محمود الزهيري
الحوار المتمدن-العدد: 6228 - 2019 / 5 / 13 - 00:55
المحور:
الادب والفن
بعد أن تناه إلي علم الشيطان صديقي , بان الإرهابي عائض القرني أعلن إعتذاره لشعب مملكة آل سعود عن الفتاوي والأحاديث والكتابات التي حرضتهم علي كراهية أنفسهم وكراهية الأغيار جميعاً , وكراهية الحياة والطبيعة والكون بما يحمله من أناسي وحيوانات ونباتات واشجار وطيور وجبال وانهار وبحار , لدرجة أنهم قسموا الكون كله لفسطاطين أي خيمتين , أحداهما خيمة الإسلام , والأخري خيمة الكفر والفسوق والعصيان , وان فروض وواجبات خيمة أهل الإسلام أن يقاتلوا ويقتلوا ويسبوا ويسلبوا وينهبوا ممتلكات وأموال ونساء وبنات أهل خيمة الكفر والفسوق والعصيان , وخاصة من المسيحيين , اما اليهود والبوذيين والزرادشت والكونفوش والبراهمة وأهل قداسة البقرة والفأر وفروج النساء , فليس هناك تحريض ضدهم مباشر , ووجدت الشيطان مشمئزاً طالباً زيارتي بإلحاح ليس له مثيل ولاشبيه , فأذنت له بالزيارة , وكان الصداع وقتها يكاد يقسم رأسي قسمين , قسم للشك وآخر لليقين , ومازال الصراع قائم بينهما حتي الأن , وإذا به يأتيني بلباس يكاد يكون هو لباس عائض القرني , ووجه يكاد يشبه وجهه وملامح تكاد تتطابق مع ملامحه وهيئته , فاستنكرت علي الشيطان فعل ذلك , فرد مسرعاً طالباً قبول الأسف والإعتذار منه , وأستحلفني بألا أقبل أعذار عائض القرني علي الإطلاق , وكأنه يحرضني عليه تحريضاً , ويدعوني لكراهيته ورفضه , فقلت له : مهلاً ياصديقي , مهلاً مهلاً , فمازلت أرفض عائض القرني ومن هم علي دريه وشاكلته , سواء كان وجودهم علي المستوي الرسمي التابع لمؤسسات الدولة , والذي يأتمر بأمر الحكام , وليس بأمر الدستور والقانون , وسواء كان هو أو غيره من المنتمين للجماعات الدينية الغير رسمية , وأقول الغير رسمية , لأنهم لايعرف لهم عدد , ولايعرف لهم تمويل محدد أو مصادر تمويلهم ودخولهم المالية , ولايعرف لهم شروط أو لوائح للإنتماء إليهم , ولايعرف لهم طريقة أو أسلوب للخروج من جماعاتهم أو الإنفصال عنها ’ وكل هذه الأمور مازالت مجهولة للأفراد أو للمجتمع أو للدولة , ليظلوا خارجين عن رقابة المجتمع والدولة في آن واحد معاً ’ ولذلك فإن الخطورة تتمثل بداية من هذا الجانب الخطير , فليس هناك داع ياصديقي أن تحرضني ضده أو تحرضني علي كراهيته , وحتي الكراهية هذه لايستحقها مني عائض القرني أو غيره من رجال الدين والشيوخ والمشايخ وأهل الكهانة والكهنوت علي مستوي كافة الأديان السماوية الإبراهيمية الثلاث , لأن الكراهية الشديدة هي الوجه الآخر للمحبة الشديدة , وأنا لم أكن أحبه , وبالتالي فليس هناك شك في أنني أكرهه بل أرفضه وارفض مسلكه سواء علي مستوي حياته الفردية المتناقضة مع دعوته للزهد والتقشف والتي يوجهها للبسطاء والفقراء والمرضي والمأزومين من شعوب أبناء المنطقة العربية المهانين بالإستبداد والمنكسرين بالطغيان , والمهمشين بدوائر الفساد اللامتناهية لدي أتباع أي نظتم عروبي حاكم ..!!
إلا أن الشيطان قال لي بشيء من الغضب :
علي رسلك , لقد أخذتني في مسالك ماكنت أود أن أسير معك خلال دروبها أو أسمعها منك , فأنت مازلت تصف الموصوف , وكأنك تحاول أن تجعلني أعلم ماهو معلوم أو أعرف ماهو معروف للغالبية العظمي من المقهورين , ياصديقي : ماكنت أريد منك هذا السرد الطويل في الحديث , فقد جعلت من يقرأ لك أو يسمع يصاب بالملل , وأنا لا أريد لك ذلك أبداً , ومايهمني , هو أن عائض القرني , قد حرض علي القتال والقتل لشباب وفتيان وشابات وفتيات في مقتبل العمر , ومنهم من ضحوا بحياتهم وأرواحهم ومستقبلهم بالكامل , وجعلوا أسرهم وعوائلهم في حالات نكد وحزن وألم مستمر , فمنهم من تحولت زوجته إلي أرملة , وأولاده إلي يتامي , وأمه وابيه صاروا مكلومين ومحزونين , ولايصلح معهم أبداً قرائتهم لكتاب عائض القرني " لاتحزن " , لأن حزنهم بلغ حده في الأسي وآلام وأوجاع الفقد !!
وأود أن أخبرك شيئاً ياصديقي عن كتاب عائض القرني هذا والمسمي بـ " لاتحزن " , فهذا الكتاب مسروق بالكامل من كتاب "دع القلق واستمتع بالحياة ", لـ ديل كارينجي , وبالطبع كتاب الشيخ محمد الغزالي "جدد حياتك " , وحكايات مقصوصة بالكامل من كتب ومصادر أخري , وكان يتوجب عليه أن يشير إلي مصادره بالفص والنص التي أخذ منها وألف كتابه والذي طبعت منه طبعات مليونية , فإلي هذا الحد يكون عائض القرني هذا , فهل تعلم هذه المعلومة عنه ؟!
قلت لصديقي الشيطان , بالفعل ياصديقي , وكأنك قرأت كتاب جدد حياتك للغزالي والذي هو الآخر ترجمة نصية لكتاب كارينجي ولكنه أضاف إليه بعض الأيات والأحاديث وبعض الأقوال لتكون طبعته طبعة إسلامية إيمانية تؤكد وتدلل علي أن ماورد في هذا الكتاب له مرجعية في الإسلام أو هكذا أراد الغزالي , أو كأنك ياصديقي قد قرأت كتاب كارينجي دع القلق واستمتع بالحياة , وبالتالي قرأت كتاب عائض القرني " لاتحزن " , فرمقني الشيطان بنظرة جهنمية شيطانية , لم تخيفني منه لأنني أعلم أن الخوف منه لايضر ولاينفع , وأعلم كذلك أن طاعته أو معصيته لاتضر ولاتنفع , وأعلم كذلك أنه هو أنا , وأنا هو في أحيان كثيرة حينما يكون العقل أسفل مرتبة الغريزة أو الشهوة أو النزوة أو حينما أكون محشوداً بطاقة الكراهية والحقد والغل والحسد , أو حينما أكن للنابغين والعظماء من الكتاب والمفكرين والمثقفين والفنانين , أو حينما أكون عضو في دوائر مساندة الإستبداد , وممارساً للسياسة بألف وجه وألف قناع , أو حينما أكون مخادع غشاش منافق واظهر للناس بخلاف مابداخلي , أو حينما أنتهز الفرص ,سلب حقوق الغير وأضيفها لنفسي , فرد الشيطان قائلاً لي كفي كفي , ماهذه الطاقة السلبية التي تمتليء بها جوانبك , وتعكر بها صفو حياتك , ياصديقي : نعم قرأت كل هذه الكتب , وأكثر منها آلاف الكتب في كافة فروع العلوم والمعارف والتي لاتحصي ولاتعد , بل والتي مازالت مجهولة لك , ولغيرك من أعظم العلماء في كافة فروع العلم والمعرفة , وأنا أعلم أن أعداء المستبدين والطغاة والفاسدين ورجال الدين والكهنوت , هم الذين يقرأون ويفهمون , ويترجموا قرائتهم وفهم لواقع عملي , فالعلم هو العدو الحقيقي لعائض القرني وأمثاله , فهو الذي يفضحهم ويشوش عليهم , ويجعلهم أضحوكة , ولذلك تراه وغيره من رجال الدين والمشايخ ورجال الكهنوت يكفروا من يعارضهم أو يفند مزاعمهم المذكوبة , ولا أخفيك سراً , هناك العديد من الأسرار العلمية والتي مازال أمرها مجهولاً لدي الغالبية من العلماء , فلدي معارف عن الثقوب السوداء التي تم الكشف عنها حديثاً منذ ملايين السنين , والعلماء هؤلاء ظلوا في حيرة وبحث دؤوب حتي توصلوا إلي ذرة بسيطة من بحار العلوم الخاصة بالثقوب السوداء , ولكنك ياصديقي مازلت مصراً علي أن تخرجني من أصل الموضوع الذي أود أن أتحدث معك عنه , وكأنك تباريني في شيطنتي ومهنتي الشيطانية التي كلفني بها الله لغوايتك وغواية أمثالك من الناس , ولكن هذا دأبك , فماذا أصنع لك أو بك أو عليك , لقد حيرتني وارهقتني , فأنا أتحدث إليك عن عائض القرني , وأنت تعود بي للحديث عن الإستبداد والحكام الطغاة ودوائر فساداتهم , أليس كذلك هذا الذي تود الحديث عنه ولايجف لسانك عن الكلام به وعنه وفيه , ياصديقي هون علي نفسك , فإن هذه الشعوب من غيبها وأفقدها صوابها ورشدها هو عائض القرني وأمثاله , وما الصراع في مصر واليمن وليبيا والعراق , وتحديداً في سوريا ليس إلا من نتائج أحاديث أمثال عائض هذا , فهو ومعه جيوش جرار ة من الشيوخ والدعاة الذين استخرجوا من كتب التراث آيات وأحاديث وأقوال مأثورة تدلل وتثبت علي أن معركة سوريا من ضمن المعارك التي تنبأ بها رسولكم ونبيكم محمد , وضمها البخاري والكتب الأخري في دفات كتبهم , وقالوا عن أرض سوريا وتحديداً مناطق القتال والقتل والصراع بأنها من النبؤات النبوية التي لاتكذب , وأن الخلافة ستكون من هناك , من سوريا , وأرض الشام , وعلي إثر أحاديثهم تم تدمير سوريا , وتهجير الملايين من شعبها , وقتل ماتبقي منهم , وصارت جماعاتهم وأحزابهم وشيعهم يقاتلون بعضهم بعضاً علي مزاعم دينية مستخرجة من كتب التراث أو الكتب التي وصفها رجال دينكم بأنها من الكتب الصحيحة التي لاتحتمل أي خطأ أو كذب أو نقاش , ولذلك كان تأثيرها خطير علي الشباب الذين نفذوا عملياتهم الإنتحارية التي يقولوا عنها ويصفوها بالإستشهادية , ولكن مازال لله في خلقه شئون وشئون , ومازالت الحرب في سوريا أمراً أو شأناً إلهياً خالصاً ..!!
وكأن الشيطان بحديثه هذا يستفزني , أو يستنفر قواي العقلية لإعترضه فيما يتحدث به , أو ماتحدث به في نهاية حديثه السابق , حينما وصف مايحدث أو ماحدث ومازال يحدث في سورياً بأنه شأنا ًإلهياً , وكأن الله يريد للشعب السوري وللجماعات الدينية , وللخراب الذي حصل لسورياً وطناً وشعباً أن يحدث , وكأن من يعترض علي هذا يوصم بالكفر , فهل الشيطان يدخل لي من هذا المدخل لكي يصل بي إلي دائرة الكفر ؟!
ولكن سرعان ماعاد الشيطان , وبدأ حديث معي , وكأنه يقرأ ما أفكر به وما أود أن أقوله , وقال لي ياصديقي , أنا لا أريد لك أن تدخل في دوائر الكفر أو حتي لتخرج منها أو أوسوس له بالشر وسوء التدابير , بل أنت وغيرك من ملايين الملايين من الناس من يتوهموا ذلك , فكفرك لن يسعدني , وإيمانك المطلق لن يضرني , ولكنك مازلت تتوهم ذلك , وتترك قضيتك الأساسية التي يتوجب علي كل إنسان ذو عقل وفكر رشيد أن يتبناها , وهي ببساطة قضية الحريات والديقراطية وحقوقك أنت كإنسان وحقوق الملايين غيرك في أوطان العروبة والإسلام , فعائض القرني هذا وأمثاله ممن يقفوا حوائط صد وموانع شديدة ضد هذه القضايا , والملايين ممن هم علي دربك , يتوهموا غير ذلك , فأنت مازلت تري أن الحريات الفردية والإجتماعية هي التسيب والإنحلال والفسوق والعري والتبذل والإنحطاط , وهذا كله ينصب علي نسائكم بما تصفونهم بأنهم حبائل الشيطان , وأنهن ماكرات مخادعات , ومكرهن أقوي وأشد من مكري وخداعي , وتصفونهم بأنهن أكثر أهل جهنم وسقر وسعير , وأنهن أساس الغواية والضلال , وأنتم , نعم أنتم , من تتناقضون مع أنفسكم في السر تناقضكم في العلن , وأنتم وكأنكم لاتدركون أن هذه المرأة هي أمك التي اتيت من خلالها إلي هذه الحياة , وكأنك تتنكر لها , وتتنكر لزوجتك وإبنتك , وكأن نساء الدنيا كلها عاهرات فاجرات إلا أمك وزوجتك وإبنتك وأختك , وغيرهن ملعونات فاسقات خائنات , وأنت من تفرق بين إبنك وإبنتك في داخل الأسرة الواحدة , وأنت ومثيلك ملايين من الناس يفكروا كذلك , ولاينتبهوا إلي الخراب الذي أنتم صرتم إليه والراجع إلي تهميش المرأة , ولعنها واذدرائها وتحقيرها وجعلها في معزل عن المجتمع والناس , وعن العمل والإنتاج , وعن الفلسفة والشعر , وعن الفنون والآداب والمعارف , لاتنكر ذلك , فأنا أعلم أنك قد تكون منصف في أحيان كثيرة ..
