أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نايف سلوم - المدينة المسحورة














المزيد.....

المدينة المسحورة


نايف سلوم
كاتب وباحث وناقد وطبيب سوري

(Nayf Saloom)


الحوار المتمدن-العدد: 6570 - 2020 / 5 / 21 - 14:44
المحور: الادب والفن
    


أنا الدكتور "لامدا" وقد سمّاني أبي بهذا الاسم وكان مدرساً للفلسفة في الجامعة العليا، مفتوناً باللغة اليونانية. ولأنّي ولدتُ في اليوم الحادي عشر من الشهر القمري الحادي عشر (ذو القعدة) وهو ما يوافق الحرف الحادي عشر من اللغة اليونانية (لامدا أو لامبدا( ، ورسمه باليونانية:λάμδα ؛ هو أحد حروف الأبجدية الإغريقية، وترتيبه الحادي عشر. يأخذ الحرف شكلين الكبير (Λ) و الصغير (λ) في نظام الأرقام اليونانية لامدا لديه قيمة عددية 30 . يرتبط لامدا بالحرف الفينيقي لاميد ، وبالحرف العربي لام.
اعترضت أمي ، وهي ربة منزل، على الاسم لكن سرعان ما انحلت معارضتها وتلاشت. وعرفتُ لاحقاً عندما كبرت أنها لطالما كانت تشتهي تسميتي ب"مال" لحبها للنقود والتسوُّق.
لن اطيل عليكم أيّها الأحبة بالحديث عن نفسي وسيرتي ، لأن ما دفعني في واقع الحال إلى هذا الحديث ، ليس العُجْب بالنفس ، ولا الزهُوّ؛ فأنا لا أملك شيئاً لنفسي، ولكن الذي دفعني وأشجاني هو هذه اللعنة التي ضربت المدينة التي أعيش فيها ، وأمارس مهنتي بين أهلها وناسها.
بالمختصر المفيد: درست الطب وكان اختصاصي ب"أمراض المفاصل والروماتيزم والعضلات" . كنت أشكو دوماً وأتبرَّم من قلة المرضى والمراجعين. فالناس أصحاء وفي حركة دائبة ، وكانت هذه الصحة تثير حنقي المهني من حين لآخر ، فأضع عندها على صدري مقابل القلب لزقة طحين مُبرّد علّها تُطفئ حنقي.
حتى جاء ذلك المساء المشؤوم الغريب ، جاء ومعه مريض يشكو من أعراض لم أر لها نظيراً من قبل!: التصاق في رؤوس الأصابع الثلاثة (الإبهام والسبابة والوسطى) مع تجمّد خفيف في عضلات الوجه كمن يعاني من برد شديد ، أو برداء(بَرديّة) ، مع اصطاك خفيف في الأسنان وهمهمة عند الكلام مرفقة بابتسامة غامضة كتلك التي نراها على وجه لوحة دافنشي(الجوكندا) مع تحوير بسيط : هي ابتسامة على قرب من حافة السخرية.
المهم، وأنتم تعلمون أيها الأحبة أن وضع تشخيص لمرض غامض كهذا المرض يحتاج لأخذ قصة مَرَضيَّة ، واستقصاء في الماضي والحاضر. لكن ما أعاقني في استقصائي وأعاق أجوبة المريض هو ذلك التشنج الغريب في عضلات الوجه والفكين، فاستعنت على ذلك بجهاز الكتروني ، كان قد أرسله لي صديق قديم يعيش في أمريكا، له أزرار ملوّنة بعدد منازل القمر الثمانية والعشرين، يعمل على خاطر المريض. فإذا سألت المريض وخطر خاطر بباله يختار بشكل تلقائي- آلي زراً لا على التعيين ، فيظهر جزءاً من صورة على شاشة عرض ملونة أمامي.
لقد نسيت أن أخبركم عن حال المدينة في هذه الأيام، (وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ )[الكهف: 63 ] . لم أخبركم أن المصالح تعطلت في المدينة ، والجيوش توقفت عن اطلاق النار، وحتى الاتصالات تأزّمت ونقصت واضطرب كل شيء ، وقعدت المدينة المنهكة وهي تضع يدها على خدها كأرملة عظيمة. بقول آخر، كأن شللاً كبيراً ضرب مفاصل المدينة، وعليكم بقبول عذري لكوني استعير عباراتي من مجال اختصاصي بالمفاصل الذي برعت فيه من دون زبائن .
المهم، لن أطيل عليكم ، وبعد سلسلة من الأسئلة المكثفة والتفصيلية ، راحت الشاشة أمامي تُظهر شخصاً طويلاً طولاً فيه مبالغة كبيرة أخضر اللون مع بقع سوداء اشبه بعيون فارغة، حولها رسوم ، أو بدقة أكبر، وشم ميزتُ بين رسومه شكل عين كأنها عين تمساح أو شكل صفر بالعربية(0) وهرم مقطوع الرأس يشع من رأسه المقطوع ضوء أحمر خافت مشؤوم يكاد يضيء نفسه فحسب، أو كأنّه بقايا نار تثقب الظلام من بعيد! ولقد ميزتُ أيضاً صورة رجل كأنه حاكم لبلد كبير، وحروف رومانية كأقدام الفيلة.
كان الشخص الذي ظهر أمامي على شاشة العرض طويلاً بشكل مبالغ فيه ، وكان يتلوى كحية شجر خضراء مرقّطة ، برأس أخضر وعينان فارغتان كمحجري جمجمة ، ولسان طويل أحمر كالنار مشقوق عند نهايته كلسان أفعى وأسنان كبيرة قوية بيضاء كحبات البَرَد ، وشدق كبير وشفتان غليظتان.
وسأفضي لكم بسريرتي، فما أن اكتملت صورة هذا الكائن الأخضر الطويل حتى شعرت بشيء من الخوف والجوع.
وأنا على هذا الحال مع مريضي الوحيد راح رأس الليل يشيب ، تخالط سواده خيوط الفجر البيضاء . كانت المدينة المرهقة تتنفس بصعوبة ، وأصوات الأذان المعتادة مع الفجر تأتي عبر نافذة العيادة على شكل همهمات عريضة فظّة تزداد شدتها بالتدريج ، كأنها همهمات حشد من الجنود المتقدمين بعناد وإصرار.
ومع استيقاظ الجميع تبين لي لاحقاً أن الوباء الخطير قد ضرب المدينة بالكامل واقعدها عن العمل.
الحق أقول لكم! أنني شعرت بالخوف والجوع ، وهذا الشعور المزدوج لم يوزرني منذ سنوات طوال . المهم ، نقلت صورة الشخص الأخضر على موبايلي الشخصي ، ووضعت له اسماً حتى استحضره وقت اللزوم ، وكان الاسم "الساحر الأخضر" . وأنتم أيها الأحبة تعرفون تمام المعرفة ، وربما أكثر مني بكثير، كيفية عمل أجهزة الموبايل التي تعتمد تقنية اللمس، ولشدة انفعالي بالمرض اللعين، فتحت مجلد الصور ولمست أيقونة "الساحر الأخضر" ، كبّرتُ الصورة بأصابعي وسبابتي فزادت الهمهمة في المدينة حدة وشدة ، لكن كم كانت دهشتي عظيمة وجديدة ، أنني حين صغّرت الصورة وأنقصت حجم "الساحر الأخضر" إلى الثلث، كم كانت دهشتي حين انخفضت الهمهمة وكادت أن تلامس حدود التلاشي . عندها فقط تبينتُ أن المدينة مسحورة بهذا الشيء الأخضر الموشوم المشؤوم ، فتهيأتُ لرصد حركاته وسكناته ومسلكه، وأعددتُ خُطّة لرُقْيَة هذا الشبح الشرير.



