصل فى القطاعات الخدمية مثل النقل والاتصالات والخدمات الاقتصادية الأخرى، وتنحصر جل الخدمات التى تستحوذ على الانفاق الحكومى على المرافق العامة فى الشمال، فى حين يعانى الجنوب من أزمات متصلة فى المرافق الإجتماعية إبتداءً من التعليم والصحة ومروراً بخدمات النقل والطرق والجسور وإنتهاءً بخدمات السكن والأمن، وبالنسبة إلى الأخيرة، أى خدمة الأمن، فإن السلطة المركزية توجه جل نفقاتها فى الشمال من أجل ترسيخ وجودها هى شخصياً وفرض هيمنتها. تاركة الجنوب فى صراعه وإنفلاته الامنى!
(1)الطرق والجسور
لا ريب فى أن قطاع الطرق والجسور يؤدى دوراً هاماً فى عملية التنمية الاقتصادية (على الأقل كما تطرح نفسها فى مرحلة التعليم الأساسى) حيث أنه يربط مراكز الإنتاج بتجمعات الاستهلاك وموانئ التصدير ويساعد على تنمية (وإن كانت تنمية غير متوازنة كقانون رأسمالى عام) المناطق التى تَمُر بها الطرق, ويَشمل هذا القطاع الطرق القومية العابرة لأكثر مِن ولاية والممولة تمويلاً غالباً تمويلاً أجنبياً بيد أن شُح الموارد (كما يتردد فى لغة الخطاب الرسمية) إضافة إلى الأبعاد الأمنية لرأس المال الدولى، يقفان عائقاً أمام ربط أقاليم السودان ربطاً حديثاً مِن خلال شبكة طرق تَتَكفل بذلك.
(2) النقل والإتصالات
ويَضم قطاع النقل فى السودان كُل مِن: هيئة السكة الحديد وهيئة النقل النهرى وهيئة الموانى البحرية وشركة الخطوط البحرية السودانية وشركة الخطوط الجوية السودانية وهيئة النقل البرى. ويُمكن القول بأن هذا القطاع الجزئى إنما يُكرس، أيضاً، جميع مظاهر إعادة إنتاج التخلف، فوسائل النقل ذاتها متهالكة، والطرق غير معبدة، والمطارات تفتقد التنظيم، وكذلك الموانىء، أضف إلى ذلك عدم فاعلية القطاع فى ربط أجزاء الاقليم.
(أ) الشركة السودانية للاتصالات(سوداتل)
إستمرت الشركة السودانية للاتصالات (سوداتل) فى تحسين وتطوير خدماتها منذ تأسيسها فى عام 1993. وصارت مِن أكبر الحقول الاستثمارية فى السودان وأُدرجت أسهمها بالأسواق المالية الدولية, كما تُعتبر أسهمها الاكثر تداولاً فى سوق الخرطوم للأوراق المالية منذ العام 1997. كما تم إدراجها فى سوق البحرين للأوراق المالية فى 6/11/2000، وسوق أبى ظبى للأوراق المالية فى 31/3/2003. وبجانب خدمات الهاتف تقوم الشركه بتقديم خدمات المعلومات الأخرى مثل خدمات شبكة الانترنت والدوائر المؤجرة والتجارة الاكترونية...إلخ. ويَشهد حقل الاتصالات صراعاً جدلياً بين قوى الرأسمال الدولى فى سبيل السيطرة على الجديد فى عالم التكنولوجيا, الأمر الذى يَعنى، كما ذكرنا سلفاً، أن تطور المجتمع السودانى، وجميع المجتمعات، مِن تلك الوجهة إنما يَرتبط بمدى التطور الحاصل فى الصراع الإجتماعى مِن أجل الحصول على الجديد فى مجال التكنولوجيا وليس مرتبطاً بالتطور الحاصل فى مجال التكنولوجيا نفسها, أى العكس تماماً لما هو سائد, على الأقل, فى الفكر الأكاديمى... والفكر الأكاديمى ليس بالضرورة هو الفكر الصحيح.
(ب) مشروع الكيبل البحرى شرق وجنوب افريقيا ( EASSy )
تأسس "الكيبل البحرى شرق وجنوب افريقيا" من خلال شراكة بين مجموعة دول شرق وجنوب افريقيا منها السودان، جيبوتى، الصومال،كينيا، أوغندا،موزمبيق،جزر القمر، مدغشقر، و جنوب أفريقيا. وقد تم تنفيذه عبر شركة "الكاتل" الفرنسية. تم تشغيل الكيبل فى يوم 1/8/2010 ويهدف هذا المشروع إلى توفير الربط البينى بين إحدى وعشرين دولة أفريقية، بالإضافة إلى ربط هذه الدول مع باقى دول العالم. كما سيتم تزويد هذه الدول المستفيدة من هذا المشروع بخدمة إنترنت ذات جودة عالية.وتعتبر سوداتل ثالث أكبر مالك فى هذا المشروع والذي يمتد من بورتسودان حتى جنوب افريقيا بطول 11 ألف كيلو .
بيانات وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية(*)
ومِن جهة أخرى مُكملة للاستعراض الرقمى والاحصائى السالف عاليه، فإنه يَجدر بنا السير خطوات أكثر تقدماً فى سبيل إختبار صحتها النسبية، بمعاينتها، وتحديثها، فى ضوء تقرير وكالة
--------------------
https://www.cia.gov/library/publications/the-world-factbook (*)
الإستخبارات الأمريكية (CIA) والذى جاء بموقعها الالكترونى، والذى جاء فيه:
الناتج المحلى الإجمالى (تعادل القوة الشرائية): 92 بليون دولار أمريكى (2009 )
الناتج المحلى الإجمالى (سعر الصرف الرسمى) : 54 بليون دولار أمريكى
الناتج المحلى الإجمالى ( معدل النمو الحقيقى) : 4,2 % (2009)
الناتج المحلى الإجمالى/ للفرد (تعادل القوة الشرائية): 2300 دولار ( 2009)
الناتج المحلى الإجمالى -- التكوين حسب القطاع: (2009)
الزراعة : 32,1 %
الصناعة : 29,4 %
الخدمات : 38,5 %
القوى العاملة : 12 مليون(2007)
القوى العاملة وفقاً للهيكل :
الزراعة : 80 % (2009)
الصناعة : 7 % (2009)
الخدمات: 13 % (1998)
معدل البطالة : 18,7% (2002)
السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر: 40%(2004)
الاستثمار (الإجمالى الثابت): 20,7 % من الناتج المحلى الإجمالى (2009 تخمين)
الدين العام:
103,7 % من الناتج المحلى الإجمالى (2009)
100 % من الناتج المحلى الإجمالى (2008)
معدل التضخم (أسعار المستهلك) : 11,2 % (2009)
المخزون النقدى: 62.56 مليار دولار (31 ديسمبر 2008)
المخزون من أشباه النقود : 42.64 مليار دولار (31 ديسمبر 2008)
الزراعة: القطن والفول السودانى، والذرة الرفيعة والدخن ، القمح ، الصمغ ، وقصب السكر ، والكسافا (التابيوكا) والمانجو، والبابايا، والموز، والبطاطا الحلوة ، والسمسم ؛ والاغنام والماشية.
الصناعات : النفط ، وحلج القطن، والمنسوجات، والأسمنت، والزيوت الصالحة للاكل ، والسكر والصابون، والأحذية، والمواد الصيدلانية ، والاسلحة.
معدل نمو الإنتاج الصناعى: 3,2% (2009)
النفط -- الإنتاج : 486700 برميل / يوم (2009)
نفط -- إستهلاك : 84000برميل/يوم (2009)
النفط -- الصادرات : 303800 برميل/يوم(2007)
نفط -- إحتياطيات: 68 بليون برميل(1يناير2009)
الغاز الطبيعى -- الإنتاج : (0) متر مكعب (تقديرات 2008)
الغاز الطبيعى -- الاستهلاك : (0)متر مكعب (تقديرات 2008)
الغاز الطبيعى -- الاحتياطيات المؤكدة: 8495 مليار متر مكعب (يناير 2009)
الصادرات: 7.56 مليار دولار (2009) 11,60 مليار دولار (2008)
الصادرات -- السلع: النفط، ومنتجاته، والقطن والسمسم والفول السودانى، والثروة الحيوانية، والصمغ العربى، والسكر.
صادرات -- أهم الشركاء: الصين 58,29% ، اليابان 14.7 %، 8,83 % اندونيسيا والهند 4,86% (2009)
الواردات : 8,253 مليار دولار (2009)
الواردات -- السلع: المواد الغذائية والسلع المصنعة ، والسلع الرأسمالية، والسلع الاستهلاكية، ومعدات التكرير والنقل والأدوية والكيماويات والمنسوجات والقمح.
الواردات -- أهم الشركاء: الصين 21,87 % ، المملكة العربية السعودية 7.22 % ، مصر 6,1 % ، 5,53 % الهند ، الإمارات العربية المتحدة 5،3 %(2009)
الاحتياطيات من النقد الأجنبى والذهب: 879 مليون دولار (2009)
الدين الخارجى: 36,27 مليار دولار (2009)
أسعار صرف العملات: جنيه سودانى (جنيه) لكل دولار أمريكى: 2.34 (2009) ، 2.1 (2008) ، 2.06 (2007) ، 2.172 (2006) ، 2.4361 (2005)
الحد الأدنى للأجر: 124 جنيه سودانى (00,37 دولار أمريكى/طبقاً للبنك المركزى السودانى فى فبراير 2011).
التفاوت فى الدخل بين المناطق فى السودان(بالدولار الأمريكى)
المنطقة الدخل 1967/1968 الدخل 1982/1983
الخرطوم 236 283
الوسطى (بما فى ذلك النيل الأزراق) 183 201
الشرقية (بما فى ذلك جنوب كردفان 180 195
كردفان (بما فى ذلك جنوب كردفان) 153 164
المنطقة الشمالية 124 130
دارفور 98 102
الإنحراف المعيارى 44,5 57
المصدر: الدكتور محمود ممدانى، دارفور: منقذون وناجون، السياسة والحرب على الإرهاب، ترجمة عمر سعيد الأيوبى؛ مراجعة منى جهمى (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2010) ، ص208
وعلى تلك البيانات يمكننا إبراز الملاحظات الآتية:
- تهيمن الزراعة على مجمل الهيكل الاقتصادى، ومع ذلك يظهر فى بند الواردات أن السودان تستورد الغذاء، وعلى رأسها القمح.
- نصف الشعب، تقريبا، فقراء. وتلتهم الديون كل الناتج المحلى بنسبة 100%.
- كما الحال بالنسبة لجميع الدول الريعية تقريباً بوجه عام والأجزاء المتخلفة بوجه خاص، تتسرب القيمة الزائدة المنتَجة بداخل الاقتصاد القومى إلى الخارج فى سبيل شراء السلع التى لا يُنتجها الاقتصاد القومى، وعلى وجه الخصوص السلع التى تستخدم فى سبيل إنتاج النفط.
- تسرب فى العام 2009،مثلاً، نحو مليار دولار إلى خارج الاقتصاد قيمة الفارق بين الصادرات والواردات. ولقد سبق وأن ذكرنا إن طرحنا الرئيسى يبدأ من حيث فهم وتحليل نمط الإنتاج الرأسمالى كنمط لإنتاج سلع وخدمات من أجل السوق. وليس ذلك فقط وإنما كنمط لإنتاج القيمة الزائدة، وطالما كانت (أليات) إنتاج تلك القيمة الزائدة ضعيفة، بغض النظر عن كل شىء أخلاقى، عُدّ الاقتصاد ضعيف ومتخلف بالتبعية لتدهور تلك الأليات، فى حين يُصبح هذا الاقتصاد قوياً إذ ما كانت تلك(الأليات) قوية، بما يلزم ويكفى لتخفيض معدل إنتاج القيمة الزائدة، وعلامات قوتها تتبدى فى النظر إلى(حجم، وقيمة) ونضيف هنا: ونوع، المنتَجات التى تُمثل إجمالى الناتج القومى.
- ظاهرة التفاوت فى الدخول، تضرب بجذورها فى الماضى، بما يعكس الإهمال القديم من قبل السلطة المركزية لباقى الأجزاء وبصفة خاصة الجنوب.
هكذا ننتهى مِن الجزء الاول مِن خطوتنا الفكرية الاولى، بإتمامنا التعرف على مُجمل الهيكل الاقتصادى، وصولاً إلى تكوين الوعى حول "الاقتصاد" فى السودان، مِن حيث هيمنة الزراعة عليه، إذ يُعد الاقتصاد السودانى إقتصاداً زراعياً مِن الدرجة الأولى، وتخلفه وتبعيته وبدائيته خصائص جوهرية واضحة، لا لغلبة قطاع الزراعة على القطاعات الأخرى، وإنما لارتفاع معدل إنتاج القيمة الزائدة المتناقض مع الضعف المزمن فى أليات إنتاجها؛ بما من شأنه السماح لنمط الإنتاج السائد وعلاقاته بتسرب القيمة الزائدة مِن الريف إلى المدينة، فى مرحلة أولى، ثم مِن داخل السودان إلى خارجها، فى مرحلة ثانية، على نحو لا يَسمح بتراكم رأسمالى يوظَف بداخل الاقتصاد السودانى، ويتبدى ذلك فى هيمنة الزراعة، والفلاحة وما يتصل بهما، على مُجمل النشاط الاقتصادى فى المجتمع، وذلك دون إرتباط ما بين قطاع الزراعة هذا وبين القطاع الصناعى تحديداً، الأمر الذى يَجعل السودان أحد المتخصصين فى إمداد الأجزاء الأخرى (والمتقدمة بصفة خاصة) بالمواد الأولية المحمَلة بقيمة زائدة، مِن نفط وصمغ وقطن تحديداً، بالإضافة إلى الثروة الحيوانية. تلك السلع حينما يجرى تصديرها؛ لتغذية صناعات فى بلدان أخرى أكثر تعقيداً وتطوراً فى الغالب، فإنما تتم مِن خلال عملية مُنظمة للتبادل غير المتكافىء، محملة بقيمة زائدة. عمل مُكدس.
