أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - رياض الصيداوي - قصة أسد الجبارين: ياسر عرفات 1















المزيد.....

قصة أسد الجبارين: ياسر عرفات 1


رياض الصيداوي

الحوار المتمدن-العدد: 1820 - 2007 / 2 / 8 - 11:48
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    



انشغلت منذ بضعة أشهر بالبحث والتنقيب في شخصية الزعيم الراحل ياسر عرفات بغاية تأليف كتاب حوله. استهوتني هذه الشخصية التي أصبحت رمزا للقضية الفلسطينية. فأبو عمار أكثر من قائد يقود الرجال في المعركة لأنه ببساطة فاق الدور الذي رسمه لنفسه ليتحول إلى رمز لآلام شعبه ورمز لتطلعاته إلى الحرية والاستقلال. واعترف أن ياسر عرفات لم يكن يستهويني كثيرا في الماضي حيث كانت شخصية جورج حبش أقرب إلى قلبي وفكري. وأذكر أنني التقيت ب"الحكيم" في تونس وأجريت معه حوارا لصحيفة "العرب" اللندنية في بداية سنة 1991، أي قبل قصف بغداد من قبل قوات التحالف ببضعة أسابيع. ومازلت احتفظ بالتسجيل للتاريخ. وأذكر أن حبش قال لي بالحرف الواحد نحن الآن مع أبي عمار في خندق واحد. ومن المفيد التذكير بأن الرجل نافس عرفات طويلا على قيادة الثورة الفلسطينية، وكان تنافسهما شريفا ومبدئيا. وسوف يذكر التاريخ للحكيم كيف حذر أبو عمار ذات مرة من محاولة اغتيال دبرتها له دولة عربية، فأنقذه من موت محقق. وسوف يذكر التاريخ للحكيم أنه فهم المرحلة السياسية التي تخوضها الثورة الفلسطينية وأدرك معنى انهيار الاتحاد السوفيتي ونهاية الحرب الباردة..فوصل إلى نتيجة ضرورة ترك أبي عمار يقود السفينة وتنحى عن الطريق بصمت وشجاعة وأنهى مرحلة التنافس بشرف. لقد نشأت علاقة احترام وحب بين الطرفين منذ بداية الكفاح والتزم كل منهما خطا أحمرا لا يتجاوزه في صراعه مع الآخر. أما رفاق أبي عمار الآخرين الذين اتهموه مرة ب"الخيانة" ومرة أخرى ب"ترك الخنادق من أجل الفنادق"..وزايدوا عليه "ثوريا"، فإن صوتهم اختفى الآن كما أن بنادقهم التي رهنوها لدول عربية شقيقة لم تطلق رصاصها..وحده أبو عمار واصل الكفاح مستخدما كل الأساليب المتاحة : الكفاح المسلح تارة، والتفاوض تارة أخرى، ثم أخيرا سلاح الانتفاضة.
محترف الكاميرا
لقد رأيت ياسر عرفات لأول مرة في تونس في فندق "أميلكار" في بداية التسعينات. وأذكر أني حضرت الندوة الصحفية التي أقامها مع وزيرة الخارجية آنئذ مادلين أولبرايت في مقر السفارة الأمريكية في جنيف منذ بضعة سنين خلت. وشد انتباهي الحشد الهائل من الصحافيين والإعلاميين الذين حضروها. فأبو عمار "محترف" أمام كاميرات التلفزيون وعدسات المصورين. والمرة الأخيرة التي رأيته فيها كانت في منتجع "دافوس" السياحي في سويسرا أثناء مؤتمر دافوس العالمي سنة 2000. وكنت أغطي المؤتمر لتلفزيون عربي. وأذكر أن كاميرات صحافيي ومصوري العالم جميعا قد تركت رؤساء الدول ورؤساء الحكومات ورؤساء الشركات الكبرى لترابط أمام الفندق الصغير الذي وصل إليه عرفات.
وأقر أن كتبا كثيرة كتبت عن عرفات، حيث تميزت الكتب الأمريكية ببعض الجفاء تجاهه في حين عامله الكتاب الفرنسيون بتعاطف كبير وإعجاب واضح وانقسم الكتاب العرب الذين تناولوه بين هجاء ومدح حسب مصالح دولهم!
قدر مع الحياة
