أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - رياض الصيداوي - هيكل أو الملف السري للذاكرة العربية 1















المزيد.....



هيكل أو الملف السري للذاكرة العربية 1


رياض الصيداوي

الحوار المتمدن-العدد: 1826 - 2007 / 2 / 14 - 12:39
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


ما قبل المقدمة...الحياد وهم !

حينما ضغطت على جرس الشقة رقم 43، في البناية الضخمة المتواجدة في شارع النيل والمحاذية لفندق الشيراتون، استقبلني الأستاذ منير عساف مدير مكتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل. المكتب كبير نسبيا، وفي الرواق الذي تتفرع عنه الغرف، علقت مجموعة من الصور الكبيرة، التي يبرز فيها الأستاذ هيكل في مواقع كثيرة... في الحرب الكورية وفي سيبيريا وفي مدن شهيرة أخرى من العالم... وفي أحد الغرف أشاهد مجموعة من أجهزة الفاكس، تعمل كلها تقريبا... إضافة إلى أجهزة الحاسوب المعتمدة...
وبعد لحظات قليلة دخلت مكتب الأستاذ هيكل، ووجدت المشهد مألوفا لدي، فهو يتكرر مع كل زائريه... الأستاذ هيكل في بدلة أنيقة، يستقبلك والسيجار الفاخر بين أصابعه... تأثيث المكتب من النوع التقليدي، الكراسي، المكتبة ... رحب بي الأستاذ وبعد المجاملات قال:
ـ أنا الآن منشغل في كتابي عن حرب الخليج، وحقيقة وقتي ضيق، ويمكن أن أعطيك وقتا أكثر في مناسبة أخرى:
ثم حدثته عن طبيعة الموضوع... فعلق قائلا:
ـ كثيرون هم الذين كتبوا عني، ولم أعد أتفاعل معهم كثيرا، حتى لا أموت غيضا حينما يهاجمني بعضهم، ولا أموت غرورا حينما يمدحني بعضهم الآخر.
وأضاف : "من الأحسن لك أن تدرسني بعيدا عن رأي هيكل في هيكل، من الخارج يكون أفضل، تكتفي بكتبي ومقالاتي، وهي تترجم حقيقة أفكاري في الحياة... وتسمع من الآخرين وهكذا تكون رسالتك أكثر علمية وموضوعية...".
حدث ذلك في شهر أغسطس 1991.

*******

عندما نشرت لأول مرة كتاب "هيكل أو الملف السري للذاكرة العربية" في تونس سنة 1993، كان أول رد فعل لأصدقائي هو قولهم لماذا لم تنحز لهيكل في ثنايا الكتاب وتعطي موقفك بوضوح؟ لماذا اختفيت وراء ضرورة البحث الموضوعي والتزمت الحياد في موضوع يصعب التزام الحياد فيه؟. وحقيقة، كنت دائما من أنصار محمد حسنين هيكل ومولعا بما يكتب مثلي مثل ملايين القراء العرب... ولكني كنت قد قررت في ذلك الكتاب التزام حيادية مطلقة ربما مرجعها أن النص في الأصل كان رسالة جامعية نوقشت في معهد "الصحافة وعلوم الأخبار" في تونس تحت عنوان "محمد حسنين هيكل صحفيا وسياسيا"... وكنت قد فتنت بشيء اسمه الموضوعية والحيادية... لكني تعلمت لاحقا وفي جامعة جنيف ومن خلال تجربة أكاديمية أخرى أن هناك فرق بين الحيادية والموضوعية، حيث أن المطلوب من الباحث هو الموضوعية وليس الحيادية... لأن الحيادية وهم كبير، لأننا في مجال العلوم الإنسانية بشر، ندرس الإنسان بأحاسيسه وانفعالاته ونحن نتفاعل معه حبا أو كرها، حماسا أو فتورا... وهنا في الجامعات الغربية نسفوا مفهوم الحيادية وحافظوا على مفهوم الموضوعية. فمن حق الباحث أو الكاتب أن يقول رأيه ويعبر عن أحاسيسه وآرائه بكل حرية... بل يشجع على ذلك.
ثم نشر الكتاب في صحيفة "القدس العربي" اللندنية على حلقات متسلسلة في شهر نوفمبر 1999. ونشر في طبعة ثانية عن دار "مدبولي" في القاهرة في بداية سنة 2000، دون أي تحوير أو تغيير، و كما هو منقولا عن الطبعة التونسية الأولى... إلى أن جاءت الفرصة لهذه الطبعة الجديدة المزيدة والمنقحة، لأقول ما كتمته طيلة هذه السنوات من أفكار ذاتية ومن تقييمي الشخصي تجاه هيكل وتجاه أشباه الكتاب الذين حاربوه وهم خاسرون. وبحثت عن مكان لما سيأتي في هذه السطور ولم أجد إلا شيئا سميته "ما قبل المقدمة... الحياد وهم!".

*******

"موتوا بغيظكم: يعيش جمال عبد الناصر"، كانت عنوانا لأجمل لوحات الكاريكاتور للرسام الراحل ناجي العلي، رسمها وكتبها بعد أن اشتد الهمز واللمز على الزعيم الراحل جمال عبد الناصر. واليوم، نشهد نفس الحملة المتكررة على المرجعية الأولى للصحافة العربية إبداعا وأخلاقا وتمسكا بالمبادئ، أعني الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل. والحقيقة أن أعداء هيكل كثيرون، خصوصا من أشباه كتاب صغار أرادوا تقليده ففشلوا، ثم اعتقدوا في غفلة من الزمن العربي الرديء أن النفط يمكنه أن يجعل منهم كتابا كبارا، وأن البترول ومشتقاته يمكنه أن يجعل منهم مبدعين أصيلين وأن الغاز أو الغازات على حد تعبير الشاعر العراقي الكبير مظفر النواب يمكنه أن يجعل منهم مؤرخين. وهنا اختلط عليهم الإدارك والفهم فما عادوا يميزون مهنة الصحافي عن مهنة عالم السياسة، عن مهنة المؤرخ. ولأن مستواهم العلمي شديد التواضع، فأكثرهم تعلما لم يتجاوز الإجازة (البكلوريوس / الليسانس)، فقد اختلطت عليهم السبل وأصبحوا يعتقدون أنه بمجرد أن يتحدثون حديثا صحفيا عن أحداث تاريخية مضت فهم مؤرخون... هؤلاء كثيرون وأسماؤهم معروفة... ولكن يبقى هيكل مرجعية أخلاقية تكاد تكون وحيدة في عالم الصحافة العربية الذي اختلطت فيه السمسرة بالانقلاب على الذات أكثر من مرة والانتقال من الولاء من دكتاتور إلى آخر.
لماذا يكرهون محمد حسنين هيكل كل هذا الكره، ويحقدون عليه كل هذا الحقد؟ لأنهم فشلوا في تقليده وفشلوا في أن يقتربوا من مكانته عند القارئ العربي... ولأنهم يلهثون وراء المال ويبيعون المواقف، احتقرهم هذا القارئ بقدر ما احترم هيكل. ومن هنا برز ما يمكن تسميته بـ "عقدة هيكل" عند هؤلاء.
الأمثلة من أشباه الكتاب الذين حاولوا تقليد هيكل ففشلوا، فعادوه وشنوا عليه حملة شرسة، علنية تارة وخفية تارة أخرى، كثيرة جدا... ولا يسعني هنا إلا ذكر حادثتين على سبيل المثال وليس الحصر. فهذان المثالان كثيرا التكرار في الصحافة العربية وما ينطبق عليهما ينطبق على كثيرين من أعداء هيكل. أعرف صحافيا عربيا كان مواليا لسيده صدام حسين، انقلب عليه بعد حرب الخليج الثانية بسبب المال الذي عرض عليه. هذا الصحافي يكن حقدا عميقا لمحمد حسنين هيكل. فتراه لا يفوت فرصة إلا ويشهر فيها بالأستاذ الكبير هيكل. والغريب في الأمر أن هذا الرجل فعل المستحيل من أجل تقليده ومن أجل أن يصبح مثله. فدخن السجار الكوبي الفاخر، معتقدا أنه بتدخينه السجار قد يصبح مثل هيكل المولع بتدخين السجار، لكنه فشل. فحاول مرة أخرى بأن دخن سجارا أكبر حجما معتقدا أن حجم السجار الكبير قد يساعده في أن يصبح كاتبا كبيرا مثل هيكل، ولكنه فشل فشلا ذريعا... وجاءته فكرة أن حجم الكتب قد يساعده في أن يصبح كاتبا كبيرا مثل هيكل، فنشر مجموعة كتب، واستخدم الحرف العربي الغليظ الكبير حتى تكثر عدد الصفحات وبالتالي يكبر حجم الكتاب ومن ثمة قد يصبح كاتبا كبيرا مثل هيكل... وأصبح يفتخر بأن كتبه كبيرة الحجم (!!!)... لكنه فشل فشلا ذريعا رغم كلفة الورق الممتاز والباهظ الثمن ورغم أن الصفحة الكبيرة لا تحتوي إلا على عشرة أسطر، وفي كل سطر فيها خمس كلمات... لكن القارئ العربي اختار هيكل ولفضه هو. ورغم عزوف هيكل عن الفضائيات، فإن هذا الصحافي تحالف مع فضائية عربية، ليحاول أن يشرح قضايا العالم كخبير كبير مقلدا هيكل في أناقته وفي طريقة حديثه وفي أسلوب شرحه باليدين،... وفي جلسته ووقفته... لكنه فشل كل الفشل وانطبق عليه هجاء ابن زيدون في رسالته الساخرة ضد ابن عبدوس "والله إن حديثك لفهفهة، وهمسك لتمتمة، وضحك لقهقهة، ومشيتك لهرولة..". فشل رغم كثرة ماله وكثرة مطبوعاته في أن يحوز على أي احترام... فكره هيكل وحقد عليه، بعد أن فشل في تقليده.
صحافي عربي آخر، كان لهيكل ذات يوم فضل كبير عليه، ينشر كتبا كثيرة لا يقرأها أحد، رغم أناقة ورقها وجمال غلافها وطبعتها الفاخرة... زار جنيف، وأعطى كتبه للمكتبات العربية المتواجدة في هذه المدينة، وروى لي صاحب إحدى هذه المكتبات أن هذا الرجل قد زاره في ما بعد وألقى نظرة طويلة على المحل ثم تجهم وجهه واحمر واصفر ثم اسود وغادر مسرعا المكتبة وبعد حوالي نصف ساعة هاتفه صارخا في وجهه كيف تضع كتب ذلك الحمار (يقصد هيكل) في واجهة المحل ولا تضع كتبي أنا... " (!!!). وغيرهما كثير، كثير... والسبب : المعاناة من "عقدة هيكل"...
إن مشكلة هؤلاء مع هيكل تكمن في ثلاثة مستويات:

المستوى الأول هو عدم حضور الرادع الأخلاقي عندهم. فجميعهم بنى مجده المالي وليس الفكري على "خيانة ما" ضد فكرة تبناها أو ضد زعيم ألهه سابقا وانقلب عليه... فلم يتمتعوا أبدا في حياتهم بخصلة اسمها الوفاء. وهي خصلة هيكل تجاه عبد الناصر، الزعيم الذي آمن بأفكاره وحافظ عليها بعد موته دون اكتراث لإغراءات المناصب السياسية ولا لطفرة الأموال النفطية المتدفقة. فهيكل بقي على حاله يتحمل في سبيل أفكاره الكثير: حصار النظام السياسي المصري تارة مع السادات، وهو الحصار الأشد الذي وصل حد إدخاله السجن، وتارة أخرى مع نظام الرئيس حسني مبارك. حيث كثيرا ما تتدخل الأيدي الخفية لمنع محاضرة هنا (منع هيكل من إلقاء محاضرته السنوية في معرض الكتاب الدولي في القاهرة بسبب الإشعاع والتأثير الكبيرين الذين أحدثتهما)، أو لإلغاء عقد نشر هناك (ما حدث مع مركز الأهرام الذي جاءته الأوامر بعدم نشر ثلاثية المفاوضات السرية بعد أن سبق أن وقع عليها عقدا مع هيكل)، أو لمنع إذاعة حلقات تلفزيونية سجلها التلفزيون المصري معه ومنع بثها بقرار سياسي... ما زال هيكل يعاني من الحصار... لكنه يكبر أكثر كلما عانى أكثر... والمفارقة أن من حاصروه أصبحوا هم المحاصرين من قبل هيكل. لأن انتشار الرجل تجاوز حدود مصر إلى كافة أرجاء العالم... فحتى أكبر الصحف اليابانية طلبته أكثر من مرة للكتابة معها نظير مبالغ مالية لا تعطى إلا لأكبر كتاب العالم... وأكبر دور النشر الإنجليزية تجري وراءه من أجل إبرام عقود النشر... أما خصومه فهم انتهازيون، متقلبون حسب المصالح الظرفية يبدون الولاء للأقوى... وينقلبون على من كانوا يمدحونه منذ وقت قصير حينما كان في السلطة... ليمدحوا غيره.

والمستوى الثاني، هو غياب الموهبة والقدرة الضخمة المتوفرة عند هيكل في البحث والتأليف... حيث جاءت جملهم قصيرة بدون روح ولا نفس رغم وضوح محاولة تقليد هيكل في كتبهم الكبيرة الحجم الهزيلة المحتوى. فشلوا لأن هيكل لا يقلد، وكان الأجدر بهم البحث عن أسلوب خاص بهم. فهم لا يحسنون الكتابة ولا يمتلكون المنهجية ولا يقدرون على وضع خطة نظرية وأخرى عملية من أجل إنجاز كتاب محترم... تنقصهم الثقافة وتنقصهم المعرفة وليست لديهم القدرة على التركيب... فجاء منتوجهم هزيلا في شكله ومضمونه باستثناء الورق الفاخر الذي يطبعون عليه كتبهم... وهم منقطعون عن العالم وعن ما ينشر فيه من دراسات وتقارير هامة وذلك لضعف لغاتهم الأجنبية، وبالأخص اللغة الإنجليزية. وهم لم يكتبوا أبدا بأية لغة أخرى غير اللغة العربية التي لا يحسنونها أصلا...

أما المستوى الثالث، فهو مرتبط بالتاريخ، وهو أن هيكل كان صديقا وقريبا من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. وهو زعيم تاريخي كاريزمي بالمعنى العلمي للكلمة. فإعادة إنتاج صحافي من نوع محمد حسنين هيكل يتطلب في الآن نفسه إعادة إنتاج زعيم مثل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر...وهو أمر غير متوفر اليوم وربما تحتاج الأمة العربية وقتا طويلة لتنتج نموذجا جديدا شبيها بعبد الناصر...
لكل هذه الأسباب فشلوا وسيفشلون ولن يحوزوا على مكانة هيكل ولا حتى على احترام القارئ العربي لهم.

*******

نشرت كتب جديدة منذ سنوات قليلة مضت عن هيكل. يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أنواع:
النوع الأول هو الكتاب النقدي أو لنقل الكتاب التجريحي ومثال ذلك كتاب سيار الجميل، (تفكيك هيكل : مكاشفات نقدية في إشكاليات محمد حسنين هيكل، الأهلية للنشر والتوزيع، عمان 2000). وهو الكتاب الذي سأرد عليه بعد حين.
أما النوع الثاني فهو الكتاب التبجيلي تجاه هيكل، وأخص بالذكر كتاب الصحفي المصري عادل حمودة، (هيكل: الحياة، الحرب، الحب. هو وعبد الناصر، الفرسان للنشر، القاهرة 2000). وهو كتاب منحاز لهيكل، حيث اتفق في مشاعره وإخلاصه تجاه الرجل، لكني أعيب عليه سرقاته من كتابي بشكل كبير ومكثف وفي بعض الأحيان باستخدام أسلوب التحايل المعروف عند أي باحث أكاديمي حتى ولو كان ناشئا، حيث يصل في بعض الأحيان إلى اقتباس فصل كامل دون ذكر المصدر. وهو ما سأبينه لاحقا.
أما النوع الثالث، فهو البحث الأكاديمي، وهو ما لا غبار عليه، لالتزام صاحبه الموضوعية... فقد رصدت صدور كتاب قيم لجمال شلبي هو عبارة عن رسالة دكتوراه كانت في الأصل باللغة الفرنسية نشرت باللغة العربية تحت عنوان : (محمد حسنين هيكل، استمرارية أم تحول، ترجمة حياة الحويك عطية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1999.) وهو كتاب يستحق التنويه فعلا . أما الكتابين الآخرين فيستحقان وقفة.

