أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - أقنعة النظام الشرق أوسطي المتعددة















المزيد.....

أقنعة النظام الشرق أوسطي المتعددة


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1610 - 2006 / 7 / 13 - 10:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الشرق الأوسط ليس جغرافيا بل نظام إقليمي. والفرضية المضمرة في مفهوم النظام الشرق أوسطي هي وجود شبكة من التفاعلات الأمنية والسياسة والاستراتيجية بين الدول العربية في المشرق والخليج ومصر وإسرائيل والولايات المتحدة، تخضع لقواعد ثابتة نسبيا، ولا تتعارض مع توتر ونزاعات بين الأطراف بل تقتضيها بصورة ما، وتحتاج إلى إيديولوجيتها بالتأكيد. وتشرف على التفاعلات هذه وتحوز أفضل موقع للتحكم بوجهتها النهائية الولايات المتحدة. وتملك هي وإسرائيل قرار الحرب لفرض نموذج التفاعلات المرغوب من وجهة نظرها أو لمعاقبة "الإرهابيين"، أي المجموعات العربية التي تحاول الاستحواذ على الحرب ومقاومة أطراف النظام الثلاث.
من الموقع العربي يتخفى النظام وراء إيديولوجيتين.
الإيديولوجيا الأولى هي تلك التي تتحدث عن المواجهة والعداء. يفترض المرء أن انقطاع العلاقات الرسمية بين دول عربية وإسرائيل، وسوء ظن الطرفين ببعضهما، وإعلانات العداء المتكررة تعني أن العلاقة بينهما لا تخضع لأية قواعد، اللهم إلا موازين القوى الخام؛ وحتى هذه لا يني الطرف العربي يجتهد لتعديلها، فيما الطرف الإسرائيلي لا يفعل شيئا غير تعزيز اختلالها. تفترض هذه الإيديولوجية أن الشكل الطبيعي لهذه العلاقة هو الحرب (وتميل إلى تصور الحرب ذاتها كحرب مطلقة، لا تنضبط بأية قواعد)، وأنه ليس ثمة أية التزامات متبادلة بين الأطراف. ومن أصول هذه الإيديولوجية أن العرب طرف واحد، وأن العلاقات الرسمية بين بعض دولهم وإسرائيل هي شذوذ عن قاعدة يفترض أن الدول التي لا تقيم علاقات كهذه تمثلها. والسند المذهبي لهذه الإيديولوجية هو الفكرة القومية العربية كما تبلورت في خمسينات القرن العشرين وستيناته.
الإيديولوجية الثانية هي إيديولوجية الخيانة أو العمالة. هنا تبدو العلاقات العربية الإسرائيلية منتمية إلى عالم سري، ويبدو أن الأنظمة العربية كلها، أو على الأقل معظمها، وبالتأكيد بعضها، تقيم علاقات خفية مع الكيان الذي تجاهره العداوة. قبل بعض الوقت صرح مسؤول سابق في دولة مشرقية أن إسرائيل تدعم النظام الذي كان انشق عنه الرجل. غرض كلامه نزع الشرعية عن نظام أضحى يناصبه العداء، تماما كما أن غرض إيديولوجية المواجهة هو ترسيخ شرعية النظم الحاكمة. فيما أول ما تفعله النظم هذه حين ترسم سياساتها في العالم الواقعي هو وضع مبادئ تلك الإيديولوجية جانبا، والانطلاق تلقائيا من وجود التزامات وضوابط ولو غير مكتوبة تجاه العدو. وتقع بعض أخطر اضطرابات النظام حين تميل أطقم حاكمة في المنطقة إلى مطابقة السياسة العملية مع الإيديولوجية المشرعة (عراق 1990-1991 مثلا، وسوريا اليوم). هذا ينطبق على الدول العربية التي يحكم عليها ضعفها بأن تعيش منفصمة الشخصية بين مبادئها المفترضة وسياستها العملية.
وتنتهي مثل هذه الاضطرابات إلى إعادة تحكيم "مبدأ الواقع" في السياسات وترسيخ الشرق أوسطية والفصام العربي فيها.
سند إيديولوجية العمالة هو أيضا الفكرة القومية العربية، التي باتت عائقا أمام إدراك الواقع.
