أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سلامة كيلة - القرآن: تحليل للتكوين الاقتصادي الاجتماعي للإسلام















المزيد.....



القرآن: تحليل للتكوين الاقتصادي الاجتماعي للإسلام


سلامة كيلة

الحوار المتمدن-العدد: 1822 - 2007 / 2 / 10 - 11:27
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


(فصل من كتاب "الإسلام في سياقه التاريخي")

ما هو النظام الاقتصادي الاجتماعي الذي دعا إليه الإسلام؟
ربما كان الموضوع عتيقاً، وربما قيل أنه أشبع بحثاً، وربما أشيع أننا نغمز على شيء راهن. لهذا أؤكد منذ البدء على أنني أتناول مسألة حدثت منذ ما يقرب من ألف وأربعمائة عام، لكنني أبحث في تاريخ تطور العرب. وأحاول أن أدرس النمط الاقتصادي الاجتماعي الذي تكوّن مع الدعوة الإسلامية من أجل تحديد موقعه في مسار التاريخ العالمي، ولاشك أنني لا أستهدف البحث في التاريخ فقط، بل الأهم عندي هو أنني أستهدف العقل الذي بحث في التاريخ، أستهدف المناهج الحديثة التي تناولته فشوّهته، لأنها ألقت أحلامها عن كاهلها على ذلك التاريخ. ولهذا فأنا أنقد تلك المناهج بالأساس، لأن اختلال منطقها لم يطل التاريخ فقط، بل طال الواقع والأحلام أيضاً. وربما كانت محاولة إعادة تركيب التاريخ وفق مساره الحقيقي تقود إلى إعادة تركيب المنطق ذاته.
أما أن الموضوع قد أشبع بحثاً، فربما كان ذلك صحيحاً إذا نظرنا إلى الأبحاث الإسلامية ذاتها، القديمة منها والحديثة، مع ملاحظة أن بعض الاتجاهات الإسلامية الحديثة حاولت طمس بعض زوايا ذاك التاريخ، وهربت، وهي تقول أن «الإسلام هو الحل»، من تبيان نظامه الاقتصادي الاجتماعي، مبرزة الجانب الديني (الأيديولوجي). أما الاتجاهات الحديثة فلم تبحث في هذا الموضوع بحثاً جدّياً، رغم أنها بحثت في التاريخ الفلسفي والسياسي للإسلام، ولأنها قفزت عن طبيعة النمط الاقتصادي الاجتماعي، فقد جاء بحثها الفلسفي/ السياسي مرتبكاً، مشوّشاً، وربما مشوّهاً في بعض الأحيان. لهذا أقول أن التاريخ الاقتصادي الاجتماعي للإسلام لم يحظ سوى بإلتفاتات وإشارات. رغم أنني لا أبحث هنا كل هذا التاريخ، بل أنني أتناول زاوية منه، رغم أنها الأساس الذي قام عليه كل التاريخ الإسلامي.
ولاشك أنني لا استهدف التاريخ فقط، بل استهدف كل الاتجاهات التي تدعو إلى إعادة التاريخ، أي إلى إعادة إنتاج الدولة الإسلامية، من خلال تحديد النمط الاقتصادي الذي يدعو إليه الإسلام، وبالتالي تدعو هذه الاتجاهات إلى إعادة إنتاجه، مع ملاحظة أن ما يمكن أن يكون متقدماً في مرحلة، لا يمكن له أن يكون كذلك في مرحلة لاحقة، لأنه يحقِّق التقدم الذي يفرض تحقيق تقدم آخر، وبالتالي يستوجب البحث في نمط اقتصادي اجتماعي آخر.
إذن، أؤكد أنني استهدف كل ذلك، لكن ليس بشكل مباشر، أي أنني لن أُدخل «عنصر الأيديولوجيا» وأنا أبحث في مسألة تاريخية، لهذا لن استخدم عنصر التحريض (مع أو ضد)، ولن يكون هاجسي مسألة راهنة وأنا أتناول النمط الاقتصادي الاجتماعي الذي دعا إليه الإسلام، بل سوف أسعى لأن أحدِّده «كما هو». ولذلك أقول أنني لست معنياً بالنظام الاقتصادي الاجتماعي الذي تشكل فيما بعد، في إطار الدولة العربية الإسلامية، بل أحدد بحثي في الدعوة قبل أن تتحوّل إلى نظام ودولة. لهذا فأنا أمام نصٍّ محدّد هو القرآن. هذا النص الذي قامت على أساسه تلك الدولة التي احتلت مساحة واسعة من هذا العالم، ومكانة هامة في مسار التطور البشري. وهو وفق الوعي به، كتاب مقدّس، لم يكن يشك أحد في صحته، بل أكثر من ذلك، يعتبر كتاباً ملزماً و مفروض التطبيق.
وهو بعد كل ذلك دستور تشكّلت على أساسه الدولة والمجتمع، ونمط حياة قطاعات واسعة ممن حكمته تلك الدولة. من هنا تأتي قيمته الحقيقية ونحن نبحث في النمط الاقتصادي الاجتماعي، لأن فيه الأحكام التي تحدد هذا النمط، وهو نصّ ليس من شك في صحته، ودقته. وإنه، إذن، يشرّع لمجمل العلاقات الاقتصادية والاجتماعية ويضع لها القوانين. وما أهدف إليه بالضبط، هو تحديد هذه القوانين بالذات.
والقرآن حسب ما أفهمه يعبّر عن وعي فئات اجتماعية، شُرّع لتحقيق مصالحها، وبالتالي فإن الهدف من أحكامه هو تحقيق هذه المصالح والدفاع عنها، (قوننة هذه المصالح)، وما الطابع المقدّس فيه، سوى محاولة لإعطاء تلك العلاقات التي يؤسسها طابعاً مقدّساً، غير قابل للنفي والتجاوز، لأنه من صنع الإله. بمعنى أنه يعطي لهذه العلاقات صفة فوق إنسانية، ليس على الإنسان سوى الخضوع لها، لكونها «مشيئة الرب»، ومن ثَمّ القبول بكل مستتبعاتها. إنه، إذن، ليس ككل قانون وضعي، بل هو فوقها، ولأنه فوقها فهو مطلق، ليس في لحظة محدَّدة، حيث يبدو كل قانون وضعي، قانوناً مطلقاً في لحظته، بل وفي المطلق أيضاً، لهذا يكون صالحاً في كل زمان ومكان.
رغم ذلك، لسوف أتعامل مع هذا النصّ، انطلاقاً من أنه دستور وضعي، حدَّد طبيعة العلاقات الاجتماعية، وعبّر ـ كما قلنا ـ عن وعي فئات اجتماعية كانت تسعى لتحقيق مشروع محدَّد ، يهدف إلى تحقيق مصالحها، كما يقود ـ كما تحقَّق لاحقاً ـ إلى تقدُّم العرب، وإلى أن يلعبوا دوراً مهماً في التاريخ العالمي، ولقد قاد أيضاً إلى تبلورهم في أمة، إننا نبحث إذن في الأسس القانونية لمشروع طبقي محدَّد.
وأنا هنا أعتمد على النص ذاته (أي القرآن) دون الاستناد إلى أيٍّ من النصوص المكملة له (السنّة، الفقه) إلا حينما لا أرى مفراً من ذلك، رغم أنها(السنّة خصوصاً) تُقدِّم نصاً تفسيرياً مهماً، أما ما غمض فسوف ألجأ إلى المنطق نفسه الذي قام عليه التفسير، ألا وهو «تفسير القرآن بالقرآن»، ولسوف ألجأ إلى السنّة والفقه في المواضع التي لا يسعف فيها القرآن، رغم أنها ـ في موضوعنا ـ قليلة، لأن الأحكام المتعلقة بالنمط الاقتصادي الاجتماعي واضحة كما أرى، إذن، ما هو النمط الاقتصادي الاجتماعي الذي تحدَّد في القرآن؟
سوف أتناول أربعة مسائل أرى أنها تحدد هذا النمط، أولها: مسألة الملكية، ملكية الأرض والأموال والبشر وطبيعة العلاقات الاقتصادية المرتبطة بها (الزراعة والتجارة والربا)، وثانيها: طبيعة البنية الاجتماعية التي يؤسس النصّ لها. وثالثها: الجوانب الحقوقية حول الضرائب والعقود والميراث، و رابعها: توزيع الغنائم والفيء والصدقات (العطاءات). ولاشك في أن القرآن حدَّد مواقف واضحة من كل ذلك، وإذا كانت غير مرتبة وفق هذا التقسيم، الذي هو تقسيم حديث، فهي متناثرة في سور مختلفة، وفي عشرات الآيات بعضها مكرَّر كثيراً، وبعضها لم يرد سوى مرّات قليلة، لكن بعضها لم يرد سوى مرة واحدة، دون أن نلاحظ تناقضاً في أيٍّ من هذه المسائل حسب ما وردت في الآيات، رغم أن بعضها يزيد أو ينقص في المسألة المحددة، يفصّل أو يختصر فيها.

تحليل لطبيعة العلاقات الاقتصادية

كما أن القرآن يحوي أحكاماً حول الأسرة والسلطة، فإنه يحوي على أحكام حول العلاقات الاقتصادية. هذه الأحكام متناثرة في الآيات المختلفة. وبعضها مباشر محدَّد ( حكم باتّ )، وبعضها الآخر قياسي يرد في الآيات من باب الإشارة (السرد التاريخي، أو المثل، أو العبرة، أو...). ونلاحظ أن مسألة الملكية وتحليل التجارة وتحريم الربا ترد في مجال الأحكام، لكن ـ أيضاً ـ نلاحظ أن مسألة الملكية ترد أحياناً في باب السرد التاريخي( القصص التاريخية) أو المثل والعبرة، كذلك مسألة الزراعة، والحرف، والتي لا ترد سوى في هذا الباب. وهذا ما سوف يتوضح حينما نشير إلى الآيات التي تتناول كل من هذه القضايا.
وفي العلاقات الاقتصادية تبدو مسألة الملكية الخاصة هي المسألة المحورية، التي تقوم على أساسها مجمل العملية الاقتصادية في الزراعة والتجارة والحرف، وهي ـ كذلك ـ تحظى بأهمية أساسية في القرآن،، ولعل معظم الآيات التي تتناول المسائل الاقتصادية تؤكد أو تنطلق من هذه المسألة، لهذا سوف نجعلها الموضوع الأساسي هنا، لأنها أساس فهمنا لمجمل البنية التي يدعو إليها القرآن، حيث يجب أولاً أن تؤكد على أنه يقرر حق التملك، لنرى ـ فيما بعد ـ الصيغة التي يقيمها في المجتمع، وفي مجال النشاط الاقتصادي، يرد حكم في تحليل البيع (سورة البقرة) الآية 275) التي تقول: «وأحل الله البيع») والتجارة هي بيع وشراء (بيع من طرف وشراء من طرف آخر).
وهو تحليل للتجارة عموماً لهذا تؤكد الآية «يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم» ( سورة النساء4/29 )، كما ترد مرّة أخرى لكن في صيغة النشاط الطبيعي أي غير المرفوض، حيث تقول الآية: «قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم و إخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون مسارها ومساكن ترضونها إليكم من الله ورسول وجهاد في سبيله... » ( 9/24 ). وهذه الآية تقول أن الحق الطبيعي في التجارة لا يجب أن يدفعكم إلى تغليبها على حب الله ورسوله، والجهاد في سبيله. وهي حق طبيعي بدلالة الآية السابقة.
والقرآن يميّز بين البيع والربا، وحيث يحلّل الأوّل يُحرِّم الآخر تحريماً صريحاً، حيث يقول: «الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرّم الربا فمن جاءه بموعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون» (سورة البقرة الآية 2/275). ويقول «يمحق الله الربا ويربى الصدقات»( سورة البقرة 2/ 276 ). ويؤكد «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين "( سورة البقرة 2/ 278 ) و«يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون» ( سورة آل عمران 3/130 ).
بينما لا نلاحظ هذا التحديد حين الإشارة إلى مجالات الاقتصاد الأخرى، بل ترد في مجال تأكيد ما يخلق الله لعباده من «الزرع والزيتون والنخل والأعناب» والحديد... حيث يؤكد القرآن «افرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعون أم نحن الزارعون لو نشاء لجعلناه حطاماً فظلتم تفكهون» ( سورة الواقعة 56/ 63 ). ويؤكد أن الله «ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخل والأعناب ومن كل الثمرات..» ( سورة الواقعة 56/ 64 ). ويؤكد «وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس» (سورة الحديد 57/25). ليؤكد أن الله هو الذي ينبت الزرع والثمر وليس العمل البشري، لهذا استخدم الرسول كلمة الحرث بدل الزرع لتحديد النشاط الإنساني في هذا المجال. عن أبي هريرة قال الرسول: لا يقولن أحدكم زرعت وليقل حرثت» لأن الزرع بمعنى الإنبات راجع إلى الله فهو المنبت (1).
لكن البحث في مسألة التملك سوف يوضح أن من واجب الإنسان أن يمتلك الأرض والأنعام والزرع والمال، وأن يضاعفها من خلال العمل في الزراعة والحرف وفي التجارة. وبالتالي فإن القرآن يسمح بكل أشكال النشاط الاقتصادي، فيما عدا الربا والمتاجرة في المحرمات (الخمر). أما ما هي طبيعة العلاقات التي تحكم هذا النشاط، فليست محدّدة مباشرة، وإن وردت في إطار الإشارة إلى القيم العامة وفي التأكيد على ضرورة التعامل القانوني (العقود).
المُلْك:
نحن أما مسألة التملك (الملكية الخاصة)، والعلاقات المرتبطة بها. ولاشك بأن كلمة «ملك» تتكرَّر كثيراً في القرآن، لكن المواضيع التي ترد فيها بمعنى «الملكية الخاصة» فمحدودة، لهذا لابد من أن نميّز لكلمة ملُلْك ثلاث معانٍ، المعنى الأول: أيديولوجي، ويتعلق بأن الله مالك كل شيء، و«له الملك..»(3 آيات) و«لله ملك السماوات والأرض "(11 آية) و«قل من بيده ملكوت كل شيء...» ( آية واحدة ) و«تبارك الذي بيده الملك»( آية واحدة ) و«قل اللهم مالك الملك»( آية واحدة ). ولقد اعتبرناه أيديولوجياًً أولاً لأن الله هنا يملك كل شيء حتى البشر الذين هم عبيد الله " وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولد. إن كل من في السماوات والأرض، إلا أتى الرحمن عبداً، لقد أحصاهم وعدهم عدّا، وحكهم انيه يوم القيامة فرداً» ( سورة مريم 19/ 92،93،94،95 ) وكذلك" وأذكر عبدنا داوود» ( سورة ص 38/17 ). و«وما أنزلنا على عبدنا» ( سورة البقرة 8/ 41 ). وبالتالي تخرج هذه الملكية من العلاقات الواقعية، لأن العلاقات الاقتصادية هي علاقات مادية بين البشر, ثم ثانياً: لأن القرآن يستخدم كلمات تدلّ على استخلاف البشر وتوريثهم الأرض وما فيها، وهذا ما سوف نشير إليه لاحقاً.
المعنى الثاني: سياسي اقتصادي، فكلمة المُلْك تعني السطو والسيطرة، ومنها «قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء» (آل عمران 3/6). وكذلك «يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرتين في الأرض..» (سورة عافر 40/29). وكلمة الملك هنا تعني تملّك الأرض وما عليها والمُلْك السياسي أي السيطرة السياسية (السلطة ـ الدولة).
المعنى الثالث: وهو المعنى الذي يعنينا هنا، ويتعلق بالتملّك الاقتصادي، أي ما يمكن حيازته والتصرف فيه. وفي القرآن آيات عديدة تشير إلى ذلك باستخدام كلمة ملك. لكن يقتصر موضوعها على العبيد والأنعام. ومنها «أو لم يروا إنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا إنعاماً فهم لها مالكون» (سورة يس 36/71)0ومنها «ضرب الله مثلاً عبداً مملوكاً لا يقدر على شيء...» (سورة النحل 16/75). و "الذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فاكتبوهم» ( سورة النور 24/ 33 ). و " ما ملكت أيمانكم " (النساء 4/3،24،25،36)، «وما ملكت أيمانهم» (المؤمنون 23/ و سورة المعراج 70/ 30 )6) «وما ملكت أيمانهن» (النور 24/31) (الأحزاب 33/55).
لكن مسألة التملك لا تقتصر على التحديد المباشر هذا، فهي ترد في صيغ أخرى تدل دلالة مباشرة أيضاً على الملك، ولها علاقة باللغة ذاتها (التجريد في اللغة)، فكلمة أموالكم هي تجريد لجملة الأموال التي تملكونها تهدف إلى اختصار. وكذلك حينما يدخل حرف ال «ل» ليدل أيضا على التملك، لأن هذه ال «ل» هي لام التملك(1)، فكلمة لكم تعني ملككم. والآيات التي تشير إلى المُلْك في هذه الصيغة كثيرة، ومنها «هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً» ( سورة البقرة 2/29 )، و«أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار...»( سورة 2/266 ). و«يا أيها الذين آمنوا انفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض..»( ). وكذلك " واضرب لهم مثلاً رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخلٍ وجعلنا بينهما زرعاً»( سورة الكهف 18/32 ). و«دخل جنته وهو ظالم لنفسه» ( سورة الكهف 18/35 ) و«فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب...»( سورة المؤمنون 23/19 ). و«أمدكم بأنعام وبنين، وجنات وعيون " ( الشعراء 26/133،134 ). و«يمددكم بأموال ونبين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً»( سورة نوح 71/12 ). و«ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخل والأعناب ومن كل الثمرات...» ( سورة النمل 16/11 ) و«ما ذرأ لكم في الأرض مختلفاً ألوانه "( سورة النمل 16/13 ). ثم «وكان له ثمر فقال لصاحبه، وهو يحاوره، أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً»( سورة 18/34 ). و«لولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله أن ترى أنا أقل منك مالاً وولداً» ( 18/39 ). وفي هاتين الآيتين يتبين أن الثمر والجنان (البساتين) من الأموال، لهذا يذكر القرآن: «وجعلت له مالاً ممدوداً» ( سورة المدثر 74/12)، أي واسعاً، وبالتالي فإن الآيات التي تذكر الأموال تشتمل على كل شيء يمكن أن يملك. وهي كثيرة أيضاً (حوالي 64 آية). ومنها «الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله» ( 2/261،262 ). «إن تبتم فلكم رؤوس أموالكم» ( 2/279 )، و«ولا تقربوا مال اليتيم» ( 6/152 ). وكذلك «الذي جمع مالاً وعدده يحسب أن ماله خلّدة» ( 104/2 )، و«خذ من أموالهم صدقة»( البقرة 9/103 ) وكذلك «في أموالهم حق للسائل والمحروم»( 51/19 ).
ولاشك أن هذه الأحكام توضح أن القرآن يقرّ التملك الخاص للأموال، ولهذا كانت هذه المسألة بديهية في الدولة الإسلامية ولدى الفكر الإسلامي عموماً، وإذا كانت فكرة أن «له الملك»، قد فتحت الباب لتفسيرات أخرى، رغم كل هذا العدد من الآيات التي تقرر التملك الخاص، فإن القرآن يحوي كلمات /مفاهيم، تجعل هذا الملك خارج إطار الممارسة العقلية، ليس فقط لكونه تأكيد أيديولوجي، بل لأن هذا التأكيد الأيديولوجي ينقلب إلى صيغة لتقديس التملك الخاص، حيث يجري في القرآن، استخدام كلمات/ مفاهيم، تعطي القداسة للتملك الخاص للأموال بعمومها، من هذه المفاهيم مفهوم الاستخلاف، والاستخلاف هو إحلال، أي إحلال شيء محلّ آخر، ومنه جاء لقب خليفة، أي الشخص الذي يخلف آخر توفي أو اعتزل في إمارة المؤمنين(1)، وبالتالي يمارس كامل صلاحيات الأول، لهذا نجد في القرآن «عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون " ( الأعراف 7/ 129 )، و أيضاً " و يستخلف ربي قوماً غيركم»، ( هود 11/ 57 ) ،ويؤكد «وعد الله الذين آمنوا و عملوا الصالحات ليستخلفهم في الأرض كما إستخلف الذين من قبلهم» ( النور 24/ 55 ).
لكن القرآن يستخدم أيضاً كلمة/ مفهوم أكثر وضوحاً من الاستخلاف وهو التوريث. والتوريث نقل للملكية(2)، ولاشك أن استخدام هذه الكلمة/ المفهوم له معنى هام، لأنها تشير إلى أن الله هو الذي أورث الأرض وما فيها للبشر، وهذا هو الأساس الذي يجعلنا نقول أن استخدام مفهوم «لله الملك» عنى إعطاء الطابع المقدس للتملك الخاص، وليس نزع التملك الخاص، حيث «إن الأرض لله يرثها عبادي الصالحون»(الأنبياء 21/105). كذلك «وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها»(الاعراف7/137)، ونربد أن نمّن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين» (القصص 28/5)، و«كم تركوا من جناّت وعيون و زروع ومقام كريم. ونعمة كانوا فيها فاكهين، كذلك وأورثناها قوماً آخرين» (الدخان 44/25،26، 27،28).
وقوله: «وأورثنا الأرض» (الزمر 39/79)، ثم «وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم، وأرضاً لم تطئووها» (الأحزاب33/27).
إذن يكون الملك قد انتقل من الله، بعد استخلاف البشر في الأرض، إلى البشر أنفسهم، وهذه «الحادثة» هي التي تعطي التقديس للملكية ذاتها، عبر عملية الانتقال من الله إلى البشر لكن البشر «الصالحين» المؤمنين. وهذا يحلل عملية انتقال الثروة (المال) من قوم كان لهم المُلْك (السيطرة والسطوة) إلى قوم «آخرين» لكن بدلالة «الصلاحية الدينية»، أي بدلالة دعوة جديدة، وهي هنا الإسلام: لأن «الأرض يرثها عبادي الصالحون» ( الأنبياء 21/ 105 ).
إن مفهوم «لله الملك» لا يعدو أن يكون ـ إذن ـ زائدة. من حيث الحق القانوني في التملك ولهذا أسميناه إطاراً أيديولوجياً يهدف حسب ما نعتقد إلى تكريس حق التملك الخاص لا إلغاءه، مادام الله يمتلك الإنسان والأرض والمال وكلّ شيء، وهذا هو المنطق الذي حكم الفقهاء في تعاملهم مع هذا المفهوم. وهو ما نلاحظه في تفسيرهم لأية «إن غنمتم من شيء فإن لله خمسة وللرسول..». حيث اعتبروا وضع اسم الله في توزيع الخمس، لا يعدو أن يكون «مفتاح الكلام»، دون أن يكون ذَا معنى في توزيعه، لأن «لله كل شيء»(1)، ليكون التوزيع بين البشر وحدهم، لأن لهم «ما في الأرض جميعاً».
الملكية الخاصة:
القرآن، إذن، يقرّ الملكية الخاصة ولا يستثنى منها سوى ما هو محرّم شرعاً (الخمر)، لكن ما هي الأشياء التي ترد فيه كممتلكات؟
رغم أنه يقرِّر أن للبشر «ما في الأرض جميعاً»، وما غنموا من شيء. مما يعني الإباحة، أي حق تملّك كل شيء يمكن أن يتملّك، لكن يمكن أن نشير إلى الأشياء الواردة نصاً، مع علمنا أن إباحة التملك لا تحدها سوى المحظورات الواردة في النص ذاته، لكن تحديدها يوضح لنا طبيعة النمط الاقتصادي السائد آنذاك، الذي فرض الإشارة إلى الأموال المتداولة في تلك المرحلة.
أولاً: الأرض ومنتوجها، ولقد ورد حق تملكها في صيغ عديدة، منها «وأورثكم أرضهم..» ( الأحزاب 33/ 27 )، ومنها «واضرب لهم مثلاً، رجلين جعلنا لأحدهما جنيتن»، « ودخل جنته وهو ظالم لنفسه» و«يجعل لكم جنات»، و«دخلت جنتك». والجنة حسب التفاسير هي البستان، وهي الأرض المزروعة، لهذا يحدِّد النصّ أنواع الزرع فيها، وهي النخل والأعناب، والزرع والزيتون والرمان «ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخل والأعناب ومن كل الثمرات..» (سورة النخل 16/11). ولاشك أن ثمرها يتحوّل إلى مال، عن طريق المتاجرة، «وكان له ثمر فقال لصاحبه.. أنا أكثر منك مالاً» ( 18/34 ).
ولاشك أن لهذه المسألة أهمية كبيرة لأن الأرض كانت أساس كل الحضارات القديمة منذ استقرار الإنسان باكتشافه الزراعة. وتأكيد هذه المسألة في القرآن يوضّح أنه يقدم نصاً مطابقاً لمجتمع زراعي، ويطرح شكل الملكية فيه من خلال إقرار حق تملّك الأرض وزراعتها والاتجار بثمرها، حتى أنه يقرِّر حق تملك الأنهار، حيث «يجعل لكم أنهاراً» ( نوح 71/12 )، و«أمدك بـ... وجنات وعيون» ( الشعراء 26/133،134 ).
ثانياً: الأنعام والخيل، ولقد ورد ذكرها في أكثر من آية، منها «إنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً فهم لها مالكون» ( يس 26/ 71 )، وكذلك «زين للناس... الخيل المسوّمة والأنعام» ( آل عمران 3/14 )، و«أمدكم بأنعام..». ولقد كانت للخيل والأنعام (الإبل)، و الشياه... الخ أهمية خاصة في الزراعة والمعاش والتجارة، في مرحلة كان لازال للحيوانات دوراً مهماً عموماً، وفي الجزيرة العربية خصوصاً، لأنها كانت تعيش مرحلة الرعي، أكثر من اعتمادها على الزراعة (فيما عدا بعض مناطقها، ومنها الطائف واليمن).
ثالثاً: الأموال/ النقد، ولاشك أن الكثير من الآيات التي تقرِّر حق تملك الأموال تشمل الأموال/ النقد الذي كان في ذاك العصر هو الذهب والفضة، فقد «زين للناس... القناطير المقنطرة من الذهب والفضة...» ( آل عمران 3/14 ).
رابعاً: العبيد، ولقد أشرنا سابقاً إلى الآيات التي تقرِّر حق تملّك العبيد «ما ملكت إيمانكم»، وكذلك، «ولأمة مؤمنة خير من مشركة.. ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم» (سورة البقرة 2/221). و«يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتل الحر بالحرّ، والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى» (البقرة 2/178). وهذا يوضح أن العبودية كانت لازالت قائمة. لكنها مع الإسلام كانت في صيرورة تراجع لأن القرآن حثّ على العتق.

البنية الاجتماعية:
إن تحديد شكل الملكية يسهم في تحديد البنية الاجتماعية لاشك في ذلك، لكن لابدّ من أن نشير هنا إلى الحاجة إلى دراسة البنية الاجتماعية في مستويين: مستوى التقسيم الاجتماعي، ومستوى التقسيم الطبقي، لأن الدعوة إلى دين جديد واستخلاف قوم بدل قوم، كان يوجد في المجتمع شكلين للتمييز بين البشر، غالب/ مغلوب وغني/فقير. وربما تداخلاً في بعض الحدود، لكنهما ظلاّ قائمين، وهما واضحان في القرآن، لهذا سوف نتناول كل من المستويين على حدة، ولاشك أن تحليلنا لهما سوف يوضّح الحدود التي يتداخلان فيها.
أ ـ التقسيم الاجتماعي:
هنا نلاحظ ثلاث مستويات للبشر، المسلمون وأهل الذمة، والعبيد. المسلمون هم المسيطرون وأهل الذمة هم أحرار لكن من الدرجة الثانية، والعبيد وهم قاع المجتمع. ولاشك أن التمايز واضح، والفروق واضحة.
المسلمون:
وهم الفئة التي وُعِدت بالمُلْك والسيطرة، فقد «وعد الله الذين آمنوا منكم و عملوا الصالحات ليستخلفهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم و ليمكنن لهم دينهم»(النور24/55)، و«عسى ربكم أن يهلك عدّوكم ويستخلفكم في الأرض» (الأعراف 7/129). لهذا فهم الذين سيرثون الأرض «وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها» (الأعراف 7/137). و«أورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضاً لم تطئووها»(الأحزاب 33/27). إنهم إذن، القوم المستخلَفين في الأرض، أصحاب السيطرة والمُلْك.
لهذا يعود القرآن لتأكيد قول موسى: «يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض» (عافر 40/29)، لأن المسلمون «خير أمةٍ أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون» (آل عمران 3/110).
أهل الذمة:
وهم أهل الكتاب (النصارى واليهود وكذلك الصابئة). وواضح من الآية السابقة لتوصيف المعطى لهم «منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون»، والدعوة الموجهة لهم «لو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم» ( )، لهذا يحدِّد القرآن الأساس الذي تقوم العلاقة معهم عليه، فيقول: «قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرّمون ما حرّم الله ورسوله.. ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون " ( التوبة 9/29 )، أي أن يعطوا الجزية و هم أذلاء منقادون لحكم الإسلام (1). وكان هذا كافياً لجعلهم فئة أخرى أدنى مرتبة من المسلمين، يدفعون الجزية، بينما يقدّم المسلم الزكاة (الصدقة), و ليكونوا هم المحكومون والمسلم هو الحاكم.
لكن هذا الحكم الذي يقرِّر السياسة تجاه أهل الذمة و يجعلهم من المرتبة الأدنى، لا ينفي التعامل معهم كأهل كتاب يؤمنون بالله، حيث «إن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً أولئك لهم أجرهم عند ربهم، إن الله سريع الحساب» (آل عمران 3/199)، لأن القرآن يقرِّر أن «لا إكراه في الدين» (البقرة 2/256). وإسلام الذمّي هو وسيلة انتقاله من هذه المرتبة إلى المرتبة الأعلى ليصبح له ما لهم وعليه ما عليهم.
العبيد:
وهم قاع المجتمع، ليسوا أحراراً بل مملوكون يعاملون كأي مال (الأرض، الأنعام...). ولقد أشرنا إلى الآيات التي تحدد وضعهم هذا في فقرة سابقة «ما ملكت أيمانكم»، «عبداً مملوكاً»، ويبدو التمييز بينهم وبين الأحرار في آية القصاص «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتل الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى "(البقرة 2/178). وكذلك «ضرب الله مثلاً عبداً مملوكاً لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقاً حسناً فهو ينفق منه سراً وجهراً هل يستوون؟» (النحل 16/75)، فالعبد لا يقدر على شيء لعدم ملكه، أم الحر فهو يتصرف في رزقه كيف يشاء فهل يتساوى العبيد العجزة والحر المتصرف؟(1)
لكن القرآن يرفع العبد مرتبة في المعاملة. الزواج من المشرك، «ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنّ ولأمة مؤمنة خيرٌ من مشركة ولو أعجبتكم ولا تُنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعوا إلى الجنة» (البقرة 2/221)، ولكن وضع المشركين تحدَّد في أحد خيارين: العرب وليس أمامهم سوى الإسلام أو القتل، غير العرب وقد عوملوا كأهل الذمة (مجوس هجر) لكن مع منع الزواج منهم بدلالة الآية السابقة.
وهذا يوضح أن إسلام العبد لا يفرض إعتاقه بل إن الإعتاق يستلزم طرق أخرى، لأن العبد مال والمال ملك صاحبه، وهو وحده من يحق له التصرف فيه.
ولقد حدد القرآن صيغ ممكنة لإعتاق العبيد، وإن كانت غير ملزمة في الغالب، لكنها تؤشر إلى الميل نحو إنهاء العبودية. ونقول ميلاً لأن القرآن كما أوضحنا يقرّ امتلاك العبيد، وإن كان يدعو إلى معاملتهم معاملة حسنة حيث يقول: «وبالولدين إحسانا وبذي القربى واليتامى... وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحبّ من كان مختالاً فخورا»(النساء 4،36).
وصيغ الإعتاق هي:
1) الأسرى قبل استرقاهم:
كان أوّل تحديد للتعامل مع الأسرى هو القتل. «ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض» (الانفال 8/67). ثم وضعت خيارات أخرى، «فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا اثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما مِناً بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها..» (محمد 47/4). أي إذا لقيتم الذين كفروا فاقتلوهم حتى إذا أكثرتم القتل منهم، فأسروهم، فإما تمنوّن عليهم بإطلاقهم من غير شيء، وإما تفادوهم بمال أو أسرى مسلمين، حتى تضع الحرب أوزارها بأن يسلم الكفار أو يدخلوا في العهد (1).
2) المكاتبة:
وتعني الاتفاق بين العبد ومالكه على أن يدفع العبد مالاً لمالكه لكي يعتقه «والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً وآتوهم من مال الله الذي آتاكم»(النور 24/33).
3) مال الصدقات:
حيث تنصّ الآية «إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها، والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله» (التوبة 9/61). ولاشك أن هذه الآية مكمّلة ـ في مسألة الرقاب ـ للآية سابقة الذكر (النور 24/33) التي تحض على إعطاء العبد من مال الله يستعين به في أداء التزامه مع مكاتبه، لكنها يمكن أن تكون أوسع من ذلك، عن طريق شراء الدولة للعبيد و إعتاقهم، لأنها عامة تجعل جزءاً من أموال الصدقات في فك الرقاب.
4) إعتاق العبد تطوّعاً، كجزء من التقرّب إلى الله.
حيث تقول الآية «ليس البرّ أن توّلوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب، ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين، وأتى المال على حُبه، ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب، وأقام الصلاة وأتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا»(البقرة 2/177). وكذلك «وهديناه الجزية، فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة، فكّ رقبة، أو إطعام ذي مسغبة، يتيماً ذا مقربة، أو مسكيناً ذا متربة " ( البلد 9/10- 16 ).