ولنعود إلى مثلنا التقليدى الذى ضربناه من البداية؛ فإذ ما إفترضنا؛ لإعتبارات التبسيط، ان السودان بدأ سنة إنتاجية معينة بـ (30 مليار) وحدة، بواقع (10مليار) للزراعة و(10مليار) للصناعة و(10مليار ) للخدمات، وتوزع تلك الوحدات بداخل كل قطاع وفقاً لما يلى: (5 أدوات الإنتاج) + (3 مواد إنتاج) + (2 قوة عمل) فإنه فى نهاية الفترة السنة محل التحليل وبإفتراض أن معدل القيمة الزائدة 100% سيكون لدى السودان (6 مليار وحدة زائدة) ومن ثم يصير لدينا 36 مليار وحدة، موزعين كالاتى: (30 مليار) أصل المبلغ المبدوء به الإنتاج، و(6 مليار) قيمة زائدة، بإفتراض أنها تبلغ 100%، فوفقاً للبيانات المتاحة فلن يقوم السودان بإستخدام (6 مليار) قيمة زائدة فى سبيل التراكم الرأسمالى المطلوب للخروج من حلقة التخلف، إذ سيقوم بضخ تلك القيمة الزائدة فى مسام الأجزاء المتقدمة من الاقتصاد الرأسمالى العالمى الذى يعتمد عليها فى المواد الغذائية والسلع المصنعة، ومعدات التكرير والنقل والأدوية والكيماويات والمنسوجات والقمح. وأدوات الإنتاج بوجه عام؛ أضف إلى ذلك بعض المظاهر الأخرى التى تُعتنق على أساس مِن كونها التخلف بعينه، وما هى سوى مظاهر، كبدائية أساليب الإنتاج وأدواته مثلاً. معنى ذلك ان القيمة الزائدة المحققة إجتماعيا خلال فترة زمنية معينة لا يستفيد بها المجتمع المنتِج لها، وانما تستفيد به الأجزاء المتقدمة من الاقتصاد الرأسمالى الدولى، الأمر الذى يدعونا إلى تكوين الوعى بشأن البعد الجغرافى، وهو ما يعنى الإنتقال إلى الجزء الثانى من خطوتنا الفكرية والتى سننشغل فيها بفحص الكُل الجغرافى.
(2) الجغرافيا :
يَحتل السودان الجزء الشمالى الشرقى مِن قارة أفريقيا. بين دائرتى4 و 22 شمال خط الاستواء وخطى الطول 22 و 38 ويمتد طول الحدود البحرية على ساحل البحر الأحمر إلى حوالى 670 كلم، وتحده دولتان عربيتان هما (مصر وليبيا) و7 دول أفريقية (تشاد، وجمهورية أفريقيا الوسطى، والكونغو الديمقراطية، وأوغندا، وكينيا، وأثيوبيا، وأريتريا) ولقد ساعد هذا الموقع الوسطى السودان كى يكون المعبر الرئيسى بين شمال إفريقيا العربى وجنوبها الأفريقى. كما أن الإقليم كان حتى منتصف القرن التاسع عشر، الممر الرئيسى لقوافل الحجاج إلى أماكن الحج فى الشرق العربى، وكذلك الممر الرئيسى للتجار مِن غرب إفريقيا إلى شرقها.

خريطة سياسية للسودان توضح الموقع الجغرافى والحدود السياسية قبل إنفصال الجنوب
http://www.kermaonline.com/vb/showthread.phpt=11660
تَبلُغ مساحة السودان حوالى 2.5 مليون كلم مربع، وهو بذلك أحد أكبر الدول العربية والأفريقية؛ كما يأتى فى المرتبة الحادية عشر بين بُلدان العالم الأكبر مساحة. ونتيجة لكبر المساحة هذه تباينت بيئات السودان وتنوعت ثرواته وموارده الطبيعية، كما تعددت أجناس سكانه وأعراقهم وثقافاتهم، وستكون تلك الحقيقة التاريخية رئيسية فى مجرى تحليلنا؛ من جهة تكوين الوعى بصدد دمج عدة قبائل وأعراق وثقافات وديانات مُختلفة (عربية عاربة، ومستعربة، وأثيوبية، ومسيحية، وإسلامية، ووثنية) ومتناقضة، ومتنافرة أحياناً، فى قطعة جغرافية واحدة وتحويطها بسياج إستعمارى يُفرض، بعدما إفترض دون وعى أو سبب، إمكانية إندماج تلك الأعراق والقبائل فى بعضها البعض، بتنازل كُل منها عن قدر مِن سيادته ونفوذه وعاداته ودياناته وثقافاته للآخر!! ومِن قبله تنازل عن كُل ذلك للمستعمِر!! سيكون مِن العسير للغاية مُحاولة فهم إشكاليات الإنفصال والصراعات القبلية بعيداً عن فهم تاريخية ترسيم الحدود الاستعمارية. الحدود التى وضعت قبائل وديانات وأعراق وثقافات مختلفة، لا رابط فعلى بينهم، فى قفص صيد كبير!!
إن موقع السودان، إضافة إلى كونه من أسباب الثراء مِن جهة الموارد الطبيعية، فإنه سيكون وبالاً على السودان؛ مِن جهة أخرى، إذ سيجعله أحد محاور التنافس الاستعمارى القديم فى إفريقيا. ولن يَختلف الأمر كثيراً مع الاستعمار "المنهجى" "الحديث" إذ لم يَزل السودان يُمثل أحد أطماع الاستعمار الحديث، خاصة بعد أن أخذت موارد العالم الطبيعية فى التناقص الشديد، وأصبحت مشكلة الغذاء فى المستقبل هاجساً يؤرق العالم الرأسمالى المعاصر(بشقيه المتقدم والمتخلف).
نهر النيل(9)
يَتميز نهر النيل وروافده بموارد مائية هائلة تُغطى حوالى 25000 كلم مربع ويُقدر الإيراد السنوى لنهر النيل بحوالى 58.9 مليار متر مكعب يُساهم فيه النيل الأزرق بحوالى 58.9%، ويلعب النيل دوراً حيوياً فى حياة السكان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفى علاقات السودان الخارجية خاصة مع دول حوض النيل.
تُستغل مياه النيل وروافده فى الرى وتوليد الكهرباء مِن خزانات الرصيرص وسنار وخشم القربة وفى الملاحة وصيد الأسماك، وبموجب إتفاقية مياه النيل لعام 1959(التى جاءت فى غير مصلحة السودان) فقد مُنحت مصر55,5 مليار متر مكعب سنوياً مِن مياه النيل، والسودان 18.5 مليار متر!!
والنيل كذلك مِن جهة أخرى يُعد أهم ظاهرة جيمورفولوجية(أى العِلم الذى يدرس شكل الأرض، والتغيرات التى تطرأ عليه لتبيان التاريخ الجيولوجى) فى السودان ويمتد حوالى 1700 كلم مِن الجنوب إلى الشمال، كما يُغطى حوض النيل وروافده فى السودان حوالى 2.5 مليون هكتار.
التربة
وتتكون سهول السودان مِن أنواع مختلفة مِن التربة أهمها:
(1) التربة الرملية فى إقليم الصحراء وشبه الصحراء فى شمال وغرب السودان وهى تربة هشة قليلة الخصوبة تُستغل فى زراعة الدخن والفول السودانى والسمسم، كما تُعتبر من المراعى الهامة للإبل والضأن والماعز.
(2) التربة الطينية فى أواسط وشرق السودان، وهى تُمثل أهم مناطق زراعة القطن. ومعظم إنتاج السودان مِن الذرة، الذى يُعد المحصول الغذائى الرئيسى، كما ذكرنا سلفاً، يتم فوق هذه التربة .
(3) مجموعة التربات الحديدية الحمراء فى جنوب السودان، وتَتَميز بإنخفاض خصوبتها. لذلك فإن نَمط الزراعة المتنقلة ظل أكثر نُظم إستخدام الأرض مُلائمة لهذه التربة.
-------------------------
(9) أنظر: صلاح الدين الشامى، نهر النيل: دراسة جغرافية تحليلية، منشأة المعارف، الإسكندرية 1995.
(4) مجموعة التربات الرسوبية السلتية على ضفاف الأنهار والأودية ودلتا طوكر والقاش وتَتَميز هذه التربات بخصوبتها العالية لتجددها السنوى.
(5) التربة البركانية الخصبة فى جبل مرة.
وبالإضافة لمنظومة النيل؛ يَزخر السودان بالعديد مِن البحيرات الداخلية والاودية الموسمية التى تلعب دوراً هاماً فى حياة السكان الاقتصادية، خاصة فى شرق البلاد وغربها. ويُقدر مخزون المياه الجوفية بحوالى 9000 مليار متراً مكعباً تَتَوزع بين حوضين جوفيين. يستغل السودان حاليًا حوالى 2 مليار متر مكعب مِن المياه الجوفية لاغراض الرى والاستخدامات المدنية.
ويُعتبَرالبحر الأحمر منفذ السودان الملاحى إلى العالم الخارجى (يعنى الانفصال حتمية مرور الجنوب فى أرض الشمال، وصولاً إلى البحر)وبه موانىء "بورسودان" و"سواكن" و"أوسيف" بالإضافة إلى مراسى أخرى صغيرة متعددة. ويمُلك السودان ثروة هائلة مِن الأسماك؛ إذ بالإمكان إنتاج أكثر مِن 140.000 طن سنوياً منها 35.000 طن مِن البحر الأحمر و100.000 طن مِن نهر النيل وفروعه، و5.500 طن مِن بحيرة النوبة.
ووفقاً للتقسيم تبعاً للأقاليم الجغرافية، فيُمكن تصنيف الأقاليم السودانية على النحو التالى:
(أ) المنطقة الصحراوية: وهى تَقع شمال خط عرض 16 وتُقدر بحوالى 29% مِن المساحة الكلية ويندر فيها هطول الأمطار، وتنحصر الزراعة على جانبى النيل برفع المياه بالطلمبات ورى الحياض وإستخدام محدود للمياه الجوفية. وتسود زراعة النخيل، والقمح، والبقوليات، والخضر، والفاكهة، والتوابل.
(ب) المنطقة شبة الصحراوية: وهى تمتد بين خطى 14و16 شمالاً وتُقدر بنحو 20% مِن المساحة الكلية، وتتميز بالغطاء النباتى الضعيف، كما تتسم بتقلبات الأمطار مما يعرضها لموجات مِن الجفاف والتصحر، وتصلح لمرعى القطعان المتحركة.
(ج) منطقة السافنا خفيفة الأمطار بالأراضى الرملية: وتقع بين خطى عرض 12و14 درجة شمالاً، وتتفاوت كمية الامطار فيها، وتغطى حوالى 13% من المساحة الكلية للبلاد، وتتعرض، عادة تلك المنطقة، لموجات مِن الجفاف والتصحر، ويتكون الغطاء النباتى مِن النباتات الرعوية الحولية والمعمرة وبعض الاشجار، كما تَسود فيها الزراعة التقليدية المروية بمياه المطر.
(د) منطقة السافنا متوسطة الأمطار بالاراضى الطينية: وتمتد بين خطى 10و12 درجة شمالاً لتشمل السهول الطينية الوسطى فى مساحة تقدر بنحو 14% مِن المساحة الكلية، وتتفاوت الامطار فيها بين 400و880 ملم، وتُمَارس فيها الزراعة المطرية الآلية والزراعة التقليدية والانتاج الغابى، وبصفة خاصة: الصمغ العربى.
(هـ) منطقة السافنا غزيرة الأمطار: تمتد بين خطى 4 و 10 درجة شمالاً وتشكل 14% تقريباً مِن المساحة الكلية وتتفاوت الأمطار فيها مابين 800 و 1500 ملم، ويمكن القول بأن تلك المنطقة بها مساحات واسعة لغابات أشجار الأخشاب القيمة كالماهوجنى، ومساحات رعوية كبيرة وأراضى تصلح للتوسع الزراعى.
(و) المناطق البيئية المتميزة: وتشمل جبل مرة، والاماتونج، والدونكوتانا، وهضبة الالوم التى تصلح لزراعة البن والشاى، وغيرها مِن المحاصيل الاستراتيجية، وتشمل أيضاً حوض نهر النيل ومنطقة السدود.
وبوجه عام، تُقدر المساحة الصالحة للزراعة فى السودان بحوالى200 مليون فدان (84 مليون هكتار) والمستغل مِنها حالياً 40 مليون فدان يروى منها(4 مليون فدان) بالرى الصناعى، و(36 مليون فدان) بمياه المطر.
جدول يوضح النظم البيئة بالسودان
البيان المساحة بالفدان النسبة من إجمالي المساحة
البيئة الصحراوية 181 30%
شبة الصحراء 115.7 19.3%
السافنا الرملية 77.6 13%
السافنا الطينية 85.5 14.3%
السافنا مرتفعة الأمطار 81 13.5%
الفيضانات والسدود 57.7 9.6%
مناطق جبلية 1.5 0.3%
الجملة 600 100%
المصدر: وزارة المالية والاقتصاد الوطنى – الإدارة العامة للسياسات الاقتصادية والبرامج.
وبالنسبة للمُناخ: فالسودان يَسوده المناخ المدارى، والذى يَتميز بإرتفاع درجات الحرارة مُعظم أيام السنة، والتدرج مِن جاف جداً فى أقصى الشمال إلى شبه الرَطب فى أقصى الجنوب.
وتَصل درجات الحرارة أقصى مُعدلاتها فى فصل الصيف حيث يَصل المعدل اليومى فى شهرى مايو ويونيو إلى أكثر مِن43 درجة مئوية، تقريباً، فى شمال السودان وإلى حوالى 34 فى الجنوب.