مشكلات البلاد العربية تشرح بأنها نتيجة المواجهة مع إسرائيل وحليفها الأميركي المنحاز أو نتيجة تآمر أنظمة عربية مع إسرائيل وتبعيتها للولايات المتحدة. سياسات الدول إما بريئة تماما، بحيث يكفي حل "الصراع العربي الإسرائيلي" حتى تتحسن فرص التنمية وتلغى حالات الطوارئ وتزدهر الحريات... أو هي وحدها المسؤولة بحيث يكفي تغيير النظم الحاكمة حتى تحل المشكلات نفسها ونفتح الطريق لاسترجاع الأراضي المحتلة وشكم إسرائيل. يغيب عن هذه الصورة أنه مذ تكونت صورة النظام الراهنة، في أعقاب حرب 1973، لم يعد التغيير السياسي في البلاد العربية قضية محض داخلية. وما اعتراض إسرائيل على تغيير بعض الأنظمة، ونصحها الأميركيين بكبح جماح "ثوريتهم" الديمقراطية الشرق أوسطية، سوى مؤشر على خروج قضية تغيير أنظمة المنطقة من أيدي سكانها لتغدو قضية شرق أوسطية، أميركية إسرائيلية عربية.
ما تخفق في شرحه إيديولوجية المواجهة هو المظاهر المتكررة للتفاهم بين الأطراف وتعايشها والتزامها حدودا في سلوكها (المراعاة الأمنية المتبادلة بخاصة: أمن إسرائيل وأمن النظم العربية)، وما تخفق في توضيحه الإيديولوجية العمالة هو مظاهر الصراع والتوتر والعنف الحقيقي أحيانا بين الأطراف. وهو عنف وصل مرارا إلى حرب حين مست أطراف عربية أسس النظام.
من الموقع الأميركي يرتدي النظام الشرق أوسطي قناعا جغرافيا. الشرق الأوسط إقليم جغرافي يقع في جنوب غرب آسيا، يصادف أن البترول ينبع منه، وأن إسرائيل تتوضع فيه، وأن أكثرية سكانه مسلمون، وجميع نظمه السياسية دكتاتورية. الولايات المتحدة غير موجودة بداهة. كل ما يفعله الأميركيون على مستوى العلاقة العربية الإسرائيلية يندرج ضمن "عملية السلام" وكل أوجه سياستهم على مستوى العلاقة مع دول المنطقة تتصل بـ"تعزيز الديمقراطية". لا يختفي في هذه الصورة الدور التأسيسي للأميركيين في استقرار النظام واستمراره فقط، ولا ما يختزنه من عنف هائل وتراتب مفروض بالقوة لمصلحة إسرائيل والنظم الموالية فقط، وإنما مفهوم الشرق الأوسط كنظام إقليمي تدين السيادة فيه للأميركيين. تبدو مشكلات الشرق الأوسط نابعة إما من موقعه أو من ثقافة شعوبه أو من طبيعة نظمه السياسية. 11 أيلول الذي رسخ النظام على قواعد من العداء والعنف والوحشية هو فعل غير عقلاني نبع من تكوين غير عقلاني لمنطقة الشرق الأوسط. احتلال الولايات المتحدة موقع السيطرة على تفاعلات النظام والاستفادة العظمى منها يغيب من ساحة التفكير المعلن للدبلوماسيين ومراكز البحث الأميركية، أو يعتبر من طبائع الأمور المحايدة سياسيا.
من الجهة الإسرائيلية تقوم الإيديولوجية المعتمدة على أن سياسة إسرائيل موجهة بصورة ثابتة نحو السلام مع جيرانها الذين لم تخترهم، وأن الجيران العرب كانوا على الدوام يديرون ظهورهم لمفاتحاتها السلمية، معتصمين بنزعة رفضية عقيم. وهم يتحينون الفرص للانقضاض على إسرائيل ورمي اليهود في البحر. وأن الإرهاب الذي تواجهه هو ثمرة طبيعية لعدم القبول بوجودها بحد ذاته. أميركا تظهر ضمن هذه الإيديولوجية كوسيط نزيه بين إسرائيل والعرب في أحسن الأحوال، وكقوة ضغط على إسرائيل في أسوئها. لا تغيب كل مبادرات السلام العربية، ولا الاختلال الهائل في ميزان القوى بين "الدول العربية مجتمعة" وإسرائيل، ولا النفوذ الأميركي على معظم الدول العربية التي يفترض أنها تعادي إسرائيل، بل كذلك الاتفاقيات الموقعة والتفاهمات الضمنية ودور إسرائيل في الحفاظ على الأوضاع القائمة في بلاد العدو ذاتها.
تخفي إسرائيل النظام الشرق أوسطي القمعي وراء إيديولوجية سلامية، فيما تخفيه النظم العربية وراء إيديولوجية مواجهة (التخوين وجه آخر للإيديولوجية نفسها). الدول الكسيحة، العاجزة عن الحرب، لا تكف عن الكلام عن المواجهة، فيما الدولة القلعة التي تملك، أو يملكها، جيش مفرط التسلح والجاهزية تثابر على الكلام على السلام. ليس تفسير الأمر صعبا. كلام النظم العربية موجه لشعوبها التي تشعر بظلم فادح بهدف تأكيد شرعية مشكوك بأمرها، فيما الكلام الإسرائيلي موجه نحو العالم الحساس لقضايا الحرب والعدوان لتحميل الأطراف العربية مسؤولية عدم الاستقرار في الشرق الأوسط. أما شرعية حكوماتها فمبنية على الانتخابات الحرة والمساواة بين اليهود وحكم القانون، وشرعية نظامها السياسي على كفاءته التنموية والأمنية ونجاحه في استيعاب الحداثة والمشاركة في العولمة، فيما شرعية كيانها ليست موضع مساءلة من قبل اليهود، وأكثر دول العالم.
يبقى أن دمقرطة الشرق الأوسط هي دمقرطته كنظام قائم حاليا على القوة الخام، ولا رأي لأكثرية سكانه في هياكل السلطة المحلية والإقليمية والدولية المتفاعلة فيه والتي تصنع مصيرهم. أما نقل الديمقراطية إلى دول المنطقة دون معالجة للمسألة الإسرائيلية والسيادة الأميركية فلن يتكشف إلا عن أوهام مكلفة وقصيرة الأمد.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن الأمن المطلق والمقاومة المطلقة وزيغ الحداثة
- محنة المثقفين السوريين بين أهل التخوين وأهل الاعتقال
- بين ليبراليتين في سوريا: -ليبرالية موضوعية- بلا وعي ذاتي، و- ...
- في صدد خصائص ثلاثة لليبرالية الجديدة العربية
- الليبرالية والديمقراطية والحداثة السياسية
- في أن الغرب طائفي، وأن موقع العقل الكوني شاغر
- إطلاق سراح الماضي لقطع الطريق على ثمانينات جديدة...
- احتلال الجولان وانتقاص مقومات الوطنية السورية
- تحت ظلال العار..!
- ميشيل كيلو وولادة المثقف السوري
- من -العروبة أولا- و-سوريا أولا- إلى الوطنية الدستورية
- -انغماس في العيب- حقاً!
- أوربا ومخاطر انفجار قيامي للشرق الأوسط
- خارج السلطة: تحول موقع الماركسية الثقافي
- تساؤلات بصدد الحرب الأهلية والحرب الطائفية
- في أية شروط تغدو الطوائف فاعلين سياسيين؟
- من سلطة غير دستورية إلى أخرى
- إعادة تنشيط التمركز الأمني للسياسة السورية
- هل يمكن للمقاومة الانتحارية أن تكون شرعية؟
- مقاربتان حولاوان في التفكير السياسي العربي


المزيد.....




- مصر.. ساويرس يرد على مهاجمة سعد الدين الشاذلي وخلافه مع السا ...
- تصريحات لواء بالجيش المصري تثير اهتمام الإسرائيليين
- سيدني.. اتهامات للشرطة بازدواجية المعايير في تعاملها مع حادث ...
- ليبيا وإثيوبيا تبحثان استئناف تعاونهما بعد انقطاع استمر 20 ع ...
- بحضور كيم جونغ أون.. احتفالات بيوم الجيش في كوريا الشمالية ع ...
- بلينكن يأمل بإحراز تقدم مع الصين وبكين تتحدث عن خلافات بين ا ...
- هاريس وكيم كارداشيان -تناقشان- إصلاح العدالة الجنائية
- ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟
- عراقيل إسرائيلية تؤخر انطلاق -أسطول الحرية- إلى غزة
- فرنسا تلوح بمعاقبة المستوطنين المتورطين في أعمال عنف بالضفة ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - أقنعة النظام الشرق أوسطي المتعددة