ولأبي عمار قصة أخرى مع ثنائية الموت والحياة ، فالرجل شارف الموت مرات كثيرة في حياته ولكنه ينجو كل مرة منها بقدر ومعجزة إلهيين. فلا محاولات الاغتيال تمكنت منه رغم أنها حصدت أرواح رفاقه المخلصين من أبي جهاد إلى أبي أياد، ولا حتى حادث سقوط طائرته في الصحراء الليبية مسه بسوء..رغم أنه حادث يندر النجاة منه، كل مرة يعيش بمعجزة مستجيبا لقدره في أن يحيا ويواصل مسيرة كفاحه من أجل فلسطين.
وهو اليوم محاصر من قبل دبابات شارون، مغضوب عليه أمريكيا، متجاهل من قبل أغلب الحكومات العربية..ويواجه كل ذلك بعناد وصبر كبيرين. فالرجل تعود على الحصار وخرج منه دائما سالما أكثر عزما منه من قبل. وكثيرا ما كان حصار "الأشقاء" أشد مرارة على قلبه من حصار الأعداء. والذين يراهنون على عزله وتعويضه بأحد مساعديه يعيشون وهما كبيرا لأن من يحاول أن يأخذ مكان عرفات وهو مازال حي يرزق ينتحر بنفسه أمام الشعب الفلسطيني. ونذكر جميعا منذ بضعة أيام خلت كيف غضب الزعيم على قائد جهاز الأمن الوقائي بالضفة الغربية، جبريل الرجوب، وشهر مسدسه في وجهه..وكيف عاد إليه هذا الأخير مؤديا التحية العسكرية وواضعا نفسه تحت إمرته كجندي تحت تصرف قائده. وصفح عنه أبو عمار كما صفح عن الكثيرين من قبله.
أبو عمار المقاتل
في بداية شبابه، لم يكن ياسر عرفات يؤمن بسبيل آخر لتحرير فلسطين غير الكفاح المسلح. وقد شارك في القتال مبكرا رغم صغر سنه. أعرض الآن مشهد أول معركة مسلحة يخوضها أبو عمار.
كلف القائد المصري الذي يقود كتيبة طلبة متطوعين للقتال في فلسطين سنة 1948 طالبا فلسطينيا اسمه محمد ياسر القدوة بمهمة إطلاق قذيفة مورتر على أول مصفحة تتصدر الرتل الإسرائيلي قريبا من مدينة غزة. كان الكمين محكما وكانت مهمة الطالب الفلسطيني ستكون الأكثر حسما في نتيجة المعركة. تقدمت المصفحات وأطلق محمد ياسر القذيفة وأصابت الهدف وتوقف الرتل وتعالى الدخان الذي كان كثيفا..فسهلت مهمة المقاتلين في المعركة. كانت أول حربا مسلحة يخوضها من سيصبح اسمه فيما بعد ياسر عرفات أو ابو عمار. كان الشاب يؤمن إيمانا عميقا بأن طرد اليهود لن يتم إلا عبر القوة المسلحة.
خيبة الأمل
لكن الضابط المصري الكبير الذي جاءهم باسم تحرير فلسطين تقدم من عرفات ورفاقهم وطلب منهم تسليم أسلحتهم. علق عرفات لاحقا على الحدث قائلا "لا يمكنني أبدا أن أنسى ذلك المشهد. كنت في غزة حينما جاء ضابط مصري إلى مجموعتي وطلب منا أن نلقي بالسلاح. في البداية لم أكن أصدق ما أسمع. قلنا للضابط : لماذا ؟ فأجابنا الضابط بأن ذلك أمر من الجامعة العربية. كان احتجاجنا بلا صدى إجابي. وأعطاني الضابط وصل تسلم لبندقيتي مع وعد بإعادتها لي بعد انتهاء الحرب". انتشر الكلام عاليا لدى الفلسطينيين الذين قالوا أن عدوهم الأول بعد الإسرائيليين هم العرب أنفسهم. فقد انسحبت جيوشهم جميعا من المواقع التي احتلوها وحتى من مواقع كانت محررة من قبل بسبب قرار التقسيم. فباستثناء الجيش الأردني الذي حافظ على الجزء العربي من القدس فقد تراجع البقية..كان الجميع يهتف علنا أم همسا : خيانة ! بعد أربع سنوات فقط جاء جمال عبد الناصر إلى الحكم في مصر ليؤكد رأي الفلسطينيين في أن ما حدث كان خيانة وتحدث عبد الناصر طويلا عن الأسلحة الفاسدة وعن المرارة التي كان يشعر بها الضباط المصريون المحاصرون بسبب خيانة قيادتهم في القاهرة.
وكان الأمين العام للجامعة العربية عبد الرحمان عزام في المشهد أيضا فقد أعلنت جامعته يوم 10 يونيو / حزيران 1948 وقفا لإطلاق النار لمدة ثلاثين يوما. خرج يومها عزام باشا من مكتبه متمتما "لن يغفر لنا الشعب العربي أبدا ما فعلناه لفلسطين".
