|
تونس : الوضع دقيق .
فريد العليبي
الحوار المتمدن-العدد: 6628 - 2020 / 7 / 26 - 17:45
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الوضع دقيق والرؤية غائبة ، اللوحة قاتمة والليل بهيم زاحف ، والضباب كثيف. الجميع تقريبا موقن أنه أصبح غير قابل للتحمل ، في السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة والأخلاق . وبينما ينشغل تجار الأزمات باستثمار الانهيار لكسب الربح يبحث الشعب في تاريخه وجغرافيته عن منابع قوته، لكي تنتصب قامته مثل نخلة قادرة على السير في الدروب السهلة والوعرة . حكومة حلمت بالبقاء خمس سنوات فماتت خلال أشهر قليلة ، رئيسها الذي اعتقد أن نهايتها بعيدة استيقظ ليجد أن أجلها قد حان ولم يبق الا وضعها في الكفن ، أحزاب النظام تتصارع على وراثتها ، و مناورات ومماحكات لا تنتهي فصولها في النهار الا لكي تنطلق مجددا في المساء ، تتحالف ثم تتخاصم، تتقارب ثم تتباعد ، تتضامن ثم تتقاتل . برلمان ميت مثل جثة يتصارع الدود داخلها على ما بقي من لحمها المتعفن، وبعض ذئاب تنظر اليها بخبث ، فقد نهشتها ولم يعد لها فيها ما يُغري بمواصلة أكلها فقد اقتسمتها ولم يبق الا بعض لحم يكسو عظامها فاستعدت للمغادرة ، بينما يسمع في الأرجاء طنين ذباب . رئاسة دولة تبحث بين الرفوف عن أسلحتها فتجدها في صواريخ جاهزة للانطلاق وعندما يتكلم ساكن قصرها عن المؤامرات الخفية، التي يتعانق في حبكها ونسج خيوطها أشرار الداخل والخارج ، تدرك أن الملفات التي أمامه خطيرة، والا ما تكلم بتلك العبارات ، يلومه بعضهم على عدم البوح بحقائقها ولكنه يضحك في سره ليقول إن وقت كشفها لم يجن بعد ، وأن الأهم من الإفصاح عنها هو افشالها واحباطها ، حتى لو كانت أحلاما أو أضغاثها ، سلاحه حتى الآن الدستور، ولكنه يحتفظ بأسلحة أخرى يمكنه الدستور نفسه منها ، وقد اختار في أحيان كثيرة ساحة تحذير السابحين في بحيراتها الراكدة باحات المؤسسة العسكرية ، وكان الجنود الواقفين قبالته يرددون تصميمهم على المواجهة ، بما يعنى أن معارك كبيرة على وشك أن تندلع.
شعب حزين و متعب ، تم وضع أعز ما فيه من قوة، ونعني شبابه على هامش التاريخ فتدافع بين أمواج البحر المتلاطمة للنجاة بجلده في برور أخرى ، وبين ميت في أعماق اليم وميت في غياهب سجن ، هناك بعض الناجين الذين تنتظر الدولة منهم بعد سنين مورد رزقها من العملة التي يصعب عليها الفوز بها . يقول الحكام إن الوضع دقيق ، ولكن ليست هذه هي المرة الأولى التي يعبرون فيها عن ذلك ، فقد رددوا تلك الجملة مرارا وتكرارا ، كما أن حلولهم المقترحة لإصلاحه هي نفسها بين لحظة وأخرى من لحظاته ، مثل تكوين حكومة مصغرة ومحاربة الفساد ، واغلاق باب الانتداب في الوظيفة ، وتشجيع الاستثمار ودعم المؤسسات الصغرى والمتوسطة ، والاقتصاد التضامني وأخلقة السياسة ، والتوقيع على مواثيق الشرف ، ولكن دون نجاح يذكر. يقول الشعب أيضا إن الوضع دقيق ، ولكن قواه الحية المغلولة يداها لها حلول أخرى، مثل تغير النظام السياسي والاقتصادي جملة وتفصيلا ، بقطع يد " الخارج " ويد " الداخل " الشريكين في الاستغلال ، بناء السيادة الوطنية وحمايتها وتوزيع الثروة بالعدل ، الاستثمار الوطني رئيسيا في الصناعة والفلاحة والصحة والتعليم والثقافة ، تصرخ دماء الشعب في عروقه مستعدا للموت لكى يعيش الوطن ويحقق تلك الآمال ، ويلعق جراحه ،ويتعافى جسده ، وتتجسد أحلامه في الحرية والعدل . لقد جربت حلول الحكام فلم تأت بغير المزيد من المعضلات ، وبقي تجريب حلول الشعب ، ولكن التجربة في التاريخ غير التجربة في مخبر علم ، فهى تتعلق باستراجيا العمل ، وفق ما تفرضه موازين القوى ، قد تأتي تلك الحلول اليوم وقد تأتي غدا ، ولكن مجيئها لا ريب فيه ، ووقتها فإن تونس القادمة ستصبح حقيقة واقعة ليرقص الشعب..
#فريد_العليبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تونس : غيوم سياسية .
-
تشتت اليسار في تونس ووحدته.
-
الفأس والرأس .
-
تفجير المغرب العربي .
-
البكاء السياسي .
-
تونس : من هو الرئيس ؟
-
الرّجال الحمر
-
تونس : ست ملاحظات حول اللقاء التلفزيوني مع رئيس الحكومة
-
كورونا كمفارقة
-
هلع البرجوازية الكمبرادورية .
-
العريضة الوطنية لمجابهة كورونا .
-
كورونا لسان الكون .
-
عريضة تونس حول سوريا .
-
حقائق الكورونا وأساطيرها.
-
تونس : حكومة الوضوح وإعادة الثقة .
-
الحرب بين قرطاج وباردو هل تقع ؟
-
تونس والدستور الثالث.
-
خطة أردوغان العربية
-
ماذا يريد أردوغان ؟
-
تونس : حكومة المخاتلة .
المزيد.....
-
بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير
...
-
الجيش الأمريكي يعلن تدمير سفينة مسيرة وطائرة دون طيار للحوثي
...
-
السعودية.. فتاة تدعي تعرضها للتهديد والضرب من شقيقها والأمن
...
-
التضخم في تركيا: -نحن عالقون بين سداد بطاقة الائتمان والاستد
...
-
-السلام بين غزة وإسرائيل لن يتحقق إلا بتقديم مصلحة الشعوب عل
...
-
البرتغاليون يحتفلون بالذكرى الـ50 لثورة القرنفل
-
بالفيديو.. مروحية إسرائيلية تزيل حطام صاروخ إيراني في النقب
...
-
هل توجه رئيس المخابرات المصرية إلى إسرائيل؟
-
تقرير يكشف عن إجراء أنقذ مصر من أزمة كبرى
-
إسبانيا.. ضبط أكبر شحنة مخدرات منذ 2015 قادمة من المغرب (فيد
...
المزيد.....
-
في يوم العمَّال العالمي!
/ ادم عربي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|