*******

إن الحملة ضد محمد حسنين هيكل مستمرة منذ زمن طويل وليست جديدة. حيث كتبت حول الرجل كتبا كثيرة، أغلبها يهاجمه ويكيل له التهم كيلا ويحاكمه صحفيا أو "أكاديميا". آخر هذه الكتب كتاب سيار الجميل حول الصحفي المصري محمد حسنين هيكل الذي جاء تحت عنوان "تفكيك هيكل". وحقيقة لم أكن أعرف سيار الجميل من قبل إلى أن أطل علينا بكتابه. والملفت للنظر أنه وضع صورته إلى جانب صورة هيكل في الغلاف. أي أنهما ندان في نفس المستوى وفي حالة مواجهة. سقط سيار الجميل بوعي منه أو دون وعي في فخ "الأوركسترا العربية الرسمية" التي تريد التشكيك في آخر القلاع الإعلامية المقاومة والتي يعتمدها الصحافيون الشباب كمرجعية أخلاقية تكاد تكون وحيدة في خريطة إعلام عربي منهك ومتقلب.
ولأنني كتبت عن الرجل، ولأني أعتقد أن ما كتبته موضوعيا، فإنني أسمح لنفسي أن أبدي بعض الملاحظات، وأزيل بعض المساحات الضبابية العالقة حول الرجل.
يتهم سيار الجميل هيكل بانعدام الأخلاق لديه. فما هو المقصود بأن كاتبا معينا يكتب بدون أخلاق؟ عن أية أخلاق نتحدث؟ بالمفهوم العامي أم بالمفهوم العلمي الأكاديمي، تلك الأخلاق التي تحدث عنها ماكس فايبر، فميز بين أخلاق العالم وأخلاق السياسي؟ أم هل نعالج الأخلاق من وجهة نظر شخصية، أي الحياة الخاصة للأستاذ هيكل، يشرب لا يشرب، يصلي لا يصلي، يعشق النساء لا يعشق... أم نكتفي بالنصوص أو ما نسميه في منهج تحليل المضمون أو تحليل الخطاب بالمادة النصية Corpus. اعتقد أن الأهم هو النص، فالعودة إليه ممكنة وهي عملية تحكيمية مشروعة ومحايدة ومنصفة في الآن نفسه.
أود أن أعكس الصورة القاتمة التي رسمها الكاتب سيار الجميل. أي أن تقديمه لهيكل وكأنه الأقل "أخلاقية" في الوسط الصحافي والإعلامي مسألة مغلوطة. بل على العكس تماما، هو أكثر الإعلاميين العرب تمسكا بالمبدأ. والأمثلة كثيرة. لنبدأ: عندما كان الرجل في أوجه مجده، أي أيام الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، لم تسجل عليه نصوصا مبتذلة كغيره من الصحافيين المتلونين، أولئك الذين مدحوا عبد الناصر حد الابتذال وأرادوا أن يؤلهوه في حياته ثم انقلبوا عليه فيما بعد ليؤلهوا السادات، ثم عادوا الآن إلى الرئيس محمد حسني مبارك. كانوا ملكيين أكثر من الملك، اشتراكيين ثوريين أكثر من عبد الناصر، ثم انفتاحيين أكثر من السادات ثم الآن يؤمنون بالعقلانية المصرية الجديدة في عهد مبارك. لا لون لهم، لا طعم لهم إلا الالتصاق بالحاكم. أسماؤهم معروفة ولا داعي للتذكير. هؤلاء هم أعداء هيكل. فماذا عن الرجل؟
عندما قال هيكل "لا" أصبح هيكل الذي نعرفه اليوم. إن "أسطورة هيكل" برزت بعدما خرج الرجل من السلطة بل تحديدا حينما أصبح في المعارضة. لم يكن قبل كتبه "لمصر لا لعبد الناصر"، أو حتى "خريف الغضب"، معروفا ككاتب كبير. كان صحافي السلطة، سلطة عبد الناصر التي انتقدها في مقالات من نوع "زوار الفجر". ولعب أدوارا سياسية متنوعة كلفه بها رئيسه. وحينما جاء السادات إلى السلطة، وافقه وعمل معه حتى سنة 1974 حينما بدأت بوادر الانحراف تبرز في الأفق. هنا أتساءل من الذي خان المبادئ؟، من الذي انحرف؟، من الذي تغير؟ هيكل أم السادات؟ الإجابة واضحة ويعرفها الجميع.
لقد عارض الرجل النهج الجديد، وفوجئ اليساريون بأن من اتهموه طويلا باليمينية والليبرالية هو في الواقع أكثر يسارية منهم حينما تعلق الأمر بالانفتاح وتصفية القطاع العام أو الارتماء في الأحضان الأمريكية الإسرائيلية. أما بعضهم الآخر فهو يريد من هيكل حتى يثبت يساريته أو لنقل وطنيته، أن يحمل السلاح ويلتحق بالجبال كما فعل أرنستو تشي غيفارا. هيكل ليس بغيفارا، ولكنه في الآن نفسه عبر عن وجهة نظر تعد ثورية أيام عهد السادات. لقد رفض الإغراءات والمناصب التي عرضها عليه السادات متشبثا بمواقفه. ويكفيه هذا فخرا. دخل السجن مع غيره، وإن كان لمدة قصيرة حتى مجيء الرئيس محمد حسني مبارك إلى السلطة بعد اغتيال أنور السادات في 6 أكتوبر 1981. ورغم الانفتاح السياسي والإعلامي الكبيرين اللذين حدثا في عهد الرئيس الجديد، فإن آراء هيكل ظلت خطيرة ومؤرقة للحاكم. فهو تقريبا ممنوع من الكتابة في بلده وإن كان ذلك بشكل غير مباشر. حيث سمح له بالكتابة لمدة قصيرة في صحيفة "أخبار اليوم" حتى اندلاع أحداث الأمن المركزي سنة 1986 عندما صدر قرار بوقف نشر مقالاته. وهو محاصر من التلفزيونات المصرية ومعظم التلفزيونات العربية. وكأن أحاديثه ستغير من المشهد السياسي القائم. وحتى أبقى في مسألة "الأخلاق" هذه، أنوه بـ "جائزة جمال عبد الناصر" التي منحها إياه مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت مؤخرا. هل أذكر بمدى إشعاع هذا المركز الفكري والحضاري الفريد من نوعه في الوطن العربي، وهل أذكر بأنه يجمع نخبة النخبة من أساتذة الجامعات والمثقفين العرب الذين يجمعون بين العمق الأكاديمي والالتزام الأخلاقي بمعنى "فايبري" (نسبة إلى ماكس فايبر).
هل يمكن القول أن ملايين القراء العرب الذين ينهلون من كتب الأستاذ محمد حسنين هيكل، هم مغفلون لأنهم لم يكتشفوا "انتهازية" هيكل؟ أو لا تعكس هذه الشعبية الساحقة حقيقة سوسيولوجية مفادها أن ما يكتبه هذا الرجل يوجد فيه الكثير من الصدق ويتميز بالوفاء على الأقل في زمن انقلب فيه الكثيرون إن لم أقل الجميع؟ هيكل جدف ضد التيار لذلك تبناه القراء العرب. وأصبح شبه أسطورة حينما قال "لا". أما منتقديه فقد انقلبوا أكثر من مرة ولا يوجد في تاريخهم أية كلمة انتقاد إلا ما يسمح به الحاكم.
بعضهم الآخر يلوم محمد حسنين هيكل في منهجه البحثي ولماذا لا يوثق؟ ولماذا لا يستخدم الهوامش؟ ولماذا لا يستخدم المناهج الأكاديمية؟ لماذا هو غير مطلع على مدرسة الحوليات الفرنسية في التاريخ؟ ولماذا لا يعود إلى المؤرخين الكبار أمثال أرنولد توينبي أو الجدد أمثال تشارلز تيلي أو حتى تيدا سكوشبول أو برنت كراين؟... لماذا لا يستخدم النماذج النظرية؟ ... وفي النهاية قد يطالبونه، لماذا لا يدرس مادة علم التاريخ المعاصر في جامعة أكسفورد؟… الرجل قال أنا لست بمؤرخ وإنما مجرد صحافي، شاهد في التاريخ... فلماذا نطبق عليه ما لا يطبق على من كان مثله؟ هو صحافي، وشاهد عاش ويعيش أحداثا دونها بطريقته، كتبها ونشرها فجذبت انتباه الكثيرين. فما الذي يراد منه أكثر من ذلك؟ التدريس في أكسفورد؟ هو غير قادر على ذلك وهذه ليست مهمته. لقد قام بواجبه في حدود عمله ونجح في ذلك أيما نجاح.
لأجل ذلك أرى التباسا في "المحاكمة الأكاديمية" التي أجراها سيار الجميل. فهو أولا كثيرا ما خرج عن الموضوعية، عن الكتابة بتلك اللغة الهادئة غير المتشنجة، ما نسميها لغة علمية، ليسقط في تشنج أعصاب ويخاطب هيكل مباشرة وكأنه في خصام معه في برنامج "اتجاه معاكس" (ما رأيك يا هيكل، أليس كذلك يا هيكل، لماذا لا تقول لنا يا هيكل)... في النهاية أصبحت محاكمته صحفية وليست أكاديمية كما أراد أن يوحي للقارئ منذ السطور الأولى في كتابه.
ثم ثانيا وهو الأهم، تعامل سيار الجميل مع هيكل مفترضا أنه مؤرخ وهو الخطأ المنهجي الكبير الذي وقع فيه منذ بداية الكتاب إلى آخره. كيف يمكن أن تطلب من صحافي أن يلبي شروط المؤرخ الأكاديمية الدقيقة؟ "إن محمد حسنين هيكل كان ذكيا في هذه المسألة، حيث تفطن لها مبكرا، عندما نفى عن نفسه قطعيا صفة المؤرخ. وقال عن نفسه "أبعد الأشياء عن مقاصدي أن أجعل من هذا الكتاب (سنوات الغليان) محاولة لـ"كتابة التاريخ" والحقيقة أنه محاولة لـ"قراءته"، وهذا معنى كررته كثيرا في وصف ما أكتبه وما زلت متمسكا به. وليس من باب التواضع أن أقول أن "كتابة التاريخ" ليست صناعتي ولا أنا مدعيها، وليس من باب التفاخر أن أقول أن "قراءة التاريخ" حقي لأنها حق كل مهتم بالشؤون العامة. ولعلي لا أتزيد إذا قلت أن "قراءة التاريخ" كانت أصعب بالنسبة لي لأني عشت وقائعه، وكان علي لكي أقرأه بأمانة أن أضع للاختبار كثيرا مما كنت أظن أنني أعلمه، وأن أطرح لمراجعة كثيرا مما كنت أتوهم أنني أفهمه" (هيكل: سنوات الغليان، 12-13). ويقول عن نفس الكتاب "... لأننا يجب أن نتذكر أن هذا الكتاب ليس رسالة دكتوراه حتى أناقش فيه القضايا من خلال جزئية هنا وأخرى هناك، وإنما أنا أكتب كتابا هو عبارة عن قراءة صحافية للتاريخ من المفروض أن تصل إلى أكبر عدد من القراء، واعتقد أن الكتاب حاول تحقيق هذا الهدف، فخطابي ليس موجها إذا إلى الأكاديميين وإنما إلى عامة القراء" (هيكل في حوار مع دورية المستقبل العربي: عدد 128).
إن كتابة هيكل، حسب اعتقاده، هي قراءة صحفية للتاريخ، وليست عملية تأريخ، وهنا ينجح الرجل في الابتعاد وتجنب أي مساءلة أكاديمية تاريخية منهجية. إذن كيف يطلب سيار الجميل من الصحافي أن يتحول إلى مؤرخ؟ لماذا لم يدرسه كصحافي. لماذا لا يدرس مثلا فن الكتابة الصحفية عند هيكل، ذلك الأسلوب الشيق الذي يمسك بالقارئ من أول جملة إلى آخر سطر. نعلم جميعا أن هيكل يبيع مئات الآلاف من نسخ كتبه، والسر في ذلك هو الرواية الصحفية عند هيكل. فهيكل روائي ممتاز. ولو التزم بمطالب سيار الجميل في التوثيق ووضع الهوامش في كل جزئية لثقلت كتبه وتحولت إلى ما يشبه الكتب الأكاديمية، لأن هيكل ليس له تكوين جامعي عال. وفي الآن نفسه لما تجاوزت مبيعات الكتاب الواحد بضعة مئات مثله مثل بقية الأكاديميين. فالكتاب الأكاديمي نخبوي، أما الكتاب الصحفي فهو موجه للجمهور العريض. وهو ما نجح فيه هيكل.
اعتقد أن ما يميز هيكل أيضا هو ذهابه المباشر للحدث دون تلك الديباجات المطولة التي اعتاد عليها الصحفيون العرب وكثيرا ما يستعرضون فيها إمكانياتهم كوعاظ أخلاقيين يتفننون في الإشادة بالمبادئ الخيرة (وهم على كل حال أبعد ما يكون عن ذلك في حياتهم اليومية). هيكل أسس لمدرسة جديدة في الصحافة في الوطن العربي، وهي المدرسة السائدة في أوروبا وأمريكا، شعارها اذهب إلى الحدث مباشرة دون حشو واستطراد وكلام شاعري أخلاقي... نجح هيكل في هذه المهمة، وهي حسب رأيي من أهم الأسباب التي جعلته يحتل الصدارة.
من المؤكد أن محمد حسنين هيكل يستفيد من الكتب التي تنتقده أكثر من الكتب التي تمدحه وتنوه به. فالكتب النقدية هي الأكثر قراءة. لأنني من الذين يعتقدون أن الكتابة هي نقد أو لا تكون. ومن المؤكد أن هيكل أصبح أسطورة الصحافة العربية بفضل الحملات التي تعرض إليها. سواء جاءت من صحافة السادات أو من غيرها. فالذي يقرأ النقد حري به أن يقرأ الأصل. أي المنقود.
اعتقد أن محمد حسنين هيكل ينتمي إلى مدرسة قديمة في الصحافة انتهت وولت بدون رجعة. هو ارتبط بزعيم كبير، بجمال عبد الناصر، فعاش أحداثا كبارا عن قرب. ورواها بأسلوبه كشاهد وليس كمؤرخ على عكس البعض الذي اعتقد في أن هيكل مؤرخ. لأنه لا يميز بين التاريخ والكتابة في التاريخ.
إن مدرسة هيكل الصحفية التي تعتمد كتابات مثل "شربت قهوة مع عبد الناصر، أو التقيت في بهو القاعة بالقذافي، أو سألني الملك الراحل بمرح.." انتهت، أو في طريقها إلى النهاية. اعتقد أن المدرسة الصحافية العربية الجديدة ستراعي تطور القارئ العربي الذي أصبح متعلما جيدا. والكاتب الصحفي القادم سيكون كبير الثقافة والدراية بعلم التاريخ وعلم السياسة والاجتماع، حيث سيطلب منه تحليلات سوسيولوجية تتجاوز مجرد المعلومات لتصل إلى ضرورة التفسير الاجتماعي للأحداث. إنني أتحدث هنا عن المقال المعمق ومقال الرأي وليس عن المقال الإخباري. وليس سرا مثلا القول أن كتابات هيكل تخلو من مثل هذه التحليلات. لا اعتقد أن هذه المدرسة قادرة على فهم أو شرح مفاهيم من نوع أزمة الطبقة المتوسطة في الوطن العربي. أو نظريات التحول الديموقراطي، أو المعنى السوسيولوجي للدولة، أو الحزب، أو السلطة.
وقد برزت ظاهرة صحية في الصحافة العربية، وبخاصة الصحافة الصادرة في لندن، تتمثل في إعطاء مساحة واسعة لأساتذة علم الاجتماع والسياسة والتاريخ... لتحليل الأحداث، ومحاولة تفسيرها. فاقتربت العلوم الاجتماعية من القارئ العربي، بحيث تم تبسيطها.
ورغم كل ذلك اعتقد أن كتابة هيكل ممتعة وتمكنت من اختراق وجدان الملايين من العرب. واعتقد أن سر ذلك أن هيكل يتحدث عن مرحلة الأمل التي عاشها العرب في الخمسينيات والستينيات. وهم بذلك قد يكونوا يحنون إلى الماضي أكثر من إعجابهم بأسلوب ومنهج هيكل في الصحافة.