وتنخفض درجات الحرارة خلال فترة الصيف فى شهرى يوليو وأغسطس بمعدل مِن 5:8 درجة، بسبب هطول الأمطار. وتصل درجات الحرارة إلى أدنى مُعدلاتها فى شهرى ديسمبر ويناير. ويقتصر هطول الأمطار على فصل الصيف.
وتسود سمات الصحراء فى أقصى الشمال حيث يَقل المطر السنوى 50 ملم وتزيد كمية الأمطار وكذلك طول المطر الزراعى تدريجياً نحو الجنوب حيث يصل المتوسط السنوى للامطار 1400 ملم وطول الموسم الزراعى فى أقصى الجنوب.
ويعتبر هطول الأمطار المتقطع وتكرار موجات الجفاف التى تتفاوت فى طولها وحدتها خاصة فى الاجزاء الوسطى والشمالية، أحد الخصائص المناخية الهامة فى السودان.
ولقد كانت أقصى موجات الجفاف فى القرن الحالى هو جفاف الساحل(1968-1974) وجفاف (1983-1985) والذى إتخذ بعداً مأساوياً وإمتدت آثاره لتشمل البيئة الطبيعية والبنيات الاقتصادية والإجتماعية.
وأخيراً نذكر أنه وطبقاً لنص المادة رقم (108) مِن الدستور السودانى (1998) تُقسم جمهورية السودان إلى ولايات ولكُل ولاية عاصمة؛ وذلك على النحو التالى:
ولاية أعالى النيل وعاصمتها ملكال.
ولاية البحر الأحمر وعاصمتها بورسودان.
ولاية بحر الجبل وعاصمتها جوبا.
ولاية البحيرات وعاصمتها رمبيك.
ولاية الجزيرة وعاصمتها ود مدنى.
ولاية جونقلى وعاصمتها ملكال.
ولاية جنوب دارفور وعاصمتها نيالا.
ولاية جنوب كردفان وعاصمتها كادقلى.
ولاية الخرطوم وعاصمتها الخرطوم.
ولاية سنار وعاصمتها سنجة.
ولاية شرق الاستوائية وعاصمتها كبويتا.
ولاية شمال بحر الغزال وعاصمتها أويل.
ولاية شمال دارفور وعاصمتها الفاشر.
ولاية شمال كردفان وعاصمتها الابيض.
ولاية الولاية الشمالية وعاصمتها دنقلا.
ولاية غرب الاستوائية وعاصمتها يامبيو.
ولاية غرب بحر الغزال وعاصمتها واو.
ولاية غرب دارفور وعاصمتها الجنينة.
ولاية غرب كردفان وعاصمتها الفولة.
ولاية القضارف "سنار" وعاصمتها القضارف.
ولاية كسلا وعاصمتها كسلا.
ولاية نهر النيل وعاصمتها الدامر.
ولاية النيل الأبيض وعاصمتها ربك.
ولاية النيل الأزرق وعاصمتها الدمازين.
ولاية واراب وعاصمتها واراب.
ولاية الوحدة وعاصمتها بانتيو.

خريطة توضح الولايات وحدودها
http://www.sudanesehome.com/forum/showthread
ولكُل ولاية والٍ يَنتخبه الشعب لمدة أربع سنوات، وذلك بعد ترشيح رئيس الجمهورية، طبقا لنص المادة رقم(56) من دستور(1998) ومسئولية الوالى فردية (م 61 ف 4) ويُسأل مباشرةً أمام رئيس الجمهورية (م 62) ويَقوم الوالى مَقام رئيس الجمهورية، كما يَقوم الوزير الولائى مَقام الوزير الاتحادى، كما تَسرى على كُل مجلس ولاية ذات الأحكام الدستورية السارية على المجلس الوطنى (م 98).
الأرض
وبشأن أرض السودان، فأراضى السودان: عبارة عن سهل رسوبى مُنبسط قليّل الانحدار تَتَخلله مُرتفعات تُغطى أقل مِن 5 % مِن مساحته الكلية:
- أهمها جبال الأماتنوج فى الجنوب( مع الحدود الأوغندية، وقد أعلن البيان الرئاسى أن "جون قرنق" مات نتيجة إصطدام المروحية التى كان على متنها بجبال الأماتنوج) وتلال البحر الأحمر فى الشرق.
- وجبال النوبة فى جنوب كردفان (فى عام 2002طالب سكان منطقة جبال النوبة فى السودان بحكم ذاتى فى منطقتهم لمدة 6 سنوات يتقرر بعدها مصير المنطقة بين الانفصال أو البقاء ضمن حدود السودان مثل ما تم الاتفاق عليه فى هذا الشأن بالنسبة لسكان الجنوب)
- وجبل الميدوب (يبلغ إرتفاع جبل ميدوب حوالى 6,000 قدم ويَعيش فيه مجموعات بدوية أو شبه بدوية تَعتمد فى حياتها على تربية الابل وهم يتجهون بإبلهم جنوباً وصولاً إلى الوديان العظيمة لـغربى دارفور مثل وادى أزوم، ووادى بارى حيث تتوفر المياه فى مواسم الجفاف، كما يرتحلون شمالاً الى التربة الرملية حيث تنمو بعد سقوط الامطار فى المنطقة المعروفة بـ الجزو، أنواع مِن العشب جيدة تستمر مُخضرة حتى شهر ديسمبر، وتُمثل هذه المنطقة بيئة صالحة لرعى الإبل دون الحاجة لمياه إضافية)
- وجبل مرة (يَقع جنوب غرب السودان فى ولاية غرب دارفور، ويَمتد مئات الأميال مِن كاس جنوباً إلى ضواحى الفاشر شمالاً، ماراً بدار زغاوة"أقصى شمال دارفور" وُيغطى مساحة 12,800 كم، ويُعد ثانى أعلى قمة فى السودان حيث يَبلغ إرتفاعه 10,000 قدم فوق مستوى سطح البحر، ويَتكون مِن سلسلة مِن المرتفعات بطول 240 كلم وعرض 80 كم2، تتخللها الشلالات والبحيرات البركانية)
وكانت أرض السودان الخصبة، المترامية الاطراف على نحو لا يتوافر فى جميع الأقطار العربية، دائماً ما تُترك بلا زراعة، إذ أن الإشتغال بالزراعة كان فى الضمير الجمعى عملاً خاصاً بالعبيد فقط، الأمر الذى قد يُبرر ربما من زاوية ما الإحتياج للعبيد وإعتماد العملية الإنتاجية على عملهم غالباً، كما كان من الأسباب الرئيسية كذلك، وهو سبب تقنى، تخلف أساليب الإنتاج وتأخر تقنية الأدوات والالات التى يمكن من خلالها زراعة تلك المساحات الشاسعة من الارض الخصبة الوفيرة الإنتاج.
إلا أن تدخل الإستعمار الراغب فى المنتجات الزراعية على إختلاف أنواعها، ثم بسط الحكومة المركزية هيمنتها، بعد ذلك، على الأرض، وإستقدام بعض وسائل الإنتاج التى يُمكن إعتبارها حديثة، إستصحب نوعاً ما من تقنين الإستخدام فى ضوء علاقة تبادل غير متكافئة بين الريف وبين المدينة، إذ تعتبر المدينة بوابة الوصول، فى الغالب إلى السوق العالمى لمختلف المنتجات المرتبطة بالأرض من زراعات إلى ماشية وأغنام تحتل بشأنها السودان مركز مهم فى حجم التجارة العالمية.
ولم تكن الأرض جميعها ذات طبيعة قانونية واحدة، إذ تنوعت صور الحيازة والملكية، وإنما ظلت الأرض فى مجموعها، فى عهد الحكم المصرى، ملكاً للحكومة، وهى التى تملك الحق فى التوزيع كمياً وكيفياً، على من تراه من المشايخ والقادة العسكريين، ومهندسى البحث عن المعادن، والأثرياء الراغبين فى زراعة مساحات من الأرض البور، كذلك وجدت أراضى الأوقاف التى أوقفت لخدمة المساجد والمدارس، إذ قام المسجد آنذاك مقام المؤسسة التعليمية، وهو يلعب نفس الدور، وحتى الان فى بعض أجزاء الشمال.
بالإضافة إلى ذلك، وهذا مهم، وجدت أراضى الحكومة، وهى تلك الأرض التى إحتكرتها الحكومة لنفسها وقامت بإستصلاحها وزراعتها لحسابها الخاص، ببعض المحاصيل الزراعية كالنيلة وقصب السكر والقطن، فالنيلة كما هو معروف كانت فى أيام محمد على، خاضعة للإحتكار الحكومى، وأما قصب السكر والقطن فكانا من المحاصيل التصديرية الهامة، سواء فى مصر أو السودان، ومن ثم كان من المتعين إخضاع بعض الأراضى للاشراف الحكومى المباشر؛ ضماناً لاستمرار عملية تصدير تلك المنتجات إلى الخارج، فى إطار علاقة تبادل غير متكافئة وإنما لصالح حكومة محمد على المركزية، التى ترتكز على السيطرة على"القيمة الزائدة المنتجة داخلياً"بإستخدام تلك القيمة (من خلال التفاعل مع السوق الدولية) فى سبيل بناء دولة إستعمارية توسعية فى طريقها للسيطرة على شروط تجديد إنتاجها وبناء قوتها على الصعيد الاقتصادى والسياسى والعسكرى، وهو الأمر الذى إستصحب بالضرورة تحويل الاقتصاد السودانى إلى إقتصاد زراعى متطور يتم الاعتماد عليه فى سبيل تحقيق تلك الاهداف، وهو ما لا يمكن تحقيقه إلا بإعادة طرح فكرة العمل الزراعى كأحد سبل التنمية فى المجتمع، فأصبحت مصر بالنسبة إلى السودان مركزاً هاماً للتعليم، فكان يوفد إليها المئات من السودانيين كى يتعلموا فنون الزراعة وأصول الفلاحة، ثم يعودوا إلى بلادهم لنقل تلك العلوم وتطبيقها فى مجال الزراعة السودانية، وقد تلاقت نية الحكومة المركزية فى مصر فى تنمية الاقتصاد السودانى على نحو زراعى متطور مع رغبة شعبية فى نفس الغرض التنموى الذى يفضى فى النهاية إلى إحداث نقلة نوعية فى مجمل الهيكل الاقتصادى السودانى. فلما أدرك السودانيون، وفقاً لاغلب الأراء المثالية، أن محمد على، قد قرر على أرض الواقع جعل الاقتصاد الزراعى إقتصاداً زراعياً متطوراً، بادر بعض المشايخ من تلقاء أنفسهم فى تقديم الطلبات للحكومة فى مصر يلتمسون السماح لأبنائهم بالسفر إلى مصر لتلقينهم فنون الزراعة، ولم تتوقف الحكومة عند حدود التعليم، وإنما تعدى الأمر ذلك إلى تقديم البذور للمزارع السودانى بأسعار رخيصة، مع تحصيل أثمان تلك البذور عقب جنى المحصول، بالاضافة إلى إستخدام الحكومة المركزية فى مصر السياسات الضريبية فى سبيل التشجيع على الزراعة، وبصفة خاصة فى عهد خورشيد باشا، والذى عمل على إعادة الفارين إلى الارض، وترغيب الهاجرين لها بالرجوع إليها وزراعتها، وهو ما يضمن تنفيذ السياسة العامة للحكومة المركزية فى القاهرة.
نعود إلى الأرض، وبصفة خاصة أرض الجنوب، فثمة نقطة أعتقد فى أهميتها كذلك فى مجرى التحليل كما سنرى، فلم يتعرف المجتمع الجنوبى على الملكية الفردية، وقبل أن تبسط الحكومة المركزية سطوتها على الأرض، لم يكن للأرض مالك سوى القبيلة التى تحيا فوقها، إذ كانت الملكية المشاعية هى الشكل الوحيد لملكية الأرض، وحينما ظهر الاستعمار والحكومة المركزية، لم يكن ليُفتت تلك الملكيات المشاعية وإنما ينظمها لضمان إنسياب الفائض، بما يتضمنه من قيمة زائدة، نحو الخارج، مع الظهور بمظهر المالك الشكلى للأرض، وبصفة خاصة فى الجنوب. وقد كان لتلك الصورة من صور الملكية القائمة على الشيوع الفضل الرئيسى، بتقديرى، فى عدم تكون طبقة كبار ملاك الأراضى، على الأقل فى الجنوب وبصفة أخص القبائل المستقرة (البقارة فى معظمهم) فى أقصى الجنوب.
والأرض السودانية ليست جميعها ذات طبيعة جغرافية واحدة، ولا تروى جميعها بطريقة واحدة، وذات أبعاد مترامية، الأمر الذى مثل صعوبة كبيرة لمحمد على، فى حصر الأراضى وتقسيمها؛ فقد وجدت أراضى الجروف، وهى التى تقع على ضفاف النيل وتعتمد على مياه النيل بعد الفيضان فى الرى، كما وجدت أرض الجزائر وهى التى يغمرها الفيضان ويتم زرعها عقب إنحساره، أيضاً أراضى المتره وهى الأرض التى تروى من خلال السواقى التى تُقام على حفرة واسعة من الأرض يتسرب إليها ماء النيل، ثم هناك الأراضى المطيرة والتى تعتمد على مياه الأمطار وتكون تلك الأراضى فى الغالب الأعم بعيدة عن مجرى نهر النيل أو أحد فروعه.
بعد عرضنا خطوتنا الفكرية الأولى، بجزأيها، ومعالم "إقتصاد" البلد مِن جهة، وجغرافيته مِن جهة أخرى، وهى المعالم التى تُمكننا، ولو مرحلياً، مِن إستيعاب السودان كأحد الاجزاء التابعة والمتخلفة مِن الاقتصاد الرأسمالى العالمى، فمِن الواضح بإستقراء الأرقام والإحصائيات المذكورة أعلاه، أن الاقتصاد السودانى إقتصاد هش، زراعى متخلف، متآكل الهيكل، تابع بكُل ما تَفرضه وتعنيه الكلمة؛ لا تقيم قطاعاته الاقتصادية فيما بينها أى نوع مِن المبادلات، أضف إلى ذلك قيام السودان بإستيراد الطعام، على الرغم مِن إعتباره مِن أكبر الدول العربية من جهة الهيكل الزراعى، الأمر الذى يجعلنا نفتش فى التاريخ للبحث فى جذور هذا التخلف وأليات تجديد إنتاجه بالانتقال إلى خطوتنا الفكرية الثانية والتى سننشغل فيها "بالكل التاريخى".
















الخطوة الفكرية الثانية: الكل التاريخى
وسأعمد هنا إلى تجاوز الحديث، الموسع، عن الكُل الأقدم (فهو لا يعنينى مباشرة) إبتداءً مِن حضارة "الكرمة" والتى إنتشرت أثارها مِن منطقة دنقلى شمالاً وحتى جزيرة أرجو جنوباً، وحضارة "كوش" التى إمتدت مِن 1580 و 750 ق.م، وحضارة "مروى" (الأصول التاريخية للرق فى السودان) وبعد مروى حقبة لا يُعرف، كما فى كل الكتب التى رجعت إليها، عن أخبارها إلا معلومات ضئيلة، حيث حَكم البلاد مجموعات سكانية لم يَتمكن علماء الآثار، كما يُقال كذلك، مِن معرفة إنتمائها العرقى، ويسمونها المجموعة الحضارية، ويَمتد عصر هذه المجموعة مِن سقوط "مروى" فى القرن الرابع الميلادى إلى ظهور المسيحية فى السودان فى القرن السادس الميلادى وسيادة مذهب "اليعاقبة" والمذهب "الملكانى"، ثم مواجهة التوسع الإسلامى على يد صلاح الدين الأيوبى، وستكون إتفاقية البقط (التى تم توقيعها فى العام 652بين عبد الله بن أبى السرح، حاكم مصر فى زمن الخليفة عثمان بن عفان وبين قليدروث، ملك النوبة) مِن قبيل الحكايات التى تروى للبرهنة على الاجتياح الإسلامى العربى للمجتمعات المستقلة، وللتدليل على ترسيخ الاسلام، من خلال خلفائه، لثقافة الاسترقاق.
إن تجاوزنا الحديث عن تلك المراحل التاريخية، المهمة بلاشك والجوهرية، إنما يرجع إلى الرغبة فى الولوج مُباشرة فى درس الهيكل(المتعين دراسته) وليس(التاريخ) الذى بَرع فيه البعض، أو تستروا به، بدعوى الحديث فى الاقتصاد السياسى، إستكمالاً لمسيرة الابتذال، والهزل العِلمى. والأبحاث التافهة. إن إهتمامنا بالتاريخ، فى حقل عِلم الاقتصاد السياسى، يَتعين أن يقف عند الحدود التى تبلورت عندها الظاهرة المتعين فهمها، وهكذا أفهم معنى"ما هو تاريخى" فى عِلم الاقتصاد السياسى. ولذا يتعين البدء مِن أول عدوانية للرأسمال الأجنبى (أجنبى عن الوطن) على الاقتصاد المعاشى بكامل خصوصيته فى السودان، تلك العدوانية التى تَمثلت فى: السيادة العثمانية المصرية على السودان فى الفترة من العام(1821) وحتى الاحتلال البريطانى لمصر فى العام (1882) وهى الفترة التى كانت فيها مصر تحت السيادة العثمانية، وعملت فيها الدولة العثمانية على توسيع نفوذها بالتوسع جنوباً، بالتعاون مع حاكم مصر محمد على، الباحث عن الذهب والرقيق(الجنود) وهو الأمر(أى تجارة الرقيق) الذى تم تجريمه، شكلياً، مع الاستعمار الأوروبى لمصر، والذى إمتد إلى السودان، مع عدم غياب الدور المصرى؛ إذ ظل الدور المصرى قائماً ولكنه كان محدوداً وشكلياً.
1- القرن التاسع عشر(10)
قبل أن ننتقل إلى تكوين الوعى التاريخى، ثمة ملحوظتين يتعين إبرازهما، الأولى: وهى تلك المتعلقة بالمنظور الحدودى للسودان، فقد جرت العادة، دون أدنى مراجعة، حتى بات من الأمور المستقرة؛ تناول السودان ككل، على أساس الحدود الاستعمارية، التى تم ترسيمها بعد الاجتياح الاستعمارى للسودان، بدء من الهجمة الاستعمارية التركية المصرية، وإنتهاءً بالهجمة المصرية البريطانية، ومن ثم سيُصبح صحيحاً لدى البعض، وما هو بصحيح، النظر إلى الأجزاء المختلفة وبصفة خاصة فى الجنوب كأجزاء متمردة وخارجة عن سلطان الدولة ، على الرغــم من انها لم تكن لتخضع لتلك السلطــة فى يوم من الأيام قبل تلك الهجمـــات الاستعمارية
-------------------------------
(10) أنظر على سبيل المثال فى تفصيل تلك المرحلة التاريخية: نعوم شقير، تاريخ السودان، تحقيق: الدكتور محمد إبراهيم أبو سليم (بيروت : دار الجيل،1981) وأنظر كذلك: أحمد أحمد الحته، تاريخ مصر الاقتصادى فى القرن التاسع عشر، ط3 (القاهرة: مكتبة النهضة المصرية،1958) وأيضاً: محمد صبرى، تاريخ مصر من محمد على إلى العصر الحديث (القاهرة، مكتبة مدبولى، 1996) محمد سعيد القدال، تاريخ السودان الحديث، مركز عبد الكريم ميرغنى، الخرطوم، 2002.
وترسيم الحدود وفقاً لمصالح رأس المال الغربى فى تحركاته المقسِمَة للقارة الأفريقية. وإنى أود أن أقول ان الحكى التاريخى يتعين أن يكون على هدى من فهم مدى الاستقلالية التاريخية لتلك الأجزاء المكونة للسودان قبل الاستعمار، ومن ثم فهم مدى الإدماج القسرى لتلك الأجزاء فى كيان واحد غير متجانس على الإطلاق وإنما متناحر ومتصارع، ودوماً يتم إستغـــلال هذا التناحــــر وذلك الصراع من أجل حفاظ الحكومـــــة المركزية على وجودها من خلال الاستفادة بتلك الصراعات بل ومحاولات تأجيجها. فحينما يمر بنا أن الحكومة أخضعت دارفور مثلاً، يجب الوعى بأنها أخضعتها إبتداءً من عملية توسع إمبريالى، وليس كأحد الأجزاء السودانية الخارجة على الحاكم، أو متمردة على السلطة كما يُقال. فأنا لا أفهم معنى كلمة "تمرد" التى كانت تستخدم فى زمن الاستعمار، وبصراحة لم نستطع حمل النفس على فهم الكلمة ذاتها بعد الاستقلال. والآن بصفة خاصة.
أما الملحوظة الثانية: فهى المتعلقة بتكوين الوعى بشأن تاريخ مصر(11)الحديث إبتداءً من الحملة الفرنسية؛ لان تاريخ السودان عادة ما يُقرأ، وهذا خطأ ولكن لا مناص، إبتداء من تاريخ مصر؛ ويمكننا القول بأن المجتمع المصرى، بتركيبته الاجتماعية بكُل خصوصيتها، لم يكن ليتعرف فى فترة تاريخية مبكرة على السوق الرأسمالية الدولية فى توسعها المستمر؛ إلا من خلال الحملة الفرنسية، والتى مثلت أول تُعارف، عدائى رسمى وواضح، فيما بين المجتمع المصرى، وبين الاقتصاد الرأسمالى العالمى المعاصر، وتحوله إلى أرض معارك ضارية بين قوى العالم الرأسمالى آنذاك، فقد جاء بونابرت إلى مصر فى أول يوليو1798، وإستولى على القاهرة بعد إنتصاره على جيوش المماليك، ولكن القوى الإمبريالية الأخرى أى بريطانيا، لم تجعل الأيام تمر حتى تمكن نيلسون من القضاء على الجيش الفرنسى فى إبى قير، وإستمر هذا الصراع بين قوى رأس المال الدولى، من أجل فرض الهيمنة على سوق المواد الخام، والموقع الاستراتيجى، ولم ينته، ظاهرياً، إلا بإعلان إنتهاء الحماية البريطانية على مصر فى عام 1922.
وإذ يكون من أهداف الحملة الفرنسية تعويض الخسائر الفادحة التى لحقتها فى حربها الاستعمارية مع إنجلترا، مع ضرورة توفير الغذاء بعد إزدياد السكان وبصفة خاصة فى الجنوب، بتحويل مصر إلى مزرعة هائلة، تمد الصناعات الفرنسية بما يلزمها، بالإضافة إلى جعلها منطلقاً إستراتيجياً فى البحر المتوسط، فإنه يتعين إتخاذ عدة إجراءات تخص إجراء المسح الشامل للأراض المصرية ودرسها بمن عليها، وهو الأمر الذى تحقق عملاً من خلال:
-------------------
(11) لتكوين الوعى حول التكون التاريخى لظاهرة التخلف الإجتماعى والإقتصادى المصرى فى تطورها عبر الزمن، بغية تكوين الموقف الرافض من سطحية النظرية الرسمية، أنظر: أستاذنا الدكتور محمد دويدار، الإقتصاد المصرى بين التخلف والتطوير (الاسكندرية: دار الجامعات المصرية. 1978) أيضاً لأستاذنا الدكتور محمد دويدار، المشكلة الزراعية والتطور الرأسمالى فى مصر. قضايا فكرية. القاهرة 1990، ولإستكمال التصور النظرى لخط سير الإقتصاد المصرى بعد إدماجه الكلى فى الإقتصاد الرأسمالى العالمى المعاصر: أنظر كذلك: أستاذنا الدكتور محمد دويدار، الحركة العامة للإقتصاد المصرى فى نصف قرن رؤية إستيراتيجية (القاهرة: إصدارات سطور الجديدة 2010) أيضاً: أحمد صابر سعد، تحول التكوين المصرى من النمط الأسيوى إلى النمط الرأسمالى (بيروت: دار الحداثة 2001) أيضاً الكتاب الأكاديمى الذى وضعه الدكتور أحمد الحته، تاريخ مصر الإقتصادى فى القرن التاسع عشر (القاهرة: مطبعة المصرى 1967) أيضاً: رؤف عباس حامد، النظام الاجتماع فى مصر فى ظل الملكيات الزراعية الكبيرة (الاسكندرية: دار الفكر الحديث 1973) ولتكوين تصور موسوعى لما قبل الحملة فإنه يتعين الرجوع إلى: عبد الرحمن الجبرتى، عجائب الآثار فى التراجم والأخبار ( القاهرة: لجنة البيان العربى 1960) وأيضاً: عبد الرحمن الجبرتى، وحسن العطار، مظهر التقديس بذهاب دولة الفرنسيس، تدقيق: أحمد عبده على (القاهرة: مكتبة الآداب، 1998) ولتكوين نفس نوع الوعى بعد الحملة يتعين الرجوع إلى: عبد الرحمن الرافعى، تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم فى مصر، أيضاً: بيتر جران، الجذور الإسلامية للرأسمالية، مصر 1760- 1840، ترجمة: محروس سليمان، ومراجعة: رؤوف عباس (القاهرة: دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع 1193) كما وأن هناك ثمة دراسة جيدة قامت بها فاطمة علم الدين عبد الواحد، تناولت فيها أحوال طبقة العمال الزراعيين الذين كان يطلق عليهم فى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين لفظ "الأجرية" أنظر: فاطمة عَلم الدين عبد الواحد، تاريخ العمال الزراعيين فى مصر 1914 – 1952 ( القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب1997)
وصف مصر، كمجموعة من الأبحاث الاستعمارية، وهو الأمر كذلك الذى إستلزم عدة أفكاروإجراءات تخص تنظيم الملكية والادارة ونظم الضرائب؛ بما يحقق السيطرة على الفائض، ويكفل تعبئته (تسربه) نحو الخارج. وإذ ما حاولنا رسم صورة كلية للوضع على الصعيد الاقتصادى والاجتماعى حين هجوم رأس المال الاستعمارى يمكن أن نلحظ أنه فى سياق الزراعة والعمل الزراعى، كان إستخلاص ريع الأرض من الفلاحين يعتمد على الحكومة المركزية، وليس على الوجود الإقطاعى. كما يُلَقن للطلاب، وكان إستمرار الإنتاج فى هذا النظام يرتكز على التعاون النشط من جانب أغنياء الفلاحين، والذى يتعين عليهم توفير وكفالة إحتياجات الزراعة، وربما معيشة المزارع نفسه، مع الاستئثار بالفائض. وكان قطـــاع التجـــارة مقتصراً نسبياً على القاهرة دون باقى الأســـواق فى مصر، كما قام هذا القطاع منذ أيام الأيوبين وحتى مطلع القرن السابع عشر، بوظائف التوزيع والتمويل للطبقة الحاكمــة، والتى تمثلت فى نُخبة المماليك، من جهة، وأثرياء التجــــار من جهة أخرى.
وإذ تنطلق الثورة الصناعية فى غرب أوروبا، تأخذ قيمة الأرض فى الارتفاع، فهى تمد المصانع بمواد العمل، كما زادت المنافسة فى قطاع التجارة خصوصاً بعد وصول التجار الأوربيين، والتجار السوريين المسيحييين، والذين قاموا بدور الوكيل للرأسمالية الفرنسية، وكان عام 1760، عام تولى على بك الكبير مشيخة البلد، أى حكم مصر، علامة فارقة على طريق الصراع من أجل الفائض، كى تبدأ مقدمات تأهيل المجتمع لتلقى أول عدوانية مباشرة لرأس المال الأوروبى على يد الحملة الفرنسية، والتى لم تتمكن من الاستمرار العسكرى أكثر من ثلاث سنوات، لكى يتولى محمد على حكم مصر، وبتوليه الحكم تبدأ سلسلة طويلة، من الاحتكاك والتفاعل مع السوق الرأسمالية الناشئة فى بعدها العالمى. فإذ يتولى محمد على الحكم فى عام 1805، فإنه يحصر أهدافه فى أمرين محددين بدقة: أولهما: إبادة الطبقة الإقطاعة المهيمنة على الأرض، والتى تمثلت فى المماليك، بصفة خاصة. ثانيهما: تصفية الإقطاع نفسه، وقد نجح محمد على، فى تحقيق كلا الهدفين فى زمن قصير، إذ حقق هدفه الأول فى مذبحة القلعة والثانى من خلال مجموعة من الإجراءات التى تمكنت من ضرب النظام الإقطاعى ذاته.
وإذ يحصر محمد على، أهدافه على هذا النحو، محققاً إياها، فقد عرف النصف الأول من القرن التاسع عشر، تحديداً فى الفترة من (1811 حتى 1840) تجربة للدولة فى مصر، تهدف، إقتصادياً إلى بناء إقتصاد سلعى مُستقل فى إطار السوق الرأسمالية فى صيرورتها نحو العالمية. يتم ذلك عن طريق إعادة تنظيم النشاط الزراعى، على نحو يُمَكِن من تعبئة الفائض الزراعى، الذى يُستخدم مباشرة، أو على نحو غير مباشر، من خلال التجارة الدولية، فى تحقيق نوعاً من البناء الصناعى، بما يعنى الإنتاج إبتداءً من طلب السوق، والسوق الدولية على وجه التحديد. وكانت الدولة، فى هذا الوقت تُهيّمن على ملكية الأرض، ولم يَعد الأمر يتعلق بمجرد إستقطاع الجزية من الإنتاج. فقد كانت السمة الجديدة هى(إحتكار الدولة للإنتاج) هذا إضافة إلى إحتكارها لتحديد الأثمان داخلياً وخارجياً، بما يحوى بين طياته فك الروابط التى قد يصنعها السوق الرأسمالى العالمى. إن هذا الاحتكار الذى فُرض إبتداءً من 1808 على الحبوب، سوف يمتد فيما بعد ليشمل جميع المنتجات القابلة للتصدير، فى محاولة للسيطرة على شروط تجدد الإنتاج، وخلق نوعاً ما من الاستقلالية المستندة إلى فك الروابط وعزل الأثمان، وقد نجحت التجربة حتى كادت أن تُهدد المصالح الأوروبية (التى هى متناقضة بطبيعة الحال) على صعيد السوق الرأسمالية العالمية، وبصفةٍ خاصة تهديد رأس المال البريطانى فى شرق البحر المتوسط، الأمر الذى قاد إلى التدخل العسكرى ضد مصر إبتداءً من 1840. وتوقيع معاهدة لندن، بين الدولة العثمانية وكل من روسيا وبروسيا وبريطانيا والنمسا، ثم إنضمت فرنسا، لكى يُقضى على تلك المحاولة، وهى الأولى وربما الأخيرة من نوعها، التى سعت نحو بناء الاقتصاد المصرى المستقل فى إطار السوق العالمى.
وعلى الرغم من أن العدوان الإمبريالى العسكرى ضد مصر قد حقق أهدافه؛ وقضى على فكرتى الاستقلالية الاقتصادية والتوسع الاستعمارى، إلا أن محاولة السيطرة على تجديد الإنتاج وخلق تلك الاستقلالية تجاه الاقتصاديات الرأسمالية الكبرى، ونجاح تلك المحاولة إلى حد ما؛ قد ساهمت بفاعلية فى تهيئة وتسريع إدماج الاقتصاد المصرى فى السوق العالمية وإنما كإقتصاد تابع، بعد أن كان مستعمَر، كى يخضع لسيطرة رأس المال البريطانى، الذى سَينشَغِل بإجراءات إلغاء الاحتكار الذى فرضته الدولة فى عهد محمد على، الأمر الذى سوف يَستتبع إعادة النظر إلى الأرض، بجعلها سلعة يُمكن طرحا فى مجال التداول بيعاً وشراءً ورهناً وإيجاراً، أى إخضاع الأرض لمنظومة قانونية تنتمى إلى أحكام القانون المدنى.
من هنا يَبدأ رأس المال الأجنبى فى التغلغل، أساساً فى شكله المالى، فى مجالات البنية الأساسية للخدمات والتجارة، الأمر الذى يُؤدى إلى فقدان المجتمع للسيطرة على شُروط تجديد إنتاجهِ، على الأقل من جهة الأرض التى صارت محلاً للتداول من خلال رأس المال الأوروبى. ويتعمق تغلغل رأس المال المالى الدولى فى الاقتصاد المصرى، بعد إتجاه الدولة إليه كمقترضة فى عهدى سعيد وإسماعيل(12)
يشهد القرن التاسع عشر إذاً فى مجموعه، إتجاهاً عاماً لحركة الاقتصاد المصرى كإقتصاد فى طريقه لأن يكون إقتصاداً رأسمالياً فى إطار عملية لتراكم رأس المال، بفعل الإنتاج من أجل السوق الدولية، وتوليد القيمة الزائدة، فى إطار من التعامل مع الأرض كسلعة تَخضع لجميع التصرفات القانونية الناقلة للملكية. يبدأ التراكم ذاتياً، بل مستقلاً، ثم يتحول، كما يقول أستاذنا الدكتور محمد دويدار(13) مع العدوانية المباشرة لرأس المال الدولى، البريطانى تحديداً فيما بعد، إلى نوع من التراكم الرأسمالى الذى يهدف إلى تعبئة (تسرب) جُل الفائض الاقتصادى نحو الأجزاء المتبوعة، المستعمِرة، الرأسمالية المتقدمة. بعد أن أصبح الإنتاج ليس من أجل الإشباع المباشر، أو الاكتفاء الذاتى، أو التصدير من أجل التراكم، وإنما من أجل حاجة الاقتصاد المستعمِر. معنى ما سبق أن تطور الاقتصاد المصرى، وتخلفه "التاريخى" الذى تُهمله النظرية الرسمية، ونمو الطبقات الحاكمة كان دائماً فى ركاب الرأسمالية الإمبريالية، التى تمكنت من إنتزاع فائض القيمة، والفائض العينى، بطريقتين:الطريقة الأولى: إستعمارية/عسكرية، إبتداءً من الحملة الفرنسية، وإنتهاءً بالاحتلال البريطانى.أما الطريقة الثانية: فهى، وعقب إستقلال المستعمرات، بخلق طبقة حاكمة موالية داخل البلد(وهى غالباً التى تلقت تعليمها فى عواصم البلدان الاستعمارية) تكفل إستمرار إتمام عملية تسرب المواد الأولية نحو الخارج. وفى المقابل توفر لها الرأسمالية الإمبريالية، مع غض بصر متعمَد عن مظاهر الفساد المستشرى، مع تدعيم مستمر فى سبيل ترسيخ الوجود السياسى، وإكسابه الشرعية (المزيفة عادةً) طالما ضمنت تلك الطبقات الحاكمة، البورجوازية فى الغالب الاعم، إنسياب المواد الأولية نحو الأجزاء المتقدمة.
إبتداءً من هاتين الملاحظتن يمكن أن نتقدم لبحث الوضع فى السودان مع أول عدوانية لرأس المال على الاقتصاد المعاشى فى السودان بكل خصوصيته الإجتماعية، والتى تمثلت مع أول حملات محمد على، إلى الجنوب وفتح السودان ضمن مشروع توسعى إمبريالى، إذ يُمكن القول بأن السودان تم غزوه بثلاثة جيوش على فترات متقاربة (فى الفترة من 1820 وحتى 1823)
------------------
(12) بلغ الدين العام عند وفاة سعيد 11,160,000 جنيهاً إنجليزياً، وليبلغ فى عهد إسماعيل سنة 1876 ما مقداره 126,354,360 جنيهاً إنجليزياً. أنظر: عبد الرحمن الرافعى، عصر إسماعيل، الجزء الأول، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2009)
(13) دويدار، الاقتصاد المصرى بين التخلف والتطوير، ص214
فهناك حملة إسماعيل، ثم حملة إبراهيم التى بلغت حدود قبائل الدنكا فى الجنوب، ثم حملة صهر محمد على باشا، أى محمد بك الدفتر دار، وتظل الحملة التى قادها إسماعيل باشا، هى الأهم والأشهر تاريخياً، إذ فى منتصف عام 1821 تمكن إسماعيل باشا، قائد الحملة، من فرض سيطرته العسكرية على أجــــزاء واسعة من الأراضى السودانية (بربر، وشندى، وسنار) وذلك بمساعدة من الشايقية وهى واحدة من أهم القبائل المكونة للجعليين الذين أحكموا سيطرتهم على مجمل المساحات المتأخمة لنهر النيل، من شماله حيث الدناقلة إلى جنوبه حيث البقارة- رعاة البقر، ومن المعروف تاريخياً أن الشايقية قد إرتبطوا برجال الإدارة المصرية منذ عام 1821، وذلك عقب هزيمتهم بصعوبة بالغة على يد حملة إسماعيل باشا، فلم يستسلم الشايقية إلا بعد حرب ضروس. وكان لوقوع صفية إبنة صبير أحد ملوكهم فى أسر إسماعيل، وإكرامها وإرجاعــها إلى أبيها الملك صبير الأثر الواضح فى إنشــاء العلاقـــــة بين الشايقية وبين الإدارة المصرية، فقد كان لتلك الواقعة الدور الرئيسى فى دخول صبير تحت لواء الإدارة المصرية وتبعه فى ذلك باقى الشايقية، والذين أصبحوا منذ ذلك الوقت منضوين تحت لواء الجيش المصرى وإشتركوا فى غزو سلطنة الفونج وفتح الجزيرة، كما منحتهم الإدارة المصرية مساحات من الأراضى قرب مصب النيل الأزرق، وقد ظل الشايقية على ولائهم لنظام محمد على بعد أن ضمن لهم هذا الولاء الهيمنة على الارض وبسط النفوذ الحربى، حتى وبعد أن إشتد إعصار المهدية الجامح، كما سنرى، وسقوط الخرطوم فى يناير 1885.
لم تكن فترة إسماعيل باشا، قائد الحملة، من الفترات الطيبة بالنسبة للسودان وبصفة خاصة بالنسبة للفونج، فقد مارست الادارة المصرية سياساتها الضريبة على نحو قاسى أدى إلى إنهاك الناس وهجرتهم وتركهم لأراضيهم وبيوتهم، الأمر الذى أفضى فى المنتهى إلى ثورة عارمة أودت بحياة إسماعيل باشا، ولم تكن أحداث تلك الثورة لتمر بتهدئة الثوار والسماع إليهم وإصلاح النظام الضريبى، وإنما أصدر محمد على قراره بقمع الثورة وأمر بتحرك الجيش (والشايقيون ضمنه) بقيادة الدفتردار؛ لتدمير تلك الأجزاء التى ثارت وقتلت إبنه إسماعيل، وبمرور الوقت، وبعد قمع الثوار، أدرك محمد على ان السودان لا يمكن حكمها من المركز فى القاهرة، وإنما يجب تعيين حاكم عام، قوى، لها يتولى أمرها، إذ كانت السنوات من 1821 وحتى 1826 سنوات مرتبكة فى حكم السودان، تخللها إنشاء الخرطوم سنة 1825.
أ- الحاكم العام
وبالفعل قرر محمد على تولية خورشيد باشا الذى إستأنف سياسة سلفه عثمان بك الإصلاحية والتى تهدف إلى ضمان إنسياب القيمة الزائدة المنتجة محلياً إلى القاهرة، إذ عمل خورشيد باشا منذ توليه منصبه كحاكم عام للسودان على إعادة الهدوء إلى الأرض وتشجيع مَن هجرها على العودة إليها فقد قام خورشيد باشا بوضع نظاماً ضريباً يُشجع على الرجوع إلى الأرض، وهو الأمر الذى يعنى من الوجهة الثانية تنشيط حركة الاتجار فى العبيد لأن السادة لا يعملون بالفلاحة والنشاط الزراعى بوجه عام، بل العبيد هم فقط الذين يقومون بتلك الأعمال، فمعنى الرجوع إلى الأرض أن يتم تنشيط تلقائى لتجارة العبيد؛ لأن ركود تلك التجارة إنما يعنى ضعف الإنتاج الزراعى وربما توقفه، وتوقف الإنتاج الذى يتم ضخه إلى الخارج عن طريق الإدارة المركزية فى القاهرة إنما يعنى زعزعة المركز الذى تسعى الإدارة إلى إحتلاله فى تقسيم العمل على الصعيد الدولى. ومن ثم فقد قام خورشيد باشا نفسه بقيادة مجموعة من حملات القنص فى أعالى النيل وعلى طول حدود أثيوبيا فى الفترة من 1827 وحتى 1833.
تعاقب على منصب الحكم العام بعد خورشيد عدد آخر، ولكن الضعف كان هو السمة السائدة فيهم جميعاً، فبعد خورشيد باشا تولى المنصب أحمد باشا أبو ودان الذى كان بمثابة صورة مهزوزة ليس إلا لمؤسسة الحكم المصرى فى السودان، فلم يكن فى مخيلته إتمام المشروع التوسعى، وكان معظم همه محاولات يائسة وبائسة فى السيطرة على حركات (التمرد!!) وبعد وفاة أبو ودان فى 1843، شهد السودان حالة من الفوضى، بعبارة أدق المزيد من الفوضى، فبالإضافة لحالة الفوضى التى كانت تشهدها السودان فقد مات محمد على، وخلفه إبن أخيه عباس الأول ومع تولى عباس الحكم فى القاهرة تردت الأوضاع وساءت إلى أقصى الحدود وأصبح السودان مكان المغضوب عليهم من رجال الإدارة فى القاهرة، ولم يكن فى ذهن عباس على الإطلاق المحافظة على فتوحات جده محمد على، ومن ثم لم يكن لديه أى تصور عن أى شكل من أشكال التوسع.
ب- المديريات الخمس
وبعد وفاة عباس الأول فى عام 1854، تولى الحُكم فى القاهرة الخديوى سعيد باشا وقد قرر إصلاح ما أفسده سلفه عباس الأول، وفيما يتعلق بالسودان فقد ذهب إليها فى يناير عام 1857، وإنزعج من الوضع البائس التى تعيشه السودان، فقرر إعادة تنظيمها بتقريره تقسيمها إلى خمس مديريات: سنار، وكردفان، والتاكه، وبربر، ودنقله. ثم أصدر منشوره الإصلاحى القاضى بنزاهة القضاء، وتخفيف عبء الضريبة، ومحاولة القضاء على السخرة. وفى آواخر حكمه عين موسى باشا حكمداراً عاماً للسودان، والذى على يديه، كحاكم غير مطعون فيه تاريخياً، نشطت الفتوحات جنوباً حتى إمتدت إلى منابع نهر النيل فى ألبرت وفيكتوريا، بيد أن تلك الفترة كذلك شهدت تطوراً ملحوظاً فى تجارة العبيد وتكون مؤسسات تمتلك السند الشرعى لتلك التجارة وترى أن محاولة التحريم مناقض للشريعة، وأن أية محاولة للتجريم إنما هى تدخل غير مشروع من قبل السلطة فى تجارة مشروعة، ولا يمكن القول بأن سعيد قد تمكن ولو جزئياً من القضاء على تلك التجارة، إذ يتعين إنتظار مجىء إسماعيل باشا كخديوى لمصر، فى سنة 1863، كى نبدأ فى الحديث عن حرب شعواء ضد المؤسسة التى كونها أمراء الرق، والتى صارت طبقة مهيمنة وذات تنظيمات وتركيبات معقدة، إستطاعت أن تفرض نفوذها فى شرق بحر الجبل وبحر الغزال وبصفة خاصة غرب بحر الغزال، حيث كون الزبير بن رحمة كما سنرى حالاً، إمبراطورية لتلك التجارة، للدرجة التى تنازلت معها الإدارة المصرية عن سلطانها فى إقليم بحر الغزال، وإعتبارته حاكماً له، إعترافاً منها رسمياً بمقدار السلطة والهيمنة التى بلغتها أحد وأهم الشخصيات التى تُلهم سيرتها تتبع التاريخ الموازى للسودان الحديث.إنه الزبير رحمة ولسوف نتحدث عنه فى موضعه، بعد قليل.
ج- عصر إسماعيل باشا
بعد وفاة سعيد تولى إسماعيل باشا الحُكم فى القاهرة، ويمكننا القول بأنه من الحكام الذين يثيرون الجدل؛ ففى عصره شهدت مصر نقلة نوعية كبيرة وتطوراً إجتماعياً بارزاً ، تمثل فى إتمام حفر قناة السويس، وإجراء إصلاحات شاملة على الصعيد الإدارى والقضائى، كما تغيرت معالم القاهرة والإسكندرية فصارتا أشبه بالمدن والعواصم فى أوروبا وبصفة خاصة فرنسا، أيضاً قام إسماعيل باشا بمد وتوسيع شبكة المواصلات والبريد، كما تم إنشاء العديد من معامل السكر، ومصانع النسيج، ووسع نطاق المطبعة الأميرية، كما جدد إرسال البعثات العلمية، وأنشأ الجمعية الجغرافية المصرية، ودار الكتب المصرية، كما شهد عصره ظهور الصحافة الحرة حيث أصدر يعقوب صنوع، وهو يهودى مصرى، بالإتفاق مع جمال الدين الأفغانى، ومحمد عبده جريدة أبو نظارة فى سنة 1877 لإنتقاد أعمال إسماعيل نفسه بعبارات تُكتب باللغة المحكية، كما أسس تقلا وأخوه بشارة تقلا جريدة الأهرام فى سنة 1876، وأصدر إبراهيم اللقانى مرآة الشرق فى أوائل 1879، وأنشا ميخائيل عبد السيد جريدة الوطن فى أواخر 1877، إلى غير ذلك من مظاهر النهضة، ولا نغفل بالطبع تسببه، بالإستدانة، فى وضع الاستعمار البريطانى فى حالة تأهب كى ينقض على البلاد!!
أعاد إسماعيل تسليح الجيش مكوناً جيشاً قوياً إستعان به فى إعادة الروح إلى المشروع التوسعى الاستعمارى الذى بدأه محمد على، فقد إستعان بالجيش والأسطول التجارى فى خطة توسع شاملة فى الجنوب فأرسل فى 1868 حكمدار السودان إسماعيل باشا أيوب قائداً لجيش قام بإحتلال أعالى النيل ودارفور، وكلف فى 1869 صمويل بيكر بتوسيع الامبراطورية فى الجنوب والقضاء على تجارة الرقيق، وتولى المهمة، تحديدا حكم المديرية الاستوائية بعد ذلك انجليزى اخر هو تشارلز جوردون، والذى تمكن من إخماد التمرد فى دارفور، وإعادة الهدوء الى الحدود الإثيوبية بعد أن فشل غزوها، كما إستطاع الى حد ما من تقليص حجم تجارة العبيد فى الجنوب.
ولم تكن إصلاحات إسماعيل وعمله المتواصل على تطوير المجتمع، دون إهتمام بالدائنين الأوربيين، إنجلترا وفرنسا، لم تكن إلا خطوة على طريق الإقصاء، إذ أصدر السلطان فى إسطنبول قرار عزله فى 1879، ولما علم جوردون أن إسماعيل تم عزله قام على الفور بتقديم إستقالته، الأمر الذى بدا أعلاناً لتراجع الدور المصرى فى السودان، وربما إنتهائه؛ إذ نهضت المهدية معلنة عن نفسها كحركة دينية ثورية هدفها إعادة صياغة الوعى الدينى وتصحيح الأوضاع بالتصدى للفساد الفقهى الذى جاء به الغزو العثمانى، ومن ثم التصدى، كذلك، للوجود الأجنبى وبصفة خاصة فى الشمال.
د- محمد المهدى
بعد ستين عاما مِن الحكم التركى للبلاد، قام محمد المهدى لمحاربة الأتراك مدعياً بأنه المهدى المنتَظر، ووقعت أولى معاركه مع الجيش التركى بقرية الجزيرة أبا عام 1881 واستطاع بعد معارك عديدة أن يُسيطر على الخرطوم عاصمة البلاد فى يناير 1885 (وقتل جوردون، الحاكم العام) وبعد شهور قليلة مات المهدى ودُفن بمدينة أم درمان، كى يَتولى الحكم بعده خليفته عبد الله التعايشى، وسط معارضة واسعة مِن أنصار المهدى وأهله الذين رأوا فى شخصاً غير مناسب طبقياً، لكن التعايشى تمكن بمزيد مِن العنف مِن إحكام قبضته على البلاد، وإتسمت فترة حكمِه بالاضطراب والعنف والقلاقل.
ولم يكن مَقتل جوردون، ليمر دون إن يشتعل الموقف فى بريطانيا العظمى والمطالبة بالانتقام؛ وبالفعل تم إرسال حملة قوامها 10 ألف جندى مصرى، وبقيادة الضابط الإنجليزى كتشنر وبمباركة اللورد كرومر المعتمد السامى البريطانى بالقاهرة تحرك الجيش نحو السودان ولم يلق أى معارضة تُذكَر، وكانت أولى معاركه الحقيقية مع جيش المهدى هى معركة (كرارى) التى إنتصر فيها الجيش المصرى، عام 1889، ولكن بعد أمجاد وأساطير، يحكيها البعض، عن الصمود والشجاعة والتفانى فى الدفاع عن الوطن!!
وفى عام1899 تم توقيع إتفاقية الحكم الثنائى بين بريطانيا ومصر، وتم بموجبها إعلان إلغاء سيادة الدولة العثمانية فى السودان. وفى عام 1924 تم اغتيال السير لى ستاك حاكم عام السودان فى شارع أبى الفداء بالقاهرة، فبدأت الأزمة بين الحكومة المصرية والبريطانية، إذ حملت لندن الحكومة المصرية مسؤولية الاغتيال؛ وترتب على ذلك إخراج الجيش المصرى مِن السودان. ومما زاد تعقد الوضع هو تضامن عدد مِن الضباط السودانيين مع المصريين وإندلعت فى البلاد ما سُمى بثورة 24 بقيادة "على عبد اللطيف" وآخرون. تم إخماد الثورة وقتل قادتها وأسر على عبد اللطيف، ثم نفيه لاحقاً إلى مصر.
هـ - الحركة المهدية
فى مارس 1881، وعلى أرض جزيرة "أبا" (150 ميلاً جنوب الخرطوم) جاءت محمد أحمد بن عبد الله الرؤيا لمرات عديدة والتى إختاره فيها النبى (صلى الله عليه وسلم) ليكون المهدى المنتظر. وفى أول الأمر أسرّ بأمر هذه الرؤية لصفيه عبد الله بن محمد طرشان، ثم لحلقة صغيرة من تلاميذه، قبل أن ينطلق إلى "الأبيض" العاصمة التركية- المصرية لكردفان، وهناك أعلن على الملأ أنه المهدى المنتظر، ودعا الأعيان والناس فى عاطفة جياشة إلى نبذ هذا العالم من أجل عهد جديد سيأتى للتقوى والعدل. وقد اجتذبت دعوته هذه وشخصيته الكاريزمية أنصاراً كثيرين أدوا له يمين البيعة سراً. وبعد عودته إلى أبا، بعث برسائل إلى الزعماء السودانيين فى الشمال يزف فيها إليهم نبأ أنه حقاً المهدى المنتظر.
وبتأمل أحوال المجتمع السودانى خلال تلك الفترة، والتى ظهرت فيها الحركة المهدية، فمن الممكن أن ندرك الأسباب الحقيقية وراء إنتشار دعوى المهدى وما إتصل بها من الطرق الصوفية، فقد عُرف المجتمع السودانى بالتدين الشديد منذ العهود السابقة، كما شهد السودان كثيراً من الحروب والصراعات الدامية والتى تركت آثاراً عميقة فى نفوس الناس، وهو الأمر الذى دفعهم للبحث عن الخلاص، لينقذهم من حالات الضعف واليأس، فكان الامل فى المهدى الذى بشر أتباعه بثواب الآخرة للمحرومين وسوء العاقبة للباحثين عن متاع الدنيا الزائلة.(14)
كان محمد أحمد عبد الله من دنقله وحين جاهر بكونه المهدى المنتظر؛ كان فى الأربعين من عمره، وقد إشتهر بين الناس بالفقه والورع، وذلك منذ إنخراطه فى الطريقة الصوفية السمانيّة التى رأى أنها قد أصبحت دنيوية للغاية، فتركها إلى جزيرة أبا حيث عاش حياة الزهد والتعبد، ولذا تم إعتباره من الاصلاحيين (المجددين) وقد منح نفسه ثلاثة ألقاب إسلامية فهو الإمام، وخليفة رسول الله، والمهدى المنتظر. وبفضل الانتصارات الساحقة المتتالية التى أحرزها المهدى وأتباعه على قوات الترك الجهادية المكروهة؛ والمزودين بالبنادق والمدافع؛ ترسخت الدعوى المهدية (الأنصار) وتمكنت من الانتشار وضم العديد من الرجال المتدينين وتجار الرقيق والعرب(البقارة). وبالنسبة لرجال الدين والفقهاء الذين حازوا على نفوذ كبير فى الريف السودانى، فقد كانوا منذ زمن طويل يستهجنون الحالة التى بلغها الإسلام، وخصوا بذلك الإسلام التقليدى الذى جاء به الأتراك وإعتبروه نوعاً من الزندقة. وقد وجد هؤلاء الآن الفرصة مواتية لتنقية الإسلام فى السودان؛ بإعتبار أن المهدى حينما تكلم عن الفساد والحكم الفاسد فقد كان يعنى الفساد الفقهى لا السياسى.
وهناك جماعة ثانية أيدت المهدى وهى الجماعة التى ضمت المنخرطين بشكل أو بآخر فى تجارة الرقيق. وكان معظمهم من الجعليين، أو مثل المهدى نفسه من الدناقلة الذين فقدوا أرباحهم، بعد أن أعلن رسمياً إلغاء الرق، والآن أصبح من الممكن لهم إخفاء بواعثهم الاقتصــادية والسياسية وراء إصلاح إسـلامى يتغاضى، عن الرق. كما تمثلت جماعـــة ثالثة فى
---------------------------
(14) ثمة دراسة جيدة رجعت إليها فى سبيل تكوين الوعى بشأن الحركة وبنائها الداخلى، وهى التى أنجزتها هدى مكاوى، بعنوان: البناء الاجتماعى للمهدية فى السودان (القاهرة: مكتبة مدبولى، 2006) وفى سبيل تكوين تصور ورؤية أكثر إتساعاً بشأن الكيفية التى قام فكر النهضة من خلالها بلعب دور الراية الأيدلوجية، وصياغة تركيبتها الداخلية كأيدلوجية وطنية على صعيد العالم العربى؛ وبصفة خاصة فى مصر(الثورة العرابية) وإمتداد تأثيرات هذا الفكر بموازة التأثيرات الأوروبية إلى إيران(ثورة المشروطة 1905-1911) ثم المهدى فى السودان، ثم لاحقاً إبن باديس فى الجزائر.....،وكل ذلك فى مجرى الصراع ضد الهيمنة الإقطاعية العثمانية والكولونيالية البريطانية والفرنسية، أنظر: فالح عبد الجبار، بنية الوعى الدينى والتطور الرأسمالى، دراسات أولية (دمشق: مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكية فى العالم العربى 1990)
البدو البقارة بكردفان ودارفور، وقد كانوا أقوى الجماعات التى عُدت من أنصار المهدى. وإذ تُصبح الحركة المهدية أمراً واقعاً وإذ يُصبح التمرد حالة سائدة؛ تُقرر بريطانيا بعد تردد الموافقة على فكرة أن يقوم الخديو بتعبئة حملة مصرية من عشرة آلاف جندى تحت قيادة ضابط بريطانى فى الجيش الهندى هو الكولونيل وليم هيكس، بيد أن الخلاف قد دب بينه وبين معاونيه من المصريين، وتمكن الأنصار من إبادة الحملة تقريباً عند سواكن جنوب الأبيض.وإذ تمر الأيام وتترسخ الدعوى المهدية كما تبرز أوجه المصلحة والتناقض بين التشكيلات البشرية المنخرطة بداخلها، حتى يظهر جوردون تارة أخرى على الساحة حاكما عاماً، كى يُقتل وتتحول مدينة الخرطوم فى الساعات الأولى من صباح 26 يناير 1885 إلى أنقاض بعد أن أبيدت الحامية المصرية، وأعلن الأنصار عن أنفسهم بمنتهى القوة. ولم تمض أيام كثيرة عقب الاستيلاء على الخرطوم حتى مات المهدى؛ ليخلفه عبد الله التعايشى، الذى كان عليه أن يواجه صعوبات عديدة، منها إحتواء الأعداء الداخليين، ومنها مشكلات الحدود الشرقية مع إثيوبيا. ولم تمض كذلك سنون كثيرة على وفاة المهدى حتى تفسخ الأنصار ودب فى صفوفهم الاختلاف والعداء، الأمر الذى ساعد على إنتهاء الدولة المهدية، ففى الأول من سبتمبر 1898 أقام كتشنر معسكره على الضفة الغربية من النيل أسفل سهل كرارى. وفى فجر اليوم التالى إقتحم حوالى ستين ألفاً من الأنصار الأسلاك الشائكة (فى بسالة نادرة، كما يقول روبرت كولينز) فى مواجهة قصفات مدافع مكسيم الفتاكة، فضلاً عن وابل الطلقات من الزوارق المسلحة.(15)وحينما بدأ الضعف على الأنصار أصدر كتشنر أوامره بالتحرك، فتقدمت الفرق البريطانية- المصرية دون توقف، ومع الصباح المتأخر كانت المعركة قد إكتملت، حيث قُتِل من الأنصار ما يزيد على أحد عشر ألف مقاتل، بالإضافة إلى ستة عشر ألفاً آخرين لحقت بهم إصابات خطيرة، فى حين بلغت خسائر الفرق البريطانية والمصرية والسودانية مجتمعة أقل من 50 قتيلاً، وعندما أدرك الخليفة أن هذا ليس يومه توارى عن الأنظار فى غرب السودان الشاسع. وعبر كتشنر وحملته النيل باتجاه القصر المدمر فى الخرطوم لاقامة قداس تذكارى للقائد تشارلز جورج جوردون. وهكذا إنتهت الدولة المهدية فى السودان. ولكنها تركت خلفها تاريخاً لا يمحى بسهولة.(16)
يبقى أن نشير إلى أن المهدية فى سبيل إقامة دولتها أباحت سبى المسلمين المتنكرين لدعوتها بعد أن قررت أن إنكار المهدية والكفر سواء، ويُسترق بحد السيف كُل مَن لم يهده الله إلى الإسلام مِن غير المسلمين أو يُنكر الاعتراف بالمهدى المنتظر، مسلماً كان أم غير مسلم. وبهذا إتجهت المهدية بالجهاد وسبى الحرب إتجاهاً غاية فى التطرف المبكر، أضف إلى ذلك الأحكام التى أصدرها المهدى والتى لا تنبىء إلا عن ثيوقراطية وإمعان فى فرض السطوة المتسربلة سربال الدين، ومن ضمن تلك الأحكام: الحبس والزجر بعد الضرب 80 جلدة لمن سب والده واستهزأ به ولم ينته. و80 جلدة لأى شخص حر يسب شخص آخر، وقد جعلها الإمام المهدى، كما تقول الدكتورة هدى مكاوى، فى بادىء الأمر 100 جلدة، ثم نزل بها إلى 80 جلدة بعد أن استقرت المهدية فى السودان. أضف إلى ذلك: الضرب 27 سوطاً لمن تكشف وجهها من النساء الأنصاريات. والضرب 27 سوطاً لمن ترفع صوتها، والضرب 80 سوطاً، وحبس 7 أيام لمن يشرب الدخان والتنباك. إلى آخر الأحكام التى شرعها المهدى.(17)ومع تمكن المهدية من فرض هيمنتها الكاملة على الشمال، لم تنجح فى تحقيق سيطرة تامة على الجنوب، إذ توقفت سيطرتها جنوباً عند مناطق فى بحر الغزال وأعالى النيل.(18)
---------------
(15) أنظر: وبرت كولنز، ، تاريخ السودان الحديث، ترجمة: مصطفى مجدى الجمال (القاهرة:المركز القومى للترجمة 2010) ص 358 (16) أنظر: روبرت كولنز، المرجع السابق، ص445 (17) أنظر: مكى الطيب شبيكة، السودان والثورة المهدية (الخرطوم: دار جامعة الخرطوم للنشر، 1978) (18) مكى، نفسه، ص121
وبوجه عام فإن أكثر ما يتذكره الجنوبيون مِن المهدية هو سعيها لفرض وإطلاق العنان مِن جديد لتجارة الرقيق. تلك النظرة السلبية للمهدية لدى أهل الجنوب سبقها فترة تَوَسم الجنوبيون فيها الخير، وحسبوا أن المهدية جاءت كى تُنقذهم مِن عسف الأتراك!
و- الزبير بن رحمة
فى هذه المرحلة التاريخية، تحديداً الفترة من 1856 وحتى 1913، ظهرت، فى تصورى، أهم شخصية سودانيــة فى القرن التاســـع عشـر، إنه الزبير بن رحمـــة، وسبب إختيارى العــام 1856يرجع إلى أنه تاريخ أول ظهور للزبير بن رحمــة على الساحة السودانية، تحديداً ساحــة الجنوب، وبحر الغزال على وجه الدقة
ففى هذا التاريخ، 14/9/1856 إلتحق الزبير بالعمل عند على بن عمورى، أحد أشهر التجار آنذاك، فى رحلاته التجارية ما بين الخرطوم وبين بحر الغزال، ولم يكن هذا الالتحاق إلا رغبة من الزبير، كما يروى المؤرخون(19) فى مرافقة إبن عمه محمد بن عبد القادر، الذى ألحق من قبل نفسه بخدمة القوافل المتجهة جنوباً.
لم يجل بذهن الزبير أن تلك الرحلة، ستمثل له مرحلة جديدة من حياته إذ سيتخطى دور التاجر، إلى تقلد دور الزعيم (الشعبى، والرسمى كذلك) بعد أن مثلت الرحلة الأولى تلك بداية سلسلة طويلة ومتصلة من رحلات الجنوب، تلك الرحلات التى تعكس بوضوح طبيعة الصراعات الجدلية بين القبائل، إذ كانت الصراعات والغزوات والحروب هى مميزات نمط الحياة، وبصفة خاصة فى الجنوب، فقد كانت القوافل دائماً محل نهب من القبائل المختلفة، الأمر الذى يعنى، فى المقابل، تأهب القوافل وضرورة إستعدادها الجيد لاعمال السطو تلك التى قد تمارسها معهم أحد قبائل الجنوب، وبالفعل، بزغ نجم الزبير بن رحمة كشخصية كاريزمية قادرة على خوض المعارك والإنتصار فيها، من خلال قيادة مقتدرة على إتخاذ القرار الصائب الحكيم، فتمكن من أن يجمع حوله العديد من الأتباع والمريدين، حتى بلغ جيشه أعداد تمكنه من أن يحل دور الدولة المصرية فيما بعد فى إخضاع الجنوب، وبصفة خاصة قبائل الفور
وقد كانت نواة هذا الجيش (500) فرداً من المحكوم عليهم بالإعدام، وكذلك من العبيد الفارين من أسيادهم.
وحينما إشتدت الحركة المهدية وفرضت هيمنها كان إسم الزبير(والذى جعلته الحكومة المصرية رهن الإعتقال فى القاهرة) من أهم الأسماء التى طرحت آنذاك للتعامل، بأى طريقة، مع المهدى وحركته، إلا أن السلطة المركزية فى القاهرة خشيت إرساله إلى السودان كيلا يتحالف مع المهدية بدلاً من القضاء عليها.
وعادة ما يُقدم الزبير ولد رحمة، تاريخياً، إما كأشهر نخاس فى القارة الافريقية آنذاك، أو محارب شجاع يمقت تلك التجارة، ولكل إتجاه براهينه التى لا تعنينا، إذ كُل ما يعنينا، مع وجود براهين النفى والاثبات، أن الجنوب السودانى كان معقل القنص البشرى وتصديره إلى مصر أو أوروبا.
--------------------
(19) عز الدين إسماعيل، الزبير باشا ودوره فى السودان (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب 1998)
وقد كان الرق موجوداً فى السودان قبل دخول محمد على، وكان السودان يصدر الرقيق إلى مصر وبلاد العرب قبل أن تدخل الجيوش المصرية، كما مثلت تلك التجارة إقتصاداً كامل المعالم، وشكلت نظاماً إجتماعياً، كما سنرى، فقد كان العمل فى الحقول ورعاية الماشية من إختصاص العبيد وليس السادة (العرب)
ز- القوات البريطانية فى السودان
وحينما أخذت دولة محمد على فى الضعف والتفكك وتحول الوجود المصرى إلى شكل خارجى ليس إلا، فقد كانت الأتاوى الجائرة والضرائب الباهظة سبباً مباشراً لقيام الثورات ضد الحكم المصرى العثمانى فى السودان، ففى عام 1881نَجح المهدى فى ثورته، وطرد الجيش المصرى العثمانى، وأقام حكومة سودانية وطنية، وإستمرت الدولة المهدية مِن1889 حتى 1898 وحققت وحدة نسبية للسودان، بما فى ذلك منطقة الجنوب. وبدخول القوات البريطانية إلى السودان بأوامر مِن اللورد كرومر المعتَمد البريطانى فى مصر إنهارت الدولة المهدية، بمعاونة الجيش المصرى فى ظل حكومة الخديوى، حيث كان الوجود المصرى إسمياً وشكلياً، والوجود الإنجليزى، كثانى عدوانية مباشرة لرأس المال الأجنبى بعد عدوانية دولة محمد على، كان هو الحاكم الفعلى فهو الذى يَحكم البلاد ويَنهب ثرواتها ومقدراتها. وفى عام 1899 وقعت مصر وبريطانيا، كما ذكرنا، إتفاقية ثنائية بينهما لحكم السودان، وفى ظل الاستعمار الإنجليزى للسودان المصحوب بإدارات مصرية، تَمكنت، مرة ثانية، الحركة المهدية مِن تحريك مشاعر المواطنين وإثارة نقمتهم ضد الإنجليز، وحثهم على الثورة، ومِن أهم تلك الثورات ثورة الـ24 التى قامت عام 1924 وشملت أغلب البلاد، وفى عام 1936 وقِعَت إتفاقية بين مصر وبريطانيا تُكرس إتفاقية عام 1899 التى حكمت بريطانيا مِن خلالها السودان بإدارة مصرية، وإستمر الشعب السودانى (فى المركز) فى حراكه الاجتماعى الرافض للاستعمار، والذى تلاقى مع تحول ذهنية الاستعمار نفسه مِن إستعمار عسكرى دموى، إلى إستعمار منهجى ثقافى، أقوى فى إمتصاص الموارد، وأجدى لاطباق التبعية؛ بعد أن نجحت فى تشكيل طبقة موالية من أبناء السودان نفسه، ففى 19/12/1955، أعلن إسماعيل الأزهرى (1901-1969) زعيم الحزب الاتحادى مِن داخل البرلمان السودانى، إستقلال السودان.
2- الحركات الوطنية فى السودان
ويُمكن القول بأن الحركات الوطنية التى نمت كانت تحمل سمات ملفتة للنظر، فلقد إنقسم السوانيون إلى (إستقلاليين) يُريدون الاستقلال عن مصر والانضمام إلى دول التاج البريطانى، وإلى (إتحاديين) يريدون وحدة وادى النيل ودولة واحدة تحت التاج المصرى. وبما أن السودان قد شكلته الطائفية على نحو أو آخر، فإنها سارعت، أى تلك الطائفية، كى تُشارك فى الوضع الجديد؛ فقامت طائفة الأنصار برئاسة عبد الرحمن المهدى بإحتضان الأحزاب الاستقلاية وعلى رأسها حزب الأمة (رئيسه الحالى: الصادق المهدى) وقامت طائفة الختمية بزعامة على الميرغنى، بإحتضان الأحزاب الاتحادية وعلى رأسها حِزب الأشقاء (فيما بعد: الوطنى الاتحادى، ثم الاتحادى الديمقراطى، وكان الأزهرى أول من تولى رئاسته).
