أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - رواية (السوارية) ح5 _1















المزيد.....

رواية (السوارية) ح5 _1


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 6323 - 2019 / 8 / 17 - 07:28
المحور: الادب والفن
    


سيدة الماء ... سيدة الوجع
عندما خلق الله آدم ذكر وأنثى قسم العمل بينهم ولم يترك لهما حرية القرار بأختيار نوع العمل، آدم الذكر القوي البنية القادر على أن يكون الأب والزوج والحارس والمعيل لم تنافسه آدم الأنثى بهذا العمل وتخصصت بالأعظم منه أم وزوجة ومربيه تتحمل الألم وكأنه جزء من حياتها دون أن تطلب من الزوج أن يشاركها مثلا في تحمل جزء منه، هكذا سارت المهمة في بناء المجتمع الإنساني من بعدهما تخصص وأختصاص وتوزيع الأدوار دون أن يتضعضع نظام الأسرة والمجتمع، هكذا فهمت الحياة لاحقا بعد إن كنت أرى سيدات الماء والطين في السوارية غائصة حد ركبتيها في الماء أيام (التخوفر)، أو حمالة من طراز فريد أثناء موسم الحصاد.
سيدات الماء في الريف كما هن في المدينة جزء مهم ومهمل من قوى الإنتاج ومصدر من مصادر دخل الفرد الذكوري دون حساب تكاليف، فهي محسومه مع البضعة من الدنانير التي يدفعها لشراء عروس وخادمة وعامل وعبد أحيانا، الريف هو الريف في كل مكان لا تتميز السوارية عن غيرها فقط إلا بكثرة الألم التي تتحمله النساء والقهر وكأنها خلقت خارج نظام الكونية الآدمية، تراها في كل مكان وفي كل وقت ولا تخلو ساعة من دون أن تعمل لا لترتقي به ولكن ليرتقي بها الرجل فيصبح أكثر قدرة على أن يختار ثانية وربما ثالثة والعذر دوما شرعي وعملي والأرض تحتاج والرجل بما يترك من أولاد عزوة وأيدي عاملة لخدمة الأرض.
تسواهن وحسنه وكميلة وفطيم وعدهن ومليحة وغيرهن من النساء اللائي مررن بحياتي وأنا في أول مشوار العمر كل واحدة منهن لها قصة بل جريمة ترتكب يوميا وتحت انظار المجتمع الذي هو محفل رجال فقط، والخصومة ضدهم وهم الحكام النبلاء الذين لا يرجون إلا الفوز دوما حتى تمضي سفينة الحياة، تسواهن زوجة عبد أل .... عمها أو حماها يتاجر بالشلب فيشتريه في موسم الحصاد في أرضه، ويتولى عبد نقله بعربته التي يجرها حصان يوميا فتخزن في الدار، تسواهن السيدة أم لأربعة أطفال هي من تقوم يوميا بحمل الأكياس الممتلئة بالشلب من العربة لتخزن في غرف البيت، مرتبة على صفوف وأحيانا عليها أن تصل بهم إلى أعلى ما يمكن وعلى (دراب) خشب.
الزوج يترك كل شيء بعد أن يصل ليتناول طعامه ومن ثم يأخذ سنة من النوم أخواته التي بعمر تسواهن وأكبر عليهن فقط بأمور البيت البسيطة، مرة كنت حاضرا المشهد بكل تفاصيله، تسواهن تجمع الصحون والقدور لتغسلهن وتنظفهن بـ (السبوس) وتراب الحنطة كما هي الطريقة المعتادة في غياب مواد التنظيف في ذلك الوقت، تحمل كل شيء على رأسها لتذهب بهن إلى الشريعة في جرف السوارية حيث الماء مباح وبلا ثمن فتعود والأواني والصحون والقدور تلهث لامعه مع أشعة الشمس.
وصلت وجدت العربة ممتلئة بحوالي طن ونصف من أكياس الشلب فما أستمهلها الزوج إلا بالسب والشتم وتركت كل شيء لتمارس عبوديتها وتنقل كل الحمولة إلى الغرفة، كان علي طفلها الصغير يبكي من الجوع وهي لا وقت لديها لترضعه، أنهت نقل الأكياس وقدمت الماء والعلف للحصان بعد أن فككت كل ما يربطه بالعربة في زاوية الظل من البيت وسحبت العربة لتركنها في جانب الحائط وما زال علي يبكي.
عندما ما مات ابو عبد وزعت تركته على الجميع وأولهم عبد وأكثرهم نصيبا، أما تسواهن التي كانت العبد والعامل الأهم فيما جمعه المرحوم من ثروة مدة وجودها معهم فما كان حصتها إلا اللطم والبكاء وخدمة المعزين والمعزيات بلا كلل ولا ملل، كان نصيبها الأكبر أما البنات التي بقين بعده من العازبات فليس عليهن سؤال، المصيبة كانت تعفيهن من المشاركة في كل هذا التعب والعذاب والضجيج الذي كله بلا معنى سوى النفاق، أما تسواهن فهي سيدة العذاب هنا وسيدة الألم التي تتوجع بصمت وتتألم من خلف جدار أصم.
والف تسواهن في المدينة وألاف منهن في الريف حتى حسنه التي مكثت في بيتهم لمدة عشرة أيام في أثناء عطلة الصيف فلا تختلف حكاية الألم والوجع عندها عن ألم ووجع تسواهن إلا بالتفاصيل، تنهض حسنه فجرا كل يوم لتعجن الطحين قبل أن تغسل وجهها ثم تذهب مباشرة لتعطي العلف للبقرات الثلاث وتعود لتجمع الحطب للتنور، تتأكد أن كل شيء مرتب حسب أهميته تذهب لتحلب بينما البقرات يمضغن العلف والبوه بشغف، علاقة البقرة مع مربيتها علاقة ود رأيتها وأختبرتها بنفسي فهي علاقة أخذ وعطاء وخدمة متبادلة، تشعل حسنة قليلا من البوه وهي سيقان نبات الشلب المهملة والمتيبسة واحيانا من فضلات الأبقار بعد أن تضعهم في الكانون لتسخين الحليب.
ما أن ينتهي عمل الحليب والترويب حتى تبدأ بسجر التنور والبدء بتقطيع العجين على شكل كرات صغيرة (شنك) في الـ (طبك) المصنوع من عيدان الحلفاء والخوص وقد غطي بالطحين كي لا تلتصق العجينة به، كل ذلك يجري والرجل سيد آدم ما يزال يغط في النوم حتى يستفيق قد أكملت حسنه الفطور، الخبز الحار واحيانا الزبد أو (الروبة) أو من بيض الدجاج ليأكل ويشرب الشاي ثم يستخرج كيس التتن فيدخن السيجارتين أو الثلاث ليقر ماذا يفعل، حسنة لحد هذا الوقت لم تغسل وجهها وربما حتى لم تستطيع حتى الذهاب الى (الجول) لتفرغ ما في بطنها ومثانتها.
هذا كله يجري والشمس لما تطلع بعد والنهار في أوله والقادم أكثر تعبا وأشد إيلاما، المؤلم حقا أن رجل حسنه يفكر أن يتزوج هذا العام بعد موسم الحصاد الذي لم يبدأ أصلا، فما زالت العويدات علة قدر طول شبر أو أقل، حمل مسحاته وذهب يتفقد الماء يفتح هذه العبرة ويغلق تلك ويتنقل بينها وهو يفكر في العروس القادمة أو العبدى اللاحقة التي مصيرها مصير حسنه بالتأكيد، أكلت شيئا من الخبز وقليلا من الشاي وفكت رباط البقرات اثلاث لتذهب كالعادة لترعة فيما حملت المنجل والباذروة لتنظف الحقل من النباتات الطفيلية من بين شتلات الشلب وتجمعهم في عباءة ليكون علفا أخضرا للحيوانات عند عودتهن مساء.
لم ولن تنتهي المعاناة هنا ولا هناك فرصة للراحة وبانتظارها أن تعد وجبة الغداء والعجن مرة أخرى لوجبة العشاء، وأيضا عليها أن تنتظر للكثير من الطلبات حين يحضر احد كضيف أو (مسير) لجناب الباشا ولا ننسى وجبة المساء من الحلب والترويب وووووو غيرها من المهام، ما أن تغيب الشمس ويبدأ موسم الحشرات اللاسعة فعلى حسن أن تعد قبل ذلك المدخنة وهو من فضلات البوه الرطب حتى تبعد عنهم تلك الحشرات التي تتخذ من الماء بيئة نامية وطبيعية لها.
سيدات الماء والألم لسن من صنف البشر بنات آدم خلقن لكم وأنتم أحرار بهن، هذا ليس شعارا بل هو عقيدة متجذرة في الذات الذكورية المتنقلة بين الجينات والأصلاب، أين شريعة الخالق فيما خلق وأين حقهن الأقتصادي والإنساني وهن محور المجتمع وأداته التي لا تتكلم إلا حين تقول (نعم وأنت وكيلي)، هل يقبل آدم الذكر أن يكون الثور الذي يدور ليملأ الساقية وحظه من الماء شربه تبقيه حيا ليكرر الدوران ولا تجف الساقية، سيدات الماء والطين والعذاب قصص وحكايات وروايات لا تنتهي حتى ينتهي السيد الرجل من التمرغل بالأنا المفرطة التي تبيح له كل شيء وهو يعلم أن أبنته وأخته وأمه ضحية الميزان الأعوج هذا ويبقى صامتا لأنه لا يريد أن يخرق ناموس الظلم.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية (السوارية) ح4 _2
- رواية (السوارية) ح4 _1
- رواية (السوارية) ح3 _2
- رواية (السوارية) ح3 _1
- أختلاجات في عرض الحقيقة
- رواية (السوارية) ح3
- رواية (السوارية) ح2 _2
- لعنة ال لو
- رواية (السوارية) ح2
- رواية (السوارية) ح1
- القانون بين وجوبية التطبيق ورغبة الخارجين عنه.
- العبودية وامتهان كرامة الإنسان
- هل لنا أن نجعل الدين ديمقراطيا في الواقع؟
- مشروع إعادة بناء الدولة العراقية _ خطط ومناهج ج1
- مشروع إعادة بناء الدولة العراقية _ خطط ومناهج ج2
- أساليب النهج الكهنوتي في رسم دائرة الوعي الديني
- العقل الجمعي بين الوعي المختار وهوس الجماعة
- الحاجة الفعلية للديمقراطية وحصاد الربيع العربي
- الأستحمار الفكري والمعرفي وعلاقته بمفهوم العقل الجمعي
- نداء...إلى متظاهر في شوارع البصرة


المزيد.....




- مصر.. الفنان محمد عادل إمام يعلق على قرار إعادة عرض فيلم - ...
- أولاد رزق 3.. قائمة أفلام عيد الأضحى المبارك 2024 و نجاح فيل ...
- مصر.. ما حقيقة إصابة الفنان القدير لطفي لبيب بشلل نصفي؟
- دور السينما بمصر والخليج تُعيد عرض فيلم -زهايمر- احتفالا بمي ...
- بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي ...
- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - رواية (السوارية) ح5 _1