أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - بيسان عدوان - الحكومة الاسرائيلية الجديدة















المزيد.....


الحكومة الاسرائيلية الجديدة


بيسان عدوان

الحوار المتمدن-العدد: 1574 - 2006 / 6 / 7 - 10:57
المحور: القضية الفلسطينية
    


الحكومة الاسرائيلية الجديدة
اولمرت – بيرتس وأجندة الأزمات

شكل اولمرت حكومة تجمع بين تناقضات كثيرة في مختلف المجالات، السياسية والاقتصادية الاجتماعية، حتى في القضايا المدنية، وعلى رأسها قضية علاقة الدين بالدولة، وقوانين الإكراه الديني، وعلى الرغم من الحديث عن ائتلاف مستقر وواسع بقيادة أولمرت إلا أنَّ هذا الائتلاف (سبقته الانتخابات أيضًا) أفرزا طاقمًا قياديًا يمتاز بقلة تجربته في الشؤون السياسية والأمنية وحتى المالية، وبطبيعة الحال، تؤثر هذه الصورة غير المكتملة والمشوشة على آراء المراقبين السياسيين الإسرائيليين الذين يحاولون التأقلم مع الوضع الجديد في ظل إدراكهم أنَّ ما يجري على الساحة السياسية الاسرائيلية اليوم لم يكن له مثيل تاريخيًا.
أعلن المكلف بتشكيل الحكومة الائتلافية الإسرائيلية الجديدة أولمرت يوم الاثنين الأول من مايو 2006 عن تشكيلة حكومته الجديدة والتي تضم ( كاديما ، العمل، شاس ، والمتقاعدون)، وكان كاديما قد كثف المفاوضات الائتلافية لتشكيل الحكومة في المهلة التي حددها القانون من المفاوضات التي تمت في جلسات مغلقة، انتجت ائتلاف رباعي لتلك الحكومة في مقابل عدم ادراج مصطلح " الانسحاب الاحادي الجانب" في وثيقة الخطوط الاساسية للحكومة، كما لم يدرج في الوثيقة – أيضا – الحد الادني من الاجور- أحد اولويات حزب العمل في مفاوضات تشكيل الحكومة الاولي، الامر الذي يعني أن تلك الحكومة الجديدة لن تقوي علي احداث اي من التغييرات التي أشير إليها سابقا في البرامج الانتخابية لا علي المستوي السياسي ولا المستوي الاجتماعي ولا علي المستوي الاقتصادي.
من اللافت للنظر أن تشكيل هذه الحكومة جاء من أسهل التشكيلات خلال العقدين الاخيريين من عمر الدولة الاسرائيلية، رغم محاولات بعض الاطراف بالاستقواء بأطراف أخري تعزز وجودها، فقد حاول كاديما أن يشرك "يهوديت هتوارة " في الائتلاف في مواجهة من تبقي خارج الائتلاف من قوي اليمين واليمين المتطرف، وساهم حزب العمل لجذب كتلة ميرتس – ياحد لانضمامه للائتلاف لمواجهة اليمين المتمثل في شاس الدينية – وكاديما الداعمة بقوي للسوق الحرة، فلم تشهد المفاوضات أي استعصاءات اثناء ادارة المفاوضات بين الاطراف المشاركة فيها، وكان ذلك راجعا لجملة من المتغييرات الداخلية والخارجية والتي مهدت السبيل أمام التوصل إلي الاتفاقات مع قوتين لهما تأثير ونفوذ مجتمعي، الاولي هي حزب شاس الديني والذي يعبر ليس علي اتجاهات متدينة في المجتمع الاسرائيلي، ويشكل القوة البرلمانية الثالثة فحسب، وانما يشكل من حيث التركيب الاثني للمجتمع الاسرائيلي قاعدة عريضة حيث يعتبر ممثلا إلي حد كبير للطوائف الشرقية الاقل حظا واهتماماوالاكثر تهميشا، كما أن القوة الثانية الجديدة وهي المتقاعدون في المجتمع، الذين يشكلون نسبة كبيرة فيه بسبب التركيب السكاني الذي يتناقص فيه معدل المواليد مقابل ارتفاع عدد كبار السن، رغم أنهم لا يحملون برنامج سياسي الا أن بعدهم الاجتماعي ومطالبها بتحسين شروط وظروف حياة المتقاعدين في المجتمع الاسرائيلي جعلهم قوة لا يستهان بهم، الامر الذي سيجعل من تلك الحكومة تحظي بقاعدة تمثيل شعبي عريضة ارتباطا بتداخل وترابط الموضوع الأمني والسياسي مع الاجتماعي الذي تبلور في برنامج الحكومة.

قراءة في تشكيل الائتلاف الحكومي
عيّن اولمرت عددا من أعضاء الكنيست من حزب "كديما" وزراء بينهم روني بار أون، سيتولى حقيبة الداخلية وآفي ديختر سيتولى حقيبة الأمن الداخلي ويعقوب إدري سيتولى منصب الوزير المكلف بالعلاقة بين الحكومة والكنيست، وشاؤول موفاز سيتولي حقيبة المواصلات، فيما سيتولي حقيبة المالية أبراهام هيرشزون، كما قرر أن يتم تعيين عضو الكنيست داليا ايتسيك في منصب رئيس الكنيست، وأبلغ أولمرت شيطريت بأنه سيتولى حقيبة البناء والإسكان وستكون "دائرة أراضي إسرائيل" الهامة ضمن صلاحياته إضافة إلى مسؤولية الإشراف على أجهزة الاستخبارات ومنصب رئيس للجنة الوزارية لشؤون "القطاع غير اليهودي" والتي تتعلق بالأساس بالعلاقة مع الأقلية العربية في إسرائيل، وأبقى أولمرت وزيرة الخارجية تسيبي ليفني في منصبها، إضافة إلى تعيينها في منصب قائم بأعمال رئيس الوزراء، كما عيّن أولمرت عضو الكنيست حاييم رامون وزيرا للقضاء والوزير جدعون عيزرا وزيرا لجودة البيئة، أما عضو الكنيست شمعون بيريس سيشغل منصب النائب الأول لرئيس الوزراء ووزير دولة لشؤون النقب والجليل والتطوير الاقتصادي في المنطقة.
كما اتفق حزب كاديما مع حزب العمل والمتقاعدين وشاس علي الائتلاف وعلي تقسيم الحقائب الوزارية فقد نال حزب العمل علي سبع حقائب وزارية أبرزها الدفاع والتعليم، يذكر أن رئيس حزب "العمل"، عمير بيرتس، سبق أن أعلن عن الوزراء السبعة من حزبه في الحكومة الجديدة، وسيشغل بيرتس حقيبة الدفاع فيما ستتولى عضو الكنيست يولي تامير حقيبة المعارف وعضو الكنيست أوفير بينيس حقيبة الثقافة والرياضة وعضو الكنيست إسحق هرتسوغ حقيبة السياحة وعضو الكنيست شالوم سيمحون حقيبة الزراعة وعضو الكنيست ايتان كابل منصب وزير دولة ومسؤول عن سلطة البث وعضو الكنيست بنيامين بن اليعيزر حقيبة البنى التحتية، في حين نال المتقاعدون وزارة الصحة سيتولاها عضو الكنيست يعقوب بن يزري ووزير بلا حقيبة يكون مسؤولا عن جمهور المتقاعدين، وسيشغله رئيس الحزب عضو الكنيست رافي ايتان، أما حركة شاس فقد نالت على أربع حقائب وزارية، وسيتولى يشاي حقيبة الصناعة والتجارة إضافة لتعيينه نائبا لرئيس الحكومة. بالإضافة حصل الحزب على وزارة الاتصالات التي سيتولاها عضو الكنيست أريئيل أتياس وعلى حقيبتي وزيري دولة هما إسحق كوهين ومشولام نهاري.
علي مستوي الازمات التي خلقها التوزيع الوزاري ، فقد يتوقع الكثيرين من المحللين والمراقبين في إسرائيل ان تكون أزمة توزيع الحقائب في الحزبين "العمل" و"كديما" نواة الأزمات القادمة في كلا الحزبين، حيث يظهر من توزيعة الحقائب الوزارية في حزبي "كديما" و"العمل"، ان كبار جنرالات الاحتياط في الجيش والمخابرات، بقوا بعيدين عن الحقائب الوزارية الكبرى والحساسة، خاصة في مجال الأمن والعسكرة، وهو مشهد حكومي يعتبر الأول من نوعه منذ 58 عاما، ولفت الانتباه لذلك المحلل السياسي في صحيفة "معاريف"، بن كسبيت الى أن المجموعة المركزية من الوزراء الأساسيين الذين سيشكلون نواة الطاقم الأمني في الحكومة كلهم من المدنيين، وينص قانون أساس الحكومة على ان يضم الطاقم الأمني بالأساس، رئيس الحكومة (ايهود اولمرت) ووزير الدفاع (عمير بيرتس)، ووزير الخارجية (تسيبي ليفني) ووزير المالية (أبراهام هيرشزون) ووزير القضاء (حاييم رامون)، وجميع هؤلاء من المدنيين، وليست لديهم خبرة أمنية قيادية وإستراتيجية. وبطبيعة الحال فإن الطاقم سيضم وزراء آخرين يعينهم رئيس الحكومة، وحسب ما نقرأ فسيكون من بينهم وزير الأمن الداخلي (الجنرال آفي ديختر)، والوزير شاؤول موفاز في وزارة المواصلات، ولكن النواة الأساسية تبقى في يد المدنيين.
رغم الازمات التي ظهرت منذ المفاوضات الأولي لتشكيل الائتلاف الحكومي في توزيع الحقائب الوزارية بين أحزاب الائتلاف أو بين تولي أشخاص لحقائب معينة وبين حجب الاخريين عن حقائب أخري، أو بين الغاء مناصب واستحداث أخر، فتشير توقعات المحللون السياسيون الي أن تلك الحكومة ستواجه مشكلات عديدة، يمكن أن يقصر من عمرها، ومن أدائها، ، حيث أن تلك الازمات ناتجة عن الاختلافات الجوهرية بين الاحزاب الاربعة في التوجهات الاقتصادية والاجتماعية ، والعلاقة بين الدين والدولة.
حكومة أولمرت – بيرتس واجندة الازمات
يضم الائتلاف الحكومي ثلاث كتل من حيث المواقف أولهما، الكتلة التي تضم حزب "كديما" الحاكم مع 29 مقعدا، وينضم اليه حزب المتقاعدين الذي حاز على سبعة مقاعد، وليس على أجندته سوى مصالح المتقاعدين الاجتماعية، أما التكتل الثاني فيضم حزب "العمل" بمفرده بعد فشل ضم كتلة ميرتس – ياحد اثناء المفاوضات التي اعقبت تشكيل الحكومة، والتكتل الثالث سيضم كتلتي المتدينين الأصوليين الحريديم، "شاس" (لليهود الشرقيين) مع 12 مقعدا، وفي المقابل فقد ترك اولمرت من ورائه معارضة يمينية متشددة شرسة تضم أربع كتل، الليكود و"يسرائيل بيتينا" و"هئيحود هليئومي- المفدال"، ويهدوت هتواراة ولها مجتمعة 39 مقعدا، ستبذل جل جهودها لتأليب جمهور المستوطنين واليمين الإسرائيلي المتطرف ضد الحكومة القادمة خاصة إذا ما قررت الشروع بتنفيذ مخططاتها الأحادية الجانب واخلاء مستوطنات رسمية أو عشوائية من الضفة الغربية خاصة لما تحظي تلك المنطقة من مكانة دينية.

أما الازمات التي ستخلق داخل الائتلاف الحكومة علي الوجهتين الاقتصادية- الاجتماعية وعلي الوجهة السياسية، وفقد أشار بعض المحللين السياسيين أن الائتلاف الحكومي سيواجه عدة أزمات علي مستويات مختلفة، حيث تتشكل الحكومة من الوجهة الاقتصادية – الاجتماعية من قطبين متباعدين أحدهما الذي يمثله كاديما يؤمن بحرية السوق التي لا يجب ضبطها، كما يؤمن بمبدأ أدم سميث " دعه يعمل دعه يمر" والتنافس علي تقليص الرواتب والأجور، والثاني والذي يمثله كل من العمل وشاس يري واجب تدخل الدول لمصلحة الفئات الدنيا، ويري ضرورة حماية الاجراء من نهش أصحاب راس المال، ومن الوجهة السياسية فحزب كاديما قام بتسويق نفسه علي أنه صاحب حق ابتداع الحل من طرف واحد خاصة بعد نجاح خطة الانسحاب الاحادي الجانب من قطاع غزة وشمال الضفة الغربية، لذا انطلق بالحديث عن رسم حدود إسرائيل من طرف واحد، فيما يحمل حزب العمل رؤية مغايرة للحلول من طرف واحد تقوم علي التفاوض مع الفلسطينيين، اما حركة شاس فهي تؤمن بما يغاير ذلك وهو ابقاء الوضع علي ما هو عليه أو التفاوض مع الفلسطينيين لنيل موافقتهم علي التنازل عن حقوقهم، لذا كان من دواعي الائتلاف هو تخفيف نبرة خطة الانطواء في البرنامج السياسي للحكومة، أما علي الصعيد الداخلي – أيضا - يمكن رؤية تناقض مكونات الحكومة الحالية، خاصة فيما يتعلق بالعلاقة بين الدين والدولة، فهناك علمانيون في كاديما الذين حاولوا تكريس تراث أرئيل شارون بتقديس العلمنة، كما حزب العمل الذي يكرس للعلمانية في الدولة، في مقابل وجود حركة شاس في الحكومة ذات الطبيعة الدينية، وموافقة كلا الحزبين علي الشراكة مع شاس الدينية بعد تراجع الاصلاحات العلمانية عن أجندة الحكومة في مواجهة الأجندة السياسية.
ويجمل المحللون الازمات التي ستواجه ذلك الائتلاف والتي ستبب عدة صدامات، ستكون مولدة لأزمات برلمانية قد تهدد في بعض الأحيان كيان الحكومة، وهذا عدا الأزمات الداخلية في بعض أحزاب الائتلاف، وهي ثلاثة محاور مركزية:

المحور الأول:
لن يكون الملف السياسي مركز التصادم الأول بل أنه سيأتي في مرحلة متأخرة ولكن عند فتحه سيخلق أزمة ضخمة، وهذا يجعله في المرتبة الأولى من حيث قوة التأثير، فالحكومة الجديدة الماثلة أمامنا صاغت عنوانها المركزي بأنها ستسعى الى خطة أحادية الجانب، وتفرض حدودها مع الضفة الغربية من جانب واحد، بزعم "غياب الشريك الفلسطيني"، وما يظهر للعيان أن كافة الأحزاب المشاركة، بما فيها الاحزاب الدينية ، موافقة من حيث المبدأ على هذا المشروع، القاضي بإخلاء بعض المستوطنات النائية والصغيرة وتأوي 60 ألف مستوطن، وضمها لسبع كتل استيطانية تأوي نحو 420 ألف مستوطن، بما فيها الأحياء الاستيطانية في القدس المحتلة، ومن حيث نظرة الشارع الإسرائيلي فإن الحديث يجري عن "انسحابات" من الضفة الغربية، و"إخلاء مستوطنات"، وهذا ما لن تسلم به أحزاب اليمين التي ستقود معركة قاسية في مركزها المستوطنون وقوى اليمين المتطرف.
ولعل شاس الركن الثالث في الائتلاف سيخضع لضغوط ضخمة من اليمين الاسرائيلي، خاصة من قبل جمهورها والذي يتركز في أغلبه في المستوطنات الضفة الغربية سواء الرسمية أو غيرها، فإن لم يكن راضيا من ناحية الميزانيات والقوانين المتعلقة بالدين والدولة، فسينتهز الفرصة لفتح ذلك الملف ليغادر الحكومة وينضم إالي المعارضة الامر الذي يؤدي إلي هشاشة الائتلاف بعد انسحاب شاس، وحتي ان تم تعويض كتلة شاس بضم ميرتس – ياحد فسيظل الائتلاف معرض للسقوط حيث سيمثل 60 مقعدا من أصل 120.

لن يقتصر الأمر علي حزب شاس ، بل سيطال العمل أيضاً، فلقد بدأ مفاوضاته في تشكيل الحكومة واتضح ذلك في تعديل الخطوط العريضة لحكومة اولمرت والذي ذكر في وثيقة الحكومة حيث تغيير العنوان من خطة الانسحاب الاحادي الجانب خطة " التجميع " إلي خطة " الانطواء.. تقليص السيطرة على المناطق"، ورغم ان العنوانين يصبان في نفس الهدف، إلا ان "خطة التجميع" فيها توضيح عيني لإخلاء مستوطنات صغيرة ونائية، فيما ظلت خطة تقليص السيطرة علي المناطق غير واضحة، وذلك يظهر قوة الضغط من جانب العمل الذي يؤيد الانسحاب الاحادي الجانب ولكن بالتوافق مع شريك فلسطيني ، وإن لم يجد فإن تنفيذ خطة تقليص السيطرة هي الاوقع ولا تنتقص من رؤي كاديما بغياب شريك أو تتناقض مع العمل بوجود شريك.
ورغم ذلك فإن خطة اولمرت باتت موضع علامة سؤال من حيث القدرة على التنفيذ ليس فقط بسبب موازين القوى البرلمانية، وانما أيضا بسبب التحفظ والتردد لدى دول القرار الدولي، ومن بينها الولايات المتحدة في دعمها هذا المشروع، وأيضا بسبب التطورات المستقبلية على الساحة الفلسطينية، ووصل أمر التشكيك بالتنفيذ الى قادة "كديما" أنفسهم.

المحور الثاني:
يعتبر المحور الاقتصادي الاجتماعي محور ساخن وسيكون الأول من حيث العامل الزمني، فلأول مرة في تاريخ البرلمان الإسرائيلي سيكون مطالبا بإقرار ميزانيتين للعام الحالي 2006 والقادم 2007 في غضون ستة أشهر، فميزانية العام الحالي لم تقر، وفترة إقرار الميزانية تعتبر موسم شد الحبل في داخل الائتلاف الحكومي، وتطرح كافة القضايا السياسية والمدنية للمقايضة مقابل تأييد الميزانية، وإذا قبلنا بالتقديرات ان الميزانية الحالية ستقر بسرعة بناء على اتفاقيات مسبقة (أبرمت ضمن اتفاقيات الائتلاف)، فإن مشاهد الأزمة سنشهدها أكثر في ميزانية العام 2007 في نهاية العام الجاري، وهذا يعني ان على أجندة الحكومة منذ الآن وحتى نهاية العام الجاري إقرار الميزانيتين فقط.
جاءت نتيجة انتخابات الكنيست السابع عشر لتعطي انطباعاً أن الناخب الإسرائيلي اتجه للتصويت لصالح البرامج الاقتصادية للاحزاب متجاهلا نسبيا القضية السياسية ، وهي النتائج الخاصة بعدم حصول حزب "كاديما" قاطرة خطة "التجميع" سوى على 29 مقعداً ، وحصول "العمل" الذي ركز على قضايا الفقراء بزعامة عمير بيريتس على قضايا الفقراء على 19 مقعداً وفوز "شاس" حزب السفارديم الديني الاجتماعي على 12 مقعداً، وصعود مفاجأة حزب المتقعادين الذي يركز على دعم مطالب كبار السن في المعاش والرعايا الصحية ومخصصات الضمان الاجتماعي وفوزه ب7 مقاعد نجح بها الدخول للائتلاف الحكومي الجديد.
ستواجه حكومة ايهود اولمرت الجديد موقفاً جديداً في السياسة الإسرائيلية، حيث سيكون مطلوباً منها الحصول على اقرار الكنبيست لميزانتي 2006 و2007 في غضون اقل من 6 أشهر. وموسم اقرار الميزانية هو موسم شد وجذب حول المصالح ، ولعل الاثارة ستجد موقعها في اقرار ميزانية 2007 بعد استتاب الائتلاف وبدء الصراعات الداخلية في الحكومة، مما قد يقود إلى انهيار الحكومة سريعا لو لم يجد اولمرت ارضية صلبة لبقاء التحالف مع حزب العمل، وهذه الأرضية بالطبع ستكون سياسية أكثر منها اقتصادية.

وحسب ما ينشر عن الخطوط العريضة للحكومة فيظهر وكأن هناك توافقا في القضايا الاقتصادية، التي طرحتها أحزاب الائتلاف مثل رفع محدود للحد الأدنى للأجر، وتعديل مخصصات الأولاد التي تدفع لكل عائلة عن كل ولد عندها دون سن الثامنة عشرة، ورفع مخصصات المتقاعدين والمسنين، وغيرها من القضايا المتعلقة بالصحة والتعليم وغيرها، ولكن كل بند من هذه البنود فيه تحفظات واستثناءات تبقي الباب مفتوحا للتفسيرات المختلفة بين الشركاء في الحكومة، وهذا أصبح أحد المشاهد المألوفة في الحكومات الإسرائيلية، وكل قضية من هذه القضية ستدور حولها أزمة تهدد كيان الحكومة.

المحور الثالث:
علاقة الدين بالدولة وهذه أزمة متدحرجة تؤجلها حكومات إسرائيل من حكومة الى أخرى، تحت غطاء الحفاظ على الوضع القائم، ولكن هناك معطيات متنامية في إسرائيل تزيد من جمهور "ضحايا" الشريعة اليهودية المتزمتة، كمسألة "من هو يهودي" التي لم تحلها إسرائيل منذ 58 عاما، إذ أصبح في إسرائيل أكثر من 300 ألف يهودي ترفض المؤسسة الدينية الاعتراف بيهوديتهم، وترفض حتى عقد قرانهم ولا تسمح لهم بالزواج حسب الشريعة، ودلّت آخر إحصائيات على ان 8% من عقود الزواج اليهودية في إسرائيل في السنوات الخمس الأخيرة تعقد في الخارج اضطرارا، كزواج مدني لا زال ممنوعا إبرامه في إسرائيل ولكن معترف به قانونيا، والغالبية الساحقة من هؤلاء هم من اليهود المحرومين من اعتراف المؤسسة الدينية بيهوديتهم، والباقي يرفضون التقييدات الدينية التي يعتبرونها مذلة لهم عند عقد قرانهم.
كذلك فإن الأمر يمتد الى قانون منع العمل أيام السبت والأعياد وحركة المواصلات والمصاريف البالغة التي ينفقها المواطن في إسرائيل بشكل غير مباشر على السلع الغذائية نتيجة تعاليم الطعام الحلال والإشراف عليه، وغيرها من الأمور، يضاف الى كل هذه المحاور الثلاثة، الأزمات الداخلية في أحزاب الائتلاف التي ستتأثر مباشرة من أي نقاش، فالدورة البرلمانية السابقة شهدت رقما قياسيا من الانقسامات داخل الكتل البرلمانية، فقد بدأت الدورة بـ 12 كتلة واختتمتها بـ 17 كتلة، وهذا بعد اندماج كتلتين ببعضهما البعض، ومشهد الانقسامات المقبلة سيتضح مع بدء عمل الدورة الجديدة وحتى نهاية العام الجاري، لكن السؤال الأكثر سخونة في هذه الدورة البرلمانية سيكون أمر إقرار قانون الزواج المدني، وقدمت منذ الآن سلسلة من مشاريع القوانين على جدول أعمال الكنيست، ولكن الحكومة ستكون مجبرة على معارضة هذه القوانين لتحمي ائتلافها، تحت غطاء الحفاظ على "يهودية الدولة"، وليس من المستبعد ان تظهر حالات تمرد في الائتلاف الحكومي عند طرح هذا القانون لينضم أعضاء من "كديما" و"العمل" للمعارضة العلمانية في تأييد القوانين وهذا أيضا سيهدد كيان الائتلاف الحكومي.

ستعود القضايا الاقتصادية والاجتماعية إلى صدارة المشهد السياسي الإسرائيلي خلال السنوات المقبلة لعدة أسباب أهمها شبه الاجماع السياسي على خطة الانفصال وترسيم الحدود، مما يجعل الصراع بين اقطاب السياسة الإسرائيلية الحالية (كاديما والعمل) يدور حول تفاصيل تنفيذ هذه الخطة بين مؤيد بدء مفاوضات مع السلطة الفلسطينية واخرين مع المضي قدما دون التفاوض، وبين البعض يفضل الغطاء الدولي واخرين يرونه غير هام.
وهي الوضعية التى ستقدم بالضرورة الخلافات حول الملفات الاقتصادية والاجتماعية ، خاصة بشأن مطالب حزب العمل برفع الحد الأدنى من الأجور، ومطالب المتقاعدين بزيادة مخصصات المعاشات ، وسعى شاس لزيادة المخصصات للمدارس الدينية الحريدية ومخصصات لاطفال والعائلات الكبيرة.
مع اهمية الموضوع الاقتصادي-الاجتماعي، الا ان بقاء الحكومة من سقوطها ليس رهنا علي ذلك، كما الحال بالانتخابات الاسرائيلية ، فالركيزة الرئيسة علي نجاح الحكومة وائتلافها مرهون بموضوع الصراع مع الفلسطينيين.