*******

كيف تفطنت إلى سرقات عادل حمودة المتكررة من كتابي؟ في البداية، لفت انتباهي صديق مصري، قرأ منذ سنوات كتابي وأعجب به، إلى كتاب حمودة. وقال لي لقد لاحظت كثيرا من الفقرات والفصول المتشابهة بين كتابيكما وبما أنك سبقته تقريبا بثماني سنوات في نشر عملك فهو الذي سرقك ولا يعقل أن تكون أنت. وأسرعت بقراءة الكتاب وكنت لا أستطيع من حين لآخر أن أكتم ابتسامة ساخرة وأنا أعثر على "سرقة حمودية" هنا و"سرقة حمودية" أخرى هناك، تكبر أحيانا فتكبر معها الخطيئة وتصغر أحيانا أخرى... والسبب هو أنني كنت أقرأه حتى دون أن أعود في كل لحظة إلى كتابي، ذلك أنه محفور في ذاكرتي... فكنت أقرأ حمودة دون أن أجهد نفسي بالبحث عن سرقاته، ذلك أنني أراها كما لم يرها أحد وأجدها دون عناء. ولم أعد إلى كتابي إلا وأنا أكتب هذه السطور فقط لمجرد توثيق الجرم ومسك السارق متلبسا به وذلك من خلال تثبيت أرقام الصفحات المعنية.
والغريب في كتاب حمودة هو افتخاره بنفسه. فالرجل كتب في الصفحة 51 متحدثا عن نفسه : "...وكنت أميل إلى تفسير هيكل الذي قاله في حواره مع محمد عبد القدوس في جريدة "الشعب" عقب خروجي غير المفهوم من روز اليوسف : "إن عادل حمودة من ألمع الصحفيين المصريين الذين ظهروا في الفترة الأخيرة بصرف النظر عن اختلاف البعض معه في أسلوبه وآرائه..ومن مميزاته أنه أعطى هامشا من الحرية يزيد عن ما هو مألوف وهذه إيجابية لصالحه فمهمة الصحفي باستمرار أن يعمل على توسيع هامش الحرية المسموح بها بحكم الظروف وواقع الحال الذي لا يمكن إنكاره..ولست في الحقيقة أعرف الدوافع والأسباب التي أدت إلى انتقاله من روز اليوسف إلى الأهرام..وما تم إعلانه في هذا الصدد لا يبدو لي مقنعا..لكن يبقى أنه انتقل إلى الأهرام واعتقادي أن عمله هناك يمكن أن يكون بداية ممتازة لنقلة أخرى نوعية في عمل صحفي لامع".
وأضيف أنا لكلام هيكل، أن من ميزات عادل حمودة أيضا هو سرقة السطور والصفحات وحتى الفصول دون ذكر المصادر والمراجع. ولست أدري كيف يمكن لحمودة الذي تم مسكه متلبسا بالجرم الموصوف أن يكون من "ألمع صحافيي مصر" بعد أن يطلع القارئ على الفقرات القادمة؟!
وأقول له أيضا، بقيت لك فرصة وحيدة وأخيرة وهي الاعتذار عما حدث، مني أولا ومن قارئك ثانيا في مقدمة كتابك الجديد عن هيكل. وعليك تدارك الأمر وذكر كل مرجع ومصدر أخذته من أي كاتب آخر. عليك التمييز بين أفكارك وأفكار غيرك، بين استشهاداتك واستشهادات غيرك، بين فصولك وفصول غيرك... وأقول لك مرة أخرى لماذا لم تذكر كتابي في كل مرة تعود فيها إليه، فقط تذكر الكتاب ورقم الصفحة أو تشير إلى أن هذا الفصل أو ذاك قد سبقك إليه كاتب آخر تناوله وأنت تعيد اقتباسه. فيصبح كتابك إضافة جديدة، بل يصبح كتابا ممتعا باعتباره أنصف هيكل تجاه خصومه من جهة، ولاعتبارك بحثت في الجانب الطريف من حياته من جهة أخرى...
أحكم محمد حسنين هيكل الذي قرأ الكتابين في ما كتبته من سطور... وأحكم القارئ المصري والقارئ العربي وبالخصوص أي أستاذ جامعي يعرف أساليب التحايل والسرقات الفكرية، بل حتى أحكم أي باحث أو طالب ناشئ... فالمسألة لا تحتاج إلى كبير عناء حتى يمسك عادل حمودة متلبسا بسرقاته.
أقدم في هذه السطور التالية بعض سرقات عادل حمودة وليس كلها وذلك حتى لا يثقل هذا التقديم والتي جاءت في كتابه "هيكل، الحياة، الحرب، الحب. هو وعبد الناصر"، وأنا في انتظار كتابه الثاني "هو والسادات ومبارك"، وكلي شوق للاطلاع على سرقاته الجديدة.

*******

كان من الممكن أن يكون كتاب الصحفي عادل حمودة ممتعا لولا أنه بالغ في استخدامي دون ذكري واكتفى بأن أشار إلى اسمي وإلى رسالتي الجامعية مرة واحدة وفي جملة واحدة في الصفحة 41. ثم يختفي الاسم والكتاب من الصورة لكن أفكاري لا تختفي بل حتى فصولي يعاد كتابتها بما نسميه باللغة الفرنسية (paraphrase) وكأنها اكتشفت لأول مرة. في حين أنه ذكر مؤلفين آخرين باستمرار. وكان يمكنه أن لا يذكر أحد في الهوامش، فالكتب الصحافية يمكنها أن لا تستخدم الهوامش وتكتفي بذكر المراجع والمصادر التي استخدمت في آخر الكتاب. يمكن لعادل حمودة أن يفعل ذلك أما أن يشير تارة إلى هذا ويسرق تارة أخرى من ذاك دون إشارة فهو ما لا يقبل. ويمكنني أن أحدد سرقات الصحفي عادل حمودة في ما يلي:

أولا : في بعض الأحيان يصل الأمر إلى استعادة بنية فصل بأكملها مثل فصل "الصحافة بين الحرية والحكومة" الممتد من صفحة 241 إلى صفحة 265. وهو في الأصل فصل كتبته عنوانه "هيكل وتنظيم الصحافة في عهد عبد الناصر".

