أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - محمد نبيل - عندما تنطق شوارع ألمانيا!














المزيد.....

عندما تنطق شوارع ألمانيا!


محمد نبيل

الحوار المتمدن-العدد: 1776 - 2006 / 12 / 26 - 08:25
المحور: المجتمع المدني
    


لا أخفي عليكم أن شوارع ألمانيا تسحرني حتى أسقط في حبال عشقها ليلا و نهارا دون ملل، لكنها تستفزني... فاليوم الذي أقضيه في البيت دون أن أستنشق هواء مدينة برلين الرطب أحس فيه وكأني فقدت حريتي، لذلك أقرر عادة التخلص من سكون الحي الذي أقطنه وعاداته الخبيثة وانزل إلى الساحة العمومية.

وبمجرد أن أتجاوز عتبة الباب، أرى قبالتي شارع غوته ثم أقف لحظات أمام تلك اللوحة الجميلة التي كتب عليها اسم هذا الشاعر العظيم. وما أن أقطع بعض الأمتار المعدودة حتى أجد نفسي على رصيف شارع الفيلسوف كنط. وبين الطريق التي تربط صاحب العقل الخالص وشاعر ألمانيا الخالد،يمر نسيم شارع الشاعر شيلر ... هذا فصل من فصول أسفاري اليومية التي تسمح لي بمداعبة أسماء الشوارع البرلينية الحرة و الطليقة وكلها تؤكد لي أن ألمانيا حية وذاكرة الجرمان قوية حتى أنهم لم يسقط من بالهم صاحب الرأسمال والإيديولوجية الألمانية كال ماركس و نيتشه وليبنتز وروزا لوكسمبورغ واللائحة طويلة.لقد فهمت كيف أن الإيديولوجيات والفوضى الإنسانية مآلها السقوط لكن الفكر الحقيقي يظل حيا لا يموت.

كل يوم، وكل ساعة أحس وكأن شوارع برلين تستنطق عابريها وتتحدث إليهم بلغة ذاكرتهم العريقة حتى لا يجرفهم طوفان النسيان. أما أنا، ذلك المهاجر المغبون الذي يقاوم لعنة الاغتراب، فلم أتخلص بعد من بؤس المقارنات والتفكير في وطن قيل أنه للجميع.
بالأمس كنت بشارع الفيلسوف ليبنتز فاكتشفت وجها آخر للألمان. فالحكاية وما فيها تقول أن العديد من أصحاب المحلات التجارية يعرضون مبيعاتهم قرب الأرصفة، تتنزه أمام العابرين الألمان بدون حسيب و لا رقيب. والذي يعبر هذا الشارع يرى بأم عينيه أن المئات من الكتب و المجوهرات و العديد من المواد الثمينة دون يتربص به حارس أو شرطي. لا أنكر أن هذا المشهد الرومانسي الذي يتكرر أمامي يوميا يضحكني، لأنني لم أتعود أن أرى مثل هذه الإنسانية الجديدة هناك، في بلاد اللصوص، الذين اختلسوا كل شيء حتى رموز الوطن و أسمائه. قلت لنفسي: لو كانت هذه المحلات بتلك البلدة لأعلن أصحابها الإفلاس منذ عقد من الزمن.

وبما أنني لست من هواة الملاحظات المجانية و الانبهار الأعمى، سألت صديقتي الألمانية عن سر هذه الثقة الزائدة عن الحد و خاصة أن أهل مكة أدرى بشعابها. أجابتني صديقتي بلطفها المعتاد:
ـ لقد تعلمنا منذ الصغر خصلة أساسية تقول بعدم أخذ ممتلكات الآخرين...!
ابتسمت،ثم هاجمتني لعنة الضحك من حيث لا أدري ،لأنني بكل بساطة بدأت أفكر في غرائب تلك البلاد ،حيث يتعلم الفرد منذ نعومة أظفاره كيف يمارس فن رياضة الأصابع...!

الشوارع الألمانية تدفع الناظر مثلي إلى تقليب المواجع و المراجع وإعادة شريط قريتي الحزينة التي لا تتوفر سوى على أزقة ضيقة جدا أطلق عليها وبكل جرأة أسماء نكرة لا معنى لها كتبت على مداخلها النتنة بالطباشير أو بالمداد أو بدماء المناضلين والشهداء. وهذا أصبح مفهوما في وطن يتنكر لمفكريه ومثقفيه و لذاكرته الموشومة حيث نجد شارع الغابون و مدغشقر والموزمبيق وهلم جرا.

إن الإنسان الغريب عن الحق في وطنه قد يجد ضالته الكبرى أو يعثر على ذاته في شوارع من النوع البرليني ـ نسبة إلى برلين ـ ، لأنها توقظه من سباته الدوغمائي وتقول له بصوت مرتفع: استفق حتى تشاهد الفكر الحي الذي لا يفنى و تتأمل تجارب الشعوب التي لا تركع كي نحافظ على ذاكرتها . إنك هنا، بين أحضان شعب جرماني استطاع بناء بلده على أنقاض الحرب القذرة وواجه عداء كل العالم وقال كلمته حتى أصبحت شوارعه تنطق بالحقيقة.



#محمد_نبيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عندما يتمزق الثوب
- طائر الليل
- غرفة تحت الأرض
- التضامن الإنساني ممنوع في مغرب اليوم
- وين الملايين... شعوب العالم وين ؟
- حكاية مغرب قاتل!
- هل ستجد الحكومة الألمانية مخرجا لإدماج المهاجرين ؟
- لو نظم المونديال في المغرب ؟
- أنا لست عربيا
- بكارة فطومة
- انهيار
- في ذكرى ميلاد سيغموند فرويد : محنة العالم
- مسابقة لأجمل حمار
- سؤال الهجرة بمغرب اليوم
- رسالة من برلين
- من هو الألماني الصالح ؟
- سؤال الموت
- سؤال الصحافة بمغرب اليوم
- حقيقة مفهوم صراع الحضارات
- سكوت، نحن في تونس !


المزيد.....




- مسؤول في برنامج الأغذية: شمال غزة يتجه نحو المجاعة
- بعد حملة اعتقالات.. مظاهرات جامعة تكساس المؤيدة لفلسطين تستم ...
- طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة
- تعرف على أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023
- مدون فرنسي: الغرب يسعى للحصول على رخصة لـ-تصدير المهاجرين-
- نادي الأسير الفلسطيني: الإفراج المحدود عن مجموعة من المعتقلي ...
- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...
- العفو الدولية تطالب بتحقيقات دولية مستقلة حول المقابر الجما ...
- قصف موقع في غزة أثناء زيارة فريق من الأمم المتحدة


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - محمد نبيل - عندما تنطق شوارع ألمانيا!