أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مهدى بندق - احسان عبد القدوس وشمس اللبرالية الغاربة















المزيد.....

احسان عبد القدوس وشمس اللبرالية الغاربة


مهدى بندق

الحوار المتمدن-العدد: 1936 - 2007 / 6 / 4 - 05:38
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ثمة عبارة شهيرة تقول : إن وجود الناس هو ما يعين أفكارهم ، وليست أفكارهم هى التى تحدد كيف وأين يوجدون .

والحق أن حياة إحسان عبد القدوس ، وكذلك إنتاجه الأدبى ، إنما يثبتان بجلاء صحة هذه المقولة . وإنها لمقولة تستهدف توضيح العلاقة بين ما هو واقعى ملموس ، وما هو فكرى مجرد بإعطاء الأولوية للواقع الذى هو مصدر كل فكر ، وأساس كل إبداع ، وآية ذلك أن اللغة التى تنتج المعرفة تتشكل كنسق اجتماعى لا غش فيه ، بحيث يستحيل تصور فرد وجد منعزلاً عن غيره من البشر - على الطريقة المتوهمة لحى بن يقظان - يمكنه أن يسمى الأشياء ، بل أن يربط بينها بعلاقات منطقية .


الوجود الاجتماعى إذن ضرورى لاستخدام اللغة (التى هى معطى أولى يسبق وجود الفرد) وبالتالى فهو الذى يحدد كيفية هذا الاستخدام وغاياته والآفاق المفتوحة أو المغلقة أمامه . وما من شك فى أن هذا الوجود الاجتماعى إنما هو بدوره نتاج لتطور بيولوجى وفيزيائى ، ربما كانت بدايته - إن كان ثمة بداية - الانفجار العظيم Big Bang أو ما هو أبعد (فى حالة اللاتشكل فى المادة الأولى Choos) وعليه فإن تعبير الوجود لا غرو أن يتضمن المجتمع ، والمكتسب الثقافى البيئى علاوة على الموروث البيولوجى ، و...إلخ

وفى حالة الأديب السياسى إحسان عبد القدوس ، فإن تعبير «الوجود» الذى يضمه ويضم إنتاجه - لا غرو - يدور - وفقاً لهذا الفهم - حول مجمل حياته الاجتماعية (= الطبقة والفئة المهنية) شاملاً ثقافة عمره، وممتداً إلى موروثه الجينى ، هذا الذى يبين مدى التشابه فى ملامح الوجه وتكوين الجسم بينه وبين والدته السيدة فاطمة اليوسف ، تلك السيدة التى جمعت بين الرقة الأنثوية الطبيعية ، وبين قوة الشكيمة، والعزيمة الجبارة (الرجولية؟!) وليس غير القيم المختلة داخل المجتمع الذكورى ما سوف يعتبر هذه الإشارة للتشابه بين الرجل وأمه نقداً للطرفين ، فالرجل فى تقدير تلك القيم الذكورية الأحادية المنحازة ينبغى أن يكون رجلاً مائة فى المائة ، والمرأة إن لم تكن ضعيفة مكسورة الجناح لا بد تعد ناقصة ، ويستخدم فى وضعها تعبير مقصود به الذم ، ذلك تعبير «المرأة المسترجلة» !

فى بؤرة الوعى الأدبى امتزج الموروث البيولوجى بثقافة عصر يحتقن ببطريركية إقطاع شائخ ، ويحتقن بمخاض حداثى مستعص ، فوجد إحسان عبد القدوس نفسه وقد احتشد لنضال شاق غايته الانتصار للفكر الليبرالى المعبر عن حق الناس فى تنمية مواردهم الاقتصادية ، وحياتهم السياسية ، والمعبر كذلك عن أمانيهم (الكامنة Potential) لممارسة الحياة الإنسانية التى تسمح للرجل والمرأة أن يتواصلا عن طريق الحب لا عن طريق التملك ، والتملك المضاد . لقد أدرك إحسان مبكراً أن الحب قيمة عليا لا يمكن أن يتحقق إلا فى مجتمع حر ، مجتمع ذى فكر جديد ، يرى فى الرجل والمرأة مظهرين للحالة الإنسانية ، وبقدر ما يجمع أحد الطرفين فى ذاته بين خصائصه وخصائص الطرف الآخر ، بقدر ما يقترب من التعبير عن جوهر الظاهرة فى مجملها .

وذلك ما أثبته - بامتياز - إحسان عبد القدوس، إذ جمع فى حياته ، كما فى أدبه ، بين الرقة وقوة العزيمة ، بين العاطفية والروح القتالية ، وليس أدل على ذلك من نجاحه فى بناء حياة زوجية تقوم على الحب والمودة والتقدير ، وفى نفس الوقت نجاحه فى إنتاج أعمال أدبية رائدة جذبت إليها ثوار ورومانسيى الخمسينيات والستينيات مثل : (فى بيتنا رجل ، الوسادة الخالية ، الطريق المسدود ، النظارة السوداء، شىء فى صدرى ، أنا حرة )، حيث صورت هذه الروايات النضال السياسى من أجل التحرر والديمقراطية جنباً إلى جنب الدعوة إلى تحرير المرأة اجتماعياً ، لا لأنها النبع الصافى المنتج لعاطفة الحب ، بل ولأنها أيضاً عضو أصيل فى مجتمع مفترض فيه أن يرقى فى مدارج بغير تراجع ، ومن ثم فإن هذا العضو مطالب بمشاركة الرجل حقوقه وواجباته ، تمهيداً لبلوغ عالم الحرية ، غاية غايات الفكر الليبرالى الأصيل .

وما من شك فى أن حياة أسرية متميزة قد عاشها إحسان تحت جناح الأم العظيمة السيدة فاطمة اليوسف ، فنانة المسرح ثم الصحفية المؤسسة ، والمناضلة السياسية ، تلك الحمامة النمرة ، التى فرخت جيلاً كاملاً من الكتاب ، فى الوقت الذى كانت فيه تخمش وجه السراى ووزارات الأقلية ، ثم «الوفد» ذاته (حزب الأغلبية) حينما عاينت فيه خروجاً على المبادئ وانحرافاً عن مسيرته الثورية . فكان طبيعياً أن يشب إحسان عبد القدوس تحت جناح هذه الأم عصفوراً مغرداً ، وأن ينبت فيه كذلك ريش النسر المحلق فى الأعالى :

«طردتنى مرة من العمل وأنا متزوج وصاحب أولاد. وظلت عاماً كاملاً لا تخاطبنى بل إنها ضربتنى يوماً فى مكتبى ، وبين زملائى ...... ولكننى أعترف أن هذه القسوة كانت من الأحجار القوية فى بنائى ، وإعدادى للعمل الذى أقوم به » .

هكذا تحدث إحسان عن أمه قائلاً : «أمى صنعت منى هذا الرجل» والحق أن إحسان عبد القدوس إنما كان رجلاً بمعنى الكلمة ، نتاج تربية امرأة بمعنى الكلمة ، فإذا كانت الأم قد امتلكت الجرأة لترفض تهنئة الملك بعيد ميلاد مجلتها روز اليوسف ، حملها إليها النبيل عباس حليم ، فإن الابن امتلك نفس الجرأة ليواجه بها الملك وحاشيته من خلال سلسلة من المقالات النارية فيما عرف بقضية الأسلحة الفاسدة التى انتهت بإجبار حيدر باشا وزير الحربية على الاستقالة ، قبلها شارك إحسان بقوة فى مظاهرات الطلبة والعمال عام 1946 مما عرضه لمحاولة اغتيال على يد النبيل عباس حليم بتحريض من الملك ذاته ، بعدها خاض معركة الديمقراطية ضد الديكتاتورية العسكرية فيما عرف بأزمة مارس 1954 مما قاده إلى المعتقل والسجن . أما على المستوى الاجتماعى فلقد خاض إحسان معارك مماثلة لمعاركه السياسية بالفن على قوى التخلف التى أزعجتها آراؤه المتحرر بالنسبة للمـــــرأة (= نصف المجتمع) ولم تثنه عن أفكاره تحريفات مشايخ ، أو تكتل رجعيين ، أو تحريض برلمانيين ، يطالبون بمحاكمته وإدانته .