ثانيا : استعادة ما اقتبسته من كتب هيكل ووضعته بين قوسين، فإن عادل حمودة يستعيده بدوره ويشير إلى رقم الصفحة ورقم الكتاب وكأنه هو نفسه قرأ الكتاب ولم يصل إلى الاقتباس عن طريقي. فأنا أمضيت ثلاث سنوات لأقرأ كل كلمة وكل سطر في كتب هيكل ولأؤشر عليها مستخدما منهجا أكاديميا يتطلب الكثير من الوقت في تحديد المعلومة وانتقائها ونقلها في جذاذة ورق صغيرة ووضعها في ظرف خاص بالفقرة المناسبة في الخطة (الفهرست)... ثم استغلالها لما تأتي مرحلة التحرير النهائي... في حين أن عادل حمودة أخذ كل شيء جاهزا وكأنه هو الذي بحث فيه وهو الذي جمع المعلومات والاستشهادات.

ثالثا: أخذ أفكار ومعلومات كثيرة من كتابي دون أن يشير للمرجع. والأمثلة على ذلك كثيرة :

- إن أكبر سرقات عادل حمودة على الإطلاق هو سرقته لإشكالية رسالتي الجامعية في معهد الصحافة وعلوم الإخبار في تونس والتي ناقشتها كما سبق أن ذكرت سنة 1992 ونشرت كتابا في نفس البلد في سنة 1993 ونشر في القاهرة في سنة 2000.
يكتب حمودة في كتابه وفي الصفحة 57 "وهناك قضية جوهرية ثانية في سيرة هيكل..هل كان شاهدا على عصوره أم كان شريكا في صياغة بعضها..هل نعامله كسياسي لعب دورا فيما جرى أم نعامله كصحفي كانت مهمته المراقبة والكتابة؟..بصيغة أخرى..كيف تداخلت وتشابكت خيوط الصحافة مع أسلاك السياسة الشائكة؟
لقد كتبت منذ أكثر من عشرة سنوات في الصفحة 21 من كتابي "هيكل أو الملف السري للذاكرة العربية" (طبعة تونس 1993 أو طبعة القاهرة 2000. ويمكن أن يجد القارئ نفس السطور في كتابي هذا مع مراعاة الفرق في عدد الصفحات حيث أضفت هذه المقدمة الجديدة) ما يلي : "..إن هذه النماذج المتكررة عبر التاريخ تطرح مسألة معقدة وهامة. وهي علاقة الصحافة بالسياسة عندما يمارسهما نفس الفرد. أي ماذا يحدث حينما يكون السياسي صحفيا؟..والإشكالية التي تطرحها هذه الرسالة، ليست من النوع البيوغرافي البحت، ذلك أنها تبحث في حياة هيكل من جانبيها الصحفي والسياسي وتهتم أساسا بالفترة الممتدة من سنة 1952 إلى سنة 1981. إن المشكل المطروح يتمثل في السؤال التالي : كيف عاش هيكل حياته الصحفية والسياسية طيلة الثلاثين سنة تقريبا؟" ...ثم أضفت في الصفحة 28 "إن الإستراتيجية النظرية التي اعتمدت في هذه الرسالة انطلقت من فكرة الفصل بين الحياة الصحفية والحياة السياسية عند محمد حسنين هيكل وهو فصل اعتباطي، لا يمكن أن يحدث في الواقع وإنما استدعته ضرورة منهجية ملحة...".

- ورد في كتاب عادل حمودة قي الصفحة 20 ما يلي "...فمثل هذه العلاقة كانت متاحة لعدد آخر من نجوم الصحافة..إحسان عبد القدوس..حلمي سلام..احمد بهاء الدين..مثلا".
وهو ما جاء في الصفحة 126 من كتابي : "لم يكن محمد حسنين هيكل هو أقرب الصحفيين إلى جمال عبد الناصر، فقد كان هناك صحفيون آخرون أقرب مثل إحسان عبد القدوس ومصطفى أمين وحسين فهمي واحمد أبو الفتوح وحلمي سلام، وكلهم كانوا أصدقاء لعبد الناصر". وكنت قد أخذت هذه المعلومة من حواري الطويل مع سامي شرف، يجدها أيضا القارئ في الملحق.

- ورد في كتاب عادل حمودة في الصفحة 21 ما يلي "لقد ظل هيكل حديث العالم سنوات طوال بعد رحيل عبد الناصر..ولعل ما قاله أنتوني ناتنج وزير الدولة الأسبق للشؤون الخارجية في حكومة أنتوني إيدن لهيئة الإذاعة البريطانية في 14 ديسمبر 1978 يثبت ذلك..قال "عندما كان هيكل قرب السلطة كان الكل يهتم بما يعرف..وعندما ابتعد عنها تحول اهتمام الكل إلى ما يفكر فيه". الغريب في هذه الجملة الأخيرة أن حمودة وضعها بين قوسين وما انتظره منه عمليا هو وضع الهامش في آخر القوسين لمعرفة من أين أخذ هذه المعلومة. لكنه كعادته يمارس التوثيق بشكل اعتباطي دون أي ضابط علمي.
واعتقد أنه أخذ هذه المعلومة من كتابي حيث كتبت في الصفحة 17 وفي المقدمة ما يلي "وقال عنه "انتوني ناتنج" وزير الدولة البريطاني السابق للشؤون الخارجية في وزارة "إيدن" "عندما كان قرب القمة كان الكل يهتمون بما يعرفه... وعندما ابتعد عن القمة تحول اهتمام الكل إلى ما يفكر فيه" وذلك ضمن برنامج عن محمد حسنين هيكل، أخرجته هيئة الإذاعة البريطانية ووضعته على موجاتها يوم 14 ديسمبر 1978 في سلسلة صور "شخصية" بعد أن سئل عن تقييمه له في فترة اقترابه من القمة في مصر وفترة ابتعاده عنها". ووضعت هامشا لهذه المعلومة في أسفل الصفحة، جاء فيه : محمد حسنين هيكل، السلام المستحيل والديموقراطية الغائبة، رسائل إلى صديقي هناك، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، الطبعة الثانية، بيروت 1982، ص 16. أما الأخ عادل فهو لا يكلف وسعه الرجوع إلي ولا حتى الرجوع إلى هيكل عن طريقي، وكأن هذه المعلومات وهذه التصريحات جاءته وحيا من السماء.

- يكتب حمودة في الصفحة 180 من كتابه "وفي مقابل ما كان ينقله هيكل لعبد الناصر مما يجرى في صحافة العالم وأحداثه أول بأول كان يحصل على كل وثائق الدولة أول بأول..وهكذا..بدا هيكل في المنطقة الوسطى بين دور الشاهد ودور المشارك..بين الصحافة والسياسة..وهذه قصة أخرى.
وكتبت في كتابي وفي الصفحة 86 ما يلي "فبقدر ما أعطى هيكل من معلومات لعبد الناصر، بقدر ما استفاد بحكم قربه من مركز القرار، وبقدر ما استخدمها كسلاح قوي لحماية نفسه والدفاع عن عبد الناصر وتجربته.

