أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسر يونس - من المتناقضات في التاريخ الإسلامي-8















المزيد.....

من المتناقضات في التاريخ الإسلامي-8


ياسر يونس
(Yasser Younes)


الحوار المتمدن-العدد: 1859 - 2007 / 3 / 19 - 04:34
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


صلاح الدين الأيوبي ليس مجرد شخصية تاريخية وقائد عسكري وحاكم وبطل عربي وإسلامي ومؤسس دولة، ولكنه رمز يتم استحضاره في كتب الأدب وغيرها وفي أفلام السينما ومقررات التعليم والتربية كما في الحياة اليومية وعلى الفضائيات حين يستصرخ الناس صلاح الدين ليكون منقذهم ومخلصهم وكأنه سيقوم من قبره ويطرد المحتل ويحقق العدل والرخاء. ويبحثون بين حكامهم عمن يمكن في ظنهم أن يصنعوه على صورته فتكون النتائج كارثية على الجميع.

وكنت في قصائدي الشعرية الأولى أفعل ذلك أيضاً حيث كنت لا أزال في مرحلة المراهقة الفكرية ولم أكون بعد رؤية فكرية وثقافية مستقلة بل كنت أتقبل السائد لا لشيء إلا لأنه سائد ويشكل جزءاً من وجداني وثقافتي، وكانت منظومة التعليم والإعلام من حولي تضغط في هذا الاتجاه ولم يكن من السهل الفكاك من سطوتها الفكرية.
ولكن هناك جانباً آخر في شخصية صلاح الدين لا يعرفه الكثيرون أو يحاولون ألا يعرفوه، وهو أن صلاح الدين كان حاكماً قمعياً بامتياز ولم يخرج عن سنة كثير من معاصريه في البطش برعاياه وجميعنا يضرب المثل في غطرسة الحكم وبطش الحكام بقراقوش، وقراقوش هذا كان وزير صلاح الدين وساعده الأيمن. ويذكرنا ذلك بالحجاج بن يوسف الثقفي الذي كان الناس يلعنونه لما ارتكب من فظائع دون التطرق إلى شخص الخليفة الذي عينه في منصبه وسلطه على الناس وحتى في عصرنا هذا مازال الناس، كتاباً وقراءً ونخبة وعواماً، ينتقدون الحجاج ويطعنون فيه وينفرون من سيرته ولكنهم لا يتحدثون عن الخليفة الأموي الذي ابتلى به الناس وسلطه عليهم.
والأمر نفسه هنا فنحن ننتقد قراقوش ونضرب به المثل في الظلم والبطش ولكن لا نشير من قريب ولا بعيد إلى من سلط قراقوش على الناس وأقره على ما فعل بهم، وهنا أعني صلاح الدين دون شك.
فهو يظل في أذهان الناس دائماً أبداً الفارس المغوار الشريف النفس عالي الهمة البطل قاهر الصليبيين ومؤسس الدولة الأيوبية ............ إلخ.
ونحن لا ننكر عليه بعض هذه الصفات ولكننا ننظر إلى الشخصية بجميع جوانبها ونحاول أن نراها بعين موضوعية دون عاطفة تحيد بنا عن القصد ولا حكم سبق يجعلنا نبتعد عن التقييم الموضوعي.
لقد تصرف صلاح الدين بطريقة "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" التي يبدو أن جذورها التاريخية أعمق بكثير مما نظن. فقد ترك قراقوش يبطش ويظلم الشعب ( الرعية ) وركز هو على قتال الصليبيين. والفارق عن " لا صوت يعلو فوق صوت المعركة " في العصر الحديث هو أن صلاح الدين حقق نجاحات في مسعاه بالفعل.
ولكنني دائماً أهتم بتاريخ الإنسان المواطن العادي فانتصار جيش الدولة في معركة على حساب الإنسان وكرامته وحريته ولقمة عيشه ووعيه لا يعني الكثير لهذا الإنسان. إن قياس كل شيء بالإنجاز العسكري فقط أمر يجب أن نعيد النظر فيه لأن بناء الإنسان هو الباقي وما عداه زائل، فالأمم قد تنكسر عسكرياً ولكنها تستجمع قواها وتنهض بفضل الإنسان الذي بنته ثم تنطلق نحو التقدم والإنجاز والحرية، وأوضح مثل على ذلك هو اليابان التي يعتبرها كثير منا محتلة عسكرياً حتى الآن، والتي لم يتعرض شعب في التاريخ لما تعرض له شعبها من الضرب بقنبلتين ذريتين، وانهزمت بالطبع عسكرياً ولكنها وبعد سنوات قليلة أصبحت في مصاف دول العالم الأول وحققت بالعلم والتكنولوجيا ما لا يستطيع أي جيش تحقيقه، فقد بنت الإنسان على قيم حديثة وإنسانية وأعلت شأن العلم والعلماء.
ولنعد إلى صلاح الدين فربما يرد البعض بأنه سار على منهاج معاصريه من الحكام وكلهم بطش وقهر وظلم، وأنه كان أفضل قياساً بهم ولا يمكن أن نطالب بأن يتجاوز المرء عصره.
وهنا أقول إن الرومان والإغريق عرفوا الديمقراطية والمواطنة قبل عصر صلاح الدين بقرون طويلة،
وإن تجاوز المرء لعصره هو المقياس الحقيقي للعظمة وهو الذي يفتح بحق الباب واسعاً لدخول التاريخ من أرقي أبوابه.
ومن أمثلة تنكيل صلاح الدين بمعارضيه قتله الشاعر عمارة اليمني والتعسف في تفسير بيت واحد من الشعر لكي يجعله مرتداً ويقتله، وهو في هذا أيضاً لم يأخذ بالرأي الفقهي الأوسع انتشاراً وهو وجوب الاستتابة قبل إقامة الحد (وهنا أتكلم عن قيم ذلك العصر لا عن قيم عصرنا الذي تعتبر فيه حرية الاعتقاد حقاً أساسياً من حقوق الإنسان ) وقد تجاهل أيضاً أن من الفقهاء من كان يجيز الاستتابة مدى الحياة، وهو ما يلغي هذا الحد من الأصل، ويبين هذا أنه كان يريد فقط التخلص من عمارة اليمني بل جعله أمثولة للآخرين. وعموماً لا يتسع المجال هنا لمناقشة حد الردة الذي لم يستخدم إلا لتصفية الخصوم السياسيين بخاصة بعد تهييج الناس ضدهم على مدى التاريخ.
وقد جاء في ذكر مقتل عمارة اليمني ما يلي ضمن الإخبار عن أحداث السنة الثالثة من حكم صلاح الدين:

"" وفيها قبض صلاح الدين على جماعة من أعيان الدولة العبيدية: مثل داعي الدعاة، وعمارة اليمني وغيرهما، بلغه أنهم يجتمعون على إثارة الفتن، واتفقوا مع السودان وكاتبوا الفرنج، فقتل داعي الدعاة، وصلب عمارة اليمني..........

وقيل: إن سبب قتله أنه مدح توران شاه، وحرضه على أخذ اليمن اليمن بقصيدة أولها:
العلم مذ كان محتاج إلى العلـم وشفرة السيف تستغني عن القلم
إلى أن قال:
هذا ابن تومرت قد كانت بدايتـه كما يقول الورى لحماً على وضم
وكان أول هذا الدين مـن رجـل سعى إلى أن دعوه سـيد الأمـم

قال العماد الكاتب: اتفقت لعمارة اتفاقات: منها أنه نسب إليه قول هذا البيت فكان أحد أسباب قتله؛

وأفتى قضاة مصر بقتله، وقيل: إنه لما أمر صلاح الدين بصلبه، مروا به على دار القاضي الفاضل، فرمى بنفسه على بابه وطلب الدخول إليه ليستجير به فلم يؤذن له، فقال:
عبد الرحيم قد احتجب إن الخلاص من العجب
فصلب وهو صائم في شهر رمضان. "" ( النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة )


واللافت أنه صلبه ولم يكتف بقتله بل جعله عبرة لمن تسول له نفسه مخالفته ولم يذكر لنا التاريخ أن عمارة حوكم محاكمة عادلة أو أنه حوكم من أصله وإنما، وكالعادة، أفتى الفقهاء بقتله. وهذا يؤكد أن أفعال قراقوش لم تكن دون علم السلطان وإلا لربما صلبه هو أيضاً.

