أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - صُهَيْبَة














المزيد.....

صُهَيْبَة


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6300 - 2019 / 7 / 24 - 09:22
المحور: حقوق الانسان
    




لسببٍ ما، كلّما دقّت نواقيسُ الثانوية العامة، أتذكّرُ السؤالَ الشهير الذي كان يسألونيه أصدقاءُ أمي وأبي، وأنا طفلة: (نفسك تكوني إيه لما تكبري؟). وأتذكّرُ حُلمَ أن أغدو مُعلّمةً أمسكُ بالطبشور فيتتبعُ الأطفالُ خطواتِ يدي تخطُّ على السبورة، وأحمل في رأسي "جميعَ" معارف الدنيا، كما كنت أعتقدُ في مُعلّماتي. وأتذكّر أن ذاك الحلمَ لم يتحقق. بل غدوتُ مهندسةً، وكاتبةً، وتبدّد "وهمُ" أن قلمي سوف ينجح في نزع الظلام والبغضاء من هذا العالم؛ مثلما حلُمنا جميعًا، حين كنّا صغارًا، بأننا سوف نغير الكونَ إلى الأجمل. ولسببٍ ما منذ عام 2012، كلّما سمعتُ السؤال: (نفسك تكون إيه لما تكبر؟)، استدعَى عقلي على الفور وجهَ طفلةٍ بريئة، اسمها "صُهيبة".
حين نسألُ أطفالَنا ذاك السؤال، تغمركَ إجاباتٌ: "طيار، مهندس، دكتور، مُدرّسة، مضيفة، رائدة فضاء، راقصة باليه". سؤالٌ عابرٌ للأزمان والجغرافيا. قبل دخولي المدرسة، قلتُ لأمّي: “أودُّ أن أكونَ عصفورًا، حتى أرى الكونَ من عَلٍ، وألمسَ السماءَ بطرف جناحي. وحين أحزنُ؛ أصعدُ قليلاً لكي تمسَّ يدي يدَ الله، ليربِّتَ على ظهري بحُنوٍّ، فأستردُّ فرحي.” وقتها، كنتُ أظنُّ أن بوسعنا التجوُّل بين الفصائل فنصبح عصافيرَ وفراشاتٍ، وثعالبَ، وأُسودًا. وأنَّ اللهَ، المُطلقَ الجمال، يسكنُ في السماء الزرقاء تلك التي نراها، لا يفصلنا عنه سوى بضعة كيلومترات لأعلى، سوف أقطعُها بجناحيّ الصغيرين، وقتما أشاء، وكلّما ضربني الحَزَن.
كبرتُ. ولم أغدُ عصفورًا! ولم ألمس يدَ الله، وإن مسّتْ يداه قلبي. لكنني "كبرتُ" وسألتُ أطفالي السؤالَ ذاته. وسألتُ كلًّ طفلٍ التقيته. وحصدتُ إجابات كثيرة: "ضابط، عالِم، أديب، بيانيست، …."
لكنني لم ألتق بالطفلة الجميلة " صُهيبة". وإلا ما قويتُ على سؤالها لئلا أسمع إجابتَها المُرّة: "نفسي أعيش!" لا أظنُّ أن أحدًا سمع إجابتها على شاشات التليفزيون واستطاع أن يُكمِل يومَه في سلام. وخزٌ عميقٌ يخزُ القلبَ كلما تذكرنا أن طفلةً، وأطفالاً، لا يفكرون ماذا يريدون أن يكونوا حين يكبرون؟ لأن كلّ أحلامهم تتلخّصُ في مجرد: "أن يكبروا". "أن يعيشوا”. لأن ثقبًا لعينًا يسكنُ القلبَ الصغير، أو شريانًا كسولا يأبى أن يضخَّ الدم. لكنَّ اللهَ الطيب كما يسمحُ للمحنة أن توجد، يسمح للرحمة أن تكون. الرحمةُ في هذا العصر تتجسدُ في زاهدٍ عظيم اسمه: "مجدي يعقوب". سألني جمهورُ صالوني أن يكون ضيف الشرف القادم، لكنني أعرف أنه يصلُ الليلَ بالنهار لكي ينال أطفالُنا "حقّ الحياة"، فـ"يكبرون". ويصيرُ لسؤالنا الشهير محلٌّ من الإعراب في حياتهم.
حين تُشفى "صُهيبة"، وأقرانُها، سيكون بوسعنا أن نسألها: "لما تكبري نِفسك تكوني ايه؟" وسوف تجيبُ إجابة جميلة فتقول: "سأصبحُ باليرينا أملأ الدنيا عذوبةً كما الفراشات." أو "سأغدو طبيبةً أمسُّ قلوبَ الأطفال المُتعبين بعِلمي فيتجاوزون الموت، كما أنقذني سير يعقوب، نبيُّ الطبّ، وملك القلوب." لا ينتظر منّا هذا النبيلُ شكرًا ولا امتنانًا. لا ينتظرُ سوى أن نؤمن برسالته النبيلة لنغدو مثله صنّاعَ جمال.
لكنّ اللهَ منَّ على "صهيبة" بالشفاء، مع مئات من الأطفال مثلها كانوا يرجون الحياة. أطفالٌ لا حصر لهم، مُنحو الحياةَ، التي كادت تفرُّ من أجسادهم، على يد طبيب مصريّ عظيم هوجم وحورب، فلم يردّ الإساءةَ إلا بمزيد من الرحمة لمرضاه، والمحبة لوطنه، والإيمان بعلمه، والإيمان بحقّ الحياة لكل أطفال العالم، دون النظر إلى طبقاتهم أو عقائدهم أو ألوانهم. هكذا الشرفاء في هذا العالم، لا ينظرون إلا إلى “الإنسان”. سافر إلى أثيوبيا لكي يعالج أطفالها المرضى؛ فعرف العالمُ بأسره كيف تمدُّ مصرُ يدها إلى "الإنسان" في جميع أرجاء الأرض. الوطنيون يُعلون اسمَ مصرَ في كل مكان، ويكونون سفراءَ شرفاءَ مُشرّفين لأوطانهم. الشرفاءُ يردّون الإساءة بالمحبة والجمال والعمل، لأنهم لا يعرفون إلا المحبة والجمال والعمل. ولم يكتف السير مجدي يعقوب بأن يصنع الجمال بيديه. بل خلَّقَ كوادرَ جديدةً من أطباء جدد، غرس في عقولهم كبسولة علمه الغزير، فكأنما قدّم لمصر مئاتٍ من "مُصغّرات" مجدي يعقوب. هكذا العلماءُ لا يبخلون بعلمهم على الناس، بل ينثرونه في الحقول علّه يُثمر زهورًا ونخيلا وثمرًا جديدًا. علّكِ الآن يا صهيبة شابّةٌ جميلة في أبهاء الحسن والصحة. علّكِ على أبواب الجامعة أو توشكين أن تتخرجي منها. علّك صرتِ باليرينا ممشوقة كما كان يحدسُ جسدُكِ النحيل ووجهك المنحوت على العذوبة. وعلّ قلبُك الصغير قد نضج وارتبط بقلب جميل يشبهه. وعلّنا يومًا نرى أطفالك فتعلّمينهم كيف أن العلم والحب قادران على إنقاذ هذا العالم المرزوء بالمحن والصعاب. قُبلةً على جبين صهيبة، وجبين كل شرفاء الوطن. “الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن.”

***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صمتي صلاة
- المنهزمون!
- سمير الإسكندراني … يا غُصنَ نقا مكلّلاً بالذهب!
- سيادة الرئيس … انقذْ لنا مجمعَ مسارح العتبة!
- إمام مسجد … يدعو لنُصرة الأقباط
- موعدنا 30 يونيو!
- ماذا تنتظر؟
- الوطنُ …. عند السلف الصالح
- برقياتُ محبة للبابا تواضروس … من المسلمين
- لماذا مصرُ استثنائيةٌ؟
- مرسي ... جاوز الإخوان المدى
- طاووسُ الشرقِ الساحر
- لا شماتة في موت مرسي … ولكن...
- حول قِبطية چورج سيدهم!
- محاولةٌ أخرى للتنفّس
- عيد ميلاد جورج سيدهم
- سهير، آنجيل … ماتَ معهما … كلُّ شيء!
- 1 يونيو … عيدًا مصريًّا
- محمد عبده يُشرقُ في سماء الأوبرا القاهرية
- كتابٌ … يبحثُ عن مؤلف!


المزيد.....




- التحالف الوطني للعمل الأهلي يطلق قافلة تحوي 2400 طن مساعدات ...
- منظمة حقوقية: إسرائيل تعتقل أكثر من 3 آلاف فلسطيني من غزة من ...
- مفوضية اللاجئين: ندعم حق النازحين السوريين بالعودة بحرية لوط ...
- المنتدى العراقي لحقوق الإنسان يجدد إدانة جرائم الأنفال وكل ت ...
- النصيرات.. ثالث أكبر مخيمات اللاجئين في فلسطين
- بي بي سي ترصد محاولات آلاف النازحين العودة إلى منازلهم شمالي ...
- -تجريم المثلية-.. هل يسير العراق على خطى أوغندا؟
- شربوا -التنر- بدل المياه.. هكذا يتعامل الاحتلال مع المعتقلين ...
- عام من الاقتتال.. كيف قاد جنرالان متناحران السودان إلى حافة ...
- العراق يرجئ التصويت على مشروع قانون يقضي بإعدام المثليين


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - صُهَيْبَة