أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - سعد سلوم - تسونامي عراقي لكل يوم















المزيد.....

تسونامي عراقي لكل يوم


سعد سلوم

الحوار المتمدن-العدد: 1594 - 2006 / 6 / 27 - 09:46
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


ركوب حافلة داخل العراق تجربة تختلف عن مثيلاتها في العالم،فليس هناك صمت ريثما تصل الحافلة الى نقطة انطلاقها، بل تنفتح شهية النقد والشكوى والسخرية. والاستماع لاحاديث الحافلات نشاط رصدي مهم يتفوق على نتائج استطلاعات الرأي العام المشكوك بمصداقيتها، بل يخيل لي احيانا ان غرفة الحافلة تمثل روح الشعب أكثر مما تمثلها قاعة البرلمان،وموضوعات الساعة تلقى تعليقات وتحليلات ممتعة وطريفة،بحيث افكر بأن شعبا لم يمارس السياسية مثلما نمارسها نحن(داخل الغرف المقفلة المتنقلة!)،من محاكمة صدام مرورا بتشكيل الحكومة ومقتل الزرقاوي،الجميع محملون ومثقلون بالرأي والغضب واصبح اشبه بالموضة ترديد عبارة (أحنا بزمن الديمقراطية) في حال حدوث خلاف بوجهات النظر،ولست أبالغ اذا ذهبت الى ان الشعب لايتعلم الديمقراطية من حوارات المثقفين على شاشات الفضائيات،ولا من لقاءات السياسيين،ولا من مناقشات اعضاء البرلمان، بل من خلال حوار الكيات والحافلات.واذكر انني كنت اركب يوميا مع شيخ جليل متفاءل بأطلاق، لا يمل من ترديد الصلوات بأن العراق بقعة مباركة بالمقدسات والاولياء والائمة والصالحين وانه ببركة كل ذلك سيظل محروسا من الزلازل والفيضانات والاوبئة و الشرور والخراب.وحين ضربت موجات التسونامي منطقة جنوب شرق اسيا ظل شيخنا متمسكا بتفاؤله لكنه دعا هذه المرة (أحنا بس الله يخلصنا من تسونامي البشر وشيجي من رب العالمين مقبول).
وجريا مع منطق شيخنا الجليل ، اريد أن افرق بين نوعين من التسونامي،الاول طبيعي يحدث بمشيئة الطبيعة وقدرة الله ، والثاني صناعي يحدث بمشيئة البشر(خليفة الله في الارض)،الاول مصطلح ياباني والثاني لعنة عراقية بأمتياز،فـ(تسونامي) كلمة يابانية الاصل تعني موجة خليج او موجة ميناء .ومن فرط تعرض اليابانيين لكوارث بيئية مرعبة تمخضت عنها موجات التسونامي فقد اطلقوا هذا الاسم الغريب على هذه الظاهرة المدمرة،ويجري اليوم استخدام التسونامي في وصف الامواج البحرية الناجمة عن زلازل.واكبر عدد من كوارث التسونامي(الطبيعية) يتولد في المحيط الهادىء المعروف بـ(حزام الزلازل)نظرا لوجود اكثر مناطق الارض تعرضا للهزات والرجات.كما ان اكبر عدد من كوارث التسونامي(الصناعية)يتولد في الشرق الاوسط في منطقة دعنا نسميها(حزام الكوارث)نظرا لوجود اكثر مناطق الارض تعرضا للازمات والحروب والخراب.وهناك تسونامي خاص بكل دولة من دول الشرق الاوسط:تسونامي ايراني،تسونامي سوري،تسونامي لبناني،تسونامي فلسطيني،تسونامي مصري،لكن التسونامي العراقي يتميز بتنوع موجاته واختلاف ارتفاع جدار الخراب الذي تحدثه،فهناك تسونامي البعث وهناك تسونامي الفرهود وهناك تسونامي الاحتلال،وكان من آثار خراب السواحل العراقية تفريخ عدد من التسوناميات التي لاينتهي عددها،تسوناميات الميليشيات والجماعات المسلحة ،تسوناميات الفساد الاداري وغيرها من التسوناميات المصنعة في دول الجوار او المخترعة من قبل امراء الارهاب ونخب استغلال الفراغ السياسي.
التسونامي البعثي كان موجة ايديولوجية عملاقة تتكون من مد للفكر الشمولي استمر لاكثر من ثلاثة عقود ورطت سواحل العراق بثلاث حروب مدمرة وسبب طوفان حروبها وقمعها الموت لمئات الالاف من العراقيين وشردت الكثير من العوائل على امتداد سواحل العالم وثمة اساطير وحكايات حول تفاصيل اهوال هذا التسونامي لدرجة يصبح فيها من الصعب التمييز بين الوقائع والخرافات.وهناك تسونامي الفرهود الذي تظهر امواجه بشكل متقطع في فترات الازمات والفراغ السياسي ويكون اشبه بانتقام وتشف من التسونامي الحكومي ،وهناك التسونامي الاميركي الذي كان يهدف الى القضاء على تسونامي اسلحة الدمار الشامل وتخليص الساحل من امراض الشمولية الدكتاتورية فانتهى به الامر الى الانضمام للحمى التسونامية والمشاركة في حفلة التخريب الازلية في منطقة حزام الكوارث الشرق أوسطية.
تدفعنا دراسة ظواهر التسونامي الصناعي الى القول بأن كل تغيير في الجو الساكن لمناخ التاريخ والاتجاه به نحو منحى جديد يأخذ صفة التغيير الثوري ويتلازم ذلك مع برق العنف ورعد الارهاب واشتداد ريح التخريب والابادة،أي مع احداث أثار تسونامية لامحالة.ويبدو أن العنف الملازم لتسونامي الثورات والتحولات التاريخية يأخذ سمة بنيوية وليس عرضية اطلاقا منذ الثورة الفرنسية وحتى يومنا هذا ،ففي الثورة الفرنسية يضرب مثال حادثة فاندى 1793 حيث قام الثوريون بهولوكوست مريع ضد المتمردين فذبحوا النساء والاطفال في سبيل اجتثاث اعداء الثورة حتى ان المؤرخ الفرنسي بيير شونو ذهب الى ان قوات الثورة الفرنسية قامت بعملية أبادة كانت في فظاعة الابادة النازية واشد فاعلية منها وقال جنرال الثورة الفرنسية وسترمان"لقد دست على الاطفال بسنابك خيلي وذبحت النساء حتى لا يلدن أي معاد للثورة بعد ذلك".نستنتج من ذلك ان تسونامي الثورات يتلازم بالضرورة مع الهولوكوست وان العنف لن يكون انحرافا او سمة عرضية بل هو سمة بنيوية او ظاهرة حتمية ترافق كل عملية تغيير للواقع واعادة بناءه كما ان هناك قانونا مناخيا عاما يحكم تسونامي الثورات يلخصه الشعار المعروف المستقى من تجربة تسونامي الثورة الفرنسية(الثورة تأكل ابناءها).