ياصديقي : قضية الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان والمواطنة والمساواة في المواطنة , من يقف ضدها بالفعل والقول والأحاديث والخطب والمؤلفات هم أمثال عائض القرني , فراجع أحاديثهم عن المرأة , وعن النساء ’ وعن فقه المرأة وعورات المرأة , وعن الحجاب والخمار والنقاب وعن طاعتها لزوجها , بل راجع أحاديثهم عن فضل الفقر والمرض وفضل الإبتلاءات والخطوب والبلايا , تجد حديثهم مسكن ومثبط لهمم الناس , وكأنه يدعوهم لتقبل الفقر والمرض والجهل بصدر رحب , لأن هذا قضاء الله فيهم , وهذه مشيئته النافذة في حقهم , وأن مايحدث لم يخرج أبداً عن مراد الله ..
ياصديقي : مازال عائض القرني يؤيد الإستبداد سواء كان في نظام الحكم الملكي أو الجمهوري أو حتي حكم الشيطان , فلو كان لي ولاية عليه وله معي مصالح لأطاعني , وسار ورائي , وغير حديثه وخطبه وطريقة كلامه ليتوائم مع مصالحه ومصالحي في الإستبداد إن كنت حاكماً , ولاتستغرب حديثي هذا أو تنكره علي , فأدعوك أن تراجع فناواهم وأحاديثهم عن طاعة الحكام وولاة الأمور , وتجريم وتحريم الخروج عليهم ومعارضتهم , وراجع فتاواهم القديمة والحديثة عن الديمقراطية وصناديق الإنتخابات , وعن التفرقة بينها وبين الشوري , وكذلك عن حقوق الإنسان في الإسلام وفي الديمقراطيات الغربية , ولاحظ معي أن أي مسلك للهروب يأتي الشيخ أو رجل الدين أو الداعية المسلم ليخبرك عن التفرقة بين أي شيء في الحياة الدنيا إلا ويقرنها بالإسلام , فحين يصنع مقارنة بين الديمقراطية يجعلها في مواجهة الإسلام , ومثال ذلك , مصطفي محمود , نعم الدكتور مصطفي محمود , وغيره وغيره الكثير , فأحد كتب تحت مسمي "الإسلام والماركسية " , والشيخ الغزالي له كتاب " الإسلام في وجه الزحف الأحمر " , ولكن لايستطيع أحدهم أن يجري المقارنة بين المسلمين , لأنه من الصعب أن تجد نموذجاً يحوز شرف المقارنة , ولذلك يهربوا بمقارانتهم إلي الإسلام , حيث أن الإسلام هو الذي يحوز العمومية والتصديق بإعتباره دين سماوي , ومن يعترض فإنما يعترض علي الإسلام , ومن يعترض علي الإسلام يصير داخل دائرة الكفر والفسوق والعصيان , ومن يدخل هذه الدائرة تجري عليه أحكام نظرية الإستحلال للدم والعرض والمال , ويصير أمره في الحياة الدنيا مرهون علي حد السيف أو سن خنجر مسموم أو طلقة من مسدس أو رصاصة من رشاش كلاشينكوف روسي , أرأيت ياصديقي , أم أنك مازالت علي عينيك غشاوة , وصار لك عينين لاتبصر بهما , وقلب ران عليه الجهل والمرض !؟
معذرة ياصديقي , سأتركك الأن , حتي تتمكن من صلاة قيام الليل والتهجد في شهر رمضان الفضيل , ولي معك لقاءات أخري , فسلام مؤقت لايزول منك وعليك وبك , إلي أن ألقاك !!
وهنا تركني, بعد أن استبدل لباس عائض القرني , وتهيأ في لباس آخر غير لباسه , ورحل !!
#محمود_الزهيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
