أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سالم المرزوقي - تونس: ثوره أم مؤامره أم شيئ آخر















المزيد.....

تونس: ثوره أم مؤامره أم شيئ آخر


سالم المرزوقي

الحوار المتمدن-العدد: 6441 - 2019 / 12 / 18 - 23:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تونس ثورة أم مؤامره أم شيئ آخر....؟


تسع سنوات مرت على سقوط رأس النظام بن علي ولا زال الجدل حوله ماهية الحدث يراوح مكانه بين دعاة الثورة ودعاة المؤامره ولعل عدم الحسم في هذا الشأن (ثورة أم مؤامره) كان من أسباب رداءة المشهد السياسي وتراخي مؤسسات الدولة وانهيار الاقتصاد وارتباك الشعب وحيرته ما سهل اختراق وحدته والتلاعب به سياسيا واعلاميا وانتخابيا.
لا خلاف من حيث الشكل فانتفاضة سنة 1984 سميت ثورة الخبز رغم أنها لم تحقق أي هدف سياسي و رغم أنها كانت أقوى وأشمل وقدمت شهداء أكثر بكثير من انتفاضة 17 ديسمبر 2010،لكن الخلاف الذي لم يحسم هو من حيث جوهر وماهية الثوره أي هل حققت الانتفاضة الحدث التحول النوعي في بنية المجتمع الثقافيه وغيرت السياسة والاقتصاد او حتى حاولت إحداث التغيير وفشلت أم أنها انتفاضة محدودة ومعزوله أريد لها أن تعم البلاد لقلب رأس النظام وتغييره؟

1- إذا اعتبرنا بالتاريخ وفي التاريخ عبره فالشعب التونسي ومنذ العهد القرطاجني والروماني حتى مقاومة الاستعمار الفرنسي والى اليوم لم ينجح ولو مرة واحده في تجسيد ثورة محليه مستقله عن الخارج(هذا لا يعني عدم وجود محاولات ثوريه محليه كثورة علي بن غذاهم التي فشلت وأجهضت) فكل التغييرات السياسيه والدول التي حكمت كان العامل الخارجي فيها هو الرئيسي وحتى مقاومة المستعمر الفرنسي التي جاءت باستقلال تونس كان العامل الفعال فيها اصلاحي سياسي تخللته محطات انتفاضيه بين الفترة والأخرى ولم يأخذ أي منحى ثوري كما حصل في عديد المستعمرات كفيتنام والجزائر وغيرها،هذا يعني أن تركيبة الشعب التونسي وثقافته ومزاجه النفسي وسلوكه الاجتماعي التي تراكمت عبر التاريخ بعدها غير مهيأه للانقلابات النوعيه كالثورة وقد شهدنا تاريخيا سهولة تطويعه وحكمه من طرف كل الغزاة والمنقلبين من عليسه الفنيقيه والرومان، مرورا بدول الاسلام شيعية كانت او سنية او عثمانيه وصولا لانقلاب 7 نوفمبر سنة 1987 لانهاء حقبة بورقيبه،وهذا ما يدحض كذبة الانتقال الديمقراطي التي محور منظري الثوره وتتمعش منها سلطة الاخوان ومنظومة ما بعد 14 جانفي والتي لن تعمر طويلا حسب اعتقادنا أمام الاستحقاقات الاقتصاديه والاجتماعيه للشعب التونسي الذي بإمكانه التعايش مع أعتى الدكتاتوريات وقبول حتى الانقلابات العسكريه في قادم الأيام اذا تواصل استنزافه وتفقيره بوهم الديمقراطيه، لكن لهذا الشعب ميزة متفرده طوال تاريخه وهي التمرد والانتفاض وعدم السكون حتى في أقصى حالات القمع والدكتاتوريهوهي ميزة سيكون لها شأن في المستقبل لكن ليس الثورة بمعناها الجذري كما يعتقد البعض.