المهم، أن الشاب عرفات تأكد له أن تحرير فلسطين لن يتم إلا عن طريق الفلسطينيين أنفسهم وأن العرب، باستثناء الدعم الكلامي أو بعض الأموال، لن يقدموا لفلسطين كثيرا. وعادت به الأيام إلى طفولة بعيدة في أحد أحياء القاهرة المزدحمة.
من هو ومن أين جاء؟
الإسم الرسمي المسجل لابي عمار في دفتر الحالة المدنية هو محمد ياسر القدوة حيث تمت ولادته في مدينة القاهرة يوم السبت 29 أغسطس 1929. وهي السنة التي اشتد فيها القتال بين المقاومين العرب الفلسطينيين من جهة وقوات الاحتلال البريطاني وحلفاؤهم من اليهود من جهة أخرى. ولكن ما الذي دفع بعبد الرؤوف القدوة والد ياسر عرفات إلى الانتقال إلى مدينة القاهرة بدل العيش في فلسطين ؟ هناك إجابتان شائعتان : الأولى تقول أن رحيله كان بسبب طرد البريطانيين له ونفيه لما أبداه من أنشطة نضالية في مقاومتهم. أما الثانية، وهي الأكثر خبثا، فتقول أن السبب الحقيقي هو بيع والد عرفات لأراضيه لليهود نظرا للأسعار المغرية التي عرضوها عليه. كان الرجل ميسورا فهو تاجر معروف ولكنه اختار تأسيس مشروعا آخر في القاهرة يتمثل في مصنع للأجبان. عوائد هذا المصنع وأرباحه كانت تذهب إلى فلسطين لدعم المقاومة والعائلات الفقيرة. من المؤكد أن عبد الرؤوف القدوة كان شديد الكرم ولم يكن تاجرا جشعا لا تهمه إلا مصلحته الخاصة. وكان ترتيب عرفات السادس في عائلة تتكون من سبعة أبناء. أمه تسمى زهوة (الاسم الذي أطلقه عرفات على ابنته لاحقا)، وهي امرأة منحدرة من عائلة أبو سعود القاطنة بالقدس. وتتميز بخصال حميدة منها قوة الشخصية وحرارة التواصل مع الآخرين. أما أبيه فينتمي إلى فرع الحسيني بغزة على عكس الشيخ أمين الحسيني الذي ينتمي إلى الفرع الأقوى المتمركز في مدينة القدس.
أبو عمار إذن قاهري المولد، نسبة إلى مدينة القاهرة، نشأ في أحيائها وأزقتها وهو ما أكسبه حب مصر مبكرا والالتجاء إليها كلما عاش موقفا صعبا يبحث فيه عن من ينجده. كما عاش طفولة غير عادية حيث استهواه النضال مبكرا وسرق منه كل سنوات عمره : الطفولة والمراهقة والشباب والكهولة ولم يتفطن لضرورة الزواج إلا
وهو شيخ تجاوز الستين.



#رياض_الصيداوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جان زجلر يتحدث إلى العرب 5
- (جان زجلر يتحدث إلى العرب (4
- نحو فهم سوسيولوجي للحركات الإسلامية في الوطن العربي وقدرتها ...
- انتشار الجماعة السلفية الجهادية في المغرب العربي
- جان زجلر يتحدث إلى العرب 3
- (2) جان زجلر يتحدث إلى العرب
- (1)جان زجلر يتحدث إلى العرب
- الأسس الفلسفية القيمية الليبيرالية في بناء المجتمع والدولة
- ما الذي يمنع الديموقراطية في الوطن العربي؟


المزيد.....




- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...
- مئات المستوطنين يقتحمون الأقصى المبارك
- مقتل فتى برصاص إسرائيلي في رام الله
- أوروبا.. جرائم غزة وإرسال أسلحة لإسرائيل
- لقطات حصرية لصهاريج تهرب النفط السوري المسروق إلى العراق بحر ...
- واشنطن.. انتقادات لقانون مساعدة أوكرانيا
- الحوثيون: استهدفنا سفينة إسرائيلية في خليج عدن وأطلقنا صواري ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - رياض الصيداوي - قصة أسد الجبارين: ياسر عرفات 1