أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ادريس الواغيش - تازة، مدينة لا ريفيّة ولا أطلسِيّة...!!














المزيد.....

تازة، مدينة لا ريفيّة ولا أطلسِيّة...!!


ادريس الواغيش

الحوار المتمدن-العدد: 6175 - 2019 / 3 / 17 - 02:22
المحور: الادب والفن
    


تازة، مدينة لا ريفيّة ولا أطلسِـيّة...!!
بقلم: إدريس الواغيش
تازة، مدينة صغيرة من حيث وعائها الجغرافي، لكنها كبيرة بنفائسها، أعلامها وصندوق عجائبها، لعبت أدوارًا حاسمة ومتناقضة في تاريخ المغرب في نفس الوقت، كما أن جغرافيتها ومناخها لا تخلوان بدورهما من غرائبية: مُتقلبان ومُتناقضان أكثر من أي مدينة أخرى، هي مدينة الما بين- بين، لا هي أطلسية ولا ريفية، وتركيبتها السكانية هي انعكاس لتقوقعها الجغرافي، هم مزيج من القبائل العربية والريفية وأمازيغ الأطلس المتوسط. غطاءها النباتي لا يقل تناقضا هو الآخر، غابات هنا بالقرب من عُـلياها على قمَم جبال قسمها الجنوبي وقحط هناك على الجهة المُقابلة شمالا وشرقا في سُـفلاها، حيث تنتصب هضاب ووهاد صلصالية لا تنبت ربيعا ولا شجرًا، يزورها الاخضرار مَـرَّة في السنة، ثم يغيب عنها بعد ذلك وتصبح تحت سطوة لون رَمادي يستمر إلى الرّبيع القادم.
تشتهر تازة بتقسيمها الجغرافي والإداري المُختلف عن باقي المُـدن المغربية، إذا كانت المدن الأخرى لها اسم يخص الجزء الكولونيالي، مثل:"حَـمْرية" في مكناس و"الفيلاج" في القنيطرة و"la ville" في باقي المدن ومنها فاس، فإن تازة اشتهرت بقسميها الشهيرين: "تازة السُّـفلى / Taza- bas= دْرَاع اللوز" الذي يلزمك الاحتيال للخلاص منه صُعودًا إلى مُرتفع صخري يرقد تحت جبال "تازكا"، كي تصل إلى "تازة العليا/ Taza haut= أحْـرّاش"، كما اشتهر نصفها القديم مثل باقي المدن المغربية العتيقة بكثرة أبوابها.
في تازة أكثر من باب، وكل باب له ألف قصة وحكاية، لكن أشهر هذه الأبواب على الإطلاق، هو الذي اشتهر بنكت التصقت به عُـنوة وحفظتها ساكنتها وأيضا غرابة تسميته، هو"بابُ الجُمعة" أو (la porte de vendredi- كما كنا نسميه نحن التلاميذ على سبيل النكتة)، يتمَـوْقع هذا الباب في شمال شرق المدينة، مع أدراجه التي لا تعد ولا تحصى، لم أنجح في عَـدِّها على مدى ثلاث سنوات قضيتها هناك كطالب، له أكثر من حكاية تاريخية وأخرى شعبية لم يستطع أي تدقيق علمي الفصل فيها بين الحقيقة والخيال، هل يعود لسبب تاريخي كما ورد في بعض المصادر أو لروايات شعبية كثيرة وبعضها غريبة، يأتي بَعدها "بابُ الرّيح" الذي كان أبناء "تازة العُـليا" يتفننون في حكي العجائب عنه، إحداها تقول مثلا أن الريح في "باب الرّيح" رفع عَجَـلتي إحدى السيارات الأماميتين في فصل الشتاء، وبقي السائق المسكين معلقا، حتى هدأت العاصفة وحَـنَّ ريحُها الشتوي عليه..!
كان بتازة أيضا وحتى بداية الثمانينات أربع قاعات سينمائية، أغلقت واحدة أبوابها مُبكرا وبقيت ثلاث، واحدة في المدينة القديمة اسمها "الأطلس"، كانت متخصصة في عرض الأفلام الهندية، واثنتان بتازة السُّـفلى(المدينة الجديدة)، إحداهما هي سينما "كوليزي"، التي كانت تعرض أفلاما متنوعة وجديدة نسيبا.
كان بها رجل أربعيني أبكم/ أصم شديد البأس ومزاجي، لا يعرف رحمة ولا شفقة أثناء أداء عمله، ويكون عكسها تماما يا سبحان الله خارجه، ضحُـوك وتسكن في مُحياه بشاشة غريبة، قد يمدُّك بسيجارة ويفرط في كرمه أحيانا، فيقوم بشعلها لك حتى..!!.
كان هو المُشرف على النظام العام أمام مكتب حجز التذاكر، يتقدمه شباك حديدي صغير، بالكاد تظهر بداخله فتاة كانوا قولون عنها أنها حسناء من حسناوات مالك القاعة، تفرقت الآراء بين كونها واحدة من معشوقات مالك السينما الثري وإحدى بناته، لكن لا أحد في الحقيقة تأكد من ذلك، لأن المرور في الصف أمام الشباك كان قطعة من جهنم لا نعرف كيف كنا نمر منه، وهل ننجو من سطوة الأبكم الأصم أم لا؟، وهكذا لم نجد في قت من الأوقات طريقة للتحقق من نسبها أو جمالها.
كان الأربعيني يحمل في يديه اليسرى حزاما جلديا عسكريا قديما، وويل لمن سوّلت له نفسه الخُـروج من الصف، سواء كان ذكرًا أو أنثى، من عامة الناس أو خاصتهم، يضرب كالأعمى ولا يهتم بالجهة التي ستنزل عليها "السّْمطة بالبزيم"، كان الجميع يقبل بتعنيفه عن طيب خاطر. كان سلخه لجلودنا جزء من الطقوس الجميلة قبل دخولنا إلى القاعة، ولا تكتمل الفرجة من دون ضرب وما يتركه من آثار واحمرار تتركه "السّمطة" على العُـنق والكتف في الغالب. لا أتذكر أن أحدا عاتبه أو اشتكى من تعنيفه أو حاول أخذ ثأره منه، كانت حلاوة السينما تكمن في هذه الطقوس، ولم يكن يسلم من أذاه حتى الشخصيات العامة في المدينة الصغيرة بربطات أعناقهم وكروشهم المنتفخة.
كنا نتساوى جميعا أمام عدالة جزامه الجلدي، وحينما نخرج بعد ذلك، نحكي عن ضربه لنا ونظهر آثاره في انتشاء، ونحيّيه بعد ذلك إن صادفناه في الشارع أو يسبقنا هو إلى ذلك، وكأن شيئا لم يحدث. عندما تنتهي "معركة" الدخول والتدافع ويبرد العَـرَق على أجسادنا، ونحن جلوس على مقاعدنا الحديدية، تبدأ فصول أخرى من المُعاناة والصَّـفير والاحتجاج، إن هو "سَـرَق" أو اقتطع بعض اللقطات من الفيلم ربحا للوقت، خصوصا إذا كانت مشاهد حَـميمية أو ساخنة جدا، لأنه هو المشرف على جهاز العرض على الشاشة وإدارة المِسْلاط أو البروجكتور، وعلى من نصفر؟ على أصم / أبكم؟ يا لتفاهتنا وغبائنا، لكن حين كنا نعي ذلك أو ينبهنا أحدهم، نصمت جميعا...!!
أحيانا كان ينهي كل شيء وينير المصابيح، وبالتالي لم يكن أمامنا حينها إلا الاتصال بصاحب القاعة نفسه، كي يتوسط لنا عنده حتى يكمل العرض، كان الرجل الأربعيني الاصم- الأبكم جـدِّيا إلى أبعد الحدود، يعتبر ذلك جزء من ضمن اختصاصه حتى مع مالك قاعة السينما نفسه، ويتصرف كأنه صاحبها في حضرة مالكها الحقيقي..!!



