أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حكيمة لعلا - يوميات الحجر (15 ) وجها لوجه- الجزء 3















المزيد.....

يوميات الحجر (15 ) وجها لوجه- الجزء 3


حكيمة لعلا
دكتورة باحثة في علم الاجتماع جامعة الحسن الثاني الدار البضاء المغرب

(Hakima Laala)


الحوار المتمدن-العدد: 6554 - 2020 / 5 / 4 - 03:48
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


إن من الأشياء التي تغيب الفقر الذاتي عند مجموعة من الفئات هي مزاولتها لأعمال يومية تضمن لها حماية نفسها وأسرها من الفقر المادي المطلق. في مدينة الدار البيضاء انتشرت مجموعة من الفيديوهات لإحياء وأسواق غير مهيكلة لم تستجب للحجر الصحي الإجباري زمن الكوفيد 19. في أحدهم عن أحد الأسواق الغير المهيكلة تظهر مجموعة كبيرة من النساء و الرجال يزاولون التجارة بشكل مستمر بعين المكان، دار النقاش بين السلطات التي تطالب بالإفراغ احتراما للحجر الصحي الإجباري وبين البائعات والباعة الذين يرفضون ذلك. تقول سيدة أم لأربعة أطفال مطلقة تشتغل بائعة مند 16 سنة: ( نحن مداومون على هذا المكان ، أنا اشتغل هنا منذ أربعة عشرة سنة، ليس لدي مكان آخر أرحل إليه للعمل). تضيف: (ربما في إجابة عن قول لرجل السلطة). نحن خارجون للضرورة القصوى ، نحن نغامر بحياتنا، نحن لسنا خارجين من أجل اللهو أو للتسكع، تضيف بائعة أخرى: (نحن خائفون على حياتنا وبمجرد انتهاء عملنا واحتراما للوقت نحن نعود إلى بيوتنا، نطلب من الله الستر، لقد أنهكنا التعب، نحن نقضي وقتا طويلا تحت حر الشمس ،-راه الشمس أكلت لحمنا- نحن لسنا من أولئك الذين يخرجون بدون غرض، ربما هم لا يخافون، نحن لا نخرج إلا للحاجة.)، يتدخل أحد الباعة ليقول أنه يشتغل في ذاك السوق منذ ثلاثين سنة موضحا وضعية الكثير من الباعة والبائعات قائلا: (أن كل الباعة لهم ما بين خمسة وسبعة أولاد، أنا عندي خمسة ، كيف لي أن أضمن لهم غذاءهم ... وجوابا لسؤال من رجل السلطة حول خوفه من المرض يرد قائلا أنه يخاف الجوع فقط، يخاف أن يموتوا من الجوع، مستطردا: (لدي خمسة أطفال كيف لي أن أوفر لهم غداءهم بدون عمل)، وفي إجابته عن المساعدة أكد أنها ليست كافية ولا تضمن لهم توفير الحاجيات ، مؤكدا في نفس الوقت أن الكثير من الباعة الذين عندهم بطاقة الراميد (الخدمة المجانية الطبية) لم يحصلوا عليها. هذا التصريح دعمته بائعة أخرى قائلة: ( الناس ليسوا خائفين من كورونا، إنهم خائفون من أن ينقطع رزقهم أن يموتوا جوعا هم وأبناؤهم، إن الناس تغامر بنفسها وبحياة أبنائها، نحن نشتغل هنا، نحن نسترزق يوميا لكي نعيش ونضمن الأكل لأبنائنا، نحن خائفون من عدم القدرة على تأدية واجب كراء المنزل، لدينا فاتورات الماء والكهرباء، هم حقا لم يأتوا هذا الشهر، ولكنه دين علينا وعلينا تأديته لاحقا).
إن ما نستخلصه من أقوال فئات الهامش هو الحاجة الماسة إلى العمل، أن حياتهم موقوفة على عملهم اليومي، نستخلص كذلك الخطاب الموحد بين هؤلاء، فهم يعبرون عن واقع مشترك دفعهم لخلق تضامنا عضويا للاحتماء من شطط الحياة ومن السلطة. إن هاته الأحياء الفقيرة تعيش شبه منغلقة، لها نظام داخلي للحي مبني على التكافل والصراع، فهي ترفض الغريب والدخلاء وتتحالف ضد الغريب. تعتمد على تدبيرها الداخلي في تدبير الأزمات التي يعيشها الحي وأحيانا في مواجهة السلطة. هناك غياب ملاحظ لمؤسسات الدولة في مجال الخدمات بصفة عامة وخدمات القرب بصفة خاصة. إن الدولة في حضورها تمثل في أغلب الأحيان الجهاز الأمني في محاولة تهدئة الأوضاع أو في محاولة تمكن والسيطرة على المكان، في أغلب الأحيان يقابلون بالرفض. إن جائحة الكوفيد 19 لم تغير من الأمر، لم تتغير كثيرا عادات الأحياء الهامشية، بل هي تدبر حياتها اليومية خارج أجندة الحجر، مضطرة للعمل، مضطرة لصيانة مصدر الرزق ومكانه، خائفة أن تستحوذ السلطة على مكان عملها وإجلائها منه أتناء هاته الجائحة مما يؤكد عمق انعدام ثقتهم في السلطة. إن العمل وقت الكوفيد هو المنفذ الوحيد لهؤلاء الباعة في الأسواق الغير المهيكلة أو الباعة المتجولين ، إنه فعل اضطراري ملزم ولابد منه، خصوصا وأن المساعدات التي أعلنتها الدولة، رغم ضآلتها، تأخرت كثيرا.
