تسونامي المغرب الشرقي

علي بنساعود

الحوار المتمدن-العدد: 1580 - 2006 / 6 / 13 - 11:42
المحور: المجتمع المدني
    

"إيوا تسونامي هذا اللي داز هنا!!!" بهذه الجملة البليغة عبر عامل (محافظ) إقليم فكيك عن اندهاشه لفداحة الخسائر التي خلفتها الأمطار الطوفانية التي شهدتها جماعة بوعنان بالمنطقة الشرقية وما ترتب عنها من فيضانات وسيول...

وهي فيضانات أقل ما يمكن أن توصف به هو أنها كانت "كارثية"، إذ شملت مختلف قصور جماعة بوعنان، وهدمت البيوت، وأهلكت الزرع والضرع، دون أن تحظى المنطقة أو ضحاياها بأية التفاتة من الجهات الرسمية أو وسائل الإعلام، والسبب، حسب أحد شباب المنطقة، هو أنها "ليست منطقة سياحية، بل جزءا من المغرب المنسي، الذي لا يتذكره المخزن والأحزاب إلا في الانتخابات".

وللإشارة، فبوعنان منطقة حدودية مهمشة فقيرة، يناهز عدد سكانها ثمانية آلاف نسمة، وتبعد عن بوذنيب بحوالي خمسين كلم، عرفت صبيحة السبت 27 ماي الماضي فيضانات مهولة مست كل قصور الجماعة الممتدة على ضفتي وادي بوعنان وهي: قصر بوعنان وقصر تكوميت وقصر اولاد العباس وقصر عمرو وقصر الحيرش وقصر بني ياطي وقصر أورير، وخلفت خسائر جسيمة، قدرتها بعض الجهات الرسمية بحوالي خمس مائة مليون سنتيم في قطاع الفلاحة وحده، وهي خسائر جاءت لتعمق معاناة آلاف المواطنين، حيث تركتهم على "باب الله"، بعدما هدمت منازلهم، وأغرقت ماشيتهم، وردمت حقولهم، واقتلعت أشجارها، أو جرفت محصولها وترابها...، لذلك، فقد وجدنا السكان يتطارحون بجد مسألة الهجرة من هذه المنطقة، سيما أنها معزولة مهمشة لا موارد لها، وعدد فقرائها تضاعف بحوالي ست مرات، حيث وصل إلى نحو خمسين في المئة حسب "كوميسارية" الحليمي، بعدما كان لا يصل إلى ثمانية في المائة سنة 1994، والسبب هو الجفاف الذي استوطنها منذ أزيد عقد من الزمان، علاوة على افتقارها للعديد من البنيات التحتية والخدمات الاجتماعية، وخصوصا منها الطرق والصحة...

وهكذا، فالأمطار الطوفانية التي عرفتها المنطقة، ترتبت عنها سيول جارفة وفيضانات رهيبة، اكتسحت قصر بني ياطي مثلا، من الخامسة صباحا حتى حوالي الثانية بعد الزوال، وأسفرت بهذا القصر وحده، حسب مصادر مدنية محلية، عن اقتلاع زهاء ثمانية آلاف شجرة بين النخيل والزيتون والأشجار المثمرة المتنوعة، كما ردمت حوالي خمسين هكتارا من الأراضي الفلاحية، وجرفت زهاء ثلاثين هكتارا منها، وهدمت بنفس القصر نحو أربعة كيلومترات من السواقي، وردمت خمسة كلم منها تقريبا، ودكت أربعة وعشرين منزلا دكا كليا، وأضرت جزئيا بخمسة وأربعين منزلا.

نفس الفيضانات أضرت، حسب مصادر رسمية، بحوالي أربع مائة وخمسين هكتارا من الأراضي الفلاحية بهذه الجماعة، وأغرقت عشرات الرؤوس من المواشي والدواب، وجرفت المحاصيل الزراعية للمنطقة برمتها، وهي محاصيل هامة بمجموعة من القصور وخاصة منها قصر تكوميت الذي تتزود من محاصيله أسواق بوعنان وبوعرفة وبني تجيت...