#نايف_سلوم (هاشتاغ)       Nayf_Saloom#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقد الفرويدية
- الماركسية وتأسيس علم نفس موضوعي*
- اللوغوس -ذي القرنين-
- نقد نظرية -نمط الانتاج الكولونيالي-
- إضاءات خاطفة على كتاب «ماركس ومجتمعات الأطراف»
- ماركس - انجلز وتهمة الاستشراق
- عرض كتاب هاري ماجدوف: -عصر الإمبريالية-*
- عرض كتاب بول باران - بول سويزي -رأس المال الاحتكاري-*
- عرض كتاب بول باران: -الاقتصاد السياسي للتنمية -
- في نقد إطراء البورجوازية الليبرالية
- بحث في -مأساة الحلاج-
- كوميديا -لوبّاخين- أمير روسيا الرأسمالية المتأخرة (قراءة في ...
- تعليقات على مسرحية -سفر برلك -*
- ديالكتيك نمط الإنتاج والتشكيلة الاقتصادية- الاجتماعية
- المتنبي وهاملت
- مأساة هاملت أو الوليمة المسمومة
- الزمن الموحش- دراسة نقدية
- قراءة -المفتش العام- ل غوغول
- عائد إلى حيفا- تعليق هوامش بسيطة
- قراءة في -طقوس الإشارات والتحولات-*


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نايف سلوم - المدينة المسحورة