|
تشكيل الحكومة العراقية ومرحلة البناء
عبد الحسين العطواني
الحوار المتمدن-العدد: 6564 - 2020 / 5 / 15 - 12:46
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
د.عبد الحسين العطواني لايختلف اثنان على ان الاحزاب العراقية الحاكمة لم تنجح في تادية ادوارها الوطنية وبرامجها السياسية التي اعلنت عنها والمطلوبة منها ، والاستمرار في تأدية ادوارها الالهائية والمدائحية والاستمرار في ترويج الاكاذيب ودغدغة المشاعر وفي الاستخفاف بمستوى ادراك رجل الشارع باعتبارها اللغة واللعبة الوحيدة التي تتقنها الى الآن ، بل ان نجاحها لم يتحقق الا بتغيير اساليبها وفعاليتها عن طريق الحقيقة – للمجتمع الداخلي ، واضحة بلا رتوش مصحوبة بروح التضحية والثقة في تجاوز المحن والازمات ، وبالحلول والافكار والمساهمات الفعلية لتي تساعد على تصحيح الاخطاء والتفوق على الكبوات . وبهذا المعنى استرق النظام العراقي من الديمقراطية مايفيده لاعادة انتاج الطائفية لتستخدم مصدر غني للديمقراطية وليس العكس ، في مجتمع يختلط الولاء الديني بالمنهجية السياسية ، لذلك اصبح من الصعب على هذه الطوائف ان تعيش في حيوية دينية وتقيم التصاقا بينها في الحياة العامة ، لاسيما عندما يمتلك بعضها افضلية على البعض الاخر من حيث الولاء الخارجي ، ووسائل الضغط ، وغيرها من الاساليب الاخرى بغض النظر عن المبررات ، دون ان ترتكزعلى عقد اجتماعي اومسار تحرري استقلالي تتخلى فيه الفئات عن امتيازاتها لتعيد الدولة توزيعها على المجتمع ، ومن هنا يمكن القول فان الواقع العراقي تلقف فكرة الديمقراطية والتعددية الحزبية دون تلقف شروطها ، واصبح من الصعب على المرء ان يزعم بان المشروع العراقي كان يعمل على تقوية الدولة . من خلال حكم المحاصصة التي عملت على ارسائها التدخلات الخارجية ، والضغط بتنصبت الانظمة والرموزالحارسة لمصالحها الاستراتيجية في البلاد ، ولو وجدت هذه الدول ضيرا في هذه الرموز في التعامل مع مصالحها ، لعملت على استبدالها منذ اليوم الاول لتنصيبها . واصبحت اغلب القوى السياسية في هلوسة مستدامة نتيجة عقم في فهم الواقع السياسي واصول السياسات ، بدعوى ان طبيعة الحكم في هذا البلد لايمكن اخذه الا بصيغة التعددية الطائفية وان البعض يبالغ في القدرة على امكانية التغيير ، وانعكس الامر على تعثر تشكيل الحكومة رغم الجهود الحثيثة من قبل المكلفين لهذا الغرض باعتماد برنامج الاصلاح لحل الازمة ، على قاعدة الابتعاد عن المحاصصة الطائفية السياسة ، والغاء الامتيازات ، وتوظيف الكفاءات ، والقضاء على الفساد ، وانشاء الخدمات لتصبح عاجزة امام ضغوط الكتل والاحزاب البرلمانية ، ويظهر الصراع واضحا على تقسيم المغانم بين هذه القوى كاستحقاق انتخابي لايمكن التنازل عنه ( لتمويل احزابهم ) . هذا الخلاف بين الكتل والاحزاب في اعلى الهرم الفكري والسكاني لايمثل القاعدة الجماهيرية العريضة لذلك الهرم والتي لاتزال متمسكة بأنتمائها وهويتها ، وهو خلاف مايعالج هموم تلك القاعدة ولا يتناسب مع اهتماماتها ، وخسر المجتمع نهضته العلمية وخسر فاعليته الحضارية ، وخسر