وهناك مثال آخر على أسلوب حكم صلاح الدين وهو معاملة المسافرين والحجاج في عهده في مصر التي ملكها وحكمها.
فقد ذكر بن جبير في رحلته ما نصه:

"" فمن أول ما شاهدنا فيها يوم نزولنا أن طلع أمناء المركب من قبل السلطان بها لتقييد جميع ما جلب فيه. فاستحضر جميع من كان فيه من المسلمين واحداً واحداً وكتبت أسماؤهم وصفاتهم وأسماء بلادهم، وسئل كل واحد عما لديه من سلع أو ناض ليؤدي زكاكة ذلك كله دون أن يبحث عما حال عليه الحول من ذلك أو ما لم يحل. وكان أكثرهم تشخصين لأداء الفريضة لم يستصحبوا سوى زاد لطريقهم، فازموا أداء زكاة ذلك دون أن يسأل احال عليه الحول أم لا واستنزل احمد بن حسان منا ليسأل عن أنياء المغرب وسلع المركب.فطيف به مرقباً على السلطان أولاً ثم على القاضي ثم على أهل الديوان ثم على جماعة من حاشية السلطان. وفي كل يستفهم ثم يقيد قوله. فخلي سبيله، وأمر المسلمون بتنزيل أسبابهم وما فضل من أزودتهم، وعلى ساحل البحر أعوان يتوكلون بهم وبحمل جيمع ما أنزلوه الديوان. فاستدعوا واحداً وأحضر ما لكل واحد من الأسباب، والديوان قد غص بالزحام . فوقع التفتيش لجميع الأسباب، ما دق منها وماجل، واختلط بعضها ببعض، أدخلت الأيدي أوساطهم بحثاً عما عسى أن يكون فيها. ثم استحلفوا بعد ذلك هل عندهم غير ما وجدوا لهم أم لا.
وفي أثناء ذلك ذهب كثير من أسباب الناس لاختلاط الأيدي وتكاثر الزحام، ثم أطلقوا بعد موقف من الذل والخزي عظيم، نسأل الله أن يعظم الأجر بذلك. وهذه لا محالة من الأمور الملبس فيها على السلطان الكبير المعروف بصلاح الدين، ولوعلم بذلك على ما يؤثر عنه من العدل وإيثار الرفق لأزال ذلك، وكفى الله المؤمنين تلك الخطة الشاقة واستؤدوا الزكاة على أجمل الوجوه. وما لقينا ببلاد هذا الرجل ما يلم به قبيح لبعض الذكر سوى هذه الأحدوثة التي هي من نتائج عمال الدواوين. "" ( رحلة بن جبير ).

والواضح أن الرجل معجب بصلاح الدين لأنه في نظره ذلك البطل المغوار قاهر الصليبيين. ولهذا فقد حاول جاهداً أن يلتمس له العذر فجاء تعليقه خالياً من المنطق والواقع، إنها العاطفة حين تطمس عقول الناس فيؤيدون الحاكم حتى وإن كان ظالماً ووقع ظلمه عليهم تحديداً .
أما الوزير قراقوش فلا أظن أننا بحاجة لضرب الأمثلة على ظلمه وبطشه من الأصل.
وعلى الرغم من كل ما سبق يظل صلاح الدين في نظر الناس البطل الكامل الذي لا يجوز نقده ولا محاولة التعرف على حقيقته كبشر أصاب وأخطأ، وعدل وظلم.



#ياسر_يونس (هاشتاغ)       Yasser_Younes#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (من المتناقضات في التاريخ الإسلامي 7 - ( بطرس المصري
- عن المرأة والحجاب
- من المتناقضات في التاريخ الإسلامي 6
- من المتناقضات في التاريخ الإسلامي 5
- من المتناقضات في التاريخ الإسلامي 4
- من المتناقضات في التاريخ الإسلامي 3
- من المتناقضات في التاريخ الإسلامي 2
- من المتناقضات في التاريخ الإسلامي 1
- عن المراة والحجاب
- ذهنية العنف


المزيد.....




- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسر يونس - من المتناقضات في التاريخ الإسلامي-8