أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - زاهر رفاعية - تهمة حيازة وترويج الكاريكاتيرات















المزيد.....

تهمة حيازة وترويج الكاريكاتيرات


زاهر رفاعية
كاتب وناقد

(Zaher Refai)


الحوار المتمدن-العدد: 6535 - 2020 / 4 / 11 - 23:57
المحور: الصحافة والاعلام
    


مع انتقالي للمرحلة الثانويّة بدأت أشعر بأعراض العطش المعرفي, وهي حالة من الفضول تجعلك تتلصص على الأقلام لمعرفة ما يريد قوله المخالفون لك والمختلفون معك حول الأفكار السائدة.
هذا العطش المعرفي ما إن ترويه مرّة حتى يلازمك بعدها طيلة حياتك, كأنه وسوسة الذي عصى ربّه قائلاً "فبعزّتك لأغوينّهم أجمعين", وهكذا يرمي بك العطش عاجلاً أم آجلاً في المعتقلات أو في المنفى كما رمى جدّك آدم من قبلك خارج الفردوس.
لم يكن هذا العطش هو الذي جعلني في ذلك اليوم من عام 2003 أتوقّف أمام كشك الجرائد في حيّنا العتيق, لأنه من المحال أن تتوقّع من صحف تصدر آنذاك في دولة تنافس كوريا الشماليّة في قمع حريّة الصحافة أي مقال يمكن أن يروي "عطش المعرفة", بل توقّفت من أجل البحث عن جريدة الشبيبة البعثيّة "المسيرة" التي أخبرني أحد الزملاء أنّ اسمي قد زيّن عنوان أحد المقالات التّافهة فيها, وهنا دفعتني نرجسيّة المراهق آنذاك لأبحث عن ذلك العدد كي أقرأ اسمي .. اسمي وكنيتي يا ناس في عالم الصحافة... كان شعور الرعشة عند قراءة إسمي في الجريدة للمرّة الأولى ليس غريباً تماماً, فلم يكن قد مضى وقت طويل على اكتشاف مراهق مثلي لشعور الرّعشة الأولى في حياة المرء ...
المهم وبينما أنا أتناول الجريدة المذكورة لمحت بطرف عيني رسم كاريكاتير على غلاف إحدى الصحف والتي لم تكن من البعثيّات "الجرائد البعثيّة" , بل شيء مختلف بتصميمه وألوانه, بل وحتى بشكل الكاريكاتير نفسه الذي كان يصوّر المواطن بحالة مزرية ويصوّر المسؤول مثل غول ضخم متوحّش. وهذا بالطبع مخالف لأبسط قواعد البداهة السياسيّة التي كان الشعب قد برمج نفسه عليها, ألا وهي أن "المسؤول دائماً على حق, والشعب ابن كلب" .
ولأن (النظرة الأولى لك والثانية عليك) حسب الحديث النبوي, أدرت عيناي في المكان لأتأكّد أنّه غير مراقب, ثمّ دعكت عيناي وأعدت البحلقة مرّة أخرى, لأجد أنّ عيناي لم تكذبا بل هي بالفعل "أسبوعية الدومري السّاخرة" يزيّن غلافها رسم كاريكاتير لاذع للفنّان السوري "علي فرزات" بدلاً من صورة "الأخ الكبير" التي يجب أن يستهلّ بها غلاف جميع الصحف الرسميّة الصادرة في سوريا. ولم تكن "الدومري" تلك مجلّة أزياء أو طبخ مستوردة كـ"زهرة الخليج" أو "سيدتي", بل بالفعل كما رأيت هي ( صحيفة سوريّة سياسيّة, غلافها مزيّن برسم كاريكاتير ناقد).
بسرعة تناولت عدداً من الصحيفة الساخرة بعد أن نسيت أخذ الصحيفة البعثية الشبابيّة, وتحاشيت النظر في عينيّ البائع أثناء إلقاء النقود فوق الطاولة, وذلك حتى لا يتذكّر اسمي عندما سيكتب تقاريره الاستخباراتيّة حول الذائقة الصحفيّة عند سكّان الحي!!
حشرت الـ"دومري" في حقيبتي المدرسيّة وانطلقت باتجاه المنزل, يتملّكني شعور النزق الثوري بأنني أصبحت مناضل وطني كبير, وفي ذات الوقت شعور الخوف بأنني قد أصبحت مطلوب سياسي بتهمة الخيانة العظمى وتمويل الإعلام الصهيوامبريالي.
دخلت على عجل وللمرة الأولى لم أُلقِ السؤال المعهود "شو طابخين اليوم" بل قمت بإحكام إغلاق الباب والتقاط أنفاسي قبل أن أخرج الصحيفة بحذر وأنا أتلفّت حولي (مع أنني كنت لوحدي في الغرفة) قرأتها بنهم وتحسست أوراقها بشغف لم أكُ أتحسس به آنذاك سوى نوعين من المجلّات, المجلّة المذكورة ونوع آخر من المجلّات لا يسعني المقام هنا لذكره.

الشباب والشّابات الذين هم في منتصف المرحلة الجامعية هذه الأيام, لم يعيشوا بوعيهم مرحلة سياسيّة في سوريا كان انتقاد عامل النّظافة (مع كامل التقدير للمهنة والعاملين بها) جريمة قد تنهي مستقبلك للأبد, ذلك لأنّ انتقاد أي موظّف حكومي كان بمثابة انتقاد للسلطة بأكملها التي أوصلت الموظف لهذا المنصب. وعلى الرّغم من أنّ أسبوعيّة الدومري تلك بموجب قواميس اليوم كانت صحيفة معارضة ولكن "ضمن سقف الحريّات" , إلّا أنه كان من المستحيل أيّامها لأحد أن يتخيّل وجود "الحريات" من أساسه فما بالك بالحديث حول قياس ارتفاع سقفها.
لذلك وحتى لو لم تكن الدومري صحيفة معارضة بالمعنى المتعارف عليه في حقبة الربيع العربي, إلّا أنها أيقظت في داخلي آنذاك تساؤلات حول مفهوم "المواطن الصالح وعلاقته بالزعيم أبو صالح" ولم أجد تفسيراً لحيرة الضمير تلك حتى جاء اليوم الذي قرأت فيه رواية "1984" للكاتب البريطاني "جورج أورويل" وفهمت مصطلح "التفكير المزدوج" الذي لم استطع تسميته آنذاك, مع أنني توصّلت له بغريزة المواطن السوري.
فحين اعتراني ذلك الشكّ بانتمائي الوطنيّ جرّاء حيازة الصحيفة النّاقدة, تاه بصري بين الدومري التي أمسكها بيدي المرتعشة, والصورة الملصقة على كرّاسة مادة التربية القوميّة. ووقع في نفسي الوسواس الوطني للمرة الأولى حول أيّ منهما يخون الوطن ويضحك على الشعب, الدومري أم الإعلام البعثي الممثل للسلطة؟ لأنّ عناوين الصحف الرّسميّة كانت دائماً تؤكد للمواطن أنّ كل شيء بخير واننا نعيش في أفضل مكان على وجه الأرض, بينما الدومري كانت تجعلك تشكّ وكأنّه لا سمح الله هناك شيء في البلد يحتاج للمراجعة والإصلاح.. المهم.... لم ادرِ بنفسي إلّا وأنا أحسم المسألة بالقول: خلاص .. خلاص .. كلاهما مخلص للوطن, أعتقد أنني أنا الخائن الوحيد هنا !!
خبّأت الدومري بين دفتي كتاب قديم ولم أجرؤ بعدها على شراء نسخة أخرى من تلك الصحيفة, ولم يمض وقت طويل حتى سمعت أنّ الحكومة سحبت أعداد الدومري ومنعت صدورها, وهنا ثبت لديّ بالفعل أنني أصبحت مطلوباً سياسيّاً بتهمة حيازة وتعاطي الكاريكاتيرات, فهرعت من فوري وأحرقت العدد المذكور خلف المنزل ونثرت رماده وانتظرت لحظة الاعتقال مع كل سيارة حكومية كانت تفرمل بجانبي, ولكن لم يحصل شيء ولم يبق من الحادثة سوى ابتسامة تحمل ذكرى حيازة الرسم السّاخر الذي كنت خائفاً من حيازته أكثر من خوف جارنا مازن من حيازة جرعات الهيروين خاصته.
فكاهة الحادثة راحت تموت شيئاً فشيئاً بعد ذلك, ولم تعد كلمة "حيازة الكاريكاتيرات" مبعث تندّر بيني وبين نفسي, بل حلّت محلّها غصّة وحزن وألم عميق في كل مرّة رحت أكتشف فيها أنّ بعض الجهات في الدين والسلطة وفي كل مكان حول العالم, هم على استعداد لإنزال أشدّ العقوبات بمرتكب جريمة ترويج وحيازة الكاريكاتيرات, قد لا نجد تجريماً بهذا الحجم في قضايا حيازة أي شيء آخر من الممنوعات, ولا حتّى الأسلحة.

- لم يعد الأمر مضحكاً البتّة بداية من عام 2006 وإحراق سفارات الدّول الغربيّة في بعض البلدان العربيّة, على خلفيّة رسوم كاريكاتير كانت قد نشرتها بعض الصحف في الغرب يقال أنها تسيء لمحمّد نبي المسلمين.
أدّى ذلك الهجوم لتشويه صورة المواطن العربي عامّة والمسلم خاصّة أمام العالم وإبرازه بمظهر الهمجيّ الأرعن, وكان سبب هذا العنف الغوغائي هو أنّ المواطن العربي لم يستطع استيعاب فكرة أنّ الصحافة في البلدان الغربية تعبّر عن توجّهات مختلفة وليس بالضرورة عن توجّهات الحكومة فقط كما هو الحال في بلدان العرب.. أي بعبارة أخرى : اعتقد الناس في الدول العربية أنّ الحكومات الغربية هي التي نشرت الكاريكاتير لذلك أحرقوا لها السفارات, حيث أنّه لا يمكن للمواطن العربي ببساطة -وذلك لاعتبارات خارجة عن إرادته- أنّ يقوم بتركيب جملة مفيدة تشتمل على لفظتيّ "صحافة" و "مستقلّة" .

- لم يعد الأمر مضحكاً حين قامت عصبة من الأوغاد عام 2011 بخطف وكسر أصابع رسّام الكاريكاتير "علي فرزات" ديلرجي الكاريكاتير ورئيس تحرير صحيفة الدّومري المذكورة, والتي ضمّت أول جرعة كاريكاتير تعاطيتها في حياتي.
- لم يعد الأمر مضحكاً حين قام دعاة التحجّر العقلي بجريمة الهجوم المسلّح على مقر صحيفة شارلي ايبيدو في فرنسا عام 2015 والتي راح ضحيتها اثني عشرة قتيلاً وأصيب آخرين, وذلك أيضاً على خلفيّة رسم ونشر رسوم كاريكاتيرية مسيئة "للذات المحمّدية".
- لم يعد الأمر مضحكاً حين حكمت محكمة في تركيا على صحافيين تركيين عملا بصحيفة "جمهورييت" التركية بالسجن لمدة عامين، لنشرهما رسماً كاريكاتوريا نقلا عن مجلة "شارلي إيبدو". الأمر الذي يمثّل إهانة إخوانيّة -نسبة إلى حزب الإخوان الحاكم- لمكتسبات مائة عام من حرية الصحافة والعلمنة في تركيّا.
- لم يعد الأمر مضحكاً حين اعتقل نظام السيسي في مصر ديلر الكاريكاتير "إسلام جاويش" عام 2016 بتهمة الإساءة "للذات السيساويّة". ولم يعد الأمر مضحكاً حين اعتقلت السلطات الجزائريّة مروّج الكاريكاتير "عبد الحميد أمين" عام 2019 بتهمة الإساءة للذات التبّونيّة (نسبة للرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون)
وفي الختام: هذا كله غيض من فيض الجرائم التي ترتكبها السلطات والشعوب والأديان بحق حريّة التعبير. ولكنّنا سنظلّ ننشد عالماً تشتعل فيه حرب الرّسومات بالألوان, وحرب الكلمة بالأقلام, وحرب الصور بالعدسات, فمن المعيب بحق أن يكون هناك جريمة اسمها (جريمة الرّسم). إلّا أنّه وللأسف حين يفتقر خصمنا الفكري للذائقة الفنّية, ويبحث عن ريشاته وأقلامه وعدساته فلا يجدها, نجده يلجأ للحديد والنار.
مصادر الأخبار الواردة في المقال
07/01/2015 france24.com
aljazeera.net 05.02.2006
25/8/2011 aljazeera.net
28.04.2016 /arabic.cnn.com
aljazeera.net 01.02.2016
alaraby.co.uk 28.11.2019



#زاهر_رفاعية (هاشتاغ)       Zaher_Refai#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة من كتّاب الدرجة العاشرة
- لماذا ينتقد الملحد العربي دين الإسلام أكثر من بقيّة الأديان؟
- مشكلة حامد عبد الصمد مع اليسار الأوروبي
- دعاة أم قوّادون
- فلسفة لا ديالكتيك فيها, ميتافيزيق لا معرفة موضوعيّة فيه.
- لماذا لا ينكح الملحدون أمّهاتهم؟ السؤال الذي أرّق المسلمين
- حول دور الهاشميين في اغتيال الشهيد ناهض حتر
- فضيلة البذاءة في الإعلام العربي
- نهج طروادة عند دعاة الأسلمة في الغرب.
- الكادح العالق بين عجلة الهامستر وترامادول سيزيف.
- خدعة الوحدانيّة لله عند دعاة الإسلام؟
- دلالات الزومبي في المنتوج السينمائي والترفيهي لعصر ما بعد ال ...
- هل سنشهد بسبب كورونا قطيعة أبستمولوجيّة عند أهل الخطاب؟
- الإسلام السياسي يهدف لخلق مجتمع المنافقين
- كرامة المواطن الضائعة بين الاستبداد السلطوي وتجريم الكيف .
- الإسلام السياسي والصيد في دماء المسلمين.
- وهم القوامة الإسلاموي والعوكة النّسوية


المزيد.....




- استهداف أصفهان تحديدا -رسالة محسوبة- إلى إيران.. توضيح من جن ...
- هي الأضخم في العالم... بدء الاقتراع في الانتخابات العامة في ...
- بولندا تطلق مقاتلاتها بسبب -نشاط الطيران الروسي بعيد المدى- ...
- بريطانيا.. إدانة مسلح أطلق النار في شارع مزدحم (فيديو)
- على خلفية التصعيد في المنطقة.. اتصال هاتفي بين وزيري خارجية ...
- -رأسنا مرفوع-.. نائبة في الكنيست تلمح إلى هجوم إسرائيل على إ ...
- هواوي تكشف عن أفضل هواتفها الذكية (فيديو)
- مواد دقيقة في البيئة المحيطة يمكن أن تتسلل إلى أدمغتنا وأعضا ...
- خبراء: الذكاء الاصطناعي يسرع عمليات البحث عن الهجمات السيبرا ...
- علماء الوراثة الروس يثبتون العلاقة الجينية بين شعوب القوقاز ...


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - زاهر رفاعية - تهمة حيازة وترويج الكاريكاتيرات