المراجع:
- برهوم جرايسي، تركيبة برلمانية تولد حكومة أزمات، المشهد الاسرائيلي – مدار، 6 مايو 2006
- أحمد مجدلاني : حكومة اولمرت- بيرتس وأجندة الحل الاحادي الجانب، موقع أمين ، 3 مايو 2006
- ناجي صادق شراب، خريطة حزبية سياسية جديدة في اسرائيل، موقع أمين، 15 ابريل 2006
- أكرم ألفي ، ورقة بحثية غير منشورة، القضايا الاقتصادية والاجتماعية في الانتخابات الإسرائيلية، 10 مايو 2006
- اعلان تشكيل الحكومة الاسرائيلية ، الاثنين 1 مايو 2006 ، موقع يديعوت احرنوت- هآرتس
- حلمي موسي، حكومة تصريف أعمال، المشهد الاسرائيلي 1 مايو 2006
- مي قابيل، فوز المتقاعدون في الانتخابات الاسرائيلية بين الاقتصاد والسياسة، مجلة القدس، السنة الثامنة، العدد 89 مايو 2006



#بيسان_عدوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صعود اليهود الشرقيين في المشهد الاسرائيلي
- المشهد الاسرائيلي بعد غياب شارون -قاديما وحماس
- خيار الوطن البديل - دولة فلسطين القادمة في الاردن
- أمريكا الدينية وإسرائيل3-3
- المشهد الديني السياسي الأمريكي 2-3
- أمريكا الدينية واسرائيل 1-3
- التحديات الفلسطينية فيما بعد الانسحاب من غزة
- مخططات توطين اللاجئين الفلسطينيين
- الدعم الامريكي للاستيطان ثقافة دينية ام سياسة
- الاستيطان الإسرائيلي في ضوء القانون الدولي
- هل بدأ العد التنازلي لدمشق؟
- الوضع الاقليمي الدولي بعد رحيل عرفات
- ايران النووية في مؤتمر هرتسليا الخامس
- الفلسطينيون 2004 عام الحزن
- الانتخابات الفلسطينية هل تحقق الاصلاح والديمقراطية
- الفلسطينيون في مصر بين السياسات التمييزية و الإقصاء من الجنس ...
- القضية الفلسطينية ما بين الإرهاب والكفاح المسلح جدلية الشرعي ...
- القنبلة الديمغرافية في إسرائيل وخداع النفس
- 2003 فيلم أمريكي طويل
- قراءة في أوراق فلسطيني 1948 : حول الوعي الجماعي والضبط الاجت ...


المزيد.....




- رصدته كاميرا بث مباشر.. مراهق يهاجم أسقفًا وكاهنًا ويطعنهما ...
- زلة لسان جديدة.. بايدن يشيد بدعم دولة لأوكرانيا رغم تفككها م ...
- كيف تتوقع أمريكا حجم رد إسرائيل على الهجوم الإيراني؟.. مصدرا ...
- أمطار غزيرة في دبي تغرق شوارعها وتعطل حركة المرور (فيديو)
- شاهد: انقلاب قارب في الهند يتسبب بمقتل 9 أشخاص
- بوليتيكو: المستشار الألماني شولتس وبخ بوريل لانتقاده إسرائيل ...
- بريجيت ماكرون تلجأ للقضاء لملاحقة مروجي شائعات ولادتها ذكرا ...
- مليار دولار وأكثر... تكلفة صد إسرائيل للهجوم الإيراني
- ألمانيا تسعى لتشديد العقوبات الأوروبية على طهران
- اكتشاف أضخم ثقب أسود في مجرة درب التبانة


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - بيسان عدوان - الحكومة الاسرائيلية الجديدة