ويمكن القول، كذلك، أن مؤتمر الخريجين، الذى تلا قيام نوادى الخريجين كان من أبرز الأحداث الاجتماعية والسياسية التى شهدها السودان فى الاعوام الممتدة ما بين 1936– 1948؛ فقد تزعم هذا المؤتمر الحركة الوطنية الجديدة وبث بذور الوعى الاجتماعى والسياسى وإتخذ مِن قضية نشر التعليم قناعاً باشر من خلاله عملية التوعية السياسية من أجل الاستقلال. وكان للاساتذة الدور البارز فى توجيه الفكر السودانى لا مِن حيث التعليم فحسب بل مِن حيث خلق النشاط الأدبى والذى تمثل فى ظهور الصحافة الأدبية فى السودان والتى مِن خلالها نادت هذه الطبقة الجديدة بتحرير الفكر السودانى مِن قيود العادات المتأخرة والتقليدية الفاسدة وأوهام الخرافات التى ليست من الدين فى شىء ودعت إلى إقامة وحدة وطنية على أساس مِن التفكير الاجتماعى الحديث البعيد عن الولاء للتقليديين الغارقين فى خصوماتهم المحلية الموروثة، وفى سبيل تحقيق هذه الأهداف عمدت إلى أساليب النضال السرية والعلنية، وكانت نوادى الخريجين متعددة النشاطات.
وكان نادى أم درمان رأسها المتوج بحكم وجوده فى العاصمة وبحكم الصلات الواسعة التى أقامها مع مفكرى البلدان العربية والأجنبية فكان مركزاً لمحاضرات المستشرقين الأجانب، والسياسيين والنقاد العرب، وملتقى رجال الفكر والأدب مِن السودانيين والمصريين ومنبراً للنثر والشعر فى مختلف المناسبات، ومنه ظهر قادة الرأى السودانى فى الصحافة والأدب والسياسة أمثال محمد أحمد محجوب، وعبد الحليم محمد، ومحمد يوسف مصطفى، ومعاوية محمد، وعلى نور، وغيرهم ممن كان لهم طابع واضح فى التفكير السودانى منذ بداية الثلاثينات حتى عهد الاستقلال)
نقول: منذ نوادى الخريجين، ومروراً بـ مؤتمر الخريجين كانت الحركة السياسية السودانية منقسمة إلى ثلاثة أقسام: القسمان الكبيران إتجه كل منهما إلى طائفة مِن الطوائف الكبيرة (الختمية، الانصار) وكان لكُل منهما إتجاه سياسى إما (الوحدة مع مصر) وبدرجات متفاوتة بين الوحدة والاتحاد، والاتحاد الاسمى، وإما الاستقلال، وبدرجات متفاوتة كذلك (إستقلال تحت التاج البريطانى) أو ضمن (التعاون البريطانى) أما القسم الثالث، فكان يرى الاستقلال التام عن مصر، وكذلك عن التاج البريطانى، وبعد أن بدأ النشاط السياسى لمؤتمر الخريجين، ظهرت الانقسامات بصورة كبيرة وتدريجياً بدأت الحركات السياسية والاحزاب تنشأ بعيداً عن المؤتمر حتى أفرغت المؤتمر مِن عضويته ومِن ثم مضمونه، إلى أن إغلق أبوابه نهائياً فى 1953.
وفى 4 نوفمبر 1945 أُعلن عن قيام حزب إستقلالى آخر وهو الحزب الجمهورى، وبميلاد هذا الحزب نشأت علاقة جديدة بين الاحزاب والمستعمِر؛ لأن الحزب قرر الإتجاه إتجاها لا يعرف الدبلوماسية ولا يعرف إلا أن تحرير الوطن لا يكون سوى بالاتجاه إلى الجهاد، ومن ثم توجه الحزب إتجاهاً "جهاديا"، الامر الذى إستلزم المواجهات الدامية بين الأحزاب الوطنية والاستعمار البريطانى، وظهر(محمود محمد طه) كمناضل ثورى، وأول معتَقَل سياسى، بعدها بدأ الناس يألفون التوجهات"الجهادية" ضد الإستعمار، وبدأت حملات الاعتقالات التى طالت رجال المؤتمر والأحزاب فيما بعد.
ولخشية إنجلترا مِن إنفراد مصر بالسودان، بعد أن وعدت بمنح المستعمرات إستقلالها عقب إنتهاء الحرب العالمية الثانية، فقد لعبت دوراً مهماً فى سبيل ترسيخ مفهوم وأهمية الاستقلال، ونجحت، طبقاً للروايات السائدة، فى إستقطاب الرئيس الراحل (إسماعيل الأزهرى) وفى عام 1952 حدث الإنقلاب العسكرى على الملكية فى مصر، إيذاناً بإعادة رسم الخريطة السياسية فى كُل المنطقة.
وفى أول يناير عام 1956 قرر جمال عبد الناصر، إستقلال السودان. وعلى الفور أَعلن إسماعيل الأزهرى، بيان الاستقلال السياسى الرسمى. كى تَسقط السودان فى بئر، أعمق، مِن التدهور على يد الحكام المتتابعين وفى مقدمتهم الرئيس السابق جعفر نميرى(1930- 2009) والرئيس الحالى (عمر البشير) إبتداءً مِن قيام الجنرال إبراهيم عبود، بالانقلاب العسكرى ضد الحكومة المدنية المنتَخبة فى مطلع عام 1958، ثم إندلاع ثورة أكتوبر عام 1964، التى أطاحت به، وتشكيل حكومة وطنية برئاسة الصادق المهدى. بعد ذلك بخمس سنوات تم الانقلاب العسكرى الذى قاده جعفر النميرى فيما عُرف بثورة مايو 1969، حيث حَكم السودان منذ عام 1969 حتى عام 1985 بالحديد والنار فى ظل قانون الطوارئ والأحكام العرفية التى طبقها طوال هذه الفترة، الأمر الذى معه قام عبد الرحمن سوار الذهب، بإنقلاب عسكرى عليه، أنهى حكمه العسكرى العرفى للبلاد.
وبعد فترة وجيزة لا تتعدى العام، تنازل الفريق عبد الرحمن سوار الذهب، فى واقعة غير مسبوقة على مستوى العالم العربى، مِن محيطه إلى خليجه، عن السلطة لحكومة مدنية ترأسها زعيم الحركة المهدية فى السودان الصادق المهدى، إستمرت فى مهامها كحكومة مدنية إلى حين قيام عمر حسن أحمد البشير، بالانقلاب العسكرى فى عام 1989، وإعلان قيام حكومة إنقاذ وطنى، والتى عَجزت عن إيقاف الحرب الأهلية طوال عقد التسعينات مِن القرن العشرين(20) وفى ظل هذه الحكومة أيضاً (حكومة البشير) إندلعت أسوأ الحروب، فقد إشتعل الصراع، وتفاقمت الأزمة فى إقليم دارفور(المضمة إلى السودان عام 1917، بعد أن كانت سلطنة مستقلة، وتلك ملحوظة غاية فى الأهمية فى مجرى التحليل) وأدت إلى حدوث إنشقاقات جديد ونشوء حركات عسكرية مُسلحة ضد الحكومة السودانية (القاطنة الشمال) مع مطلع عام 2004، والتى كان أخرها الاضطرابات التي عمت بعض المدن السودانية، وبالذات فى الجنوب والعاصمة الخرطوم، بعد مقتل جون قرنق، زعيم الجنوب. وبعد جهد كبير، وتدخل رأس المال الدولى، تم توقيع إتفاق سلام مع الحركة الانفصالية الجنوبية فى ديسمبر 2004، يَقضى بإعطاء مهلة مُدتها 6 سنوات تبدأ منذ توقيع الاتفاق، يشترك الجنوبيون خلالها فى السلطة، ثم يجرى إستفتـاء شعبى فى المناطــــق الجنوبية فى نهاية مدة السنوات الست المقررة فى الاتفاق، يُقـــرَر خلاله مستقبل الجنوب بالانفصال عن الدولة الام، أم بإبقائه مع الدولة الاتحادية بحكم ذاتى موسع. ولقد كان الانفصال هو القرار الذى إتخذه الجنوب. وهو ما سنناقشه فى حينه بعد قليل.
الآن وقد إنتهينا مِن خطوتنا الفكرية الثانية بتكوين الوعى حول الكُل التاريخى، وصولاً إلى الآنى على الصعيد الاجتماعى والسياسى، إبتداءً مِن عدوانية الاستعمار المصرى وقانون حركته الذى يدور حول السوق والتبادل، الساعى خلف الذهب والعبيد، ومروراً بالعدوانية المباشرة لرأس المال البريطانى(وفرض المحصول الواحد) وإنتهاءً بالسقوط فى بحار الجوع والفقر والمرض، والقمع الفكرى. فيتعين أن نسير خطوتنا الفكرية الثالثة ببحث التكوين الاجتماعى ذاته، وإنما إبتداءً مِن تكونه التاريخى وبُعده الجغرافى السابق التعامل معهما، وصولاً كذلك إلى الآنى:


-------------------------
(20) حصدت الحرب الأهلية فى جنوب السودان (1955-1972 و1983-2003) ما يزيد عن مليونى قتيل، وأعداداً أخرى لا تحصى مِن الجرحى والمعوقين، وكان نصيب الهجرات الداخلية الناجمة عنها ضعف أعداد القتلى، فقد تَشرد، على الأقل، أربعة ملايين سودانى وأصبحوا لاجئين داخل وطنهم. أما مَن ضاقت بهم الحياة فى الوطن وقرروا النزوح إلى البلدان المجاورة، فقد بلغ عددهم 420 ألف لاجئ. هذا العدد الكبير مِن القتلى والجرحى والمهجرين لم يكن فقط مجرد إحصائية؛ وإنما خَلَق ضغائن وعداوات كثيرة، وتسبب فى مشكلات إقتصادية، وإجتماعية سلبية لم يَعهدها المجتمع السودانى بهذه الكثرة مِن قبل، منها تزايد الانشطة الخارجة عن القانون مثل السطو العصابى على الماشية، وتهريب العاج والذهب والأحجار شبه الكريمة، وإختزان السلع لبيعها (فى الأسواق السوداء) (وإنتشار تجارة الأسلحة بين المليشيات) أنظر: سيد أحمد العقيد، دارفور والحق المر (القاهرة : الدار العربية للنشر والتوزيع، 2007)



#محمد_عادل_زكى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظرية جديدة فى جدلية فائض القيمة عند ماركس
- إحياء الفكر العربى. فقر الفكر الثقافى؟ أم فكر الفقر الثقافى؟
- الاقتصاد العالمى المعاصر . . . حينما يقود المخبولون العميان
- الاقتصاد السياسى لتجديد إنتاج التخلف (3)
- الاقتصاد السياسى لتجديد إنتاج التخلف (4)
- الاقتصاد السياسى لتجديد إنتاج التخلف (5)
- الاقتصاد السياسى لتجديد إنتاج التخلف (6)
- الاقتصاد السياسى لتجديد إنتاج التخلف (7)
- الاقتصاد السياسى لتجديد إنتاج التخلف (2)
- الاقتصاد السياسى لتجديد إنتاج التخلف (1)
- خاتمة كتاب الاقتصاد السياسى للتخلف
- مقدمة كتاب الاقتصاد السياسى للتخلف
- ملخص كتاب الاقتصاد السياسى للتخلف
- التكامل الاقتصادى العربى كإمكانية
- تسرب القيمة الزائدة وتجديد إنتاج التخلف
- موجز تاريخ الرأسمالية
- الأهم من الاجابة، هو الطريق الذى يسلكه الذهن فى سبيله لانتاج ...
- جذور التخلف الاجتماعى والاقتصادى، مصر، كنموذج
- جدلية القيمة الزائدة فى رأس مال كارل ماركس
- الديالكتيك فى رأس المال


المزيد.....




- فيصل بن فرحان يعلن اقتراب السعودية وأمريكا من إبرام اتفاق أم ...
- إيرانيون يدعمون مظاهرات الجامعات الأمريكية: لم نتوقع حدوثها. ...
- المساندون لفلسطين في جامعة كولومبيا يدعون الطلاب إلى حماية ا ...
- بعد تقرير عن رد حزب الله.. مصادر لـRT: فرنسا تسلم لبنان مقتر ...
- كييف تعلن كشف 450 مجموعة لمساعدة الفارين من الخدمة العسكرية ...
- تغريدة أنور قرقاش عن -رؤية السعودية 2030- تثير تفاعلا كبيرا ...
- الحوثيون يوسعون دائرة هجماتهم ويستهدفون بالصواريخ سفينة شحن ...
- ستولتنبرغ: -الناتو لم يف بوعوده لأوكرانيا في الوقت المناسب.. ...
- مصر.. مقطع فيديو يوثق لحظة ضبط شاب لاتهامه بانتحال صفة طبيب ...
- استهداف سفينة قرب المخا والجيش الأميركي يشتبك مع 5 مسيرات فو ...


المزيد.....

- روايات ما بعد الاستعمار وشتات جزر الكاريبي/ جزر الهند الغربي ... / أشرف إبراهيم زيدان
- روايات المهاجرين من جنوب آسيا إلي انجلترا في زمن ما بعد الاس ... / أشرف إبراهيم زيدان
- انتفاضة أفريل 1938 في تونس ضدّ الاحتلال الفرنسي / فاروق الصيّاحي
- بين التحرر من الاستعمار والتحرر من الاستبداد. بحث في المصطلح / محمد علي مقلد
- حرب التحرير في البانيا / محمد شيخو
- التدخل الأوربي بإفريقيا جنوب الصحراء / خالد الكزولي
- عن حدتو واليسار والحركة الوطنية بمصر / أحمد القصير
- الأممية الثانية و المستعمرات .هنري لوزراي ترجمة معز الراجحي / معز الراجحي
- البلشفية وقضايا الثورة الصينية / ستالين
- السودان - الاقتصاد والجغرافيا والتاريخ - / محمد عادل زكى


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - محمد عادل زكى - السودان - الاقتصاد والجغرافيا والتاريخ -