إن الفقر الذاتي لا يعاني منه فقط العاملين في القطاع الغير المهيكل، بل كثير من العاملين في المصانع والوحدات الإنتاجية المهيكلة تعيش عدم الأمن المادي مما دفعها للاستمرار في العمل في وقت الكوفيد 19. انتشرت في شهر أبريل كثير من الأخبار وثقت بفيديوهات حول مصير العاملين في وحدات إنتاجية مهيكلة. هاته الأخبار همت مدينة البيضاء و مدينة فاس وطنجة والعرائش، ففي طنجة تم إغلاق وحدات صناعة في النسيج والسمك بعدما أعلن عن إصابة 76 عامل وعاملة و بعدما انتقلت العدوى لأسر العاملين. تم كذلك لاحقا إغلاق بعض المصانع بنفس المدينة لعدم احترامها للتدبيرات الوقائية. كثير من الفيديوهات همت هاته المصانع المهيكلة حول نفس الظاهرة في البيضاء ،حول النساء العملات في المصانع مثل عاملات مصنع الدواء بالدار البيضاء ، كان المشهد مؤثرا، ارتفع بكاؤهن وصراخهن حرقة على زميلات العمل المصابات وخوفا على أنفسهن بعد الإعلان أنذاك عن إصابة 111 شخص وفي ما بعد عن 140 إصابة من مجموع العاملين بما فيهم الطاقم المسير أو العاملين. نفس هذا الوضع عاشته الوحدة الإنتاجية للزبدة بنفس المنطقة التي تكونت بها بؤر وبائية، تقاسم الكثير من رواد الصفحات الاجتماعية تسجيلات صوتية للعاملات وهن يعلن أنهن مصابات بحيث أفرزت النتائج الأولية عن 34 حالة، قالت بعضهن أنهن حملن العدوى لأسرتهن. أغلب العاملين هن نساء واغلبهن يتكفلن بأسرهن إن كانوا الأبناء أو الأهل. إن هذا الوضع لايختلف كثيرا عن أوضاع عاملين في شركات أخرى تقول سيدة مهاجرة من جنوب صحراء إفريقيا: (أنا أشتغل في مختبر للأدوية عندما تم الإعلان عن الحجر تعاقد مدير المختبر مع شركة للنقل لكي تنقلنا من منازلنا إلى مكان العمل ولكن بعد أسبوع غير رأيه وطلب منا استعمال وسائل المواصلات العادية، من شدة خوفي وصلت مرات عديدة متأخرة فكان رد فعله هو إعطائي إنذارا و تم توقيفي عن العمل لمدة أسبوع ولست أدري كيف سأدبر الأمر، أفكر فعلا في الانقطاع عن العمل ولكن ليس لي إمكانيات وأهلي لا يستطيعون مساعدتي فهم في بلدي الأصلي. إن الخيار صعب إما المكوث في البيت وليس هناك دخل أو المجازفة والذهاب للعمل وركوب الترامواي مع العلم أنه من المستحيل احترام المسافة الضرورية لاتقاء العدوى، إن ارتياد المواصلات العمومية أو الخاصة هو أكبر خطر أعيشه الآن."
نفس الوضع تعيشه مراكز الاتصال فهي تعيش حالات اكتظاظ قصوى، يقول أحد العاملين:" إن الوضع العادي لمراكز الاتصال لا يسمح لنا بخلق التباعد الجسدي أو الاجتماعي الذي تتطلبه هاته الجائحة. إن الوضع جد حرج فعدد العاملين في المركز الذي أشتغل فيه يبلغ 176 فرد، يشتغلون كلهم في منصة جد صغيرة مقارنة بالعدد، ناهيك أنه لنا مراحيض مشتركة وأماكن مشتركة ولا يمكن تحقيق مسافة الأمن بيننا. إن الشركة اتخذت بعض الاحتياطات مثل التقليل من المتواجدين داخل مكان العمل، كما قررت الشركة اقتناء كل المنتوجات الخاصة بالتعقيم وقدمت إرشادات ولكن هذا غير كاف. أغلب المشتغلين هنا يعيشون ضغطا ماديا ولا يستطيعون منح أنفسهم عطلة بدون أجر.( إن بعض المسؤولين يتحدثون عن صعوبة الاشتغال عن بعد، فهذا يهدد بعض المعلومات السرية لزبنائهم، كما أنه حسب أقوالهم يحاولون تأمين الدخل المادي لعمالهم وكذلك التأمين الصحي، فبدون عمل لا يمكن للمشتغلين الحصول عن أجر أو تعويض من المركز، هذا لا يمنع حسب تصريحاتهم أن المأجورين لهم حق الاختيار في التوقف في هاته الفترة عن العمل ، هم لا يعارضون الأمر ولكن يجب أن يدخل ذاك التوقف في إطار طلب إجازة حسب القانون المعمول به في الشركة أو طلب إجازة بدون أجر. إن أرباب العمل في مراكز الاتصال لا يتحدثون عن الخسائر التي من الممكن أن يعيشونها في حالة إغلاق المراكز، بل هم يفضلون الاستمرارية في العمل أثناء الجائحة وإن شكل ذلك خطرا على حياة مأجوريهم. هم لا يتحدثون أيضا عن الدعوى التي رفعت ضد الرائد العالمي لمراكز الاتصال من طرف فيدرالية النقابات العالمية بسبب الظروف الخطيرة التي يعيشها المشتغلون في مراكز الاتصال.
إن هؤلاء النساء والرجال مرغمون على الاستمرار في العمل في الظروف المتاحة لهم، فهم مجبرون على الاستمرار في العمل أو التوقف بدون أجر أو الطرد. إن هؤلاء يتقاضون أجورا عن الساعات والأيام التي يشتغلونها ، والبعض يتقاضى أجرا حسب الوحدة وليس حسب الساعة، وهناك من يشتغل بشكل غير رسمي، فقد يشتغل أياما ويتوقف أخرى وفقا لحاجيات الشركات، مما يزيد في فقرهم وفي قلقهم.