التسونامي الاميركي اليوم(بوصفه ظاهرة ثورية) تحكمه تقاليد مختلفة بعض الشيء فهو مأخوذ بالنزعة الاستهلاكية وحمى التسوق لذا نشأ طبقا لآلية تصدير التسونامي الداخلي للخارج فكل الدول التي تعاني حالة اختناق وتوتر تستطيع احداث نوع من التفريغ لرياح الفوضى المحملة بغيوم العنف وتصديرها للخارج،وهو ما يطلق عليه التسونامي الاميركي اسم(خلق عدو خارجي).وكان كتاب صدام الحضارات لهنتنغتون اشبه بالدليل السياحي للعاصفة القادمة اذ يقترح الكونفوشيوسية والاسلام كعدو بديل للشيوعية فعلى موجات المد البحري ان تتجه الى مشرق الشمس هذه المرة،لذا لم يكن غريبا ان يقوم التسونامي الاميركي المتوجه نحو سواحل الشرق الاوسط بعد انهيار البرجين التؤام في نيويورك 2001 على منطق مفاده ان مجتمعات الشرق الاوسط مجتمعات خاملة ثقافيا وراكدة سياسيا فلا بد من خلخلتها وتحريكها برياح التدخل العسكري المباشر او ممارسة الضغوط بغيوم المطر المحتملة او العواصف الرعدية الدبلوماسية حتى يحصل نوع من التغيير الجيوسياسي العام للمنطقة سيما وأن النظرة التي تحكم هذا المنطق تنطلق من رؤية استشراقية ترى في المنطقة تجمعا لاقليات دينية وعرقية عاجزة عن التعايش مع بعضها البعض ضمن مشروع دولة وطنية،ويطلق على استراتيجية هذا التسونامي تسمية(الفوضى الخلاقة) حيث يميل التسونامي هنا الى تغذية الصراعات والانقسامات بين هذه الاقليات وصولا الى تبني فكرة الهدم الكامل ثم البناء من جديد أي العودة الى المرحلة صفر قياسا على التسونامي الذي نشأت على انقاضه الولايات المتحدة أو التجربة المكونة(على حد تعبير أدوارد سعيد)،حيث قام المد الهائل للمهاجرين الاوائل بأجتثاث السكان الاصليين من الهنود الحمر وتم بناء الدولة على انقاض جماجمهم.كما نجح هذا التسونامي في تحقيق اهدافه خلال القرن العشرين فهناك امبراطورية الرجل المريض(العثمانية) التي عصفت بها التسونامي وفتتتها الى جزر ودول منفصلة كما شارك المد في اغراق جزيرة هتلر النازية بعد الانتصار خلال الحرب العالمية الثانية وبعد اسقاط قنبلتي هيروشيما ونكازاكي اغرقت جزيرة الامبراطور الياباني ثم تم الشروع ببناء مجتمعات جديدة وهو التحدي المطروح منذ 2003 بالنسبة للعراق نظرا للعديد من التسوناميات المضادة للتسونامي الاميركي على طول سواحل العراق مع دول الجوار التسونامي.
أصابني التفكير ضمن افق الكوارث الصناعية والطبيعية بالاحباط من مصير الانسان ومستقبل العالم ،فرصد نشاط الانسان اليومي يثبت يوما بعد اخر ان الانسان اشد المخلوقات تسونامية على وجه الارض وانه يستطيع معالجة الكثير من الخراب والكوارث اذا ما حاول لجم هذا الوحش الكاسر في صدره، فتسونامي الجوع يقتل 1200 طفل كل ساعة،وتسونامي الفقر يطمر خمس البشرية بمعيشة على أقل من دولار في اليوم في الوقت الذي ينفق فيه بعض الناس في الطرف الاخر من العالم دولارين في اليوم على فنجان من الكابوتشينو،وتسونامي المخدرات يولد 250 بليون دولار دولار سنويا يجري غسلها او استخدامها لتمويل الصراعات المسلحة التي تفتك بالبشرية ولتمويل المزيد من الانشطة غير المشروعة،وتسونامي الجريمة العابرة للحدود يقدر معدل تدوير أمواله بمبلغ تريليون دولار بأرباح تقدر بمبلغ 500 بليون دولار وشيئا فشيئا يحول هذا التسونامي المرعب عملياته الى أنشطة أجرامية أكثر تطورا تشمل تكنولوجيا المعلومات والقطاع المالي فضلا عن الاتجار بالبشر حيث تتراوح تقديرات عدد ضحاياه ما بين 700000 والمليونين في السنة معظمهم من النساء والاطفال والفقراء فقرا شديدا.وبذات الوقت الذي يصنع فيه الانسان انواعا عديدة من التسوناميات تتضافر انواع اخرى(طبيعية) لتعميق مشهد الخراب الماثل فتسونامي الايدز قتل اكثر من 22 مليون شخص ، ثلاثة ملايين منهم عام 2000 وحده وفي الوقت الحالي يوجد أكثر من 36 مليون شخص مصاب بالايدز وهناك بوادر توحي بأن تسونامي انفلونزا الطيور يتطور على نحو سيصيب 40%من سكان العام وعلى قتل اعداد تفوق التصور(معظمهم من الدول الفقيرة) وهو يعيد الذكرى السيئة والمخاوف التي رافقت الاصابة بالانفلونزا الاسبانية التي قتلت 50 مليون شخصا بين عامي 1918-1919.عودا على مقولة الشيخ الجليل،رفيقي في الحافلة، فأن كلا منا يحمل في داخله تسوناميه الخاص واذا استطاع ترويضه وابعاده عن سواحل الاخر،يمكن حينها ان تنتهي نصف مشاكل العالم،وفي بلد كالعراق تتجمع فيه جميع انواع التسوناميات المصنعة بشريا ليس لنا سوى ترديد دعاء شيخ الحافلة الجليل(اللهم خلصنا من تسونامي البشر وشيجي منك مقبول).



#سعد_سلوم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكومة سرية لشعب علني:اسئلة قديمة على طاولة حكومة جديدة
- عبد شاكر وقضية الحوار المتمدن
- حين تسقط التاء عن الثورة
- من نحن؟الهوية الضائعة بين العراق التاريخي والعراق الاميركي
- عام مسارات
- من يسرق النار هذه المرة؟
- هل من غاندي أو مانديلا عراقي؟ الانتخابات وعملية البحث عن رمز ...
- حرية الصحافة والاعلام في الدستور العراقي
- حرب قصف العقول وكسب القلوب:الحلقة السادسة
- حرب قصف العقول وكسب القلوب:الحلقة الخامسة
- حرب قصف العقول وكسب القلوب:الحلقة الرابعة
- حرب قصف العقول وكسب القلوب: الحلقة الثالثة
- حرب قصف العقول وكسب القلوب:الحلقة الثانية
- حرب قصف العقول وكسب القلوب:الحلقة الاولى
- المحافظون الجدد في بابل:الحلقة الخامسة
- المحافظون الجدد على ارض بابل:الحلقة الرابعة
- المحافظون الجدد على ارض بابل:الحلقة الثالثة
- المحافظون الجدد في بابل الحلقة الثانية
- المحافظون الجدد في بابل الحلقة الاولى
- محاكمة العقل السياسي الأمريكي


المزيد.....




- عداء قتل أسدًا جبليًا حاول افتراسه أثناء ركضه وحيدًا.. شاهد ...
- بلينكن لـCNN: أمريكا لاحظت أدلة على محاولة الصين -التأثير وا ...
- مراسلنا: طائرة مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة في البقاع الغربي ...
- بدء الجولة الثانية من الانتخابات الهندية وتوقعات بفوز حزب به ...
- السفن التجارية تبدأ بالعبور عبر قناة مؤقتة بعد انهيار جسر با ...
- تركيا - السجن المؤبد لسيدة سورية أدينت بالضلوع في تفجير بإسط ...
- اشتباك بين قوات أميركية وزورق وطائرة مسيرة في منطقة يسيطر عل ...
- الرئيس الصيني يأمل في إزالة الخصومة مع الولايات المتحدة
- عاجل | هيئة البث الإسرائيلية: إصابة إسرائيلية في عملية طعن ب ...
- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - سعد سلوم - تسونامي عراقي لكل يوم