أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - مهدي النجار - الوقائع المزورة والام الحلاج















المزيد.....

الوقائع المزورة والام الحلاج


مهدي النجار

الحوار المتمدن-العدد: 1766 - 2006 / 12 / 16 - 09:33
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


أيةُ نعمة هو هذا الخطاب النبوي التأسيسي حين تفجر كالنور أو الضياء أو كالشعلة المقدسة وألهب صدور الناس بالإيمان الطوعي، إيمان من القلب وبمحض الإرادة، خاليا من الاكراهات والقيود وليس مفروضا من السلطة، إيمان يركز على مطلق الله وتعاليه ولا يهتم إطلاقا بالاعتبارات الدنيوية والتوسع على حساب الآخرين، كان محط أنظار المقهورين والمعذبين الذين همشتهم حياة الاستبداد الوثني وأذلتهم طموحات وشراهات أهل الملأ المكي فالتفوا بقوة حول النبي حامل ذاك النداء المتوهج وتلك الشعلة السماوية التي أنارت للعباد طريقا جديدا، مدهشا لم يألفوه من قبل، لذا قالت قريش للرسول عليه الصلاة والسلام: أتباعكَ من هؤلاء الموالي، كبلال وعَمارٍ وصُهَيب، خيرٌ من ُقصي بن كلاب وعبد مناف وهاشم وعبِد شمس؟! فقال: "نعم والله لئن كانوا قليلاً ليكثُرنَّ، ولئن كانوا وضعاءَ ليَشرُفُنَّ حتى يصيروا نجوماً يُهتدى بهم ويُقتدى" السيرة لابن هشام/ج1 ص284 .
ليس غريباً ذاك الجواب المذهل، الصاعق بوجه كتلة استبدادية أرادت أن تكون البلاد والعباد دائماً تحت هيمنتها وبيد سلطانها، وليس عجيباً أيضاً أن تتفجر تلك الإجابة من فيه ذاك النبي الذي قال هو عن نفسه: "لقد رَعْيتُ غُنيماتِ أهل مكَّةَ لهم بالقراريط" السيرة /ج1 . هذا ما يميز الخطاب النبوي، الخطاب التأسيسي الأول الذي لا هدف له إلا فتح الروح على مطلق الله وتحريرها من الاغتصابات والهوان، تحريرها دون قيود ودون حدود، لذا كان خوف الله الشرط الأول لإسلام أولئك الأوائل الأجلاء وهو المستوى الروحي ألتنزيهي الذي لا يلوث نفسه أبداً بأعراض الحياة الدنيا ومآربها وشهواتها.
اندفع الشيخ الحلاج( الحسين بن منصور) باتجاه ذاك المستوى، باتجاه ذاك الوهج، دفع بكل روحه لان تسبح هنيئاً مريئاً في بحر الإسلام ألتنزيهي في اندفاعه حرة خلاقة جسد من خلالها صورة القلق الإنساني، صورة البحث، وكان عقله مشوشا دائما بتشابك المسائل فانطلق في طرق غير مرسومة، لا يعلم ما هو ذلك السحر الذي يشده، كان يعرف إن هناك محطة وحيدة حسب: هي الله. وقد عبر عن الإله بشكل أفضل حين قال: إن ابتداءه لا ينتهي أبداً،يقول عنه عبد الرحمن بدوي في كتابه تاريخ التصوف: "إن الحلاج مثل جانبا من أخصب جوانب الحياة الروحية في الإسلام لان آلامه كانت تعميقا للعقيدة وانتصارا للروح على الحرف" أو كما يرى د.أبو العلا عفيفي (وهو من أشهر الكاتبين المعاصرين في التصوف) : كان الحلاج من أروع الصفحات التي تتجلى فيها روحانية الإسلام، كان بحد ذاته ثورة روحانية في الإسلام. هذا المؤمن المتصوف حقاً كان حالة فريدة في التاريخ ( وخاصة تاريخ التصوف) لم تكن حالة انزوائية، بعيدة عن الدائرة الاجتماعية وصراعاتها، بل كانت في لب هذه الدائرة وبمواجهة حادة وصارمة مع رموز الطغيان والاستبداد التي انتهكت مضامين الروح التأسيسي للإسلام، الرموز التي اقتنصت السلطة عنوة وتحولت إلى أنظمة استعبادية قاهرة، من لحظة الاقتناص هذه بدأت تشعر (الأنظمة) بحاجة ماسة إلى مشروعية تبرر ما حصل فجاءت بفئة من الفقهاء وجندتهم لكي يبلورا منظومة تشريعية كاملة للتبرير والتسويغ وإضفاء الشرعية على ضعاف الشرعية أو من لا شرعية لهم، هذه الفئة التي استأثرت بحق التصرف في المقدس وزاغت عن وظيفتها الأصلية نحو سلوك مرذول شنَّع به الفيلسوف الكندي حين وصف رجال دين عصره في كتاب كتبه إلى المعتصم بالله بأنهم :" أهل الغربة عن الحقِّ، وان تتوّجوا بتيجان الحقّ من غير استحقاق…ذبّاً عن كراسيهم المزوّرة التي نصبوها من غير استحقاق، بل للترؤّس والتجارة بالدين، وهم عدماء الدين، لانّ مَن تجر بشئ باعه، ومن باع شيئاً لم يكن له. فمن تجر بالدين لم يكن له دين".
انتفضت روح الشيخ الحلاج وهاجت، بدأ يؤسس لعودة حقيقية للدين الإسلامي، ، أو بالأحرى تيارا روحيا صافيا ينبع من ذاك الدين الإسلامي في لحظات توهجه النبوية الأولى، لحظات نقاءه وابتعاده عن الشوائب و المآرب الدنيوية، بعثر الشيخ أوراق الفقه الإمبراطوري وقلب البساط على رؤوسهم، أراد أن يُطهر الروح من التزوير والتزييف والارتهانات النفعية، أراد أن يحل الحق، المطلق، الله في أفئدة الناس وبين ضلوعهم، وقد تصور الشيح: "أن العارفَ من الله بمنزلة شُعاع الشمس، فيها بدأ واليها يعودُ، ومنها يستمدُّ ضوءَه".
اعتقد الشيخ بعدم قدرته على الإفلات من ألمتاه الأرضي، رأى إن الأمر يتعلق بالنفس، هذه الأمارة بالسوء، تكمن فيها الخطيئة ويصدر عنها الإثم فراح يستجير ويستغيث: "خلصوني منها…خلصوني منها!" وعن طريق المجاهدة وتصفية الذات صنع له أجنحة روحانية أتاحت له أن يحلق، كان يرى أن لا مخرج له إلا عبر السماء، على أساس إن جميع الدروب الأرضية مسدودة في وجهه، أراد أن يحلق عاليا جدا نحو التلبس بالحقيقة المطلقة، معولا كثيرا على قواه، بدا هذا التحليق الصوفي يُقلق الدولة ويرعبها، يزعج راحتها ويزعزع أركانها وأنظمتها الفكرية وتقاليدها السلالية الشمولية، عندئذ سارعت لرأب المأزق فهيأت له محكمة فقهية أخرجت قُضاتها من جلبابها الواسع، قضاة لا رحمة في قلوبهم ولا شفقة فأفتوا بإعدامه، وعندما احضروا الحلاج إلى باب الطاق ببغداد لتنفيذ الإعدام به تجمع الناس هناك فصار يقرأ الآيات القرآنية، كما يذكر ابن كثير في البداية والنهايةج11 : وجعل لا يزيد على الشهادتين والتوحيد ويتحدث بجمل بليغة. فأوثقوه ثم ضربوه ألف سوط ثم قطعت يداه وقطعت رجلاه ويقال انه كان يردد مع كل سوط أحدٌ أحدْ. ثم قطعوا رأسه واحرقوا جثته والقوا رمادها في دجلة، أما رأسه فقد نصب يومين على الجسر ببغداد ثم حمل إلى خراسان وطيف به هناك ليراه الناس، ونودي في بغداد بان لا تُشترى كتب الحلاج ولا تُباع وكان ذلك في آخر سنة309 هجرية/922 ميلادية.
لقد كانت آلام الحلاج تعبيراً مأساوياً عن فترة هشة، رديئة،زاخرة بالانتهاكات والفواجع المفزعة من فترات التاريخ الإسلامي، وظاهرة من ظواهر مجتمع راكد يعاني من الإنجراح السياسي، مجتمع مُنغلق ومستسلم لمشاعر العجز والانقهار أمام الطبيعة واللقمة والسلطة.



#مهدي_النجار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النداءت المضيئة لرقي الانسان
- عن ماذا يكتب المثقفون
- جدليات ابن خلدون
- لماذا تخلف المسلمون وتقدم غيرهم
- الدستور والتمويه الثقافي
- رسالة في التسامح
- من اجل قراءة معرفية للتراث
- ماذا نفعل مع ثقافة العولمة
- مذهب للكراهية...مذهب للتسامح
- جدلية الثقافي والسياسي
- الجدل روح الثقافة
- الدستور من الطائفية الى العلمنة
- الفضاءات الطوباوية وهدر الدم
- بغداد بين الشريعة والحكمة
- الاسلام المتنور وثقافة العنف
- الذكرى السنوية السابعة لرحيل البياتي
- كيف يمكن ان نعيش سويا ومختلفين
- البياتي شاعر الحب واللِّماذات
- الحركات المطرودة من التاريخ
- اسئلة المثقف الاشكالي


المزيد.....




- اصطدمت بسيارة أخرى وواجهته بلكمات.. شاهد ما فعلته سيدة للص س ...
- بوتين يوعز بإجراء تدريبات للقوات النووية
- لأول مرة.. دراجات وطنية من طراز Aurus ترافق موكب بوتين خلال ...
- شخصيات سياسية وإعلامية لبنانية: العرب عموما ينتظرون من الرئي ...
- بطريرك موسكو وعموم روسيا يقيم صلاة شكر بمناسبة تنصيب بوتين
- الحكومة الروسية تقدم استقالتها للرئيس بوتين
- تايلاند.. اكتشاف ثعبان لم يسبق له مثيل
- روسيا.. عقدان من التحولات والنمو
- -حماس-: اقتحام معبر رفح جريمة تؤكد نية إسرائيل تعطيل جهود ال ...
- مراسلنا: مقتل 14 فلسطينيا باستهداف إسرائيلي لمنزلين بمنطقة ت ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - مهدي النجار - الوقائع المزورة والام الحلاج