#حكيمة_لعلا (هاشتاغ)       Hakima__Laala#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوميات الحجر (15) وجها لوجه - الجزء 2
- يوميات الحجر (15) وجها لوجه- الجزء 1
- يوميات الحجر (14) وجها لوجه - الجزء 4
- يوميات الحجر (14) وجها لوجه - الجزء 3
- يوميات الحجر (14 ) وجها لوجه- الجزء 1
- يوميات الحجر (14) وجها لوجه - الجزء 2
- يوميات الحجر (13) وجها لوجه
- يوميات الحجر (12) وجها لوجه- الجزء 3
- يوميات الحجر (12) وجها لوجه- الجزء 2
- يوميات الحجر (12) وجها لوجه- الجزء 1
- يوميات الحجر الصحي (11) وجها لوجه
- يوميات الحجر (10) وجها لوجه
- يوميات الحجر (9) وجها لوجه
- يوميات الحجر (8) وجها لوجه
- يوميات الحجر (7) وجها لوجه
- يوميات الحجر (5- 6) وجها لوجه
- يوميات الحجر (4) وجها لوجه
- يوميات الحجر (3) وجها لوجه
- يوميات الحجر (2) وجها لوجه
- يوميات الحجر (1) وجها لوجه


المزيد.....




- بعد مظاهرات.. كلية مرموقة في دبلن توافق على سحب استثماراتها ...
- تل أبيب.. اشتباكات بين الشرطة وأفراد عائلات الرهائن في غزة
- مقتل رقيب في الجيش الإسرائيلي بقصف نفذه -حزب الله- على الشما ...
- دراسة تكشف مدى سميّة السجائر الإلكترونية المنكهة
- خبير عسكري يكشف ميزات دبابة ?-90? المحدثة
- -الاستحقاق المنتظر-.. معمر داغستاني يمنح لقب بطل روسيا بعد ا ...
- روسيا.. فعالية -وشاح النصر الأزرق- الوطنية في مطار شيريميتيف ...
- اكتشاف سبب التبخر السريع للماء على كوكب الزهرة
- جنود روسيا يحققون مزيدا من النجاح في إفريقيا
- الأمور ستزداد سوءًا بالنسبة لأوكرانيا


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حكيمة لعلا - يوميات الحجر (15 ) وجها لوجه- الجزء 3