أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - بيسان عدوان - قراءة في أوراق فلسطيني 1948 : حول الوعي الجماعي والضبط الاجتماعي والاقتصادي















المزيد.....


قراءة في أوراق فلسطيني 1948 : حول الوعي الجماعي والضبط الاجتماعي والاقتصادي


بيسان عدوان

الحوار المتمدن-العدد: 553 - 2003 / 8 / 4 - 02:55
المحور: القضية الفلسطينية
    




 

الفلسطينيون في عام 1948 كأقلية في إسرائيل :
تعتبر نكبة عام 1948 التي حلت بالشعب الفلسطيني وأدت إلي تدمير بنيته القائمة وتهجير أكثر من ثلثيه، نقطة مركزية في مسيرة تطور هذا الشعب
كان مجموع الفلسطينيين قبل عام 1948 حوالي 1.200.000 فلسطيني يعيشون في حدود فلسطين الانتدابية وقد تم تهجير حوالي 750000 وبقي 150000 في المناطق التي أعلن عليها قيام الدولة العبرية وهؤلاء شكلوا ما يقرب من 18% من السكان آنذاك وقد بلغ عددهم في عام 2001 1.227.500 (وهذا يشمل حاملي المواطنة الإسرائيلية والمقيمين أي بما فيهم سكان القدس الشرقية المحتلة والجولان المحتل عام 1967)، ويتمركزون في المنطقة الشمالية (الجليل) ويشكلون 50% من سكان المنطقة، و18% يعيشون في حيفا ويشكلون 22% من السكان (مدن مختلطة)، و12% يعيشون في منطقة الجنوب (النقب ويشكلون 13% من السكان).
ورغم إحساس إسرائيل بالخطر من ارتفاع نسبة المواليد بين السكان العرب واعتقاد بعض خبراءهم بأن ذلك يشكل ما يسمى بالقنبلة الديموجرافية واعتقاد العرب أيضا بأن هذا الوضع يدعو للتفاؤل بالنسبة لهم، إلا أن مؤشرات المستقبل لا توحي بذلك، فقد أشارت توقعات مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي إلى أن عدد السكان العرب/الفلسطينيين المحتمل في عام 2020 يشير إلى عكس ما يمكن أن يغير من الوضعية الديموجرافية في إسرائيل لصالح الفلسطينيين في إسرائيل أو حتي لصالح الدولة الفلسطينية التي ستصبح على تماس مع الدولة التي يعيش بها مجموعات تنتمي لنفس النسيج الاجتماعي والثقافي (انظر جدول رقم 2 - مكتب الإحصاء الإسرائيلي المركزي وبنك المعلومات عن العرب في إسرائيل ركاز).

 

 

حقيقة أوضاع عرب 1948 :
مارست إسرائيل بكافة أجهزتها الحكومية وغير الحكومية سياسات إقصاء وتمييز حولت الفلسطينيين إلي أقلية مهمشة اقتصاديا واجتماعيا لا تملك من الأرض إلا أقل من 3% بعد أن تم مصادرة الغالبية الساحقة من أراضيهم وتحويلهم إلي مصدر عمالة رخيصة للاقتصاد اليهودي، فنسبة من هم تحت خط الفقر في إسرائيل بلغت عام 2000 حوالي 17.6% وكانت نسبة الفلسطينيين منهم 42% وبلغ عدد العائلات الفلسطينية في إسرائيل التي تقع تحت خط الفقر 58.900 عائلة، أما نسبة البطالة الفلسطينية في إسرائيل فبلغت عام 1999 11.0% في حين بلغت لدي اليهود 8.5%، فيما نسبة الاشتراك في قوى العمل لدي الفلسطينيين 41.6% في مقابل 64.7 % لدي اليهود(مكتب الإحصاء الإسرائيلي عام 1999) ويمكن أن نلحظ الفروقات الاجتماعية والاقتصادية في المدن العربية واليهودية للتدليل علي الأوضاع الاقتصادية السيئة التي يعيشها الفلسطينيين في مناطق ال- 1948. فعلي سبيل المثال، متوسط دخل الفرد في الشهر في مدينة مثل الناصرة التي تشمل حوالي 60.000 نسمة من الفلسطينيين يبلغ 1834.53 شيكل فيما يمثل متوسط دخل الفرد في مدينة يهودية مثل نسيرت عيليت (الناصرة العليا) والتي يبلغ عدد سكانها 44.000 نسمة حوالي 2464.9 شيكل. أما في مدينة مثل أم الفحم العربية في الجليل والتي يبلغ عدد سكانها 36.800 نسمة يبلغ متوسط الدخل الشهري للفرد 1153 شيكل بينما في أور يهودا التي يبلغ عدد سكانها 27.900 نسمة من اليهود فيبلغ متوسط الفرد حوالي 2659.05 شيكل، وتنعكس تلك الفروقات في الأوضاع الاقتصادية علي قطاعات التعليم والصحة بين اليهود والفلسطينيين (مكتب الإحصاء المركزي الاسرائيلي2002).
إن ازدياد الفجوة الاقتصادية - الاجتماعية بين اليهود والعرب في إسرائيل، فضلا عن الأيديولوجية المتطرفة الحاكمة للمجتمع اليهودي هناك والتي تغذي نزعة إقصاء الآخر(الأقلية) يجعلان الحراك الفردي بل الجماعي أيضا بالغ الصعوبة، حتي لو كان الحراك متاحا لبعض الأفراد فإنه ليس بإمكان الحراك الفردي أن يكون مسلكا أساسيا يتبعه جميع أفراد الأقلية، وعليه فإن صعوبة تجاوز الحدود بين المجموعتين أو بالأحرى بين الأقلية للأكثرية مقرون بتصور عدم شرعية الوضع القائم سوف يؤدي بأفراد الأقلية إلي الانخراط في نضال جماعي لتحصيل عقد اجتماعي بديل أو أكثر عدالة مما يفسر لنا الزيادة المطردة في الوعي الفلسطيني في ال- 1948 بأهمية نضاله الجماعي ضد السياسات التمييزية للدولة العبرية تجاههم منذ قيامها حتى يومنا هذا ولعل عام 1976 المسمي بيوم الأرض يعتبر مثالا كلاسيكيا للنضال الجماعي والذي التحم فيه مركبا الهوية (المادي/الاقتصادي) معا إلا أنه لم يستمر طويلا لمواصلة عملية النضال الجماعي وذلك يعود لرد الفعل الرسمي العنيف تجاه الاحتجاجات العربية، وبدلا من أن تحاول السلطات الإسرائيلية بحث أسباب هذه الاحتجاجات ومعالجتها من جذورها، لجأت إلى إجراءات تهدف إلى القضاء علي النخب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي قادت الشارع الفلسطيني في الداخل الإسرائيلي بعدة طرق منها تفتيتهم ودمجهم فرادى في الأكثرية اليهودية عن طريق منحهم ميزات سياسية - اقتصادية داخل الدولة ومؤسساتها المختلفة وقد ازدادت فعالية هذه السياسة خاصة بعد أن طرأ تحسن ملحوظ في الأوضاع الاقتصادية في العقدين الماضيين رغم الفجوة البارزة بين اليهود والفلسطينيين في مستويات المعيشة كما أشرنا، إلا أن احتمالات مرور أفراد الأقلية (نخبهم) في الحراك الفردي ظل الهاجس الرئيسي للترقي الاجتماعي والاقتصادي والثقافي. وبهذا، فقد اختارت قيادات الأقلية الفلسطينية (غالبيتها من الطبقة الوسطى) تجنب تصعيد النضال القائم علي أساس اثني ضد الدولة وعوضا عن ذلك حولت النضال من البعد الوطني إلي الاهتمام بالمطالب الفردية والجماعية المدنية مثل المطالبة بتوظيف أموال حكومية متساوية في التعليم العربي وفي الخدمات المحلية وما شابة .. ولكن إلي أي مدى تمكنت تلك النخب من انتزاع حقوق مدنية متساوية مع الأكثرية المهيمنة في الدولة ؟
ولمعرفة مدى جدية مفهوم المساواة الذي تدعيه إسرائيل في معاملتها لمواطنيها العرب أم عبثيته سنذكر عدة ممارسات للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في العقدين الأخريين والتي اتبعت لبسط السيطرة المطلقة علي الأراضي العربية كاملة حيث لا يزال شعار إنقاذ الأرض هدف تضعه مؤسسات الدولة الرسمية كمسوغ لاستمرار مصادرة الأراضي وهدم البيوت العربية وإقامة المستوطنات ومن خلال التخطيط الممنهج والقائم علي احتواء البلديات العربية وحصرها في مسطحات بناء ضيقة ومكتظة وتطويقها من كل الجهات بموانع قسرية تحد وتعرقل تطورها وامتدادها الطبيعي .
خلال مرحلة التخطيط والتنفيذ لمشروع تهويد الجليل (لا مكان هنا للتوسع في أهداف المشروع التي تتركز حول الضبط السياسي والاقتصادي والاجتماعي للجماهير العربية) تم الاتفاق بين المؤسسات الصهيونية والحكومية الإسرائيلية علي التأسيس مجلس إقليمي مسغاب وذلك كآلية تنفيذ وضبط إدارة وتطوير للمشروع ومن خلال هذه الآلية تم وضع مائة وخمسين ألف دونم من الأراضي تحت سيطرة ومنطقة نفوذ هذا المجلس (آلية جديدة لمصادرة الأراضي العربية مستقبلا ) من هذه المساحة هنالك مائة ألف دونم يمتلكها السكان العرب من 17 قرية ومدينة عربية في المنطقة. أما بقية الأرض وهى خمسون ألف دونم فتدعي الحكومة وتلك المؤسسات بأن هذه الأرض هي ملك للدولة.. وهنا تجدر الإشارة إلى أن عملية وضع هذه المساحات من الأرض تحت سيطرة ونفوذ مجلس إقليمي مسغاب يخول الأخير وفقا لقوانين التخطيط والبناء الإسرائيليين مصادرة 40 بالمائة من هذه الأرض للمصلحة العامة . في مثل هذه الحالة وما سبقها من حالات، فالمصلحة العامة يعنى بها مصلحة السكان اليهود. وكذلك يحق لهذه المجلس الإقليمي أن يجبى الضرائب من أصحاب هذه الأرض ليقود بالنهاية إلى التنازل الطوعي عنها من قبل أصحابها العرب لعدم قدرتهم على تسديد مثل هذه الضرائب. إذن وفقا للمنطق الديموقراطي ووفقا لشعار المساواة المرفوع، يفترض في القيادات التمثيلية العربية - محليا وقطريا - مطالبة حكومة إسرائيل ومؤسساتها المختلفة بتوزيع الخمسين ألف دونم لأنها مورد عام أراض دولة على السكان في المنطقة عربا ويهودا و بالتساوي، إما وفقا لاحتياجاتهم التطويرية أو حسب النسبة المئوية للسكان. هذا ما يتوقعه المرء من القيادات التمثيلية العربية حين ترفع شعار المساواة . هل حدث ذلك..؟ هل سيحدث..؟ هل تجرأت وهل تتجرأ هذه القيادات على التقدم بمثل هذا المطلب وتعبئة الجماهير للحصول على حصتها من أرض الدولة ... وخاصة بعد مرور عقدين من الزمن على تأسيس مجلس إقليمي مسغاب الذي ما زالت الأرض العربية تحت نفوذه وسيطرته - إن القيادات العربية أسقطت من جندتها هذا الموضوع. هنا لا يبقى إلا أن نتساءل فيما إذا كانت القيادات العربية قد تنازلت عن المطالبة (الفعلية) بإعادة الأرض لمناطق نفوذها البلدية. (هناك قيادات عربية وافقت على ضم أراضيها لمجالس إقليمية وبلديات يهودية) هل فعلا يمكننا أن نتوقع أن تطالب هذه القيادات بتوزيع أرض الدولة مورد عام - بالتساوي على المواطنين العرب واليهود ؟ إذن عندما يتعلق الأمر بالأرض فشعار المساواة لا يمت بصلة لمثل هذا الموضوع الحساس . إذا كانت قضية الأرض قد حسمت لتبقى خارج شعار المساواة إذن ما هي المشاريع أو الأمور التي يجب أن تخضع للمساواة..
من النشاطات البرلمانية لأعضاء الكنيست العرب والاحتجاجات الموسمية للجنة الرؤساء يتبين أنه في صلب فهمهم لمفهوم المساواة هنالك موضوعان مهمان وهما الوظائف الحكومية والميزانيات.
منذ عدة سنوات تقوم القيادات التمثيلية العربية بالضغط على الحكومات الإسرائيلية لمعالجة عدة أزمات اقتصادية واجتماعية قائمة على التبعية القسرية المشوهة للاقتصاد العربي والقطاعات الإنتاجية الحكومية بما يحد من الفرص المستقبلية أمام الشباب العرب. هذه التبعية القسرية أدخلت قطاعات واسعة من الجماهير العربية في مسلسل الحلقات التخلفية . هذا التخلف الناجم عن التبعية القسرية لا يمكن فهمه إلا في سياقه التاريخي الذي بدا بشكل فعال مع إقامة دولة إسرائيل حينما قامت بفرض الحكم العسكري ومصادرة الأراضي والممتلكات العربية وضرب الصناعات الحرفية العربية وتحويل العمالة الزراعية إلى عمالة مأجورة، أي حرف المسار التنموي الطبيعي وربطه قسريا بالمركز الاقتصادي الإسرائيلي. إن أزمات الإسكان والبطالة والفقر والجريمة والمخدرات والأوضاع التعليمية والصحية والبنى التحتية بوضعها الحالي ما هي إلا نتائج حتمية لما قامت به السلطات الإسرائيلية وما زالت تقوم به حتي الآن...بينما حث العرب بأي خطاب سياسي يتفادى المطالبة بالحقوق الجماعية القومية العربية والاقتصادية والاجتماعية يتفاعل مع اللهاث وراء الوظائف الحكومية تحت شعار المساواة، والأغرب من ذلك أن هذه النخب تنكرت للحركة التي أوصلتها إلى ما هي عليه من مكانة اجتماعية اقتصادية وبدأت تتماهى مع الخطاب المحافظ الذي يتهم الضحية بدلا من اتهام المؤسسة الحاكمة في أسباب التخلف لهذه المجموعات.
إن المطالبة بمساواة ميزانيات السلطات العربية بنظيراتها في الوسط اليهودي بناء على الحجم السكاني والموقع الجغرافي هي مطالبة تتجاوز حقيقة ما تعرض له عرب 48 من ظلم تاريخي، فقد نشأت حالة عدم التوازن هذه من نشاط اقتصادي سياسي قسري اقترن بنشاط عسكري لصالح جماعة معينة على حساب جماعة أخرى. وقد بدأ عام 1948 (وحتى قبل ذلك) وما زال حتى اليوم. فحالة التخلف في الوسط العربي إزاء حالة التنمية في الوسط اليهودي ليست إلا نتيجة وحالة ابتدائية طبيعية متأصلة في واقع ما تعرض له المجتمع العربي تاريخيا من مظالم. فلولا الموارد الطبيعية العربية ولولا الفائض الاجتماعي العربي ولولا ممتلكات الغائبين - المنقولة - لما تمكنت إسرائيل من إرساء أسس تنميتها وتطورها في العقود الأولى من تأسيسها. فعمليتا التخلف (في الوسط العربي) والتنمية في (الوسط اليهودي) حدثتا وما زالتا تحدثان في نفس الوقت. ولهذا، فالمطالبة بالمساواة في الميزانيات يعنى التنازل ضمنا عما تم اقتطاعه من الفائض الاجتماعي للجماهير العربية على مدار خمسة عقود ونصف، وهو حق اجتماعي يجب أن يستعاد ويوجه للتنمية الجماعية للعرب من خلال قطاعات الاستهلاك الجماعي (تعليم، صحة، إسكان شعبي، أحياء سكنية جديدة، مؤسسات علمية وثقافية، بنى تحتية، مشاريع تنموية اقتصادية) .
إما الموقف الإسرائيلي الرسمي تجاه الاحتياجات التنموية للجماهير العربية فيمتاز بالغطرسة والاستهتار وفي أحسن الأحوال اللامبالاة. والسبب في ذلك هو تردي الحالة التنظيمية للجماهير العربية وقناعة واستعداد قياداتها التمثلية للقبول بالفتات . هناك العديد من الاتفاقات الموقعة بين حكومة إسرائيل و السلطات المحلية العربية بشأن الميزانيات العادية والتطويرية خلال التسعينيات لم تلتزم الحكومة بتنفيذها . في أعقاب أحداث أكتوبر للعام الماضي، وبهدف التهدئة وليس التنمية، أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن نيتها تخصيص ما مقداره مليار دولار تقريبا كميزانية تطويرية للوسط العربي سيتم توزيعها على مدار السنوات الأربعة المقبلة . والسؤال هو: هل ستقبل السلطات المحلية العربية بهذا الفتات ؟ والرد نعم. كأن هذا الفتات ووفقا لنظرية الضبط الانتخابي سيضمن لهؤلاء الرؤساء إعادة انتخابهم لآن الهدف الأساس والرئيس لكل رئيس مجلس محلى أو بلدي منذ اليوم الأول لتوليه منصبه هو ضمان إعادة انتخابه مجددا .
النشاط السياسي لعرب 48:
منذ عام 1948 تم إقناع جزء كبير من الجماهير العربية للمشاركة في عملية الاقتراع . وعلى مدار خمسة عقود، شاركت هذه الجماهير بنسب عالية (تراوحت ما بين 70-80 بالمائة ممن لهم حق الاقتراع).
وعلى مدار خمسة عقود كان وما زال وسيبقى السقف الديموقراطي أمام الجماهير العربية، أو بالأحرى، أمام أعضاء الكنيست العرب محدودا . وحتى الفترة ما بين 1992 - 1996 التي حكم فيها اليسار الإسرائيلي لم تتنازل تلك الحكومة ويسارها عن الصبغة الصهيونية للدولة حينما رفضوا قبول الأعضاء العرب في الائتلاف الحكومي رغم حاجتهم الائتلافية الماسة لذلك. وبالرغم من هذا الموقف قام الأعضاء العرب بدعم هذه الحكومة من دون أية محاولة جدية لترجمة هذا الدعم من أجل إحداث تغيرات بنيوية على صعيد العلاقات ما بين الطرفين(الدولة والعرب) . والأغرب من ذلك إن تلك الحكومة قامت بتجنب أعضاء الكنيست العرب - رغم دعمهم لها من خارج الائتلاف الحكومي - والالتفاف حولهم من خلال تحويل المزيد من الفتات لرؤساء السلطات المحلية . وكان قصد رابين وحكومته من ذلك هو تحجيم خداع الذات والانغماس الذاتي للأعضاء العرب حول قوتهم البرلمانية أما الزيادة الفتاتية في حينها للمجالس والبلديات العربية فلم تأت لتمثل تحولا جذريا في توجهات الحكومة تجاه العرب، بل زيادة طفيفة في الميزانيات خصصت بغالبيتها لتحسين مداخل القرى والمدن العربية. فالعملية السياسية الديموقراطية أمام العرب في إسرائيل عملية مبتورة .وتحقيق الحقوق الشاملة للعرب من خلال النضال البرلماني هو مضيعة للوقت وهدر للموارد، ومن ثم، فان الأعضاء العرب يقدمون خدمة جليلة، لا لجماهيرهم، بل لسمعة إسرائيل الديموقراطية في الخارج، وفي الآونة الأخيرة، للطبقات والنخب الحاكمة في بعض الأقطار العربية.
من يتابع دينامية الصراعات في القرى المحلية والمدن العربية حول قضية الانتخابات، لن يفاجأ بمدى التطابق بين ما ذكرناه أعلاه وهذا المثال. في تقرير عن الأوضاع البلدية في مدينة الناصرة قال د. طلال مريسات عضو المجلس البلدي لمراسل صحيفة كل العرب: في اعتقادي كان هم رئيس البلدية الشيخ موسى أبو رومي منذ اليوم الأولى هو كيفية انتخابه مرة أخرى بعد خمس سنوات، وليس تحقيق الصالح العام ... وهذا ما نلمسه على أرض الواقع مع وجود محسوبيات في التوظيف... الانفرادية في العمل حتى بدون الرجوع إلى أعضاء الائتلاف. هذا النمط من الأداء الإداري ليس مقصورا على شخص أبو رومي وحده، بل هي ظاهرة وأنماط سلوكية أضحت متأصلة في صلب الإدارة السياسية المحلية هدفها ضبط الانتخابات المستقبلية. لا تتم الانتخابات للسلطات المحلية العربية على أسس ومبادئ ومواقف وبرامج سياسية أيديولوجية حول مفاهيم وقضايا مثل: علاقة الموقع بالحيز العام العربي ومن ثم تفاعلاتها بالدولة، آفاق ومدى وإمكانية التعاون بين المواقع العربية المختلفة، قضايا العدل الاجتماعي، والنضال من أجل توزيع الثروة والقوة، خطط وبرامج واضحة المعالم حول آليات وتوزيع الموارد الأولية (حتى لو أنها محدودة جدا ) ولا سيما في قضايا الاستهلاك الجماعي، مركزية الحكم، دور الدولة في الاقتصاد، أو حول السياسات العامة (حلول) تعرضها القوائم المحلية المختلفة حول قضايا مجتمعية معينة مثل: قضايا التعليم(التسرب ومناهج التعليم ومضامينه) البطالة، الجريمة، المخدرات والتنمية الاقتصادية .
يعم البلاد عشية الانتخابات فيض من المنشورات، الإعلانات، برامج مطبوعة ونشرات لمرة واحدة... وكلها مليئة بالوعود بجنات عدن، ولكنك لا تجد خطة عملية واحدة لحل مشكلة اجتماعية معينة . ومع غياب الإطار الأيديولوجي وغياب برامجه العملية لمعالجة قضايا بارزة على الأصعدة المحلية و/ أو قضايا جماعية على الصعيد القومي . لا تبقى سوى الأطر الحمائلية والطائفية والفئوية وهى أطر جاهزة مشحونة ومعبأة ولا تحتاج إلا لاستدعائها رسميا . وحتى الأحزاب والحركات السياسية القطرية بدلا من أن تعمل على تغيير هذه الأطر واستبدالها فما حدث وما زال يحدث هو أن الحمائلية والطائفية قامت باحتواء الحزبية.. هذا التواطؤ الأيديولوجي للأحزاب والنزول عند رغبات المعادلات المحلية للعائلية والطائفية ناجم عن الحاجة الماسة لهذه الأحزاب والحركات السياسية لناخبي هذه العائلات والطوائف في الانتخابات البرلمانية . ومن ثم فممثلو الجمهور محليا ( من رؤساء وأعضاء مجالس محلية وبلدية) هم شخصيات مطلوبة تتم ملاطفتها ومغازلتها ليس من قبل قيادات الأحزاب والحركات السياسية العربية فحسب بل من قبل الأحزاب الصهيونية وغيرها من أجهزة الدولة . أما الأخيرة (الأحزاب الصهيونية وأجهزة الدولة المختلفة) فأهدافها لا تنحصر فقط في الحصول على الأصوات العربية في الانتخابات البرلمانية بل تتعدى ذلك لتحقق أهدافا أخرى مثل الضبط السياسي والاجتماعي والمحافظة على الوضع القائم.
إن الإشكالية الأساسية للفلسطينيين في مناطق عرب 48 هي وضعيتهم القانونية كمواطنين في دولة لا تعترف سوى بحقوق مواطنيها اليهود..، دولة قامت علي أنقاض شعبهم وتمثل النقيض لطموحاتهم الجماعية وهذا التناقض في الوضعية أدي إلي تناقض في أداء الفلسطينيين وردود أفعالهم بين رفض الدولة وبنيتها الصهيونية والمشاركة في برلمانها من منطلق المطالبة بالحقوق المدنية والمساواة داخل إطار دولة لجميع المواطنين الأمر الذي فرض واقع مشوه وأكثر ازدواجية مما هو عليه.

 



#بيسان_عدوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خارطة الطريق المتاهة القادمة للفلسطينيين
- إشكالية الهوية الفلسطينية بين المركز والأطراف - مقدمة لدراسة ...


المزيد.....




- السعودية.. ظهور معتمر -عملاق- في الحرم المكي يشعل تفاعلا
- على الخريطة.. دول ستصوم 30 يوما في رمضان وأخرى 29 قبل عيد ال ...
- -آخر نكتة-.. علاء مبارك يعلق على تبني وقف إطلاق النار بغزة ف ...
- مقتل وإصابة مدنيين وعسكريين بقصف إسرائيلي على ريف حلب شمال غ ...
- ما هي الآثار الجانبية للموز؟
- عارض مفاجئ قد يكون علامة مبكرة على الإصابة بالخرف
- ما الذي يمكن أن تفعله درجة واحدة من الاحترار؟
- باحث سياسي يوضح موقف موسكو من الحوار مع الولايات المتحدة بشأ ...
- محتجون يقاطعون بايدن: -يداك ملطختان بالدماء- (فيديو)
- الجيش البريطاني يطلق لحى عسكرييه بعد قرن من حظرها


المزيد.....

- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ
- أهم الأحداث في تاريخ البشرية عموماً والأحداث التي تخص فلسطين ... / غازي الصوراني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - بيسان عدوان - قراءة في أوراق فلسطيني 1948 : حول الوعي الجماعي والضبط الاجتماعي والاقتصادي