|
صورة وبقرة وقمر
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 1841 - 2007 / 3 / 1 - 10:07
المحور:
كتابات ساخرة
أن تكون هندياً مسلماً ، معناه إما أنكَ مهاجرٌ مؤاجر أو فقيرٌ لا تملك شروى نقير ، شروايَ يعني ؛ أنا المقيم في إحدى القرى الضائعة ، في شبه القارة هذه . أنا جائعٌ ، إلى حدّ الهذيان . إلا أنّ حالي لا علاقة له بما سأقصّه عليكم من معجزة ، تخصّ صورة صدّام حسين . ربما لن تصدقوا ما أبثه لكم ، مع أنه من المعتاد لدينا في العالم الإسلامي أن نصدّق ما هبّ ودبّ ! المهم أن تتأكدوا من أنني لا أهذي اللحظة ، بفعل الجوع : فصلاتي التي أنهيتها للتوّ ، دليل على صحوة ذهني ، كما أنّ الله موجودٌ ، سميعٌ بصير ، وهوَ خيرُ شاهدٍ . أنذركم ، منذ البدء ، بأنّ حكايتي ربما ستنكأ جراحكم وتثير مواجعكم . ولكن لا مفرّ من ذلك ، بما أنّ شهادتي هذه للتهريج .. أقصد ، للتاريخ ! أعدموا بطل أمتنا ، إذاً ، وجعلوا مشهدَ شنقه فيلماً يدلّ على غلهم وحقدهم وتشفيهم ، أولئك الأمريكان والأرفاض والأكراد ؛ أعداء ديننا الحنيف ! بيد أنه لم يخطر لجهلهم ، أنّ ذلك الفيلم سيكون بمثابة الرؤيا للمسلمين أجمعين ، بفلاشاته وكاميراته ؛ والأهم ، ببطله صدّام الذي كان فيه أشبه بشامي كابور ، نجمنا الهندي ، السينمائي ..
قرأتم ربما عن تلك القرية الهندية ، التي أصبحت معروفة إعلامياً بفضل عدد مواليدها ، الكبير ، الذين يحملون إسم " صدّام " ، بطل الإسلام العظيم : إنها قريتي بالذات ، حيث أكتب لكم من إحدى بقاعها المشمولة بالظلمة .. بالفاقة والظلم ، أيضاً . شيخ الجامع ، الذي أمّنا قبل قليل ، لا يجدها بدعة ً رؤية صورة صدّام على وجه القمر ، كما أكدها كثيرون في قريتنا . ولكنني لم أجرؤ على مساءلته فيما يخصّ رؤيتي لتلك الصورة ، بل وأخفيتها عن الجميع . أما أنتم فلا أظن فيكم سوى الخير ، وأنكم ستصدقوني . الجوع ، غالباً ما يهيء لي الرؤى ! غير أنّ ذلك لا علاقة له بما أقصه هنا ، أؤكد لكم مجدداً . ما حدث في تلك الليلة الفضيلة ، في اليوم الأخير من عيد القربان المبارك ، يُشبه فيلماً هندياً . كان بطله صدّامنا نفسه ، أما بطلته فكانت بقرة .. نعم بقرة ، فلا تعجبوا ! راقبتها وقتئذٍ وهي تتسكع في حواري القرية ، بكل غرورها وصلفها وثقتها بنفسها . حاذت ضجعتي ، المتكئة على حزمة من القش ، وإذا بها تتوقف هنيهة وترفع رأسها نحوَ القمر . ما رأته تلك البهيمة لحظتذاك ، لا يمكن لمثلي طبعاً أن يتكهن به . غير أنها ما أسرعَ أن حولت نظرها نحوي مثبتتة عينيها بعينيّ : " ها ، هل أنتَ جائعٌ الليلة ، أيضاً !؟ " ، خيّل إليّ أنها تبوح لي بخبث وتشفّ . ثم ما لبثت أن أعقبتْ ذلك بفعلة قبيحة . رفعت ذيلها ـ بلا مؤاخذة ـ وعملتها ! بدوري ، كنت أحدق بلا وعي في مؤخرتها القذرة ، حينما بغتتني الرؤيا : كانت صورته ، ما غيرها ، تلتمع هناك ؛ بكل جلالها وهيبتها وأنفتها .. ونورها ! تأكدتُ من الرؤيا ، لاحقا ، حينما أعملت فكري برويّة وهدوء ، فتوصلت إلى يقين أنّ البقرة تلك ، الملعونة ، قليلة الأدب ، إن هيَ إلا أمريكة ! كاوبوي ، راعي البقر : أليسَ هذا لقب جدّ أجداد بوش ؟
إمامُ الجامع ، علاوة على أهالينا ، حذرونا ومنذ الصغر ، من التعرّض لهذا الحيوان .. أعني ، البقرة ! أنتم أدرى بخرافة الهندوس ، عن إلههم الشبيهة عينيه بعينيّ بهيمتنا تلك . هذه الخرافة ، نكدت دوماً عيشنا ، نحن مسلمي الهند . ويكاد لا يمرّ عام دونما حصول مجزرة ، ما إن يُكتشف رأس بقرة أو حتى كسرة من عظامها ، مرمية في الشارع . حينها ، نتهم نحن بذبح حسناء الشاشة ، المقدسة ! نهذي جوعاً ، بينما إبنة الحرام هذه تتسكع في كل مكان ، آمنة مطمئنة وفوق ذلك ، شبعة حدّ التخمة . شيخ جامع قريتنا ، الذي قصّ علينا الكثير من مآثر صدّام وبطولاته في سبيل الإسلام ، كان قبل ذلك قد حذرنا من مؤامرة حقيرة على ديننا الحنيف : " جنون البقر وانفلونزا الطيور ، ما هما إلا أدوات المؤامرة المذكورة . فبنشر فيروسات هذين المرضين ، يريدُ الغرب الملحد دفعنا نحن المسلمين لأكل لحم الخنزير " . قلنا له : " ولكن ، يا مولانا ، لدينا الغنم والماعز والسمك ، لحومها مكدسة على البسطات وفي الدكاكين ، لا تجد أحداً يشتريها بسبب الفقر والغلاء " . فينهرنا الشيخ إذاكَ ، محنقا : " صه ! سيأتي الدور على كل اللحم الحلال ، ويجدون له فيروسات قاتلة " . لم نجادله أكثر ، خشية أن نقعَ في الضلالة . معه حق . إنها مؤامرة من ألد أعداء الإسلام ، بدأت بإبادة لحيوان محلل وإنتهت بمشنقة لحيوان .. أقصد ، لحياة بطل !!
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كلمتان أمامَ ضريح الحريري
-
أمّ كلثوم ، مُطهَّرة أمْ مَحظيّة ؟
-
العائشتان : شاعرتان صوفيّتان بين دمشق والقاهرة 1 / 2
-
دايلُ القاريء إلى القتلة / 1
-
دليلُ القاريء إلى القتلة / 1
-
الكوكبُ والشّهاب : أمّ كلثوم في حكايَة كرديّة
-
النغمُ والمشهَد : زمنُ السينما الرومانسيّة
-
تاريخٌ تركيّ ، بلا عِبْرة
-
شيطانُ بازوليني 2 / 2
-
الطاغية والطفولة
-
أفلامُ عطلةِ الأعياد ، المفضّلة
-
السلطة والمعارضة : الإسلام السياسي واللعبة الديمقراطية / 2
-
شيطانُ بازوليني 1 / 2
-
نفوق الوحش ونفاق الإنسان
-
نوتوريوس : هيتشكوك وتأسيس الأدب السينمائي
-
حكاية باموك : إسمٌ بينَ الوردةِ والأحمَر / 3
-
حكاية باموك : إسمٌ بينَ الوردةِ والأحمَر / 2
-
السلطة والمعارضة : الإسلام السياسي واللعبة الديمقراطية
-
النبي ؛ هل كانَ جبرانُ نبأً كاذباً ؟
-
الهولوكوست اليهودي والهلوَسة الإسلاموية
المزيد.....
-
اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
-
نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم
...
-
هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية
...
-
بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن
...
-
العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
-
-من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
-
فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
-
باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح
...
-
مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل
...
-
لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|