لم تكن تلك المعارك إذن مجرد أقوال وكتابات ، يمكن لصاحبها أن يحتمى من غوائلها متذرعاً بحرية التعبير المنصوص عليها فى الدستور ، بل كانت معاركه أفعالاً ، تتحدى قوانين الدولة علانية بالمظاهرات كما رأينا ، أو تجترح تلك القوانين بالانخراط فى العمل السرى .

قام إحسان بإخفاء المناضل حسين توفيق فى بيته معرضاً نفسه لعقوبة شديدة . فحسين توفيق كان الرجل الذى اغتال أمين عثمان ، الوزير الموالى لسلطة الاحتلال البريطانى آنذاك ، وقد شقت هذه الواقعة المثيرة طريقها إلى إنتاج إحسان عبد القدوس الأدبى، حينما كتب رائعته «فى بيتنا رجل» تلك الرواية التى سحرت ولا تزال تسحر الألباب بقيمها الوطنية والعاطفية الرفيعة .

فإذا كان هذا هو أثر «الوجود» وراثة وبيئة على تكوين الأديب فإن سؤالاً يبرز قائلاً : فلم إذن لم يستطع إحسان عبد القدوس أن يشق لنفسه قناة من المجرى الثقافى العام، بمعنى تأسيس مدرسة ومذهب ، وتربية كوادر «أدبية وتلامذة» يحققون مشروعه ؟!

ذلك السبيل لا بد أن يعيدنا إلى المقولة الأولى فى هذه الدراسة الخاصة بوجود الأفراد داخل نسق بيولوجى وإيكولوجى محدد ، ثم داخل النسق الاجتماعى ذاته (بما تعنيه السوسيولوجيا من ترابط بين الاقتصاد والسياسة والثقافة) ذلك لأن وجود إحسان داخل حقل معرفى «كان سائداً فترة الثلاثينيات والأربعينيات» هو حقل الليبرالية الانتقائية Elactic Liberalism بأساسهـــــا الاقتصـــــادى الهش، وأبنيتها السياسية المشروخة ، إنما يعد بمثابة البذرة التى تثمر توحيد الأيديولوجيا باللغة ، وتجريد الاثنين غطرسة على حقيقة كونهما مجرد إنتاج لمعرفة محدودة فى الزمان ، وادعاء بأنهما - الأيديولوجيا واللغة - تعبير عن حالة طبيعية للوجود ، فى حين أنهما غير ذلك بالفعل .

فما هو هذا الحقل المعرفى الذى وجد إحسان عبد القدوس نفسه حبيساً فيه ، إنه العقل الذى حرثته فكرويات الثورة البورجوازية المصرية والمعروفة بثورة 1919 . وكان طبيعياً - بالنظر إلى تكوينه التاريخى - أن يثمر ثقافة تتطلع إلى الحداثة ، وتخشاها فى آن . كان البورجوازيون الجدد ، خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين ، يدركون فداحة الثمن المطلوب سداده بفاتورة الديمقراطية ، فلقد كان عليهم الاعتراف أولاً بالواقع الطبقى ، ثانياً الاعتراف بحق طبقات العمال والفلاحين فى إنشاء أحزابهم ومنظماتهم المستقلة ، دون وصاية أيديولوجية أو سياسية . هكذا رفض سعد زغلول - زعيم الأمة والطبقة البورجوازية - الاعتراف بالحزب الاشتراكى واعتقل قادته : حسنى العرابى ، وعبدالله عنان ، وسلامة موسى فى مارس 1924 ، بعدها بعام واحد تخاذل معظم المثقفين الليبراليين عن مؤازرة الشيخ على عبد الرازق ضد الملك فؤاد (الذى كان يسعى لتنصيب نفسه خليفة للمسلمين ، بعد سقوط دولة الخلافة العثمانية !) ، ولم يمض سوى عام آخر حتى جدد هؤلاء المثقفون تخاذلهم فى المعركة التى دارت بين طه حسين والمؤسسة الدينية حول كتاب أراد به طه حسين أن يؤسس لمنهج الشك الديكارتى ، والذى بدونه فلا فكاك من أحابيل الجمود الفكرى والتحجر العقلى . فكان من نتائج هاتين المعركتين أن سارع الرجلان - عبد الرازق وطه - للاحتماء بكهف الثقافة العامة السائدة ، صمتاً أو مناورات ومراوغات . ولقد كان ذلك تعبيراً أمنياً عن الأوضاع الاقتصادية المادية، التى وجدت البرجوازية المصرية نفسها محاصرة فيها ، جراء استتباب أنماط الإنتاج شبه الإقطاعية ، وانغلاق الأبواب أمام التطور الرأسمالى بسبب سيطرة الرأسمالية الأجنبية (ممثلة فى جيوش الاحتلال) على السوق المحلى . فكان منطقياً أن تظل الثقافة الوطنية حبيسة هذه الأوضاع المأزومة ، رغم اشتياق أصحابها إلى التطور والتغيير.

من هنا - وفى سياق ذلك الحصار - يبرز الطابع المزدوج للثقافة . فهى من جانب الوسيلة المثلى للاستفادة والتقدم ، ومن جانب آخر ، هى الأداة العملية للاستقرار وتحقيق التوافق الاجتماعى ، وهذا الأخير -لا شك- يحمل فى طياته من التداعيات السلبية ما يحمل . يصف عمانويل فالرنشتين فى حواره مع روى بوين بعض هذه التداعيات السلبية قائلاً :

الثقافة كلمة تصف ما يقيدنا بأشد الأساليب فعالية ، وذلك عن طريق تشكيل إرادتنا التى تسعى للحرية ، وبالتالى فهى ليست كلمة تصف قدراتنا على الفرار من تلك القيود بقدر ما تجعلنا نتمسك أكثر بتلك القيود .

للثقافة أن تزهو بأنها تغطى معظم المساحات البشرية سلوكاً ومفاهيم ووسائل عيش ، فتكاد أن تحجب تأثير الرغبات البيولوجية الأساسية أو بالأقل تواريها وتقمعها إلى أن تذوى داخل نفوس الأفراد ، ولعلها - فضلاً عن ذلك كله - تنجح فى إقصاء الحقائق التى ينتجها العلم ، مثل نظرية التطور ، وآفاق الاقتصاد السياسى ، والنتائج الفلسفية المترتبة على نظرية النسبية ... إلخ . وفيما يتعلق بإحسان عبد القدوس فإنه يمكن تفهم تأثير الطابع المزدوج لثقافته المكتسبة من مجتمعه الأوسع - المجتمع المصرى الطبقى أساساً ، وحبيس النمط الآسيوى للإنتاج - ومن طبقته البورجوازية المحاصرة اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً ، ومن فئته المهنية (رجال الصحافة والإعلام) تلك الفئة التى تحولت رويداً رويداً لتصبح أقرب إلى فئة الموظفين خاصة بعد استيلاء العسكرتاريا على السلطة عام 1952 . لا غرو أن تلاحظ العين المتفحصة مدى الأثر المدمر ، لتلك الثقافة المزدوجة ، والذى ساهم بقوة فى الوصول بالمناضل إلى حالة الارتكاس Set back الثقافى التى وصلت بصاحبهــــا إلى الاكتفــــاء بالتعليقات السياسية التبريرية (مقالات أمس واليوم وغد بالأهرام) أو كتابة روايات دامعة متأسية مثل أنا لا أكذب لكنى أتجمل ، و... كلنا لصوص يا عزيزى ، والراقصة والسياسى ، ولن أعيش فى جلباب أبى . تلك الروايات التى رحبت بها السينما والتليفزيون . وأهملها النقد الأدبى . ذلك لأنه حين طالب إحسان عام 1954 بإنشاء حزب للثورة بزعامة عبد الناصر ، يخوض الانتخابات بجانب الأحزاب الأخرى ، أمر عبد الناصر بإيداعه السجن الحربى ، وبعد الإفراج المشروط ، دعاه إلى العشاء معه فى منزله ، إشارة إلى سيف المعز وذهبه ...! بعدها فقد إحسان حماسه اللاهب . مفضلاً الأدب على السياسة ، غير مدرك لحقيقة كون الأدب مثل السياسة يتطلب الانخراط المتحمس ، والتوحد الثقافى المناضل .

هكذا يمكننا أن نفهم كيف وقف إحسان على شاطئ الإبداع الأدبى فى غير حماسة لخوض العباب اللجىّ ، مكتفياً بطرطشة القدمين بالماء الضحل ، بينما هو فى حالة سأم أنطولوجى ، وهى حالة تمنع صاحبها من التفتيش عن العناصر الحداثية اللازمة لكل عمل إبداعى . من هذه العناصر : التناص Intertextuality الـمعبـــر عن العلاقــة بين نصين لكل منهما دلالته الخاصة إلى جوار الدلالة الأعم التى تشير إلى وحدة المحنة الإنسانية ، وهو ما يؤثر بعمق فى تجربة قراءة النص الإبداعى باعتباره رحلة كشف تضاريس الزمان والمكان . وعليه فإن مقارنة روايات إحسان ذات النص الواحد برواية الزينى بركات لجمال الغيطانى لن تكون فى صالح إحسان ، فرواية الغيطانى التى تجمع بين صوت الروائي المعاصر وبين صوت ابن إياس الحنفى ، وتمزج بين هزيمة 1967 وبين سقوط دولة المماليك عام 1517 لا يمكن أن تكون إنتاجاً لحالة سأم وجودى مجرد ، بل تعبيراً عن موقف ثقافى «ليسارى» ينحاز إلى الطبقات الكادحة التى تسحقها السلطة فى كل العصور ، وتسدد هى فاتورة الهزيمة فى كل زمان ومكان.

ومن العناصر الحداثية أيضاً تبرز آلية الإزاحة Displacement التى يتم بمقتضاها مخالفة النسق اللغوى المألوف للون الأدبى السائد ، مما يشى باعتراض الأديب على مواصفات الجماعة الثقافية التى تستسلم للسائد والمألوف والمستقر ، وهنا تجدر المقاومة بين طريقة السرد العادية جداً عند إحسان ، وبين أسلوب صنع الله إبراهيم المفزع فى «تلك الرائحة» و «اللجنة» و «نجمة أغسطس» و«شرف» .

وثالث تلك العناصر هو الحوارية Diloguality وهى ليست مجرد تزويق يخفف السرد التقليدى بمناقشات تدور بين الشخصيات من قبيل سأله ..... ، فأجاب ........ ، عاد يسأله .... فرد عليه قائلاً ........ إلخ . الحوارية أداة فكرية بقدر ما هى آلية أسلوبية ، وهى أكثر تعقيداً بما لا يقاس من ذلك الأداء الشكلى المعروف عند التقليديين باسم ثغرات الحوار ، حيث تؤسس «الحوارية» على قاعدة أن لكل وعى وعياً ضدياً Anti - consciomoness ينكشف كل منهما على الآخر عبر تنامى السرد ، وذلك انطلاقاً من تسليم الأديب الروائى بكونه ليس كائناً متعالياً Tronscendent يعرف الحقيقة كاملة ، ومن بتسليمـــه كذلك بأنه ليس محايداً متجرداً عن الهوى والميل . فلنقارن إذن بين النبرة اليقينية فى روايات إحسان عبد القدوس ، وبين موجات الشك التى تطامن من غرور البشر فى رواية مثل رواية «نزيف الحجر» للكاتب الليبى «إبراهيم الكونى» الذى بدا بهذه الرواية وكأنما هو كوبرنيكس أدبى . يزحزح الإنسان عن مركزيته المتوهمة فى الأرض ، كما زحزح كوبرنيكس «العلمى» كوكب الأرض عن مركزيته المتوهمة فى الفضاء .

ومع ذلك فلسوف يظل إحسان عبد القدوس قائماً حياً فى وجدان الثقافة المصرية ، بطلاً فارساً من فرسان الليبرالية ، تلك التى أشرقت شمسها فى الربع الأول من القرن العشرين ، ثم ما لبثت حتى غربت مع بلوغ هذا القرن منتصفه ، إذ داهمته حواصب العسكرتاريا ، وحواصبها ، وسوافيها ، مخلفة وراءها ظلالاً ، بعضها خسيس ، وبعضها نبيل .

وما من شك فى أن إحسان عبد القدوس لمنتم - بحياته وأدبه - إلى النوع الثانى .... النبيل .



#مهدى_بندق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التراث المجهول
- حوارات مهدي بندق – 7 - مع أدونيس
- في رماد المحو
- استقالة من ديوان العرب
- مواسم الجفاف
- حوارات مهدي بندق - 6 - مع قطب اليسار أبو العز الحريري
- حوارات مهدى بندق - 5 - مع الدكتور مجدى يوسف
- حوارات مهدى بندق -4 -مع الناقد د.صلاح فضل - القسم الثاني
- حوارات مهدى بندق - 3 - مع الناقد الأدبىّ د. صلاح فضل
- حوارات مهدى بندق -2 - مع السيد ياسين
- والدولة أيضاً محاصرة في مصر
- حوارات مهدي بندق - 1 - مع جابر عصفور
- البلطة والسنبلة -5- المصريون واشارات الخروج من الحصار
- ريا وسكينة بين صلاح عيسى وميشيل فوكوه
- البرهان الثقافي على المسألة الإقتصادية
- قصيدة أُقَلِّبُ الإسكندرية على أجنابها
- تفسير غير تآمري للتعديلات الدستورية المصرية
- إضراب عن الماء
- الإخوان -المسلمين- وغيرهم ثقافة مُحاصَرة ومحاصِرة
- * المدربون


المزيد.....




- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...
- جهاز كشف الكذب وإجابة -ولي عهد السعودية-.. رد أحد أشهر لاعبي ...
- السعودية.. فيديو ادعاء فتاة تعرضها لتهديد وضرب في الرياض يثي ...
- قيادي في حماس يوضح لـCNN موقف الحركة بشأن -نزع السلاح مقابل ...
- -يسرقون بيوت الله-.. غضب في السعودية بعد اكتشاف اختلاسات في ...
- -تايمز أوف إسرائيل-: تل أبيب مستعدة لتغيير مطلبها للإفراج عن ...
- الحرب الإسرائيلية على غزة في يومها الـ203.. تحذيرات عربية ود ...
- -بلومبيرغ-: السعودية تستعد لاستضافة اجتماع لمناقشة مستقبل غز ...
- هل تشيخ المجتمعات وتصبح عرضة للانهيار بمرور الوقت؟


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مهدى بندق - احسان عبد القدوس وشمس اللبرالية الغاربة