أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - نورالدين الشريف الحراق - زخات من زمن الرصاص















المزيد.....

زخات من زمن الرصاص


نورالدين الشريف الحراق

الحوار المتمدن-العدد: 1766 - 2006 / 12 / 16 - 09:54
المحور: الصحافة والاعلام
    


كان محسوبا على حركات التنوير في المغرب، منذ تقاسم الإخوة الأعداء غنائم مفاوضات ما اصطلح عليه بالإستقلال. قارع بجرأة وثبات قوى الظلام والتخلف والرجعية، وناضل بلا هوادة بمشعال العلم والمعرفة والضمير الحي، من أجل غد أفضل للجميع، في وطن لا تغشاه شريعة الغاب.
قضى سنوات منفاه القسري في بلاد المهجر القصية، وراء كثبان الضباب، بعدما تعرض لشتى أنواع التنكيل، بين قضبان ثرابه الأم، إثر محاكمة صورية، وكيانه يحلم بمجتمع راشد تلج فيه الأغلبية الصامتة، من قطيع « رعايانا الأوفياء »، عصر الحداثة والمدنية، حيث العدل والكرامة والحرية.
بعد عودته المنكسرة إلى أرض الوطن المشرَع قسريا على سياق التداعيات الكبرى التي خلخلت العالم، غداة نكوص جدار الإفك، اتصل بقدماء معارفه المعتقلين والمختطفين السابقين في مراكز الاحتجاز السرية، على امتداد قلعة الإجرام، فداعبوا شرارة الأمل الممكن، واختلسوا من قوتهم المنكوب ما سمح لهم بإصدار جريدة أصروا على تسميتها بـ«المواطن».
كانت أجواء الاحتفالية الأممية حينها بمفاهيم حرية الفرد وشرعية الدستور، حسب قواميس الغضب اليانكي، وتهديد اقتطاعات البنوك الدولية، قد جعلت سماءنا المخزنية تشرق بحب جديد لذواتنا المثخنة بالجراح، وصارت أرقامنا الوطنية تباع في المزاد العلني، لاستدرار حقن النقد العالمي.
وكان الأمل في طي صفحة الماضي قد كتب، لفترة، كلمات الحق والقانون، على معجم قدرنا الرعوي، وصارت بذور الغفران تهب على خيامنا المترهلة، ناثرة نرجس الأطلس النائم، بين آهات الفجيعة، على أفواه المشتتين على رقعة الشطرنج.
إلا أن قراصنة الأحلام والآدمية كانوا بالمرصاد، كقوارض مجذومة أبصرت، داخل غفلها المقيت، أوراق التوت تتهاوى من على هرمها الشامخ، بعدما قلمت أظافرنا بعصاها الغليظة، وسطت على نفوسنا بوجهها المكفهر، على إيقاع هاجسها الوسواسي من رعاعنا ومن هنودنا الحمر القابعين وراء صمتهم المغبون، وخلف تواطآت الانتهازية التي تقرع النخب الرنانة على صحة آذان ثقبها الجوع.
تمت مصادرة الجريدة، منذ العدد الثاني، بدون أية مسوغات قانونية. كانت جمرة جريئة سطرت، بهدوء ورزانة، منحى الوعي الهادف على شفاه الإنسان، وبعثت تصورات أصيلة للهوية والمستقبل، يخدمها إعلام كتابي مسؤول.
فما كان ليروق من استحلى اللحس والانبطاح، وذنََبه ترتعش من لذة النخاسة والخزي، أن تعود المياه إلى مجاريها، فوق خريطة الوطن، فصار يتربص الدوائر بالفصول الترتيبية وبالهفوات التي تورث الصدأ، كمسمار جحا، على جدران هيكلنا المنشود، لجعل ضميرنا الجمعي يهتز من خطر التعرض لوباء فقدان المناعة المكتسبة... من فيروس الحرية.
فصرنا بقدرة قادر رعية طائشة تنخرها جميع أشكال الشذوذ والانحلال، نهتك الأعراض ونسفك الدماء، وندبر المصائد، وكأننا وحوش كاسرة في أجمة محفوفة بالمخاطر، نعيث في الأرض فسادا، ونقاتل بلا هوادة، في أتون حرب ضروس، يتساوى فيها العالم والجاهل، والمؤدب والسفيه، والعاقل والمجنون...
فالعزة والسؤدد لوصاية أولياء الأمور منا، ذوي الفضل والمنة علينا، نطيعهم ونقبل التراب من تحت أقدامهم، فهم يحموننا من أنفسنا، نحن القاصرون بالضرورة، وبأيديهم مفتاح الفرج، ومن بعدهم لربما كان الطوفان !
« فقيه يغتصب العذارى »، على الصفحات الأولى ؛ « طبيب ذبح والديه وهو في حالة سكر »، مع السكين كملحق للصورة ؛ « معلم انتحل صفة حارس غابة وجرد سائحين من خمسة دولارات »، والندم بادي على وجهه.
أخبار وتعاليق كثر فيها الشكر والتنويه بأبطال الحملات التطهيرية وبواضعي المحاضر، الساهرين على أمننا من آفة حقوق الإنسان، كما هي متعارف عليها كونيا.
فتفرخت صحافة الرصيف، المدعومة بالصناديق السوداء، وسرعان ما أُغرقت الأكشاك بالمنشورات والجرائد والمجلات التافهة والمتشابهة، إلى حد الرتابة، بعناوينها المتكالبة على مصطلح « السياسة »، بهدف خلط الأوراق، واستغفال القارئ بين الغث والسمين في مهنة المتاعب المحفوظة بالسبع المثاني لقداسة السدة والأعتاب.
وبفضل أخطبوطها القوي، وبخبث مكشوف، ما فتأت تلك الصحافة المتكتلة في مجموعات صار لها نفوذ كبير في مراكز اتخاذ القرار، تطرح تصورا مشبوها للعمل السياسي، وكأن حال لسانها يعتبر أن متفرقات من نوع « قارئة فنجان نوميذية نقبت عن كنز في ضواحي زرهون » أو « حصان يقرض شعرا لابنة أخ مالكه لأنه مزعوط فيها» (والعهدة على مواعيد أسابيعنا في ظل المواطنة السياسية) أو « نكافة سويسرية تكتشف منافع الصابون البلدي » أو « خال ابن الرئيس القبرصي من زوجته الثانية أصله من جمعة أولاد سحيم »، أصلح لنا في السيرورة التربوية المؤدية إلى فهم الشؤون السياسية.
وما فتأت تلك الصحافة الصفراء، المثقلة إلى حد التخمة بكوارثها السوريالية وبترسانة أخبار فضائحها وتعاليقها النميمية، تجتر أبشع النكت وأقرف الفكاهات حول بؤس ومصائب شعب برمته حكم عليه بالخنوع إلى تفقيرات متتالية نابعة من شراسة تعليمات متعالية استباحت بشطط فظيع حقه في الوجود، بموجب أن ليس له الحق في النظر إلى الشمس، إلا بغربال المكرمات وفضلات الهبات اللدنية.
ومنذ ذلك الحين ودار لقمان على حالها، تلوك الكلام المعسول والنوايا الحسنة، بينما تتآكل البنيات وتتهالك المؤسسات وتنهار التوازنات لفائدة المحسوبية وطاعون الوسائط وعقلية العشيرة، خلف ستار الإكراه وجبروت الفساد.
وبالرغم من هول المأساة، في هذا الزمن الرديء، ما انفك الوطني الغيور يثابر ويمانع، كما الفرسان الأحرار، في سبيل إحقاق الحق وإعادة الأمور إلى نصابها، بلا لف ولا دوران في لعبة الوصولية وزيف المبادىء، وسط نخب شبه متعلمة تحترف التنميق وتسترزق من ألمعيتها في تقنيات أكل الكتف وتقبيل الأيادي.
لقد سئم الانتظار وتجرع المرارة في طابور الفضيحة والتيئيس الراشح من عدمية النواميس المخزنية المتلفحة بصرامة الإقطاع، وآثر الصمت والعزلة، بأنفة وإباء، رافضا المساومة، إلى آخر نبضة من آدميته المشبعة بقيم الإنسانية الحقة. وفي نهاية المطاف، شاء المقاومة بين خنادق الإسمنت المسلح الجاثم على صدر الوطن المسبي، الذي صار فيه الطلقاء غرباءا، بفضل سراح مؤقت. فمن رآه منكم فليقرأه السلام، قبل فوات الأوان، يا أمة ضحكت ... !