وبخصوص الملف المطلبي لسكان هذه المنطقة المنكوبة، فتتلخص نقطه في ما يلي: التعويض عن الخسائر الناجمة عن الفيضانات، وتوفير التغذية وعلف الماشية، وإصلاح السواقي، وإنشاء جدران وقائية، وإزاحة الرمال التي اكتسحت الحقول، وإعادة إعمار الواحة وتأهيلها بغرس النخيل والزيتون والأشجار المثمرة، وإقامة سد في عالية الوادي، وفك العزلة عن قصر أورير، وتعبيد الطريق من بوعنان إلى كل من بني ياطي وتكوميت والزاوية، وإعادة بناء المنازل المهدمة، وترميم المتضرر منها، وتوفير فرص شغل للسكان تعوضهم عما ضاع منهم...

وحسب العديد ممن التقيناهم، فإن ما فاقم اليأس والإحباط في نفوس منكوبي المنطقة، وما جعلهم يفكرون بكل جدية في الهجرة من هذا "الثلث الخالي من الدنيا"، كما سماه أحد الشيوخ، هو أنه، رغم هول الكارثة، وفداحة الخسائر التي تفوق، حسبهم، خسائر مرزوكة المجاورة، لم تحرك السلطة بمختلف درجاتها ساكنا، ولم تتدخل لإسعاف الضحايا ومواساة المنكوبين، أو مدهم بأية مساعدة، كما لم تتدخل لا مؤسسة محمد الخامس للتضامن ولا منظمة الهلال الاحمر المغربي، ولا أية هيئة حكومية أو مدنية أخرى، بل إنه لولا التضامن الشعبي لبقي المنكوبون يواجهون قدرهم في العراء...
ولعل هذه اللامبالاة هي ما دفع سكان قصر تكوميت مثلا إلى تنظيم وقفة احتجاجية للفت الانتباه إليهم وإلى معاناتهم جراء فداحة ما حل بهم، وذلك يوم الاثنين 29 ماي، حيث قطعوا الطريق الرابطة بين بوعرفة والرشيدية، مما جعل القائد يتدخل، ويفتح حوارا مع المحتجين مبشرا إياهم بقرب زيارة العامل لهم!!! وبالخير العميم الذي ينتظرهم على يديه!!! لكن الصدمة هي أن عامل الإقليم، الذي اندهش لحجم الدمار والخسائر التي خلفتها الكارثة واعتبرها بمثابة تسونامي، لم يزر المنطقة رفقة القائد ومسؤول عن مصالح الفلاحة إلا بعد مرور عدة أيام على الفيضانات (تفقد قصر بني ياطي بعد زوال يوم الأربعاء 31 ماي الماضي والكارثة حلت به فجر يوم 27 ماي!!!)، وحتى لما جاء للزيارة، لم يحمل للمنكوبين أي دعم أو مساعدة، عدا "وعدين" يشك السكان في وفائه بهما، رغم بساطتهما، هما توفير بعض الأغذية ودعم علف الماشية!!! أما باقي مطالب السكان المتضررين فلم يعرها أي اهتمام...

هذا، وقد استغرب سكان المنطقة لكون عامل الإقليم، الذي زعم أنه جاء لتفقد أحوالهم وتحديد حاجياتهم ومطالبهم لإيصالها إلى المسؤولين في العاصمة، لم يزر منكوبي قصر أورير، والسبب استمرار عزلتهم عن العالم بسبب استمرار الأضرار البليغة التي لحقت بمسلك طرقي وعر يؤدي إلى هذا القصر، وهو مسلك لم يكن سالكا وبصعوبة إلا بواسطة الدواب والسيارات الرباعية الدفع.

وعليه، فإن سكان قصري بني ياطي وأورير يفكرون جديا في الهجرة، ما لم يتم الأخذ بيدهم وإعادة الاعتبار لهم، وذلك لما تكبدوه من خسائر، بعد عقد من الجفاف، وللمخاطر التي مازالت محدقة بهم...، لذلك فقد طالب عبد الله حديوي رئيس جمعية بني ياطي للتنمية "أجهزة الدولة بتحمل المسؤولية الكاملة في دعم السكان، وتعويض خسائرهم، ودعا منتخبي المنطقة إلى بذل قصارى جهدهم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، كما دعا المجتمع المدني المحلي والجهوي والوطني والدولي إلى تقديم الدعم للضحايا".

#علي_بنساعود (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات