أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمانة القروي - بائع الماء














المزيد.....

بائع الماء


جمانة القروي

الحوار المتمدن-العدد: 6637 - 2020 / 8 / 5 - 10:08
المحور: الادب والفن
    


حاولت أمي العثور في تلك الغرفة المهدمة على ما يسد رمقنا نحن الأطفال الأيتام الستة، الذين مات والدهم شهيداً في إحدى معارك الدفاع عن الوطن وغبنت حقوقه. فكرت بأني أكبرهم ولا يمكن أن أقف مكتوف الأيدي وأنا أرى إخوتي الصغار يتضورون جوعاً.
تحت أشعة شمس تموز الحارقة، مشيتُ مسافةً طويلة وبقدمين شبه حافيتين، حتى وصلت إلى منطقة توسمت فيها خيراً، فهي تعج بالناس. استرحمت هذا وذاك من الباعة المتجولين كي أساعده في بيع قناني الماء البارد، استكبر عليَّ معظمهم، إلا واحداً عطف على حالي وساعدني في الحصول على ما سيكون ثمناً لخبز أو رز أو أي شيء يسد رمقنا وأمي.
يومئذ لما عدت إلى البيت، أفرحت أمي وإخوتي بما كنت أحمل لهم من طعام، فأنا لم أصرف من المبلغ الذي حصلت عليه حتى اجرة لسيارة تقلني إلى أهلي.
تلك الفرحة التي رأيتها في أعين أمي المسكينة وإخوتي جعلتني لا أتوانى عن العمل في اليوم التالي، بالمكان ذاته من أجل الحصول على بعض المال.
كنت ما أزال أبيع الماء عندما طوقني أربعة من الرجال لا يعرفون الرحمة، اعتقدت أنهم يطلبون شراء الماء البارد، حاولت أن أناولهم بضع قناني الماء، لكن أحدهم فتح القنينة وقذف بمائها على وجهي، مسكني الآخر من ثيابي، التي بالكاد كانت تسترني ومزقها عليَّ، كمم الثالث فمي ثم كبل يديَّ وجروني من الحبل المتين كانسين بجسدي الضئيل غبار الأرض، سحبوني إلى إحدى زوايا تلك الساحة التي يتجمع فيها الشباب المطالبين بحقوقهم، دون أن أعرف ما هي جريمتي أو ذنبي، نزلت ضربات العصا الغليظة على ظهري لتلهبه، عروني من ثيابي تماماً وأصبحت كما ولدتني أمي، اجتمع عليَّ آخرون بملابسهم العسكرية وكروشهم الكبيرة وقلوبهم القاسية، اندلقت الكلمات البذيئة من أفواههم النتنة، وبأصوات فظة وقحة، ونظرات استفزازية حارقة، طوقني الخوف والهلع، كل ما كان يهمني حينذاك أن لا يعتدوا على شرفي، شيء في أعماقي أخذ يغلي وأنا أسمعهم يلوكون شرف أمي ويلطخون ثوبها الأبيض، صارعت كثيراً في أتون تلك النار التي تأججت في داخلي، أردت أن أصرخ في وجوههم، "أمي امرأة مكافحة بشرف لم يلمس أحدٌ طرف ثوبها النقي، ولم يلوثها ضنك العيش ولا الفاقة".
وقتذاك لم أكن أشعر حتى بالسكين الحادة التي كانت بيد أحد الأوغاد وهي تبتر شعري وتقطع فروة رأسي، ورغم ضجيجهم وأصواتهم المزعجة، إلا أني كنت أسمع طقطقة أضلاعي وهي ترتعش من رنين كلماتهم الداعرة عن أمي، تلك الكلمات التي أشعلت ثورة كامنة في غور روحي كادت أن تقتلني، لم تعد تهمني خناجر وسكاكين الإهانة، صارعت كثيراً في بحر هائج من الشتيمة والسباب، بلعت قهري وصمتي، فكل ما كنت أفكر به أن يكفوا عن النيل من شرف أمي، المرأة النقية ويتوقفوا عن انتهاك حرمتها.



#جمانة_القروي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الهروب
- لاعب الشطرنج
- رحيل صامت
- الصرخة
- ضمأ
- ابريق الشاي
- اكفان خضراء
- الفقدان
- الخباز
- قصة قصيرة بعنوان الكنز
- قصة قصيرة عناقيد العنب
- قمقم الذكريات
- الاقحوان الحزين
- شبح الغربة
- الضرس
- الغول الاحمق
- من لايعرف ماذا يريد ( رؤيا نقدية حول رواية سميرة المانع الاخ ...
- قصة قصيرة بعنوان الزنابق البيضاء
- قصة قصيرة - القرار..
- مبدعون عراقيون في المنافي ( 5 ) [ الدكتور رشيد الخيون ]


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمانة القروي - بائع الماء