2 ـ إن حدث انتحار محمد البوعزيزي حرقا لم يكن له أهمية لولا الضخ الاعلامي لتضخيمه وجعله أيقونه ثوريه فشباب تونس ينتحر ويغتال كل يوم ومنذ عقود نتيجة الضياع واليأس والاحباط ونكاد نجزم أن الشعب التونسي لن يهتم لحادثة احتراق البوعزيزي لولا الاعلام وخاصة فضاءات التواصل عبر الانترنت التي جيشت وأيقظت روح التمرد والانتفاض الكامنه فيه ،سيحاجج البعض: "وما العيب في هذا فذاك وسيلة لاطلاق شرارة الثوره"،الحقيقة أن العيب هنا بالضبط أي تلك الفضاءات الافتراضيه والاعلام التي تشرف على ادارتها أجهزة مخابرات وشركات ضخمه تدير الحروب وتوجه الاقتصاد العالمي والسياسه الدوليه ويشرف عليها خبراء محترفون في توجيه الرأي العام وتضليله كيف ما تشاء استراتيجياتهم وقد شهد العالم الرئيس اوباما والكنغرس الأمريكي يقفون تحية لتونس والذي ظنته الأكثريه تعظيما" للثورة التونسيه" عقب فرار الرئيس بن علي لكن في الحقيقة هو احتفاءا بنجاح خطة اطلاق مشروع الفوضى الخلاقه الأمريكي ودعاية مخادعه لتحفيز واطلاق المشروع في دول اخرى وهذا ما حدث في ليبيا ومصر وسوريا فيما بعد لدرجة وصل الغلو والحماسه ببعض شباب "الثورة" في مصر للمزايده بقدرتهم على اسقاط نظام الرئيس مبارك في فترة أقل من التونسيين.
لاحظوا أن حادثة اغتيال شكري بالعيد وخروج مليون ونصف من الشعب التونسي في العاصمه دون اعتبار الداخل لتشييع جنازته، كانت انتفاضة أقوى بكثير وأعمق في وجدان الشعب من كل الأحداث التي سبقتها بما فيها حادثة احتراق البوعزيزي التي ضخمت واستثمرت لطرد بن علي، فكان بالامكان تحويل تلك الجنازة الانتفاضه لمسار ثوري وتغيير نوعي لكن وقع احتواءها وتهميش جوهرها وتمييع بعدها الشعبي للحيلولة دون استثمارها سياسيا باسقاط سلطة الاخوان وبناء حكم وطني ديمقراطي اجتماعي ينعم فيه التونسيون والتونسيات بالحريه والكرامه بعيدا عن الارهاب والدكتاتوريه الدينيه التي ورثت دكتارية بن علي (ربما يتحمل اليسار التونسي الساذج جزء من المسؤوليه ذاتيا لكن للموضوعي الأهمية القصوى)
مما سبق يمكننا استنتاج أن تحركات الشعب التونسي في 17ديسمبر وما تلاها لم تكن إلا انتفاضات وتمردات واحتجاجات كسابقاتها في الحوض المنجمي وثورة الخبز وصدامات الاتحاد العام التونسي للشغل مع السلطه ليس أكثر ولم تكن أبدا بمستوى ثوره ولا يمكنها اسقاط النظام لا من ناحيه ثقافيه بتغيير في الوعي الجمعي للتونسيين ولا من ناحيه سياسيه بقيادة أحزاب لها برامج وبدائل بل احداثا دوريه اصلاحيه تعودها الشعب التونسي كلما ضاقت به سبل الحياة واستهدف في قوته وحريته.لكن ما حدث أن ثمة عامل خارجي وداخلي متآمر أراد شحن الأنتفاضة بالدماء عبر القناصه واستعمال الصدمات السياسيه المتتاليه لتحويلها لثورة مصطنعه على مقاس مشروع الفوضى الخلاقه التي ترفض الأمن والاستقرار والبدائل الاقتصاديه والسياسيه وتتعمد توليد الأزمات من بعضها حتى لا يدرك الشعب أهدافه ولا تستعيد الطبقه السياسيه انفاسها للتدارك.
ما تحدثنا عنه من مؤامره لا يعني أن نظام بن علي كان ضحية بل كان جزءا من منها ولولا عمالة أغلب المنظومه الحاكمه آنذاك لما استطاعت أجهزة المخابرات اختراق الدوله التونسيه والمجتمع والعبث بانتفاضة الشعب وإيصال الاخوان للسلطة على دماء الشهداء وتضحيات شباب الانتفاضة.الرئيس بن علي لم يكن ضحية بل كان غبيا راهن على القمع والدكتاتويه وعلى حماية الغرب لسلطته ولم يفكر أبدا أن صداقة امريكا قائدة المعسكر الرأسمالي أخطر من عداءها (الفكره للرئيس الفرنسي شارل ديقول).

3 ـ منذ الثوره الساندينيه في نيكارغوا سنة 1978 والثوره الايرانيه سنة 1979 ومنذ فرار آخر جندي أمريكي من سايغون في فيتنام، لم تحدث أية ثوره في العالم إلا واكتشفنا لونها المخابراتي الأمريكي وهذا ناتج عن المراجعه الأمريكيه لسياسة الهيمنه والاستعمار عبر قلب الأنظمه ومحاربة الدول والشعوب من داخلها وتفادي الحروب الاستعماريه المباشره وهي نظريات بريجنسكي استراتيجي الأمن القومي الأمريكي بعد هزيمة فيتنام،وحتى محاولة عودة الامريكيين للتدخل العسكري المباشر كما حصل في بيروت وبغداد فشلت وجوبهت بمقاومات عنيفه ما أجبر الأمريكيين للعودة مرة أخرى لسياسة التقويض من الداخل البرجنسكيه في استهداف الشعوب والدول وتلك كانت مهمة باراك أوباما الديمقراطي الذي دشن عصره بثورات الربيع العربي وتلميع صورة أمريكا كمصدر لدمقرطة العالم.
حتى الثورات السابقه للسياسه الأمريكيه مثل الثوره اليساريه المسلحه في كولومبا وقع تحييدها وتجميدها ومحاصرتها لإنهاكها واحباطها فلا نصر ولا هزيمه في انتظار تآكلها من الداخل وهو ما يحصل الآن.
إذن فلا مجال للحديث عن ثورة في تونس دون الانتباه للعوامل المحيطه اقليميا ودوليا والتي لا تساعد نهائيا حتى عن نصف ثوره او تغيير اصلاحي جذري وإلا أصبحنا نتحدث عن تونس كدوله معزوله في كوكب بعيد.

4 ـ إن المشروع الأمريكي للفوضى الخلاقه ليس بجديد وقد بدأت حلقاته منذ الثورات الملونه في أوروبا الشرقيه وقد بدأ في منطقتنا في لبنان كبطن رخوه بعد تصدي المقاومه اللبنانيه ودحرها للعدوان الصهيوني سنة 2006 لكنه فشل واصطدم بجبهة مقاومه مسلحه وقويه ومنذ تلك اللحظة بدأ التفكير الاستراتيجي الصهيو أطلسي في موقع ضعيف لاطلاق موجة جديده من الفوضى الخلاقه فكانت تونس الدوله الصغيره المتوسطيه المكان المناسب وفوجئ العالم بما فيه الأوروبيون بالمخطط ولم يلتحقوا إلا متأخرين.

5 ـ ختاما،حتى وإن اختلفت الآراء حول ماهية حدث 14جانفي 2011 في تونس، إن كان ثورة أو ثورة فاشله أو مؤامره فالنتيجه واحده وهي انتشار الفوضى وانهيار الاقتصاد وترهل الدوله ما سهل توطين الارهاب وانعدام الأمن وتغلغل المافيات واللصوص وذلك بصعود الاخوان كقوة تخلف رجعيه وهذا ليس صدفة بل ضمن المخطط المعد سلفا وكذلك ليس مفاجئا فقد نبه الاقتصادي سمير أمين للصعود الفاشي في الغرب والاسلام السياسي في منطقتنا منذ 2008 عقب أزمة الرهن العقاري في امريكا وبين أن أزمة النظام الرأسمالي دخلت مرحلة الانهيار الحتمي وان الصعود الفاشي واستعمال أدوات رجعيه كالاخوان والشعبويين ليس إلا مناوره ظرفيه لن تصمد أمام التغيير الانساني القادم في الاقتصاد والسياسة والذي لا زلنا لا ندرك تفاصيله بدقة لأن العالم وبفضل تطور العلوم والمعارف أصبح يتحرك بسرعة الضوء ما يجعله أكثر اندماجا وترابطا وأمتن أممية ولم يعد بإمكان القوى القديمة وقف تطور الانسانية الحتمي نحو الأفضل.
أخيرا تونس ليست بمنأى عما يجري في محيطها وما حدث في الجزائر من محاصرة المد الفوضوي عبر انتخاب رئيس جديد وسيطرة الجيش على كل منافذ الاختراق وما يجري في ليبيا لمنع تقسيمها هي مؤشرات أن منظومة الاخوان والفوضى في تونس في طريقها الى الانهيار والسقوط ونتمنى ألا يكون الثمن باهضا على شعب أثبت عبر تاريخه أنه طيب وحالم.

سالم المرزوقي ـ تونس ـ



#سالم_المرزوقي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأه والتقدم اذا أردنا
- هل قتل محمد مرسي ؟
- ملاحظات حول أزمة اليسار التونسي
- هل تخرج معركة طرابلس عن السيطره ؟
- وقعة الاخوان وقعة البرامكه
- رساله مفتوحه:ما هكذا تساس الدوله المدنيه يا سيادة الرئيس
- هل تونس على أبواب الحرب الأهليه ....؟
- قراءه في التحالف النداخواني الحاكم في تونس
- نبيل فياض المثقف المشتبك
- أمريكا رأس امبراطورية الرأسماليه لن تنهار،ربما تنهض
- تونس الفسفاط الغنيمه
- أضلاع التجاره البينيه وصماصرة السياسه والدين
- يعيش المثقف على مقهى ريش
- الشرق الأوسط بين الحرب والسلم
- -مطر حمص- في أيام قرطاج السينيمائيه
- القيمه الفنيه في الشعر الشعبي من خلال شاعر تونسي
- 18 أكتوبر خديعه لليسار التونسي
- رساله مفتوحه في تشظي اليسار وفقره الثقافي
- قراءة خطاب السيد حسن نصرالله
- قطوف تزهر في الصحراء


المزيد.....




- مصر.. ساويرس يرد على مهاجمة سعد الدين الشاذلي وخلافه مع السا ...
- تصريحات لواء بالجيش المصري تثير اهتمام الإسرائيليين
- سيدني.. اتهامات للشرطة بازدواجية المعايير في تعاملها مع حادث ...
- ليبيا وإثيوبيا تبحثان استئناف تعاونهما بعد انقطاع استمر 20 ع ...
- بحضور كيم جونغ أون.. احتفالات بيوم الجيش في كوريا الشمالية ع ...
- بلينكن يأمل بإحراز تقدم مع الصين وبكين تتحدث عن خلافات بين ا ...
- هاريس وكيم كارداشيان -تناقشان- إصلاح العدالة الجنائية
- ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟
- عراقيل إسرائيلية تؤخر انطلاق -أسطول الحرية- إلى غزة
- فرنسا تلوح بمعاقبة المستوطنين المتورطين في أعمال عنف بالضفة ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سالم المرزوقي - تونس: ثوره أم مؤامره أم شيئ آخر