أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - أسماء غريب - (8) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غريب : حوار أجراه من ستوكهولم الأديب والتشكيلي صبري يوسف















المزيد.....

(8) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غريب : حوار أجراه من ستوكهولم الأديب والتشكيلي صبري يوسف


أسماء غريب

الحوار المتمدن-العدد: 6321 - 2019 / 8 / 15 - 15:03
المحور: مقابلات و حوارات
    


هل تريدين القول إنّنا تجاوزنا مرحلة الجنّة والنّار والنّعيم والعذاب؟
*
لكلّ جنّته وناره، يطّلعُ عليهما في الحياة الأولى قبل الرّحيل إلى الحياة الجديدة. وحتّى هنا فإنّ الإنسانَ وحده هو من يُحدّدُ أين يكون: جنّة خالدة، أو جحيم مُستعِرة إلى الأبد. والجنّة هي حالة روحيّة، والجحيم كذلك، وكلّ ما له علاقة بالرّوح تتجسّدُ صُورُه، وهذا يعني أنّ عملَ الإنسان يأخذُ صوراً معيّنةً حينما يتعلّقُ الأمرُ بالعالم الأثيريّ. الجنة والنَّار مفهومان كيميائيّان خالصان، وهمَا نتيجتان منطقيَّتان لعمل كلّ إنسان وتطوّرِه المعراجيّ، ولأنّ النّاسَ لليوم يعتمدون في عملهم على معرفتهم العقليّة، فإن حياتَهُم حالة من الجنون الخالص، وكيف لا وقد فقدوا الطّريق الأمثل إلى المعرفة الّذي هو القلبُ ثمّ الرّوح. عقلُ الإنسان اليوم أصبح عبارة عن مستنقع وا أسفاه، في الوقت الَّذي كان من المفترض أن يكون عقلُه كقلبهِ بئراً، لا مستنقعاً ولا بُحيرةً. والفرق بين البئر والمستنقع كبير جدّاً. حينما أتحدّثُ عن العقل المستنقع فإنّني أعني العقلَ الَّذي يعتمدُ في معرفته على أبجديّة الآخرين بما فيها الكتب المقدّسة، وكتُبِ الحضارات الأولى القديمة الَّتي لم يستطع لليوم أن يُجدّد فيها أحد إلّا بما هو عقلٌ محض، يعتمدُ على نقل الأفكار لا تجديدِها، الكلّ منشغل بما قاله القرآن وبما قالته الأناجيل والكتب المقدّسةُ الأخرى، وبما قاله الفلاسفة القدامى، وبما قاله العرفاء الأوائل، والشّرّاحُ والمترجمون والمفسّرون ورجال الدّين والعلوم والقانون والطّبّ وما إلى ذلك، وكلّ واحدٍ من هؤلاء يعتبرُ نفسَهُ مُجَدِّداً، ولأنّه مجرّد مستنقع فإنّكَ تراهُ يعيش في خوفٍ مستمرّ من أن يأخذ أحدٌ من مائه ويحملَه إلى مستنقعٍ آخر ليتبنّاه كفكرٍ خاصّ، ألمْ تسمعْ بظهور قوانين حفظ الملكيّة الفكريّة؟ وعن أيّ فكرٍ يتحدّثُ كلّ هؤلاء، والإنسانيّة آلت اليوم إلى ما آلت إليه من جنون شامل أقصى تمظهراته هي الحروب المندلعة في كلّ مكان؟!
أقول "المستنقع" لأنّ الأمر فيه نوع من الاجترار، وهذا أمر لا يمكن أن يوافقني عليه إلّا أصحاب القلوب والعقول المتنوّرة، الّذين لا يمكنهم أن يتحمّلوا ولو لدقائق قليلة الجلوسَ مثلاً في قاعة للندوات أو المؤتمرات الّتي تُعقد يوميّاً من أجل مناقشة قضيّة فكرية أو إنسانيّة ما: إنّ المثقفين والمفكّرين اليومَ على اختلاف درجاتهم وانتماءاتهم لا يقدّمون سوى الأطباق الحامضة: لا جديد، لا جديد! ولو كانت العقولُ آباراً لاختلف الأمر. البئرُ لا تحتاج لماء يُجلبُ لها من مستنقع ما ولا من بحيرة كيفما كانت، لأنّ ماءَها ينبع من داخلها، ويتجدّدُ باستمرار. لأجل هذا فإنّ المعرفة النَّابعة من الدّاخل أيْ من البئر الإنسانيّة الأولى هي مرتبطة بالمحيط مباشرة، أيْ بذاتِ الإنسانِ العليا، وهي لهذا معرفة إلهيّة محضة تتجدّدُ كلّما نهل منها النَّاس، ولا يخافُ صاحبُها من السّرقات الفكريّة، ولا من أيّ شيء من هذا القبيل، لأنّه يعلمُ جيّداً أنّه كلّما تقاسَمَها مع الآخرين كلّما كانت المنفعة أشمل. دعني أضربْ لكَ وللقرّاء من خلالكِ مثالاً بسيطاً عن المعرفة والعلم البئريّ هذا. هل تتذكّرُ محمّداً، الفتى الطّاهر الَّذي ظهرَ في صحراء قاحلة، وخرج على قريش بعلم جديد لا قِبَل لأحد منهم به أبداً، وهو الّذي كان أمّيَّاً لا يعرف القراءة ولا الكتابة؟ نعم هو ذاك، وجيّد جدّاً أنّك تعرفه، وتعرفُ أيضاً أنّه ظهر العديدُ من البحّاثة ليقولوا بأنّ محمّداً لم يكن أمّيَّاً أبداً، وإنَّما كان يعرف القراءة والكتابة ظنّاً منهم أنّهم هكذا سيرفعون من شأنه ويساوون بينه وبين غيره من أنبياء آخرين. إنّ من يُحاول عدم الإقرار بأمِّيّة محمّد إنَّما يفعل هذا لأنّ ليس لهُ دراية بعلوم البئر كيف ولماذا تتفجّرُ في القلب والرّوح؟ ألمْ يقُلِ اللهُ إنّهُ قد علّمَ آدم الأسماء كلّها؟ إذن هذا كافٍ جدّاً، ويعني أنّ كلّ المعرفة الحقّة هي كامنة بداخل أجسادكم الّتي هي بمثابة الآبار، وما عليكم سوى أن تفجّروها لتعرفوا حقيقتكم الكبرى وتتعرّفوا على الخالق من خلالها. لقد تحدّث اللهُ كثيراً عن الآبار في كتبه الأولى، وكان دائماً يعني بها آبار العلوم اللّدنيّة، لكن لا أحدَ يُنصتُ إلى كلماته كما يجب الإنصاتُ حقّاً. هل تتذكّرُ بئْرَ هاجر، وبئر يوسف، وغيرهما من الآبار الأخرى؟ أنتم لم تأتوا إلى هذه الحياة لتتعلّموا وإنّما لتفجّروا آباركم، ولتتذكّروا علومها، كم مرّة قالها الله: اذكروني أذكركم. مسارُ التَّذكّر هذا هو أكثر أهميّة من مسار التَّعلّم.
محمّد الصّبيّ الأميّ تفجَّرتْ بداخله البئر، وغرفَ من علومها وتحدّثَ بما لم يتحدّث به أحد قبلَه، فكان رحمة لأهل الرّحمة وكارثة لمن لمْ يستوعبْ حقّاً الحقيقَة المحمديّة من أهل قريش وغيرهم. هذا كلّ ما في الأمر. عليكم أن تستوعبوا فكرة واحدة: الإنسانُ كما هو اليوم في حالة احتضار، وعليكم أن تساعدوه على الموت حتّى يولدَ إنسانٌ آخر جديدٌ مكانَه، يكونُ قادراً على الاهتداء إلى سبيل العلوم اللّدنيّة الّتي فيها خلاصكم. أنتم لستم بحاجة إلى أن تصبحوا مجرّد ببغاوات في غابة الإنسانيّة الكبيرة تردّدون على مدى العصور ما قاله القدماء دونما إدراك ولا وعي ولا بصيرة. عليكم أن تهجروا المستنقعَ وتبحثوا عن البئر في أجسادكم:
((جسدُكَ
مدينةٌ لم يفتَحْهَا بعدُ أحد
ولا أنتَ عرفتَها يوماً
ولا رأيتَ حُرّاسَها الشِّداد الغلاظ
ولا حَلّقْتَ في سماواتها الحُمْرِ
أو ركبتَ أطباقَها الخُضْرِ المُضيئة.
جسَدُكَ
كونٌ ما بعدهُ كون
وأبوابٌ
ما وقفتَ عند عتباتِها
ولا طرقْتَهَا بالسَّمْعِ والسّماعِ
ولا بالنُّور ولا بالنّار.
جسدُكَ
بئر مظلمةٌ
والمصباحُ فيها مُنطفئ
وا أسفاه
وأنا مُندهشةٌ جدّاً
كيفَ أنّك لليومِ
تقولُ إنّ النّهارَ صحوٌ
لا غيْم فيه
والقنديلَ مُشتعلٌ
وزيتُهُ كثير
فإمّا أنّكَ أعمى
وإمّا أنّي سكرانة
ولا أنتَ ترى البيتَ
ولا أنا أعرفُ الطّريق إليه؛
أعني إلى جسدكَ
وجَسدِي
وأجسادِهم؛
بيوتاً مظلمة
ولا نورَ فيها
وا أسفاه.))
إنَّها حكاية الأعمى والسّكران في كلّ زمان ومكان. وهنا مربط الفرس أيُّها القارئ العزيز. إنّني بصدد فتح قناة هذا الحوار الجديد معكَ، لأحفرَ في بئركَ الدّاخليّة وأجعلكَ تتخلّصُ من موروث المرحلة السّابقة. نعم، أعلم أنّ هناك مثلكَ ممّن قضى لليوم عمرَه يدرسُ ويحشو عقله بالكتب الشّاهقة في شتّى المجالات، لكنّكَ الآن أنت مقبل معي على مرحلة جديدة من حياتكَ. عليك أن تُحدّدَ من أنتَ؟ وإلى أينَ أنتَ ذاهبٌ؟ وهل وصلتَ إلى نبع الماء في بئرك الدّاخليّة حقّاً، أم أنّكَ مازلتَ تحفرُ وتزيلُ العوائق والحواجز الواحدة تلو الأخرى. ولتتذكّر أنّه ليس عليك فقط أن تنفض عنك غبار القراءات الماضية، وتفتحَ قلبكَ على مصراعيْه وتجعلَهُ مستعدّاً لعلوم الذّات العليا، ولكن عليك قبل كلّ شيء أن تتذكّرها لا أن تتعلّمَها، فالتَّذكّر أمرٌ مهمّ للغاية، والذّاكرة تحتاجُ منكَ لأن تفرغَها من كلّ الرّواسب العالقة بها من ماضيكَ العقليّ والعقلانيّ القريب. ولتتذكّر أيضاً أنّ العقل الإنسانيّ اليوم هو بحاجة شديدة إلى هذه الوقفة التأمّليّة، للدخول في حضرة الصَّمت والإنصات إلى الأشياء من الدّاخل، ويكفي الإنسانيّة جنوناً وتيهاً وعطشاً وجموداً ما بعده جمود.



#أسماء_غريب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (7) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غ ...
- (6) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غ ...
- (5) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غ ...
- (4) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غ ...
- (3) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غ ...
- (2) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غ ...
- رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غريب ...
- حَجَرُ باخ
- هيكل سليمان
- ما تصنعُهُ العتمة: زوي فالديس (كوبا): ترجمة أسماء غريب
- ثلاثُ قصائد للشّاعرة البرازيلية أديليا برادو: ترجمة أسماء غر ...
- اللّيل: أليخاندرا بيثارنيك (الأرجنتين) / ترجمة أسماء غريب
- المُعلّمُ في الطّريق
- لا أطلبُ منكِ - ماريو بينيديتّي (الأوروغواي) - ترجمة أسماء غ ...
- امرأة البحر
- مطرٌ من الألماس
- القصيدة الذهبية
- في ترجمَةِ ما لا يُتَرْجَمُ؛ تجربةُ المُسْتشرقِ الإيطالي ألي ...
- العقلُ الأخلاقيّ بيْنَ حضَارتَيِ القولِ والفِعْل عندَ جواد ع ...
- رسالة آتون الأخيرة


المزيد.....




- سموتريتش يهاجم نتنياهو ويصف المقترح المصري لهدنة في غزة بـ-ا ...
- اكتشاف آثار جانبية خطيرة لعلاجات يعتمدها مرضى الخرف
- الصين تدعو للتعاون النشط مع روسيا في قضية الهجوم الإرهابي عل ...
- البنتاغون يرفض التعليق على سحب دبابات -أبرامز- من ميدان القت ...
- الإفراج عن أشهر -قاتلة- في بريطانيا
- -وعدته بممارسة الجنس-.. معلمة تعترف بقتل عشيقها -الخائن- ودف ...
- مسؤول: الولايات المتحدة خسرت 3 طائرات مسيرة بالقرب من اليمن ...
- السعودية.. مقطع فيديو يوثق لحظة انفجار -قدر ضغط- في منزل وتس ...
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة نفط بريطانية وإسقاط مسيرة أمير ...
- 4 شهداء و30 مصابا في غارة إسرائيلية على منزل بمخيم النصيرات ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - أسماء غريب - (8) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غريب : حوار أجراه من ستوكهولم الأديب والتشكيلي صبري يوسف