#ادريس_الواغيش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسيرُ العَنكَبُوت
- نوستالجيا: مُدُنٌ بأسْمَائها...!
- الكَيْنُونة الشعريَّة الخَالصَة
- الأكْفَانُ تُعيدُ الحَياة إلى مِلف حَامِلي الشَّهَادات العُل ...
- كُلية -ظهر المهراز -وشُعبة اللغة العَربية بها يُكَرِّمان جَم ...
- إنهُم يُحَاولون هَزم الحَياة فِينا..!!
- بُوطاهر قَيْدُوم شُعبة اللغة العَربية يُكرَّم بكُلية الآداب ...
- إلهام اسْلامْتي تبدأ مِشوارَها القصَصي ب-وردة...، من قصر الح ...
- السيّد مُحسن الزوَّاق في لقاء صحَافي مع وسَائل الإعلام بفاس
- عَلى مَرْمَى حَجَر مِن الخُوذات
- بَابُ السُّفَرَاء
- قصص قصيرة جدا: مَاسِحُ أحْذِيَة
- شبكة القراءة بالمغرب فرع فاس تفتتح موسمها الثقافي بتكريم الس ...
- قصة قصيرة: تَمَائِمُ البَطْمَة
- سُلالة بيكِيت !
- قصة قصيرة: “ أيْلَة“ عَادَت مِن جَديدُ إليّ
- قصة قصيرة: رُقعَة حَمْرَاء
- في حوار مع الشاعر محمد السّرغيني: القَابضُ على جَمْر الشعر م ...
- مَفاتِنُ الحُروف
- لا صُبَّارَ من حَولي!


المزيد.....




- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ادريس الواغيش - تازة، مدينة لا ريفيّة ولا أطلسِيّة...!!