- تكررت سرقات حمودة بنفس الأسلوب دائما في فصله رقم 23 المعنون "صحيفة شاخت مع الأيام" وهو فصل شديد الشبه إن لم أقل منقولا بالكامل من الفصل الثاني من كتابي والمعنون بـ"تجربة الأهرام". يكتب حمودة في كتابه وفي الصفحة 211 "لقد جاء مؤسس الأهرام سليم تقلا من سوريا هربا من جور السلطان عبد الحميد الذي كان يمد نفوذه المباشر من تركيا على سوريا..وفي الوقت نفسه لم يتردد سليم تقلا في أن يضع نفسه في خدمة الخديوي إسماعيل الذي كان مهووسا بالدعاية وحب الظهور..فكان أن قدم التماسا في 27 ديسمبر 1875 بإنشاء مطبعة الأهرام..ووافق الخديوي إسماعيل..وفي 5 أغسطس 1876 صدر العدد الأول من الأهرام الأسبوعية في 4 صفحات..وابتداء من يوم الاثنين 3 يناير 1881 أصبحت الأهرام جريدة يومية..وفي أول أغسطس 1957 وعلى صدر العدد رقم 26000 وضع اسم هيكل رئيسا للتحرير".
وكنت قد كتبت في كتابي وفي مطلع الفصل الثاني (تجربة الأهرام) وفي الصفحة 51 ما يلي "كان "سليم تقلا" صاحب الأهرام واحد من الصحفيين الذين جاؤوا إلى مصر من سوريا تزلفا للخديوي إسماعيل الذي كان يميل بطبعه إلى الدعاية ويسيطر عليه حب الظهور، وكان في حاجة إلى صحافة تؤيده..وقد جاء صاحب الأهرام لهذا السبب وأيضا هربا من جور السلطان العثماني عبد الحميد وبطشه.
وفي 27 ديسمبر 1875 قدم ملتمسا لإنشاء مطبعة الأهرام ووافقت عليه الحكومة.
وصدر العدد الأول من الأهرام في 5 أوت سنة 1876 متكونا من 4 صفحات ثم أصبح صحيفة يومية ابتداء من يوم الاثنين 3 جانفي 1881. ووضعت الهامش التالي: سمير صبحي، صحيفة تحت الطبع، دار المعارف، الطبعة الثانية، القاهرة، 1980، ص 54-55-56. (وأذكر أنني اشتريت الكتاب من معرض تونس الدولي للكتاب) في حين لم يستخدم حمودة أي هامش وإنما تبنى كل المعلومات وكأنها من بنات أفكاره. وأضفت مباشرة "وفي سنة 1957 يصبح محمد حسنين هيكل رئيسا لتحريره".
وتتكرر في هذا الفصل كثرة "اقتباسات حمودة" ولا أود أن أثقل على القارئ بالعودة في كل مرة إلى تفاصيل سرقات حمودة وهي كثيرة..وله أن يعود إلى الكتابين إن شاء.

- في بعض الأحيان لا يكتفي حمودة بسرقاته الطويلة هنا وهناك بل يصل به الأمر إلى أخذ فصل كامل من كتابي ليتبناه مغيرا العنوان ومغيرا ترتيب الفقرات، ومضيفا بعض الأشياء... ومثال على ذلك فصل رقم 26 الذي جاء في كتابه تحت عنوان "الصحافة بين الحرية والحكومة"، وورد في الصفحة 241. وهو في الأصل الفصل الثالث الذي جاء في كتابي تحت عنوان "هيكل و"تنظيم الصحافة" في عهد عبد الناصر". وقد نقل بشكل مكثف مني في صفحات كتابه رقم 248 و249 و250 وحتى 285...ويبقى الأهم أن الفصل بأكمله كبنية وفكرة أخذ من كتابي دون ذكر المصدر. وللقارئ أن يعود إلى التفاصيل إن شاء. فلا أريد أن أثقل عليه بإعادة عشرات الجمل التي سرقها حمودة من كتابي. فهي على أية حال متوفرة لمن يقرأ الفصلين ويقارن بينهما.

- يكتب حمودة في الصفحة 86 "ويعترف هيكل بأن تجربة العمل كمراسل حربي قد استهوتني"..ويستطرد "وهكذا وجدتني باحثا عن المتاعب في كل مكان أغطي الحوادث الساخنة في الشرق الأوسط وحوله..ومن الحرب الأهلية في اليونان وقد شملت كل البلقان إلى حرب فلسطين من أولها إلى آخرها إلى سلسلة الانقلابات العسكرية في سوريا إلى عمليات الاغتيال الكبرى في المنطقة من اغتيال الملك عبد الله في القدس إلى اغتيال رياض الصلح في عمان إلى قتل حسني الزعيم في دمشق ثم إلى ثورة مصدق في إيران ثم اتسعت المسافات فإذا أنا أغطي المشاكل الملتهبة في قلب إفريقيا ثم حرب كوريا وحرب الهند الصينية الأولى". ويضع حمودة الهامش التالي : هيكل بين الصحافة والسياسة، المصدر السابق، ص 41.
وقد سبق أن كتبت في كتابي وفي الصفحة 43 ما يلي "قام الصحافي الشاب بتغطية الحوادث الساخنة في الشرق الأوسط وفي العالم، فغطى الحرب الأهلية في اليونان ومنطقة البلقان وحرب فلسطين من أولها إلى آخرها. وكذلك سلسلة الانقلابات العسكرية في سوريا، وأيضا عمليات الاغتيال الكبرى في المنطقة، من اغتيال الملك عبد الله إلى اغتيال رياض الصلح في عمان إلى قتل حسني الزعيم في دمشق ثم إلى ثورة مصدق في إيران، ثم اتسعت المسافات فإذا به يغطي المشاكل الملتهبة في قلب إفريقيا ثم حرب كوريا وحرب الهند الصينية الأولى". ووضعت هامشا في كتابي في الصفحة 43 جاء فيه : المصدر السابق، ص 41. (وكان المصدر السابق بين الصحافة والسياسة).

- كتب حمودة في كتابه وفي الصفحة 86 : "لقد دفعته الصور المبكرة للخطر التي صاغها في مخيلته عم حامد للتجوال خمس سنوات في بداية حياته الصحفية ..وهو ما أدى إلى حصوله على جائزة فاروق الأول للصحافة ثلاث مرات..قرر بعدها أن لا يتقدم للجائزة ويتركها لغيره..وعندما عاد إلى القاهرة ليستقر فيها اكتشف أنه لفت الأنظار بما كان يكتب..لكن الأهم أنه كما يقول "أصبحت على معرفة وثيقة بأحوال شعوب المنطقة ومعرفة شخصية بكل ساستها وحكامها وعلى صلة بجيلي من الصحفيين في العالم الواسع فقد جمعتنا معا ميادين القتال ومواقع الأحداث على طول المسافة الممتدة من شواطئ المحيط الهادئ إلى شواطئ الأطلنطي..وأهم من ذلك كله أن أبواب السياسة المصرية تفتحت أمامي على مصراعيها..وكان ساسة مصر وقتها قد تعودوا على مجموعات من الصحفيين يقفون على أبواب دور الرئاسات والوزارات يسألون الداخلين والخارجين عن الأخبار. وكان من حسن حظي أنني لم أقف على باب أحد ولم أسأل أحد في شيء أثناء مروره في ردهة أو نزوله على سلم خروج. ولقد سبب لي ذلك حساسيات مع البعض. ومع الأسف لم استطع إقناعهم أن الحياة مع الخطر هي التي فتحت لي الأبواب وأعفتني من الوقوف على الأعتاب". ويضع حمودة الهامش التالي : المصدر السابق، ص42. ويضيف في الفقرة التالية "ويتذكر هيكل على سبيل المثال "أني حين عدت من فلسطين لأول مرة بعد أن كتبت سلسلة تحقيقات بعنوان "النار فوق الأرض المقدسة"، تلقيت دعوة من رئيس الوزراء في ذلك الوقت محمود فهمي النقراشي (باشا) يطلبني إلى مكتبه ليسألني عما رأيت ويدقق في السؤال..لم تكن مصر قد قررت دخول الحرب". ويضع الهامش الموالي : المصدر السابق، ص41.
بينما كنت قد كتبت ما يلي في الصفحتين 43 و44 من كتابي "لقد حقق نجاحا كبيرا جعله تقريبا من ألمع الصحفيين الشبان في مصر، وتمكن من ربط مجموعة من العلاقات الخاصة مع كبار الساسة والصحفيين في العالم يقول عنها : "إنني أصبحت على معرفة وثيقة بأحوال شعوب المنطقة ومعرفة شخصية بكل ساستها وحكامها، وعلى صلة بجيلي من الصحفيين في العالم الواسع، فقد جمعتنا معا ميادين القتال ومواقع الأحداث على طول المسافة الممتدة من شواطئ المحيط الهادي إلى شواطئ المحيط الأطلنطي". ووضعت الهامش التالي : المصدر السابق، ص41. ثم أضفت في فقرة ثانية وفي صفحة 44 من كتابي : "أما في مصر، فإن نجاحه جعل القادة السياسيين ورجال الدولة والأحزاب يهتمون بالتعرف عليه، والتعاون معه، وإعطائه الأخبار، بل وصل الأمر إلى أن استعان به رئيس الحكومة وأخذ رأيه في مسألة دخول الحرب في فلسطين ويبين ذلك هيكل في قوله "إن أبواب السياسة المصرية تفتحت أمامي على مصراعيها، وكان من حسن حظي، أنني لم أقف على باب أحد ولم أسأل أحدا في شيء أثناء مروره في ردهة أو نزوله على سلم، وكان ساسة مصر وقتها قد تعودوا على مجموعات من الصحفيين يقفون على أبواب دور الرئاسات والوزارات يسألون الداخلين والخارجين عن الأخبار. ولقد سبب لي ذلك حساسيات مع البعض، ومع الأسف لم استطع إقناعهم أن الحياة مع الخطر، هي التي فتحت لي الأبواب وأعفتني من الوقوف على الأعتاب. وأتذكر على سبيل المثال أنني حين عدت لأول مرة بعد أن كتبت سلسلة تحقيقات بعنوان "النار فوق الأرض المقدسة"، تلقيت دعوة من رئيس الوزراء في ذلك الوقت محمود فهمي النقراشي (باشا) يطلبني إلى مكتبه ليسألني عما رأيت ويدقق في سؤالي، ولم تكن مصر قد قررت دخول الحرب". ووضعت الهامش الآتي : المصدر السابق، ص41.

- يكتب عادل حمودة في كتابه وفي الصفحة 136 ما يلي "وفي كل الأحوال فإن أخبار اليوم أصبحت المدفعية الثقيلة الموجهة إلى الوفد تدك مواقعه دكا عنيفا صباح كل سبت..وكان الوفد في موقف لا يحسد عليه..مطرود من الحكم بالإقالة..ومحاصر تحت دك المدفعية الثقيلة لأخبار اليوم..". ويضع الهامش التالي : هيكل، المصدر السابق، الصفحات 30 و31 و34. ثم كتب في الفقرة التالية "وبدأ التابعي يسعى جاهدا لتطوير آخر ساعة حتى "تستطيع أن تقف مع الوفد في وجه المدفعية الثقيلة الجديدة"..لكن..هيكل يضيف : "ربما كانت هناك أسباب أخرى منها أن التابعي كان يعتبر نفسه أستاذا لمصطفى وعلي أمين..وربما شق عليه معنويا أن يرى مجلة أسبوعية سياسية جديدة يصدرانها تسبق مجلته وتفوقها بكثير من نواحي عدة".
ويستطرد هيكل : "ومع أني كنت قد أصبحت سكرتير تحرير آخر ساعة فإن عملية التطوير الجديدة تولاها التابعي بنفسه وظلت بنودها في رأسه ينفذها واحدا بعد واحد".."ومن سوء الحظ أن التجربة لم تنجح..وفوق ذلك فإن مصروفات آخر ساعة زادت بأكثر من توقعات التابعي"..وكان.."أن قرر التابعي في نوبة ملل أو نوبة يأس أن الوقت قد حان ليرفع عن كاهله أعباء ملكية مجلته..لقد قرر أن يبيع آخر ساعة..وقد أتفق على بيعها فعلا..والمشتري الجيد هو أخبار اليوم..مصطفى وعلي أمين". ويضع الهامش التالي : المصدر السابق، الصفحات 30 و31 و34.
وكنت قد كتبت في كتابي وفي الصفحة 38 ما يلي : "ففي كل الأحوال فإن "أخبار اليوم" أصبحت المدفعية الثقيلة الموجهة إلى "الوفد" تدك مواقعه دكا عنيفا صباح كل سبت". ووضعت الهامش التالي : المصدر السابق، ص30. وأضفت مباشرة "وإزاء هذه التطورات الجديدة وجدت "آخر ساعة" نفسها في موقف حرج مما دفع صاحبها إلى العمل على تطويرها حتى تتمكن من الدفاع عن "الوفد" ومن مواجهة المنافس الجديد. ورغم أن هيكل كان يشغل خطة سكرتير تحرير المجلة، فإن عملية التطوير الجديدة تولاها بنفسه، وظلت معظم بنودها في رأسه ينفذها واحدا بعد واحد، ولقد كانت لهيكل – بغير تجاوز- آراء وملاحظات لكن التابعي كان بعواطفه كلها مندفعا إلى ما يراه. ومن سوء الحظ أن التجربة لم تنجح وفوق ذلك فإن مصروفات آخر ساعة – بحكم وجود الإنفاق على مشروع التطوير - زادت بأكثر من توقعات التابعي، إلى جانب أن الشحنة العاطفية التي دفعت محاولة التطوير كانت قد استنفذت نفسها، وهكذا قرر التابعي – ربما في نوبة ملل أو نوبة يأس – أن التوقيت قد حان ليرفع عن كاهله أعباء ملكية مجلته". ووضعت الهامش التالي : المصدر السابق، ص31. يلاحظ القارئ أن هوامشي المتسلسلة هي نفسها هوامش حمودة هذا إذا تكرم وذكرها. حيث أنه كثيرا ما يستخدم معلومات لا يعرف أحد من أين جاءت. واكتفي أنا بتحديد ما أخذه مني. وأتساءل هل هي مجرد صدفة أن يتكرر سيناريو تسلسل نفس الهوامش بيننا؟!


- اكتفي بهذا القدر حتى لا يتحول الكتاب إلى دراسة تكشف سرقات حمودة... وأترك المهمة لأي باحث يريد أن يتوسع في هذا الموضوع ويتسلى بضبط "ألمع صحافيي مصر" متلبسا بجريمته الكبرى.



#رياض_الصيداوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحو تفسير ظاهرة الأصول العلمية التقنية لنشطاء الحركات الإسلا ...
- أسد الجبارين: ياسر عرفات والابن الروحي مروان البرغوثي 4
- قصة أسد الجبارين: ياسر عرفات 3
- قصة أسد الجبارين: ياسر عرفات 2
- قصة أسد الجبارين: ياسر عرفات 1
- جان زجلر يتحدث إلى العرب 5
- (جان زجلر يتحدث إلى العرب (4
- نحو فهم سوسيولوجي للحركات الإسلامية في الوطن العربي وقدرتها ...
- انتشار الجماعة السلفية الجهادية في المغرب العربي
- جان زجلر يتحدث إلى العرب 3
- (2) جان زجلر يتحدث إلى العرب
- (1)جان زجلر يتحدث إلى العرب
- الأسس الفلسفية القيمية الليبيرالية في بناء المجتمع والدولة
- ما الذي يمنع الديموقراطية في الوطن العربي؟


المزيد.....




- هل تصريح نتنياهو ضد الاحتجاجات في الجامعات يعتبر -تدخلا-؟.. ...
- شاهد: نازحون يعيشون في أروقة المستشفيات في خان يونس
- الصين تطلق رحلة فضائية مأهولة ترافقها أسماك الزرد
- -مساع- جديدة لهدنة في غزة واستعداد إسرائيلي لانتشار محتمل في ...
- البنتاغون: بدأنا بالفعل بنقل الأسلحة إلى أوكرانيا من حزمة ال ...
- جامعات أميركية جديدة تنضم للمظاهرات المؤيدة لغزة
- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - رياض الصيداوي - هيكل أو الملف السري للذاكرة العربية 1