5) كتكفير عن قتل المؤمن خطأ
وما كان المؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ، ومن قتل مؤمناً خطأ فتحرير رقبة مؤمنة، ودية مسلّمة إلى أهله، إلا أن يصدّقوا، فإذا كان من قومٍ عدو لكم وهو مؤمن، فتحرير رقبة مؤمنة، وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فديّة مسلّمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة» (النساء 4/92). وهنا يشترط تحرير رقبة مؤمنة.
6) الكفارة عن عقد الإيمان قصداً، «لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم، ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الإيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام، ذلك كفارة إيمانكم إذا حلفتم»(المائدة 5/89)، وهنا يجعل تحرير الرقبة احتمالاً دون إلزام كما في الآية السابقة (النساء 4/92).
والكفارة عن الحلفان على الزوجة
«والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا»(المجادلة 58/3).
وهذا التقسيم إجتماعي لأنه يتعلق بمرتبة الفرد في المجتمع، وإن كان ليس تقسيماً باتّاً، لأن إسلام الذمّي ينقله إلى مرتبة المسلم، وتحرير العبد ـ بالطرق سالفة الذكر ـ يجعله إما في مرتبة المسلم إن أسلم، أو في مرتبة الذمي إن كان ذمياً.
ب) التقسيم الطبقي:
ولاشك أن للتقسيم الاجتماعي سالف الذكر دور في التقسيم الطبقي لكنه ليس الدور الأساسي، لهذا سوف تحدد التقسيم الطبقي انطلاقاً من مسألة امتلاك الثروة. ولهذا سوف يكون تقسيمنا عاماً، لأن التقسيم الدقيق للطبقات يفترض دراسة موقع الأفراد في الحياة الواقعية. لكن النص القانوني لا يساعد على ذلك كثيراً، لأنه لا يقدم سوى مؤشرات، لكنها في كل الأحوال مبادىء لصيغة البنية الواقعية. وفي إطار دراستنا لهذا المؤشرات اعتماداً على القرآن سوف نستفيد من التقسيم الاجتماعي سابق الذكر، لأن الاسلمة كانت تساعد على تمركز الثروة، بينما كان استمرار الأفراد متمسكين بدينهم السابق (النصارى، اليهود، الصابئة) يضع العراقيل أمام استفادتهم من الثروة سواء لأنهم لم يُشرَكوا في الغنائم، أو لأن الضريبة التي وضعت عليهم كانت أشد مما وضع على المسلم، وهو ما سوف نلاحظه حينما ندرس مسائل الغنائم والفيء والخراج والجزية.
المسلمون:
في القسم الأول أكدنا أن القرآن يقرّ الملكية الخاصة، ولا شك أن إقرار الملكية الخاصة يقود إلى إقرار الانقسام الطبقي، لهذا نجد أن القرآن يُشرِّع ذلك كما شرع الملكية الخاصة. إن الآيات التي تتناول الغنى والفقر وتعترف بانقسام البشر إلى أغنياء وفقراء كثيرة، سوف نعتمد منها ما نجد أنه يوضّح ذلك. فالبشر درجات بمشيئة إلهية، «وهو الذي جعلكم خلائف في الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم» (الأنعام 6/165). وحسب التفسير فأن الله رفع بعضكم فوق بعض بالمال والجاه وغير ذلك ليختبركم فيما آتاكم (‍1). وهذا ما توضّحه آية أخرى «والله فضّل بعضكم على بعض في الرزق، فما الذين فُضِّلوا برادّي رزقهم على ما ملكت إيمانهم» (النحل 16/71). وهذه الفكرة يتكرر تأكيدها «انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض..» (الاسراء 17/21)، ويوضّحها أكثر فيقول «أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات يتخذ بعضهم بعضاً سخرياً» (الزخرف 43/32)، أي ليسخّر بعضهم بعضاً في العمل المأجور (2).
إذن، في القرآن إقرار بامتلاك الأموال (الأرض والنقد) مما يوجد الأغنياء، ولكن أيضاً الفقراء، لهذا تقول الآية: «ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم»(الحشر 59/7)، وما أفاء الله هنا هو «فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب»(الحشر 56/6) أي أن الفيء هو ما حصل عليه المسلمون دون قتال.
ولأن المجتمع ينقسم إلى أغنياء وفقراء، فقد فرضت الزكاة (الصدقة) على الأموال. «خذ من أموالهم صدقة تطهّرهم وتزكيهم بها» (التوبة 9/103)، أما مصارفها فهي «إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها.. فريضة من الله»(التوبة 9/59).
والقرآن كما أوضحنا سابقاً، يشير إلى امتلاك الأرض والأموال (الذهب والفضة) وإلى النشاط التجاري، وبالتالي فالأغنياء يمتلكون هذه الأموال. مما يفترض نشوء الإقطاع (ملاّك الأرض) والتجار الأغنياء. أما الفقراء، فليس سوى إشارة إلى السّخرة (العمل). وهذا باب واسع يشمل الفلاحين, والحرفيين.. وتحديد كل ذلك يفترض دراسة البنية الاقتصادية الاجتماعية المتشكَّلة، لكن القرآن يقرّ المبدأ، أي حق امتلاك الأرض والمال وبالتالي نشوء الفقراء. وإن كان يدعو الأغنياء إلى مساعدة الفقراء «وآتي المال على فيه، ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب» (البقرة 2/177).
لكن، لابدّ من أن نوضّح هنا، أن القرآن يحوي نقداً للترف وتحذير منه، ويقدّم الموعظة في ما يؤول إليه، ألا وهو الدمار، " وكم أهلكنا من قرية تطيرت معيشتها» (القصص 28/58). وكذلك «وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا»(الإسراء 17/16). وبالتالي هناك تمييز ما بين الغنى المشرّع به، والترف الذي يفضي إلى الدمار. والترف هو تغليب التبذير على العمل المنتج، حيث يدعوا القرآن إلى الكسب والعمل. وينتقد التبذير. والنقد في القرآن يتناول الترف والإسراف وليس الغنى.." والذين يكتنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله.." ( 9/34 )
أهل الذمة:
الإشارة العملية الوحيدة في القرآن أتت في الآية حول وضع الجزية عليهم وبالتالي اعتبارهم معاهدين، دون أية إشارة إلى مصادرة أموالهم، بل أن الجزية هي الضريبة على أموالهم وأنفسهم. وإذا كانت تجعل منهم أحراراً من الدرجة الثانية في التقسيم الاجتماعي، فإنها في التقسيم الطبقي لا تحدّد لهم وضعاً طبقياً أدنى، لأنها ضريبة وإن كانت ضريبة تفوق ما يفرض على المسلم من ضرائب، ولأن النظام الإسلامي هو الذي سيسود كما يدعو القرآن (وكما حدث فيما بعد) فإن ما ينطبق على المسلمين حول التقسيم الطبقي ينطبق على أهل الذمة، حيث الغنى محلّل، وبالتالي فإن الفقر ناتج لا محالة.
ولقد خضع أهل الذمة للتقسيم ذاته في إطار علاقاتهم السابقة للإسلام (في الإمبراطورية البيزنطية والإمبراطورية الساسانية، وفي اليمن والحجاز)، فأقرهم الإسلام على ما هم عليه حينما فرض الجزية عليهم. ولهذا حدّد عمر بن الخطاب الجزية في ثلاث مراتب: ثمانية وأربعين درهماً على الموسر، وأربعة وعشرين درهماً على الوسط واثني عشر درهما على الفقير(2).
العبيد:
ولقد حدَّدنا سابقاً وضعهم فهم مملوكون ليس من حقهم التصرف في شيء، بل إن سيّدهم هو من يتصرف بهم، حيث يحدِّد لهم العمل الواجب عليهم، أو يبيعهم. وليس في القرآن أية إشارات إلى الدور الاقتصادي الذي كان موكل إليهم، لكن بالاستناد إلى الآيات السابقة حول قتل الأسرى ( الذين يتحوّلون إلى عبيد)، يمكن لنا أن نستنتج أن العمل الخدمي هو ما كانوا يقومون به، لأن قتل الأسرى كان يستتبعه استرقاق الأطفال و النساء، وليس من عمل لهؤلاء سوى كجوارٍ وخدم.

الغنائم والضرائب:
كان الإسلام دعوة للفتح، كما كان دعوة لتأسيس دولة جديدة، لهذا كان من الضروري تحديد الصيغة التي يجري وفقها توزيع الغنائم، مادام المسلمون سيخلفون «قوماً آخرين» وسيرثون " أرضهم وديارهم وأموالهم»، كما كان من الضروري تحديد الصيغة التي تجعل من الممكن تمويل دولة ناشئة،و تسعى إلى الفتح.
توزيع الغنائم:
استخدم القرآن في هذا المجال كلمتان: (الغنيمة) ما غنمتم، و(الفيء) ما أفاء الله. وكان لكل منهما حكم خاص، رغم أنهما تعنيان: ما أصبح بيد المسلمين (ما غنم المسلمون، وما أعاد الله للمسلمين). والفارق في الحكم نابع من الطريقة التي جعلت هذه الأموال بيد المسلمين. فالغنيمة تتعلق هو ما حازه المسلمون بالحرب، بينما الفيء فما حازه المسلمون دون حرب نتيجة هرب أصحابه، وبالتالي فهو لا يشمل الأموال التي صالح عليها أهلها وفق الآية المتعلقة بالجزية، حيث يقبل أهل الكتاب الجزية مقابل احتفاظهم بأنفسهم وأموالهم.
وتقسم غنائم الحرب وفق الآية «واعلموا إنما غنمتم من شيء فإن لله خمسة وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل...»(الأنفال 8/41)، وهنا يتوضّح أن الغنيمة تشمل كل شيء، الأرض والذهب والفضة والسلاح واللباس والأسرى، لأنها تؤكد «إنما غنمتم من شيء»، فلا تستثني شيئاً. ثم أنها تحدد طرق توزيع الخمس (للرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل)، وهو ما سُمّي خمس الخمس، لأنه يقسم إلى خمسة أبواب (ولقد أشرنا سابقاً معنى وورد كلمة الله هنا، حسب تفسير الفقهاء).أما أربعة أخماس الغنيمة، وهو ما لا تشير إليه الآية ولم ترد أية إشارة له في الآيات الأخرى، فقد اعتبر من حق الغانمين (1)، لأن الآية تؤكد هذا الحق بالإقرار بأن ما غُنم هو غنيمتهم، وتقتطع منه الخمس فقط، وكان يوزع سهمان للفرس وسهم للفارس، وكان هذا الطريق وسيلة تملّك الأموال من قبل المقاتلين.
أما مال الفيء، وهو «ما أفاء الله على رسوله، منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب» (الحشر 59/6). فإنه يقسم وفق الآية «ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل» (الحشر 59/7)، وهي الأبواب ذاتها التي يوزع فيها خمس الغنائم، ومن الواضح أن الهدف من هذا التوزيع (اقتطاع الخمس من الغنائم و كل أموال الفيء) هو عدم حرمان الفقراء، وبالتالي تركيز الأموال بيد الأغنياء، لهذا تكمل الآية السابقة «كي لا تكون دولة بين الأغنياء منكم». لكن هذا التوزيع هو وسيلة تملّك الأموال للرسول وذوي القربى، وإعالة اليتامى والمساكين وابن السبيل. لهذا اعتبرت ( فدك ) خالصة لرسول الله (1)، وبالتالي كانت وسيلة لتملّك آخرين غير الفاتحين، لأن أمر تحديدها راجع للرسول «وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله...» (الحشر 59/7).
لهذا يتوضح أن ما سيطر عليه المسلمون سواء بالحرب أو دون حرب بأن يصبح لا مالك له (وهذه حالة خاصة بهرب المالكين إلى ديار الحرب)، يملّك للفاتحين ولآخرين حددتهم الآيتان السابقتان، وفق ما يراه الرسول، ثم انيطت بالخليفة كوريث للرسول في الحكم، وبالتالي في الشؤون الدنيوية، شؤون الحكم والمجتمع، وبالاستناد إلى الآية «وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر»(النساء 4/59)، وبالاستناد إلى القياس، حيث إعْتُبِر كل عمل قام به الرسول بصفته حاكماً دنيوياً عمل يقوم به خليفته.
وكانت الغنائم وسيلة التملّك الأساسية (تملك الأرض، والديار والأنعام والنقود) في مراحل الفتح، وبالتالي تنتهي بانتهاء الفتح. لتستمر الوسائل المتعارف عليها، التجارة التي حللها الإسلام كما أوضحنا، ونظام الوراثة الذي أقره الإسلام(النساء 4/7ـ12 و176).
الضرائب:
ولقد وضعت على المسلمين وأهل الذمة ولم توضع على العبيد، لأن الضرائب توضع على المالك والعبد مملوك. ولاشك أن فارقاً طال الضرائب على كل من المسلمين وأهل الذمة، فالمسلم يقدّم زكاة أو صدقة، بينما يدفع الذمي الجزية. واختلاف المعنى بين الزكاة والجزية يدلّ على اختلاف المرتبة. لهذا وضعت الجزية على أفراد أهل الذمة، أما المسلمون فإن الزكاة على أموالهم فقط، لكنه يدل أيضاً على اختلاف مقدار الضريبة بين الفئتين، طبعاً القرآن لا يحدِّد تفصيلياً كل ذلك، لكنه ميّز في المعنى فقط، وهذا ما سوف نشير إليه لاحقاً.
الزكاة: وهي الصدقة، ولقد أشير إليها في العديد من الآيات، بكونها فرضاً،" وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة» (البقرة 2/43/83 و110 و277، النساء 4/77، التوبة 9/5 و11، الحج 22/41 و78، النور 24/56 المجادلة 58/13، المزمل 73/20)، وعدد آخر من الآيات. وكذلك «خذ من أموالهم صدقة تطهّرهم وتزكيهم بها» (التوبة 9/103). وكذلك «وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفاً أكله والزيتون والرمان متشابهاً وغير متشابه، كلوا من ثمره إذا أثمر وآتو حقه يوم حصاده» (الأنعام 6/141) وأيضاً «وفي أموالهم حق للسائل والمحروم» (الذاريات 51/19).
لكن القرآن لا يحدد نسبة الصدقة (الزكاة)، التي حددها الرسول، فوضع على الأرض العشر. ومن كل أربعين شاةٍ شاةً (1) ثم وضعت بالقياس نسبة 2.5 على الأموال النقدية (1).
الجزية: ولقد وردت مرة واحدة في الآية المشار إليها سابقاً «حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون» ولم يحدد القرآن نسبتها أيضاً. لكن الرسول وضع على كل ذمي ديناراً، ثم زادها عمر بن الخطاب إلى أربعة دنانير (48 درهم) وديناران (24 درهم) ودينار (12 درهم). كما أضاف إليها الضرية على الأرض (الخراج). وإذا كانت كتب الصلح التي عقدها الفاتحون مع أهل الذمة قد حدّدت مبلغاً إجمالياً (3) . فقد حدّد لها عمر مبلغاً معيّناً على كل جريب (مقياس مساحة) من الأرض، في أرض السواد (العراق) فقط (4) .
وربما كان مصدر كلمة الخراج هو القرآن نفسه، اعتماداً على الآية " قالوا يا ذي القرنين إن ياجوج و ماجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجاً على أن تجعل بيننا و بينهم سداً " ( سورة الكهف 18/94 )، حيث يدفع الأفراد للملك (السلطة ) مبلغ من المال لحمايتهم. كما ورد بصيغة الخراج في آية أخرى وهي «أم تسألهم خرجاً فخراج ربك خير و هو خير الرازقين" ( سورة المؤمنون 23/72 ). وبالتالي فهي تعني الأجرة، أي كما يمكن أن يستنتج أجرة الحماية التي توفرها الدولة. وهي التي غدت تسمى ضريبة.
ولقد حدّد القرآن مجال صرف الصدقة وهي «إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم، وفي الرقاب والغارقين في سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله»(التوبة 9 /59).
وهذا التوزيع يختلف عن توزيع الخمس والفيء، إلا المساكين وابن السبيل حيث يحصلون من الخمس والفيء والصدقات. أما الفئات الأخرى التي يحق لها الصدقات فهي الفقراء والموظفين الخاصين بجمعها والمؤلفة قلوبهم وفي تحرير العبيد، وللمدينين، وفي الجهاد في سبيل الله .
أما مجال صرف الجزية فلم يحدّد. لكن عمر بن الخطاب حين رفض توزيع أرض السواد ، احتج بأية «ما أفاء الله...». فسميت الجزية (وبضمانها الخراج ) الفيء، وبالتالي أصابتها أحكام الآية «ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل»، (الحشر 59/7). ما يمكننا قوله هنا، إن القرآن قد حدّد مبادئ عامة للضرائب (الزكاة / الصدقة على المسلم. والجزية على الذمي)، ولم يحدِّد مقدار كل منهما. كما أنه حدد مجال صرف الصدقة فقط، دون أن يحدد مجال صرف الجزية. ولقد خضع كل ذلك لاجتهادات لاحقة، لكن بعضها (مقدار الصدقة، الجزية على الذمّي ) حدّده الرسول نفسه، وإن جرى الالتزام بمقدار الصدقة والقياس عليها في الأموال التي لم يحدّد الرسول مقدار زكاتها، فقد غير عمر بن الخطاب في مقدار الجزية، وأضاف الخراج، لكن مجالات صرف كل منها ظلّ محلّ خلاف.



خاتمة
هل نستطيع بعد ذلك أن نحدّد النظام الاقتصادي الاجتماعي الذي دعا إليه الإسلام؟
إنه نظام يقوم على أساس الملكية الخاصة، ولما كانت الأرض في ذلك العصر هي وسيلة الإنتاج الأساسية، فإن ملكية الأرض هي العنصر الأساسي في مجمل الملكية، وبالتالي فإن الأغنياء هم بالأساس ملاك الأرض، لكن وجود النقد وحرية التجارة كان يفضي إلى وجود تجار أغنياء يملكون (القناطير المقنطرة) من الذهب و الفضة.
وهو يقرّ تملك العبيد، وهذه المسألة تحتاج إلى بحث لأنه كما لاحظنا سابقاً يقرّر قتل الأسرى من المقاتلين، وبالتالي فإن الأسر كان يشمل النساء والأطفال، وليس لهؤلاء موقع في قوى الإنتاج.
لهذا ولكي نحدد النظام الاقتصادي الاجتماعي الإسلامي لابد لنا من دراسته في إطار مسار التاريخ، أي ما أضافه إلى النظم السابقة له، لأن تلك النظم (الإمبراطورية الرومانية ثم البيزنطية، والإمبراطورية الساسانية) كانت تقرّ التملك الخاص، وكانت الأرض هي العنصر الأساسي في مجمل الملكية، كما أنها كانت تقر تملك العبيد، لكنها كانت تحوّل الشعوب المحتلة إلى عبيد، وهذا مالم يدعو إليه الإسلام، لأنه أقر مبدأ الصلح مع أهل الذمة، وهم الشعوب القاطنة في البلدان المفتوحة، في الأرض العربية، وخارجها.
الهوامش:
(1) كتاب الفقه ج3 ( ص1).



#سلامة_كيلة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- واليسار الفلسطيني أيضاً
- رد إجمالي على ملاحظات عصام شكري على -نداء الى القوى والأحزاب ...
- الجديد في إستراتيجية بوش الجديدة في العراق
- واليسار الفلسطيني
- أميركا في العراق والمقاومة
- سوريا في الوضع الإقليمي
- خطر الحرب الأهلية في فلسطين
- رد على ملاحظات عصام شكري حول -نداء الى القوى والأحزاب المارك ...
- رد على ملاحظات عصام شكري حول -نداء الى القوى والأحزاب المارك ...
- رد على ملاحظات عصام شكري حول -نداء الى القوى والأحزاب المارك ...
- خطة أولمرت الجديدة
- مكانة اللينينية في الماركسية
- لماذا -ماركسية-؟ : بصدد تسمية الاتجاه الفكري الذي بدأ مع مار ...
- النضال الفلسطيني واشكالية القطري والقومي
- المقاومة الفلسطينية: محاولة تقييم انتقادي
- أزمة العقل الأحادي في تناول العلاقة بين الوطنية والديمقراطية
- الحزب الشيوعي العراقي ومسألة الأولويات
- من اجل تحالف القوى الماركسية في الوطن العربي
- حزب الشعب الفلسطيني وتعزيز الهوية اليسارية
- المساءلة حول المقاومة:بصدد حجج الليبراليين العرب الساذجة


المزيد.....




- اسلامي: نواصل التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة وفق 3 أطر
- اسلامي: قمنا بتسوية بعض القضايا مع الوكالة وبقيت قضايا أخرى ...
- اسلامي: سيتم كتابة اتفاق حول آليات حل القضايا العلقة بين اير ...
- اسلامي: نعمل على كتابة اتفاق حول آليات حل القضايا العالقة بي ...
- اللواء سلامي: اذا تخلى المسلمون عن الجهاد فإنهم سيعيشون أذلا ...
- تقرير فلسطيني: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى
- اللواء سلامي: نحن المسلمون في سفينة واحدة ويرتبط بعضنا بالآخ ...
- اللواء سلامي: إذا سيطر العدو على بقعة إسلامية فإنه سيتمدد إل ...
- اللواء سلامي: اذا تخلى المسلمون عن الجهاد فإنهم سيعيشون إذلا ...
- اللواء سلامي: الأمة الإسلامية تتحرك بفخر نحو قمم الفتوحات


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سلامة كيلة - القرآن: تحليل للتكوين الاقتصادي الاجتماعي للإسلام