ادواته النهضوية ، وانتهت صراعاته الطائفية لاغالب ولامغلوب ، وبهذه الخصوصية الفكرية والايديولوجية ، كانت حافلة ا لمجتمع العراقي المتهورة تشق طريقها نحو منحدر المستقبل المحفوف بكل صنوف المخاطر والتحديات والمآزق الشرسة ، وهي غير مزودة بأبسط وسائل السيطرة . لذلك لم تنجح تجربة العراق الديمقراطية الى بناء نموذج عصري , بل كونت افكارها ومواقفها بما تستدعيه مصالحها الشخصية والاستحواذ على السلطة واتخاذ القرار ، ورافضة لحقيقة انتصار الطرف الاخر بروح تسامحية ، بسبب سوء الرؤية وعدم الوضوح في الهدف ، او بسبب الاخفاق في اختيار الوسائل وفي تحديد النتائج ، وأبت الا ان تتعامل مع تلك الفرصة النادرة بعقلية قائد المركبة المتهور ، ومحجمة عن التعاون الايجابي مع الطرف المنتصر بدلا من الانجراف وراء مصالحها وقناعاتها الفكرية المضادة الى مصالح الطرف الاخر وقناعاته ، اشبه ما تكون بتلك الحافلة البائسة ، وبدلا من ان تنسق هذه الاطراف جهودها وتتعاون معا لانقاذ الحافلة وانقاذ انفسهم ، فقد كان الخاسرون في الحكم يتعنتون في سبيل افشال جهود الرابحين ، وكان الرابحون يتعنتون في سبيل اهمال قدرات الخاسرين ، دون اعطاء الاهمية لخطر التتدهور المحدق بالمجتمع ، بل كانوا لايبخلون لاحباط المحاولات الناجحة عن الوصول الى هدف اعادة البناء واعادة الثقة واعادة الروح ، او يعيقوا حركتها ،كي لاتسجل كانجاز لهذا الطرف او ذاك ، وبهذا التحارب الشقاقي ، بقيت صورة المجتمع دائما حافلة بالمخاطرواصبحت قيادتها تواجه صعوبة بالغة ، لا لكي تصل الى محطتها الاخيرة بأقل قدر من الخسائر ، ولكن لئلا تنحرف من مسارها وتتدهور وتتحطم ، وهي ماتزال في اول الطريق ، هذا الخلل في الفهم ، وهذا العجز في التطبيق ، هو ذلك الجهل نفسه الذي يولد العداوات بين الفرقاء , وهو الذي قاد المجتمع بالتبعية الاقليمية والى التدخلات الخارجية ، والى تشجيع حكومة اقليم كردستان التفرد بالقرارات ، والتنصل عن التزاماتها بتسليم عائدتها النفطية لحكومة المركز , والاستحواز على واردات المنافذ الحدودية ، وبالتالي اضاعة الوقت على ارض الواقع في الصراع الفكري ومفاقمة الشرخ بينهم ، لتبتعد عن الوصول الى صيغة مناسبة ومقبولة ومجدية لمحاولة اعادة البناء واعادة الثقة ، من خلال تقبل الاخر واحترامه ومن ارضية الاحتكام الى الحوار العقلاني القائم على الحجة وعلى الدليل العلمي ، لا على المساجلات الفارغة والوطنيات المزيفة والملغومة التي تروج لها بعض وسائل الاعلام المأجورة . لذلك من المفترض بهذه الكتل ونحن نستبشرخيرا انشاء الله بحكومة جديدة ، توحيد الصف بجميع فئات المجتمع وجماهيره واطيافه الفكرية والدينية والاثنية ، ويجب ان تتناسى الشروخ التي تفصل بينها ، وان تتفق على الوقوف في خندق النهوض ، لاسيما وان العراق يتعرض حاليا الى هجمة داعشية جديدة تهدف الى احتلال مدنه واعادته الى الصراعات الطائفية على خلفية تصويت البرلمان بخروج القوات الاجنبية ( في اجواء امريكية غامضة بين اسناد سري للدواعش ، وتأييد علني للكاظمي) ، وهذا الهدف يجب ان يمثل عنوان برنامج العمل