اغتراب الغربة 11/15

محمد البوزيدي

الحوار المتمدن-العدد: 1601 - 2006 / 7 / 4 - 08:07
المحور: الادب والفن
    

في الصباح الباكر ودعته عن بعد بعد أن سلمته لأحدهم الذي أركبه جانبا، لقد قدمته كأنه أخ الشاف الطيب وجاء يبحث عنه .
رحب به، أحس رشيد أن الطيب يتميز بموقع خاص، بدأت الشاحنة في التحرك، كانت الطبيعة خلابة رغم قساوة البرودة ،ولتفادي أي حديث أو حوار مع السائق، فضل التظاهر بالخلود للنوم خاصة أن الشرطة موجودة في كل الطرقات .
هاهم يقتربون من احد الحواجز التي انتصب فيها أربعة رجال شرطة أشداء، خاف في البداية لكن تدارك الامر وتجلد، ولتفادي نظراتهم أو تساؤلاتهم خلد للنوم مرة أخرى وراء احد المقاعد .
وقفت الشاحنة في الحاجز كان ينتظر إيقاظه لكن أفراد الشرطة اكتفوا حسب ما فهم من سياق اللغة الإسبانية بالمزاح مع السائق الذي سلمهم هدية خاصة عبارة عن زجاجات من الفودكا الإسبانية
بعد ساعة عرجوا على طريق ثانوية حتى ولجوا إحدى المزرعات
أشار عليه السائق بشخص بعيد يدخن السجائر ويلبس قبعة حمراء، إنه الطيب، فرح لأنه لم يقدمه له مباشرة حتى لا تنكشف الحيلة ومن يدري فقد يتنصل منه الطيب، ترجل وسط العمال الذين تساءلوا عن هذا القادم الجديد .
• سلم عليه قائلا:صباح الخير السي الطيب .
• ابتسم الطيب مستغربا صباح الخير أخويا بخير
• أحس براحة نفسية للتواصل والعبارات المستعملة فيه .
• بعتثني عندك فاطمة اللي مزرعة كابيكو .
• مرحبا ياك لا باس كاين عندها شي مشكل .
• لا
توقف مرتبكا، خفض رأسه للأسفل في الوقت الذي اقترب بعض الأوروبيين من الطيب عرج به لمكان آخر وشرع في الكلام معه كأنه يعرفه من زمان، ويحدثه عن احد العمال الخاصة بالمزرعة للتمويه
• متى جيتي من المورو
• المورو ؟
• آه مازلت ما عرفت اللغة ديالنا المغرب
• يومين وجيت عندك االسي الطيب تدخلني لشي خدمة اللا يبارك فيك
• من أين أنت ؟
• من وارزازات وأنت أسي الطيب
• من تنغير على سلامتك ستراح هاد يومين ويكون خير .
أخذه الطيب لغرفته الخاصة ناصحا له بالإستراحة والخلود للنوم
19
هاهو في مقره الجديد، ياللعار كما صاح عوض أن يجد نفسه في قسم أو مكتب محترم أو أمام تلاميذ تشع من أعينهم براءة الحياة ليساهم في تنشئة الأجيال القادمة، هاهو يصبح مجرد رقم داخل مزرعة لجني العنب الذي تصنع منه الخمور،
كسجن كبير ،تنتصب ،لا للخروج ،لاحركة ولاكلام ،فبالإشارة يتواصل ويتفاهم مع رؤسائه الغلاظ الشداد ،الذين لا يتحرجون من مطالبته بالعمل أكثر مما تتحمل قواه الفاترة التي أنهكها التعب النفسي الذي يتعرض له منذ مدة ليست بالقصيرة .
تبعد المزرعة ب عشرين كيلومتر من مدينة قاديس، وتقع على مساحة سبعون هكتارا ويعمل بها أكثر من أربعمائة عامل جلهم دون أوراق إقامة بل حتى دون هوية خاصة، يختبئون عند الباطرون الذي لا يدفع لهم إلا ما يسدون به رمقهم وجزء من الحد الأدنى للأجور مقابل صفقة تقضي بمساعدتهم على تسوية لإقامتهم بعد عملهم لمدة معينة تختلف حسب جدية وعمل وقوة المهاجر .
تنقسم الضيعة لسبعة أجنحة، وكل جناح يشرف عليه إسباني ونائبه يكون بمثابة صلة الوصل مع العمال ومترجم غالبا ما تكون وضعيته قانونية، كما أن أجره المتوسط الذي يتجاوز الحد الأدنى بقليل يجعله عين الباطرون على الشافات الإسبان وعلى العمال في آن واحد، وفي كل جناح تختلط الجنسيات لمنع كل اتفاق أو انسجام بين من تجمعهم نفس الوضعية ويتواصلون بلغة سلسة درءا لكل الاحتمالات .
وبقرب المزرعة أقام صاحب المزرعة مساكن بلاستيكية للعمال وقد جزأها لجزأين ، ويطلق عليها العمال شابولا-وزودها بطاقات شمسية لتوفير كهرباء وصنبور للمياه قادم من المزرعة ويختلط أحيانا ببعض المواد الكيماوية التي تحتاجها النباتات فيستهلكها الإنسان وإن كان يعتقد أنها قد تضر بصحته.....لا بديل آخر .
ومن داخل المزرعة أقيم جناح خاص لحرث الخضراوات التي يقتات منها العمال المهاجرون، أما الخبز فالمخبرة التي تبعد عنهم ب ثلاث كيلومترات تتكلف بإحضار أكثر من ألف خبزة يوميا أغلبها تكون مطهية منذ البارحة و مرجوعات المقاهي، أما باقي المواد الغذائية فتوزع شهريا ويقتطع ثمنها من الأجر الشهري للعمال .
وكل شابولة تقيم به جنسيات محددة ،ولكل عامل رقم معين وبطاقة تتبع تضبط فيها جدية عمله وتاريخ التحاقه ،ويتم إسقاط ذلك الرقم بعد ستة اشهر،إذ فيه يخضع للمراقبة كما يكون المردود المالي يوازي المبلغ الذي سيدفعه الباطرون للمافيات التي تتكفل بالحصول على الوثائق اللازمة لتسوية الوضعية القانونية ،إذ أن صاحب المزرعة ليس سوى واسطة بين المافيا والمهاجر مقابل عمولات ضخمة يتلقاها من الطرفين ليبدأ تاريخ جديد هو المعتمد في المزرعة لدراسة طلبه في إطار التسوية بناء على كوطا خاصة يتحكم فيها الباطرون بتنسيق مع عميد البلد الذي ينتمي له العمال المهاجرون.
أما الالتحاق بالعمل فلا يتم إلا بعد تدخل وموافقة زعيم الجالية، لذا فرشيد لم يكن ليأخذ مكانه إلا بعد تزكية الطيب له وهو عميد المغاربة هناك، ومن طبعه تزكية المغاربة فورا والاعتناء بهم حتى ولو كانوا ضيوف شرف في زيارة خفيفة، وإن كان الطيب مازال يخضع بدوره لفترة تدريب من طرف الإسبان تمتد شهرين لتقلد هذا المنصب، لتعليمه أبجديات اللغة وكيفية التعامل مع العمال لضبطهم والتحكم فيهم ،وقد أهله للعمل سلوكه وتفانيه وخبرته في العمل ،كما سبق له استضافة فيليبي في بيته بالمغرب يسوما ما.
ظل رشيد تائها لمدة شهر فلم يحفظ الطريق المؤدية للجناح الذي يعمل فيه إلا بعد تدريبات عدة، كما كان ينسى بسرعة التوجيهات الموجهة له من رئيسه المباشر وهو من جنسية كونغولية مما جر عليه صرا عات عدة كان يتدخل فيها الطيب لصالحه وإلا لكان قد طرد منذ الأسبوع الأول .

#محمد_البوزيدي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات