المحافظون الجدد في بابل:الحلقة الخامسة

سعد سلوم

الحوار المتمدن-العدد: 1362 - 2005 / 10 / 29 - 12:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

(من برج بابل الى برجي نيويورك)
اذا كانت احداث الحادي عشر من ايلول قد دمرت برجين عملاقين في نيويورك، وتركت ساحة مانهاتن درداء، تشهد على انهيار البروج بما تحمله من دلالات رمزية وحضارية، فما الذي دفع بلد البرجين المنهارين الى ان يقطع المسافات الشاسعة لتحتل البلد الذي كان يوما ما يزينه برج بابل الذي انهار ذات يوم في حدث درامي بلبل الالسن وفرق الشعوب الواحدة الى اقوام وجماعات متناحرة.
كان الارهاب الذي ضرب امريكا في 11 من ايلول بمثابة لحظة محددة لمسار رئاسة جورج بوش وطبيعة السياسة الخارجية الامريكية على حد تعبير مؤلفي كتاب التفرد الامريكي وكانت الابعاد النفسية للحدث وتأثيره المدمر على الشعب الامريكي-نقطة الانعطاف التي فرضتها ادارة الرئيس بوش- وكان على الادارة المذكورة الرد حيث اجتمعت الاعتبارات الامنية والسياسية. وفي هذه اللحظة الفريدة وفيما كان الرئيس جورج بوش يسعى الى ربط الحدث برد استراتيجي تحرك المحافظون الجدد من خلال نائب الرئيس تشيني ووزير الدفاع رامسفيلد لتوسط الملعب.وكان من نتائج ذلك ان برز نشاط المحافظين الجدد بالنسبة للمحافظين المعتدلين والديمقراطيين وكأنه اختطاف للسياسة الامريكية ترك اثاره السلبية على الاجماع الدولي الذي حازت عليه الولايات المتحدة في اعقاب احداث 11 من ايلول وجعل من تحركاتها الخارجية منزوعة الشرعية في نظر حلفائها واصدقائها لا سيما بالنسبة للموقف من العراق.
ويذهب رتشارد كلارك في كتابه (في مواجهة جميع الاعداء) أن بول وولفوفيتز نائب وزير الدفاع كان خلال شهور طويلة يؤكد بأن الهدف الرئيسي يجب أن يكون «الإرهاب العراقي» لا القاعدة، وهذا رغم أن دوائر الاستخبارات الأميركية لم تعثر على أي دليل على تبني العراق لعمليات إرهابية ضد اميركا.غير أن هجمات 11 ايلول منحت وولفوفيتز وكثيرين من أمثاله ممن كانوا طوال التسعينات يرغبون بمهاجمة العراق، الفرصة لتحويل تركيز الرد الأميركي من القاعدة إلى العراق. حتى انهم وصفوا العراق بأنه أكبر خطر يهدد الأمن القومي الأميركي.
الا ان ما لايمكن ان نغفل عنه هو ان اهتمام المحافظين الجدد بالعراق يرقى الى تاريخ سابق لاحداث 11 من ايلول حيث يكشف مؤلفا كتاب التفرد الامريكي ان اهتمام فولفويتز صوب العراق يرجع الى السبعينيات حيث كان محللا شابا في البنتاغون وادار تقييما سريا سنة 1979 للتهديدات في الخليج توصل الى ان العراق يشكل تهديدا لجيرانه وللمصالح الامريكية.كما اشار ريتشارد بيرل ايضا الى العراق قبل وقت طويل من حرب الخليج الاولى 0 وراى وجوب ان لاتتسامح الولايات المتحدة مع صدام حسين في اعقاب تلك الحرب كما انه رأى ان العراق ربما يمثل الامل الافضل في تحقيق تجربة ديمقراطية في بلد عربي لان شعبه مثقف ومتقدم وعانى من اهوال الحكم الشمولي. الا ان طموح الحافظين الجدد الامبراطوري المرتبط بارض الرافدين ادى الى الاضرار بالولايات المتحدة و اخذ يعزلها شيئا فشيئا عن المجتمع الدولي وقد ذهب انتوني كوردسمان(استاذ في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية-واشنطن) في تقرير قدمه أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الامريكي يوم الاول من شباط 2005 وترجم في مجلة المستقبل العربي العدد 313 بعنوان(نحو استراتيجية امريكية فعالة في العراق)، 2005، ، الى انه ربما يكون المحافظون الجدد في أمريكا كارثة قومية تامة في تشكيلهم للسياسة تجاه العراق، وهذا في الواقع الفعلي ينطبق على كل جانب آخر من السياسة الخارجية كان لهم تأثير فيه.وكانت الفكرة القائلة بأن العراق سيظهر فجاءة كإنجاز ناجح يحول الشرق الاوسط نحو الافضل هو مجرد تخيل لم يفعل شيئا اكثر من البرهنة على مدى انفصال المحافظين الجدد في أمريكا عن الواقع.واخيرا نختتم موضوعنا بملاحظتنا انه بين تاريخ انهيار البرج الاول-في بابل- واللحظة الدرامية لانهيار البرجين التؤامين-في نيويورك- انعقد الظفر للفرقة والنزاع والاحتكام لسياسة استخدام القوة بما يضيق من حدود عالمنا الروحية وربما يكون الامل في دعوة متأخرة او مثالية لكن لا بد من تلاوتها بالقول: ان المسافة الحضارية بين خمسة الاف عراقية وخمسمائة عام امريكية تفصل بين لحظتي الانهيار بالمعنى المشحون بالدلالات الروحية والتاريخية قد يكون مناسبة هنا وعلى ارض الحضارات-بلاد ما بين النهرين- لعقد حوار تاريخي جديد بين تراث الانسانية القديم ومستقبلها القادم ، والطريق الى الوحدة الانسانية قد يمر من ارض بابل مجددأ.

#سعد_سلوم (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل