أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صالح سليمان عبدالعظيم - حتى لا تتحول الشفافية إلى كلمة مبتذلة















المزيد.....

حتى لا تتحول الشفافية إلى كلمة مبتذلة


صالح سليمان عبدالعظيم

الحوار المتمدن-العدد: 1764 - 2006 / 12 / 14 - 11:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ما أن ينطلق أحد المصطلحات من ترسانة الإنتاج الغربية، التي لا تتوقف عن الإنتاج الفكري والمعرفي، حتى يتحول إلى مصطلح عالمي تتقاذفه المؤسسات الأكاديمية والبحثية والإعلامية المختلفة، ليصبح الوصفة السحرية لحل المساءل الكونية المختلفة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا. ويزداد تأثير هذه المصطلحات بسبب من تبني المؤسسات والمنظمات الدولية المختلفة لها، مثل الأمم المتحدة، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، بما لهم من تأثير عالمي، وتبعية للقوى الغربية المهيمنة عالميا مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وبعض الدول الأوروبية مثل انجلترا وفرنسا وألمانيا.

فما أن تطرح هذه الدول عبر ترسانة مفكريها المحافظين، أو التابعين للمؤسسات الرسمية الحكومية، مصطلحات ورؤى جديدة حتى تصبح هى السياسات المتبناة والمطروحة من قبل هذه المؤسسات الدولية. ويتم طرح هذه السياسات بوصفها السياسات الكونية الوحيدة الصالحة لكل دول العالم بغض النظر عن طبيعة الاختلافات فيما بينها، وبغض النظر عما تحققه من مصالح للدول الغربية ذاتها صاحبة هذه المصطلحات والرؤى الجديدة. ولا تعكس هذه المصطلحات والرؤى الجديدة بالأساس سوى مصالح وأهداف القوى العظمي، الغربية بالأساس، إضافة للمؤسسات الدولية المرتبطة بهذه القوى والمنفذة لأهدافها.

واللافت للنظر هنا مدى الاحتفاء الذي يلاقيه هذا الكم من المصطلحات من قبل المؤسسات الأكاديمية والإعلامية في العالم النامي بالأساس. حيث يتم الترويج بشكلٍ مستمر لهذه المصطلحات والعمل على إيجاد بعض التطبيقات الخاصة بها، بغض النظر عن مدى مناسبتها لواقع الحال في العالم النامي. كما أن البعض يستخدم هذه المصطلحات ويرددها بشكل متكرر بغض النظر عن مدى ملائمتها للسياق والمجال الذي تُطلق فيه. إضافة إلى ذلك، فإن السلطات الحاكمة في الدول النامية ما تلبث أن تستخدم هذه المصطلحات أيضاً من أجل العمل على إثبات ملاحقتها للتطورات العالمية وانصياعها لجديد المؤسسات الدولية بغض النظر عن مدى وعيها بهذه المصطلحات من ناحية، وتطبيقها لها من ناحية أخرى.

ومن المفاهيم الذائعة الصيت التي أطلقتها الماكينة الغربية المعاصرة مفهوم الشفافية الذي ملأ العالم، وأصبح على أجندة الندوات والمؤتمرات العالمية. كما أصبح لازمة أساسية في الكثير من الأوراق والأبحاث الأكاديمية، إضافة للعديد من المقالات الصحفية واللقاءات الإعلامية المختلفة. لقد أصبح مفهوم الشفافية الآن على قائمة الأجندة الدولية إلى الحد الذي أنشأت من أجله منظمة الشفافية العالمية ومقرها برلين عام 1995. وهى المنظمة التي جعلت على رأس أهدافها محاربة الفساد الإداري الرسمي وغير الرسمي في كافة أنحاء العالم، رغم أنها تحصل على تمويلها من المؤسسات والشركات الدولية مثل الأمم المتحدة وشركة جنرال موتورز الأمريكية. وهو الأمر الذي يكشف عن هدف اطلاق هذه المفاهيم والمصطلحات الجديدة التي تخدم رأس المال العالمي المتمثل بالأساس في هذه الشركات المتعددة الجنسيات ذات الارتباط القوي بالدول الغربية.

أصبح مفهوم الشفافية من المفاهيم الأكثر انتشاراً الآن في عالمنا العربي، حيث العديد من المؤتمرات والندوات واللقاءات. إضافة إلى ذلك أصبح المفهوم موضة على لسان الجميع سواء بوعى أو بغير، فما أن تتحدث مع أحد حتى يفاجئك بضرورة تحقيق الشفافية والعمل على تفعيلها، وعلى نشرها في كافة المؤسسات والإدارات المختلفة. واللافت للنظر هنا أن الكثيرين يستخدمونها من أجل الوجاهة الفكرية، وتلميع الكرسي بإضافة بعض المفردات التي لا تغني ولا تسمن من جوع. بل إن استخدام هذا المصطلح يتم في سياقات تافهة وصغيرة ومحدودة، مثل عقد اجتماع، أو الموافقة على ترقية ما. وهو ما يكشف عن مدى تفاهة التعامل مع بعض المصطلحات الوافدة، بدون فهمها وتمحيصها ومدى ملائمتها للسياق الاجتماعي المحلي.

فعلى الرغم من النشأة الغربية لمصطلح الشفافية، وارتباط نشأته وظهوره بالمصالح الغربية بالأساس، إلا أنه يمكن الاستفادة من بعض أسسه وتوجهاته، خصوصاً عند استخدامه، ومحاولة تطبيقه في العالم العربي المفعم بالممارسات الفاسدة، وترهل المؤسسات الحكومية الرسمية. لكن المهم هنا هو التعامل مع المفهوم بشكلٍ نقدي يتلائم وواقع العالم العربي والظروف التاريخية التي يمر بها. ويعني ذلك ضرورة التعامل مع المفهوم وجوانبه المختلفة، ليس فقط في ضوء الإملاءات والتصورات الغربية، ولكن أيضاً في ضوء الواقع العربي المعاصر والتحولات المرتبطة به.

فالشفافية ليست كلمة مطلقة يتم نقلها بطريقة املائية من المؤسسات الدولية وفرضها على سياقات تختلف عن أوضاع الدول الغربية ذات التاريخ الطويل في المؤسسات المدنية والحقوق السياسية. فواقع الأمر في العديد من الدول العربية يعكس مستويات غير مسبوقة من استشراء الفساد السياسي والاقتصادي، ليس فقط في المؤسسات الحكومية الرسمية، بل أيضاً في العديد من مؤسسات المجتمع المدني الحديثة النشأة والتي تزعم خدمة المجتمع. كما أن الكثير من الدول العربية مازالت تفتقر إلى ذلك القدر من الاتصال والتواصل بين الأطراف المختلفة، وهو الأمر الذي يدعم من الشفافية عبر الممارسات الديمقراطية القائمة على الكشف والمصداقية، وليست تلك الممارسات القمعية القائمة على الإخفاء والسرية وإقصاء الآخرين.

فالشفافية ليست كلمة تقال، لكنها تعبير عن ممارسات حقيقية، تتم عبر فترات زمنية طويلة ومستمرة ومتواصلة. كما أنها ليست مجرد كلمة يتم ترديدها على لسان الأفراد والمسئولين، بقدر ما أنها تمثل تحالف فعلي بين القوى الاجتماعية المختلفة المقاومة للفساد والراغبة في مواجهته والحد منه. فأولى متطلبات الشفافية أن توجد تلك القوى الجمعية القادرة على المواجهة وفضح الفساد في شتى صوره وأشكاله. أما حينما تصبح المسألة مجرد ترديد لتلك الكلمة على صفحات الجرائد، وعبر شاشات التليفزيون، ومن خلال أروقة المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، بدون أن يرتبط ذلك الترديد بالسند الاجتماعي القادر على المواجهة والفضح والمساءلة، تصبح المسألة عبثية مظهرية أكثر منها أى شيئ آخر.

إن هذه القوى الاجتماعية هى وحدها القادرة على خلق حالة مجتمعية عامة قادرة على مواجهة الفساد، وفضح أساليبه ومستوياته المختلفة. فمن خلال هذه الحالة المجتمعية، يمكن الحديث عن شفافية حقيقية تتعدى نطاق اللفظ والتفاخر به إلى مستوى المساءلة الاجتماعية الشاملة القادرة على اخراج العالم العربي من ورطته التنموية السياسية الحالية. ومن خلال ذلك يمكن أن يتجاوز مصطلح الشفافية الإطار الغربي الذي أنتجه بحيث يكتسب مصائره وارتباطاته العربية الخاصة به، كما يمكنه أن يتجاوز ذلك التناول المبتذل من قبل البعض في عالمنا العربي المعاصر. وحتى يتم ذلك، فنحن بحاجة ماسة إلى إعادة تشكيل القوى الاجتماعية الوطنية المهمومة بمواجهة الفساد، وتشكيل جبهة عريضة ومتسعة ليس لها من هم سوى مقاومة الفساد على مستوى كافة القطاعات والمؤسسات الرسمية منها وغير الرسمية.



#صالح_سليمان_عبدالعظيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأمريكيون والحيوانات الأليفة
- المثقف والتحولات العمرية
- الفردانية الممزقة والهيمنة الجماعية في العالم العربي
- !!الحوار المتمدن والتحليق بالكتابة
- الإصلاح السياسي في العالم العربي
- خمسة وأربعون عاماً على رحيل فرانز فانون
- صدام حسين، تاريخ الانقلابات
- اختزال واقع المرأة العربية
- -عراق على الوردي وثقافة -الكسار
- أنماط معاصرة من المثقفين
- ثقافة المفتاح العربية
- كوندوليزا رايس والقيم البيضاء
- هرمونات كرسي السلطة في العالم العربي
- لماذا نكتب؟
- أزمة الثقة في المجتمعات العربية
- أزمة الثقة في المجتمعات العربية
- قضاة يرفضون بيت الطاعة
- الإنترنت مهد الكراهية
- ليبراليون جدد أم مكارثيون جدد
- تفعيل الكراهية


المزيد.....




- اغتيال بلوغر عراقية شهيرة وسط بغداد والداخلية تصدر بيانا توض ...
- غالبية الإسرائيليين تطالب بمزيد من الاستقالات العسكرية
- السعودية.. فيديو لشخص تنكر بزي نسائي يثير جدلا والأمن يتحرك ...
- صحيفة: بلينكن سيزور إسرائيل الأسبوع المقبل لمناقشة صفقة الره ...
- الديوان الملكي يعلن وفاة أمير سعودي
- الحوثيون حول مغادرة حاملة الطائرات -أيزنهاور-: لن نخفض وتيرة ...
- وزارة الخارجية البولندية تنتقد الرئيس دودا بسبب تصريحه بشأن ...
- أردوغان يقول إن تركيا ستفرض مزيدا من القيود التجارية ضد إسرا ...
- وزير الدفاع الأمريكي يشكك في قدرة الغرب على تزويد كييف بمنظو ...
- مشاهد للوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير قبل لحظات من ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صالح سليمان عبدالعظيم - حتى لا تتحول الشفافية إلى كلمة مبتذلة