أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الفتاح المطلبي - أنابيب فارغة-قصة قصيرة















المزيد.....

أنابيب فارغة-قصة قصيرة


عبد الفتاح المطلبي

الحوار المتمدن-العدد: 3756 - 2012 / 6 / 12 - 03:06
المحور: الادب والفن
    


أَنابيب فارغة
عبد الفتاح ألمطلبي
إننا بحاجة إلى الخيال كي نواجه تلك الفظاعات التي تفرضها علينا الأشياء
خورخي لويس بورخس
قصة قصيرة
منذ قدومِ الشركةِ العملاقةِ،هكذا يذكرونها بتبجيل، ومباشرتها الحفرَ في وسطِ المدينةِ تغيرتْ أمورٌ كثيرةٌ ، سُدتْ طرقٌ وفُتحتْ أخرى وارتفعَ دخانٌُ وتعالى ضجيجٌ وسُمِعَ دوي أطلاقاتٍ و أُثيرَ غبارٌ وتقطعت أسلاكٌ وماتت حماماتٌ وعصافيرُ وغاضَ ماءُ النهر وحصل الكثيرُ، في ذلك الصباح قلتُ آه..لقد تغيرت الحياة ولربما كنت الوحيد الذي انتبه لذلك إذ إن الآخرين كانوا منشغلين بصفيحهم الذي ينقرون عليه فقد كان لكل ٍ صفيحته كما كان فيما مضى لكلٍ مسبحتهُ ، ونحنُ نراقب نمو بناءٍ إفعوانيٍّ ليصبحَ كجثة متورمة وبحكم ما أملكه من حساسية مفرطة تقرب من أن تكون مرضاً بتُّ أسمع أنيناً و عويلاً يجعل الحياة لا تُطاق ليس كمثل النقر على صفيح إخوتي المواطنين المألوف، وفرحتُ عندما غادرَتِ الشركةُ مخلفة ًورائها هذا البرج الذي قيلَ أن راياتنا سترتفعُ فوقه لكنها ولسببٍ ما غادرت على عجل ولم تُكمل البناء الذي بات كومةً من دعائمَ و أنابيبَ وألواحٍ بقيتْ مشرّعَة ً للريح لم تثبتْ بمكانها كما يجب وكلما هبت الريحُ التي تدور دائما في المدينة يمتلئ رأسي بالعويلِ والأنين آتيا من كل مكان ورحتُ أصرخ ألا تسمعون ، كان الناسُ منشغلين بصفيحهم الفارغ ينقرون عليه ليلا ونهارا فلا يسمعون غيرَه وقد استهجنوا افتقاري لصفيحةٍ أنقرُ عليها كما يفعلون واعتبروا ذلك شذوذا عن القاعدة وخروجاً على الذوق ولما زاد استهجان الناس لوضعي الذي أعانيه و كانوا يفعلون ذلــك وهم ينقرون على صفيحهم بخفةٍ وما أشيعَ عن أحلامي الغريبة التي لولاها ما كنت انتبه
لأمور لم أكن لأنتبهَ لها في الأحوال الاعتيادية وكأن الحياة كلها قد ماتت لتنعاها هذه الأصوات ولما تكلمتُ عن ذلك لم يصدقني أحد ، ازداد الأنين والعويل ،اعتبروا ذلك نوعا من هلوسةٍ أو جنونٍ ذلك إن الجنون والهلوسةُ أمست شيئا عاديا في هذا الزمن ولتلك الأمور أسبابها العديدة في بلادنا ، لم يسمحوا لي أن أوضحَ الأمرَ و حيال ادعائي آثروا العمل بحكمة القرود الثلاثة ،كفٌّ على العين ، إصبعٌ في الأذن ، كفٌ فوق الفم ،كان علي أن أقول لهم أن ذلك قد حصل إثرَ حلمٍ قارَبَ الحقيقةَ كما لو إني ألمسهُ وإن شخصاً ما في الحلم يُحَدثني بهدوء وجدية حول ذلك وحول أمورٍ طالما تساءلتُ عن جدواها في حياتي ، أذكرُ مما قاله لي بشكل أكيد أن الحياة كأي شيءٍ مستعمل يتراكم عليها الكثير من الشوائب و الزوائد غير اللازمة ولنقل بصراحة تامة يتراكم عليها كثيرٌ من مخلفاتٍ أو أزبالٍ أو أخطاءٍ لا نستطيع التخلص منها بسهولة خصوصا إذا كان الكثيرُ منها يأتيك مما حولك لكنني عجبتُ لملاحظته الواقعية المربكةِ إذ قال مقارباً الأمرَ أننا في جميع الأحوال نرتدي ذات الحياة منذ الولادة حتى الممات وعندما تتسخ هذه الحياة دون أن نسارع لغسلها وتنظيفها فإنها تتهرأ على الأغلب ، وليس منا من يجرؤ على خلع هذه الحياة عندما تتهرأ وتخلـُقَ ولا تعود صالحة ً ، لكنه أردف قائلا وهذا حقا من الملفت أن البعضَ القليلَ من الناس في العالم من استطاع أن يخلعَ حياته طواعية ًمتخليا عنها ببساطة مواجها الحقيقةَ التي تقول أنها لم تعدْ تجدي وعندما هممتُ بأن أطالبه بإيراد أمثلة مقنعة لكي لا يكون الكلام مجرد لغو فارغ استدرك قائلا: نعم عليك بقراءة انطولوجيا خالعي الحياة المتخلين عنها دون إكراه وستجد أنهم جميعا من الشعراء و أصحاب الحَرْفِ أولئك الذين مرِضوا بالشعر وداء التفكير،و أظنه ذكر في معرض كلامه سيزار بافيزي* و همنكوي** وكنت قد قرأت لهم ولم أعلم بإصابتهم بأمراض وكأنه كان يخمن ما أفكر به فأضاف إن مثل هذه الأمراض غير معدية وأضاف لقد سجل التاريخ نوعا من أمراض من هذا القبيل ولكنها كانت معدية ولما طالبته بمثال عن ذلك قال الحلاج*** منهم فقد تــُرِكَ لوحده يُصلب كمن يموت مصابا بًجذام ، لقد فرّ الناس من حوله في ذلك الوقت كما يفرون من مجذوم حتى مريدوه وتلاميذه تفرقوا عنه بصمت ، قال أيضا كان علي أن أحدثك لكي تعرف أنك أيضا من أولئك المرضى لكنك لا زلت في المراحل الأولى فما العجيب في إنك تسمع هذا الأنين والعويل منفردا ، وبينما كنت منصتا باهتمام في الحلم اختفى صوت محدثي على إثر صياح الديك المؤذن الذي يحبه جاري ويبالغ في تدليله لدرجة إنه يطعمه لحماً مفروما من خزين ثلاجته ،هذا الديك لا يرضيه أي مكان ليرفع عقيرته من فوقه إلا سياج الحديقة الفاصل بيني وبين جاري وفي مكان منه قريب من نافذة غرفة نومي ، منذ ذلك الوقت تغيرت أحوالي واستمر رأسي باستسلامه لأفكار رجل الحلم الذي فصل بيني وبينه صياح ديك الجار بلحظة انفجارية فغدونا أنا ورجل الحلم كأشلاء مبعثرة في كل الإنحاء وعندما صحوت تماما عجبت من طاقة الديك الكامنة في الفصل بين الحلم و شخوُصه لكنني استدركتُ في سري قائلاً لم العجب وهو يغذيه على اللحم المفروم واقتنعتُ تماما بلا جدوى انفعالي بل امتدت اللاجدوى إلى كل شيء ، وكانت تخنقني رغبة في البكاء ولو لفترة دمعة أو دمعتين وبتأثير موجةِ الخيبة واللاجدوى أهملت ذلك وازدريت انفعالي وبؤس تفكيري بالبكاء ، ورحت أنظر من خلال النافذة المصرة على أداء دورها في الطلول على الحديقة التي تنتهكها أشياء كثيرة كالجرذان الشرسة التي لا ينفع معها أي سم وعادم مولدة الحي التي تنفخ زفيرها المتواصل والديك المدلل ورحتُ أراقب شجيرة الورد المحتضرة بفعل الدخان وهي تواصل التخلي عن نواراتها البيض دون أن يرف بها عرق سوى تتابع تساقط أوراقها كدموع من حجر ،أذكر أيضا فيما أذكر أن النافذة َ التي كانت مفعمة بوجودها الإيجابي وبفرحها وهي تدعو عين الناظر إلى الاستمرار في قبول الحياة كما هي قد كفّت الآن عن أن تفعل ذلك وكأنها قد أصابها الملل وفكرتُ أنها يحق لها ذلك فلم تعد الحياة جديدة ولامعه بل بدا أن كل ما حولها قد تعرض لشيء ما يقتات على زهو الحياة ولمعانها ، كانت النافذة تبدو كأرملة بطلائها الأسود الوقور، تفاقم شعوري بضرورة غسل ما اتسخ من هذه الحياة ولكنني سهوتُ و فاتني أن أسأل رجل الحلم عن أفضل الطرق لذلك و إلى أن يحين لقائي به علي أن أغلق النافذة و أضع على أذني وقرا كيدا بالديك المدلل وبما أسمع من أصوات لا تُطاق وفيما أنا منخرطٌ بهذا المونولوج المدوّخ ، سمعتُ لغطا في الشارع ، وكنت غير مبال بأي شيء يحدث ، كان اللغط يقترب ويقترب وخمنت أن هناك ما يحصل في الخارج ولما اشتد اللغط وسمعت نقراً قويا على صفيحٍ فارغ ، فتحت درفة الباب اليسرى مستغلاً انشغال الناس في لغطهم المتواصل وانسللتُ بينهم دون أن أحفل كثيرا بما ينوون فعله فقد كنت محبطا وقانطا ولا أتوقع منهم الكثير خصوصا بعد رفضهم لسماع مبررات تحولاتي و أسباب آلامي ، كانت حشود الناس تتلاطم في الشارع و الجمعُ يقول بألسنة تتفاوت بين العلو والخفوت وهم يشيرون لي ، نعم كنا لا نعي ما يقول أيها السيد كنت صادقا والآن صرنا نسمع ما تسمع لكننا لا نعرف من أين يأتي هذا النواح والأنين وكأنه يأتي من كل مكان ، الآن نشعر به يدور حولنا و ظننا إنك تستطيع أن تتبعه وترشدنا لمصدره ذلك لأنك أول من شعرَ وأول من حزنَ و أول من أحسّ بأن الحياة ليست على ما يرام ، كنت مشدوها لكن صوت الأنين قادني بيسر إلى موضعه إثرَ توقفهم لبرهة وجيزة عن النقر على صفيحهم أو ربما لأنني الوحيد بينهم الذي شعر بأن الحياة تهترئ من جراء ما يجري ، كان الصوت آتياً من كومة الخردة في البرج الناقص وأشرت إلى أربعة أنابيب فارغة بدت على غير نظام كلما مرت عليها الريح ناحت وأعولت ، قلت بما أن الأمر لا زال مبكرا على رفع الراية فعليكم بأفواه هذه الأنابيب الفارغة إملأوها بالتراب والطين فهو كفيل بإخراسها الآن..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*سيزار بافيزي : شاعر إيطالي مات منتحراً
*همنكـَوي: روائي أمريكي مات منتحرا
***الحلاج : الحسين بن منصور الصوفي الذي قضى مصلوبا



#عبد_الفتاح_المطلبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكاية- قصة قصيرة
- قابيل- تهويمات
- ثمن الحرية البخس
- أمانٍ عاريات
- وادي السلام
- شجرةٌ في البرية
- حدث ذات يوم-قصة قصيرة
- قطط و أحلام
- نظرةٌ إنطباعيةٌ
- رجع قريب
- الشبيه
- يوم إستثنائي-قصة قصبرة
- طفوّ قصة قصيرة
- غنِّ يا حمام النخل
- يوميات طفل الحلم
- درب قصيدة
- سلاماً أيها الوطنُ المباحُ
- أيام صائد الفئران
- ربيع الكونكريت
- رياح الوجد-قصيدة


المزيد.....




- مش هتغيرها أبدا.. تردد قناة وان موفيز “one movies” الجديد 20 ...
- دق الباب.. اغنية أنثى السنجاب للأطفال الجديدة شغليها لعيالك ...
- بعد أنباء -إصابته بالسرطان-.. مدير أعمال الفنان محمد عبده يك ...
- شارك بـ-تيتانيك- و-سيد الخواتم-.. رحيل الممثل البريطاني برنا ...
- برنامج -عن السينما- يعود إلى منصة الجزيرة 360
- مسلسل المتوحش الحلقه 32 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- -الكتابة البصرية في الفن المعاصر-كتاب جديد للمغربي شرف الدين ...
- معرض الرباط للنشر والكتاب ينطلق الخميس و-يونيسكو-ضيف شرف 
- 865 ألف جنيه في 24 ساعة.. فيلم شقو يحقق أعلى إيرادات بطولة ع ...
- -شفرة الموحدين- سر صمود بنايات تاريخية في وجه زلزال الحوز


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الفتاح المطلبي - أنابيب فارغة-قصة قصيرة