أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - نورالدين الشريف الحراق - وجهة نظر في التطرف الديني














المزيد.....

وجهة نظر في التطرف الديني


نورالدين الشريف الحراق

الحوار المتمدن-العدد: 1918 - 2007 / 5 / 17 - 11:45
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


يمكننا العثور على أصل جميع أشكال التطرف الديني في العالم في حقائق تم فصلها عن ترابطاتها الأصلية، ففقدت معناها وتحولت إلى شبه فضلات لشيء ما تافه، لأن السياق أو الكيفية التي تم بها التوصل إلى تلك الحقائق أو تلك الأفكار، ضمن علاقاتها التاريخية والمنطقية والروحية قد غمرها النسيان، فتحولت إلى معتقد أعمى، أو إلى مجرد دعاية ليست لها أية علاقة بالإيمان الأصيل أو بالثقة في الحقيقة، أو في قوة الفكرة، تلك الثقة التي ترقى إلى مستوى اليقين الباطني، حينما تؤكدها التجربة وتنسجم مع قوانين العقل والواقع.
ومن هذا المنظور، تسمح المقاربة الباطنية لمختلف الأنساق الدينية عبر العالم باستكشاف مجموعة من التقاطعات العمودية المخترقة لتلك الأنساق، ومن أهمها إرسالية أساسية مفادها أن الفكر المجرد من الإحساس، والمعرفة المجردة من المحبة، والعلم المجرد من الشفقة مآلهم النكران الكامل والفراغ الكلي، بينما الإحساس المجرد من العقل، والمحبة المجردة من التمييز، والشفقة المجردة من المعرفة يؤدون إلى الاضطراب وإلى الانحلال.
وعليه، فإن خطاب مؤسسي كافة الأنساق الدينية عبر العالم لم يُعْفِ الأفراد الملتزمين بتلك الأنساق من ضرورة صياغات جديدة لمضمونها وحقائقها، لأن مقدار فهم أولئك الأتباع و إدراكهم لتلك المنظومات، ونشرهم لها، والدعوة لها، يظل رهينا بالطابع النسبي للخبرات الوجودية المرتبطة بإكراهات الزمان والمكان.
لقد أوضح أولئك المؤسسون طبيعة أنساقهم الدينية بلغة ومفاهيم أزمانهم وأماكن تواجدهم، وحتى ولو افترضنا أن أتباعهم كانوا من صنف خاص فإن هذا لا يغير من الأمر شيئا، ما دامت المفاهيم التي ينشرونها، بالشكل الذي يعتمدونه، وفق ظروفهم الآنية، كانت مكيفة أصلا بشروط الزمان والمكان، ليس فقط على مستوى المعرفي، وإنما أيضا على المستوى اللساني. كما أنه ليس بوسع أولئك الأتباع استباق المشاكل التي لم تحدث بعد وليس بوسعهم صياغتها لأن اللغة التي قد يمكنهم من خلالها التعبير عن تلك المشاكل وفهم طبيعتها، لم تبرز بعد إلى الوجود.
ولنأخذ مثالا لتوضيح هذا الأمر. لو أن محمدا، رسول الإسلام، بُعِث في القرن العاشر أو الخامس عشر الميلادي، وليس في القرن السادس، لكانت طريقة نشره لمنظومته الدينية مغايرة لما هو كعروف في كتب التاريخ لكون الأشخاص المعنيين بها سيكونون قد أضافوا إلى وعيهم وإلى معارفهم، خلال ذلك الفارق الزمني، من خمس إلى عشر قرون من التجارب التطبيقية والذهنية والمعرفية، وسيكونون قد امتلكوا عددا متزايدا من التصورات ومن المفاهيم ومن وسائل التعبير، وستكون لديهم مواقف مستجدة تجاه معطيات وآفاق متحولة، وسيكونون متوفرين على مناهج أصيلة للتعامل معها، وذلك ارتباطا بالسيرورة الثقافية المنطقية للعقل البشري.
إلا أنه من الواضح أن الأشخاص الذين يقدسون الكلمات بكيفية عمياء، ويعطون للحقب التاريخية السالفة أهمية تفوق أهمية الحقيقة ذاتها، لن يقبلوا أبدا بهذا الأمر. ومن جانب آخر بالإمكان ملاحظة الكيفية التي يتعامل بها الأفراد الصادقين والمتعطشين للتحقق الباطني في مختلف الأنساق الدينية عبر العالم إذ أنهم لا يعتمدون بالأساس على الشهادات التاريخية لتلك الأنساق الدينية، ليس لأنهم يشكوا في صدق أو في نزاهة من حافظوا على أشكالها ونشروها، وإنما لكونهم يعتبرون أن التبني، بدون تمحيص، لأنماطها الشكلية المصاغة منذ عصور خلت قد يعرض بنيتهم الذهنية وتوازنهم النفسي لتلف كبير.
لقد تبين أولئك الأفراد أن حقائق حضرة الإطلاق لا يتعين تملكها بعنفوان، قصد الدفاع عنها بالقوة، بل ينبغي إعادة استكشافها بكيفية مستمرة وإعادة صياغتها، حتى تحافظ على معناها وعلى قيمتها الحيوية، أي على قيمتها الغذائية الروحية. لقد تبينوا أن المسائل الروحية لا يمكنها الجمود، مثلها مثل الكائنات الحية، وعندما تتوقف عن النمو، فإنها تتحول إلى أشكال ميتة قد نحتفظ بجثتها، على اعتبار أنها من نوادر التاريخ. ولكن، هل نستطيع ممارسة الفعل نفسه مع الحياة ؟ ومن ثم برزت بالنسبة إليهم ضرورة تجربة نفس الحقائق في أشكال متجددة على الدوام، وذلك ليس عبر التعلق بالنتائج، وإنما عبر زرع ونشر المناهج التي من خلالها يصير بالإمكان امتلاك المعرفة وتجربة الحقيقة بغض النظر عن الإطارات العامة التي تباشر وصايتها على العقل والروح .
والواقع هو أنه إذا ما قام كل فرد بتجربة هذه السيرورة الفردانية، فإن ذلك لن يعني فقط بأن إرادته الذاتية قد صارت حلقة تربط الماضي بالحاضر، وإنما أيضا بأن ذلك الماضي الذي ضُخت فيه الحياة، من خلال التجربة الحاضرة، قد تحول إلى بذرة خلاقة للمستقبل. وبهذه الطريقة، فإن التاريخ يسترجع شكله في الحياة الحاضرة ويصير نوعا من الاستمرارية الإيجابية، وليس فقط شيئا ندرسه ونقدسه، وهو فاقد لقيمته الجوهرية، لكونه منفصلا عن جذوره وعن الشروط الموضوعية لنموه.
علينا أن نفهم أنه لا يمكننا العثور على الطبيعة الجوهرية لمختلف الأنساق الدينية عبر العالم في مملكة الفكر المجرد، أو في معتقدات أضفت عليها العصور الغابرة هالة القداسة المتعالية، ولكن فقط في مدى انتشارها عبر الزمان والمكان، وفي نوعية حركتها، وفي تطورها، وفي محاولة تأثيرها في أشكال الحياة. وعندما ندرك هذا النمو العضوي لمختلف الأنساق الدينية عبر العالم فإننا نَكُف عن إصدار أحكام القيمة على مختلف مراحلها التاريخية، ونصل بالتدريج إلى خلاصة عامة مفادها أن تنوعها وتباينها الظاهري يبرز، على العكس، قوة العنصر المشترك بينها، أي أساسها الجوهري، وهو محاولة ربط الإنسان ببعده الميتافيزيقي، عبر إعطاء تفسير معين لمعنى وجوده في الزمان والمكان داخل مجموعات ثقافية معينة.



#نورالدين_الشريف_الحراق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوصية
- الإبداع الشعري بين مساءلة الذات والمدى الرمزي
- جدلية الديني والسياسي ... المغرب نموذجا
- التصادم الإسلاموي / الليبيرالي أو المأزق المزدوج
- زخات من زمن الرصاص
- بين الحقيقة والإنصاف ... حالة إفلاس
- رهانات الإصلاح الدستوري في المغرب
- العولمة والمسألة الديموقراطية


المزيد.....




- مصدر يعلق لـCNNعلى تحطم مسيرة أمريكية في اليمن
- هل ستفكر أمريكا في عدم تزويد إسرائيل بالسلاح بعد احتجاجات ال ...
- مقتل عراقية مشهورة على -تيك توك- بالرصاص في بغداد
- الصين تستضيف -حماس- و-فتح- لعقد محادثات مصالحة
- -حماس- تعلن تلقيها رد إسرائيل على مقترح لوقف إطلاق النار .. ...
- اعتصامات الطلاب في جامعة جورج واشنطن
- مقتل 4 يمنيين في هجوم بمسيرة على حقل للغاز بكردستان العراق
- 4 قتلى يمنيين بقصف على حقل للغاز بكردستان العراق
- سنتكوم: الحوثيون أطلقوا صواريخ باليستية على سفينتين بالبحر ا ...
- ما هي نسبة الحرب والتسوية بين إسرائيل وحزب الله؟


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - نورالدين الشريف الحراق - وجهة نظر في التطرف الديني