للمرحلة البنائية المقبلة، وفق معطيات البرنامج الدفاعي والاعماري المطروح من قبل حكومة الكاظمي لانقاذ البلد ، وبناء عليه فأن هذا البرنامج يجب ان لا يكون قابلا للاحتكار من قبل فئة على حساب فئة اخرى ، بل بمعيار المصلحة العظمى للمجتمع ، ويكون الخلاف مرفوضا ومحكوما عليه بعدم الصلاحية وبعدم الجدوى ، وبذلك تبقى الخلافات الايديولوجية والفكرية والعقيدية مجرد قناعات شخصية لاصحابها المخلصين لقضيتهم ولمبادئهم ، وان لا يكون مكان بين هذه الصفوف لمن لديهم اطراف يعملون لصالحها ، لتكون المصالح الاستراتيجية الكبرى للمجتمع ، وهي مصالح يحتاج تحقيقها الى تضحيات والى صبر والى استشراف للمستقبل والى التمرحل الممنهج في بلوغ الاهداف ، والابتعاد عن صراع المصالح ، ولو كان ذلك على حساب تأجيل بعض القناعات الضيقة والمكاسب التي لاتحقق نموا حقيقيا في الناتج المحلي ، سوى تحقيق الاطماع الشخصية والتوسعية ونهب ثروات البلد على حساب الفقراء والمحرومين .
#عبد_الحسين_العطواني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الكليات الاهلية العراقية
-
المفاعل النووي الإيراني والحشود الأمريكية
-
مشاركة القطاع الخاص في مجال الكهرباء وآليات التنفيذ
-
التحولات السياسية واساليب التغيير
-
عندما تنحرف الاحتفالات والتقاليد الاجتماعية عن مسارها
-
ديمقراطية العراق .. وتشكيل الحكومة
-
تبعية الاعلام وانعكاساتها على المجتمع
-
التظاهرات العراقية .. ومحاولة الالتفاف على شرعيتها
-
الاسئلة الوزارية .. ومردودات التسرب
-
الديمقراطية.. بين الهيمنة السياسية والتسقيط
-
الا نتخابات القادمة .. ودور المواطن
-
المآتم .. بين التفاخر والقيم الاجتماعية
-
الفساد بين القانون والتكليف
-
عقود الكهرباء مع القطاع الخاص .. نعمة أم نقمة
-
عقود الكهرباء مع القطاع الخاص .. نعمة أم نقمة ؟
-
توتر العلاقات الاقليمية .. من المسؤول
-
عندما تنتهك السيادة .. يفعل الدستور وتبرز القيادة
-
الاستفتاء ضرورة .. أم بداية لتقسيم العراق
-
قراصنة الفساد انهكت ونهبت ميزانية البللاد
-
مصرف الرشيد يطلق التسليف وفرع الكهرباء يؤخر التسليم
المزيد.....
-
عداء قتل أسدًا جبليًا حاول افتراسه أثناء ركضه وحيدًا.. شاهد
...
-
بلينكن لـCNN: أمريكا لاحظت أدلة على محاولة الصين -التأثير وا
...
-
مراسلنا: طائرة مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة في البقاع الغربي
...
-
بدء الجولة الثانية من الانتخابات الهندية وتوقعات بفوز حزب به
...
-
السفن التجارية تبدأ بالعبور عبر قناة مؤقتة بعد انهيار جسر با
...
-
تركيا - السجن المؤبد لسيدة سورية أدينت بالضلوع في تفجير بإسط
...
-
اشتباك بين قوات أميركية وزورق وطائرة مسيرة في منطقة يسيطر عل
...
-
الرئيس الصيني يأمل في إزالة الخصومة مع الولايات المتحدة
-
عاجل | هيئة البث الإسرائيلية: إصابة إسرائيلية في عملية طعن ب
...
-
بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير
...
المزيد.....
-
في يوم العمَّال العالمي!
/ ادم عربي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|