أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حكيمة لعلا - يوميات الحجر (10) وجها لوجه














المزيد.....

يوميات الحجر (10) وجها لوجه


حكيمة لعلا
دكتورة باحثة في علم الاجتماع جامعة الحسن الثاني الدار البضاء المغرب

(Hakima Laala)


الحوار المتمدن-العدد: 6529 - 2020 / 4 / 5 - 00:23
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


مدينتي من عمق الصمت والسكون أناجيك، بشجون الفراق أخاطبك وكأن بيننا أميالا من المسافات وأنا في عمق أحضانك أنام وأحيا . ها أنا واقفة بين يديك، أشتاق إلى عناقك وأخاف الاقتراب منك، تنظرين إلي من فوق المباني، من فوق سطح البحر، ذاك البحر الذي كان مرتعا لي. كم تبدين رائعة الجمال في إطلالتك الصباحية ، ولكن صمتك يزداد قسوة ويزيدني تدمرا. غريب أمري كم كرهت كل تلك الأعوام الأخيرة، أحسست أن جفاءك وعجرفتك أصبحت قاتلة، حتى أضحى لي أنك نسيت أهلك ورفاق دربك. أصبح ضجيجك لا يضاهى في الصباح والمساء، كأن سكانك هم زوار دائمون لا يملون ولا يكلون من التجوال والدوران في أزقتك. أكثر مريديك يتسامرون ليلا ويتسكعون، أكثرهم، هوايتهم التسكع حتى يغالبهم النوم ليعودوا في منتصف الليل منهوكي الجسد فينامون وهم يحلمون بمقاهيك الجديدة وأحياءك الفاخرة ومحلاتك التجارية الكثيرة الازدحام. ربما أنت أيضا أتعبوك وأنهكوك، ولا ربما تمنيت آلاف المرات أن يخففوا الوطء على شوارعك وأزقتك، ربما تمنيت أن يذهبوا في رحلات أو عطل طويلة لكي تخلدي للنوم بعد طول العناء. ربما لم تتخيلي مثلي أن يأتي يوم وتحنين إلى الضجيج والصخب الذي أرهقك منذ سنوات. وها نحن نقف في صمت وجها لوجه ، لا أنت قادرة أن تقتربي مني ولا أنا قادرة أن أحضنك، لا أنت قادرة على تقبيلي ولا أنا قادرة على معانقة أشجارك أو المشي على عشبك. كيف سأقاوم لمس الأشجار، كيف سيستطيع كل هؤلاء الذين اتخذوا جدرانك وسادة لتعبهم ألا ينهاروا مرهقين عليها، كيف سيستطيع من اتخذوا أرضك أسرة للنوم لكي يعانقوك بعد تيهان طال كل النهار أن يهجروك. إن مقاهيك يتيمة بعد أن هجرها مريدوها، إن الكراسي حتما اشتاقت لأصحابها، من سيحكي لحيطانها أخبار اليوم ومغامرات الفايسبوك، إن الأزقة والدروب أصبحت مقفرة . السيارات المجنونة مركونة، ربما هي الوحيدة السعيدة بهذه العطلة الإجبارية. وأنا أيضا سأفتقد أتفه عاداتي، كل ما كنت أعتبره حقا لي، حرية لي، هل تدرين أنا سجينة الفيروس والحيطان، لن أذهب للتسكع في أزقتك أو دروبك أو أسواقك المكتظة، لن أباغث أحدا بسؤال قد لا يدري قصده أو غايته أو حتى السبب الذي دفعني لأسائله عن أمر يهمه ولا يهمني. لن أستطيع الذهاب غدا للمشي في البحر حافية القدمين. كل هاته الأشياء التي كانت تبدو لي تافهة أصبحت الآن غالية، جد غالية. كنت كعادتني أريد معاتبتك لأخبرك عن أحوالك المتدهورة ولماذا تنبطحين لكل الموجات ولكل الموضات. إن أتت من الخليج أو الشرق أو الغرب، سألتك يوما كيف تستطيعين الاغفاء في ظل هاته الغوغائية، ولكنك أمسكت عن الكلام منذ أمد بعيد، عندما ضيعوا شوارعك الرائعة واستبدلوها بهامات وقامات معمارية لا تحكي عن تاريخك العتيد، كم أكره فيك صمتك، أغلقوا كل معاقل الثقافة، كل معاقل الفن ولم تنطقي، فهل ستنطقين اليوم؟ هل ستثورين على البذخ والآفة؟ هل ستثورين يوما؟ هل ستسترخين بتعبك وإعيائك؟ ربما أدركت أن صمتك هو صمود ضد الموت والفراغ، ربما أنت صامتة لأنك ولدت من رحم الضوضاء والاختلاف، ربما أنت صامتة لأنك مرتع كل الموجات بشرقها وغربها، ربما لأنك ترفضين الإقصاء والوصم، أنت تخلقين من الجزء جزيئات وتلفيها في ثنايا الكل. فأهلا بكل غريب، فأنت نقطة عبور من حضارة إلي حضارة، أنت سيدة تربعت على عرشها من زمان لتراقب المارين والمقيمين والمتسكعين، أنت أكبر من أن تكوني واجهة ملتفة حول نفسها، أنت هي أنت والآخر والحاضر والغائب، أنت المتعدد في صفة الواحد، أنت المدينة المسافرة في الآخرين، تحومين حولهم، تحومين بهم، ترافقيهم إلى منتهاك الذي لا ينتهي. ولكن هذه المرة، الحدث مرعب، فلا تنامي، قاومي، فنحن نحتاج إليك، إلى عناقك، إلى مواساتك، قاومي، فأنا في حاجة إلى ضجيجك، إنه يعلن الحياة. ربما ولمدة طويلة كانت كل واحدة منا لها رغبة في قذف الأخرى، كان من الممكن أن يقع ذلك في لحظة غضب، ولكنك كنت مناوئة، كنت رحيمة بي. هل تدرين أنني أقف مذهولة لصمتك، لصمت شوارعك، أنا مذهولة أكثر من أمري من ذاك الرفض لنومك العميق ، لسبات البحر والملاهي والحانات والمقاهي وصوت الآذان، كل تلك الأشياء المتنافرة والمتراصة على نفس الرصيف، وقد يلتقي مصلي صلاة الصبح مع عاشق الغناء العائد من حفله المخملي أو مخمورا يصدح بالغناء أو ربما بالصياح. أسائلك كيف نام البحر بدون عشاقه، كيفت نامت أمواج الشط بدون ضجيج الموسيقى؟ كيف دب الخوف إلى أجفاننا، كيف فارقناك ليل نهار؟ ماهذا السبات العميق في مدينتي؟ مدينتي، سباتنا يعلن حبنا وحنيننا إليك، نشد عليك بقلوبنا، نحرسك بجفون عيوننا، نتطلع إلى سمائك صباحا مساء، وننشد لك: هنا نحن باقون وغدا لنا لقاء. فكل ذكرياتنا محفورة على جدرانك، حدائقك ، في الأزقة والشوارع والدروب، في الأسواق وعلى شاطئ البحر، كل ذكرياتنا وحياتنا تعيدنا إليك، فضجيجك لن يرعبني بعد فهو مصدر الحياة.



#حكيمة_لعلا (هاشتاغ)       Hakima__Laala#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوميات الحجر (9) وجها لوجه
- يوميات الحجر (8) وجها لوجه
- يوميات الحجر (7) وجها لوجه
- يوميات الحجر (5- 6) وجها لوجه
- يوميات الحجر (4) وجها لوجه
- يوميات الحجر (3) وجها لوجه
- يوميات الحجر (2) وجها لوجه
- يوميات الحجر (1) وجها لوجه
- -أنا- و -أنا-  في محك القرار


المزيد.....




- بعد أيام من التوتر.. شيوخ السويداء وقادة الفصائل يصدرون بيان ...
- مصدر لـCNN: تأجيل الجولة الجديدة من المفاوضات النووية بين أم ...
- إيلون ماسك باق على رأس تسلا: مجلس إدارة الشركة ينفي بحثه عن ...
- إرجاء المحادثات النووية بين طهران وواشنطن... هل تنعقد الأسبو ...
- تهديد جديد شديد اللهجة من وزير الدفاع الإسرائيلي للشرع دعما ...
- هيئة البث الإسرائيلية: مئات الجنود الدروز يستعدون لتقديم مبا ...
- -كتائب القسام- تعلن تنفيذ عملية مركبة في شارع الطيران بحي تل ...
- مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن
- مخاوف عراقية من حرب إيرانية أمريكية
- ترامب يهدد كل من يشتري نفطا من إيران بفرض عقوبات ثانوية


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حكيمة لعلا - يوميات الحجر (10) وجها لوجه