#نورالدين_الشريف_الحراق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين الحقيقة والإنصاف ... حالة إفلاس
- رهانات الإصلاح الدستوري في المغرب
- العولمة والمسألة الديموقراطية


المزيد.....




- -ضربه بالشاكوش حتى الموت في العراق-.. مقطع فيديو لجريمة مروع ...
- آلاف الأردنيين يواصلون احتجاجاتهم قرب سفارة إسرائيل في عمان ...
- نتانياهو يوافق على إرسال وفدين إلى مصر وقطر لإجراء محادثات ح ...
- الإسباني تشابي ألونسو يعلن استمراره في تدريب نادي ليفركوزن
- لأول مرة.. غضب كبير في مصر لعدم بث قرآن يوم الجمعة
- القيادة المركزية الأمريكية تعلن تدمير 4 مسيّرات للحوثيين فوق ...
- صاحب شركة روسية مصنعة لنظام التشغيل Astra Linux OS يدخل قائم ...
- رئيسا الموساد والشاباك يتوجهان إلى الدوحة والقاهرة لاستكمال ...
- مصر.. فتاة تنتحر بعد مقتل خطيبها بطريقة مروعة
- علاء مبارك يسخر من مجلس الأمن


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - نورالدين الشريف الحراق - زخات من زمن الرصاص