أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد كشكار - -وأبغضُ الحَيْرَةِ الجهلُ بالوِجْهَةِ-؟














المزيد.....

-وأبغضُ الحَيْرَةِ الجهلُ بالوِجْهَةِ-؟


محمد كشكار

الحوار المتمدن-العدد: 6151 - 2019 / 2 / 20 - 08:42
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


كان ممكنًا أن لا أبوحَ بما يشغلني مع أن الكتمانَ ليس من شِيمي والتواصلَ عنديَ مرهمٌ والإفشاءَ دواءٌ. لذا أشهِدكم يا أحبائي وحبيباتي - جنّبكم الخالق ما بلاني - أشهِدكم أنا العبدَ الضعيفَ، رقيقُ الفؤادِ رقيقُ الإشارة في كل هَمسةٍ ولَمسةٍ، أنني غير موقنٍ، غير واثقٍ، غير متفائلٍ بأن الفرجَ آتٍ وغير مسلمٍ بأن الفقرَ قدرٌ من السماء. وأن النضالَ أصوبُ طريقٍ للخلاصِ أو مَن خافَ سَلِمَ، أن العدلَ بشريٌّ، وأن الظلمَ من طبيعة الإنسانِ ومكتوبٌ في جيناتِه.
في البدايةِ كان المستبدونَ، وعلى أكتافِ العبيدِ بَنَوْا الأهرامات وفي النهايةِ وبسواعدَ المضطهدينَ شقّوا القنال، وبين العهدِ الأولِ والثاني نزلتِ الرسالات. الأسى على ما راحَ لا يُرجع ما راحَ والبكاءُ على الأطلالِ لن يُحييَ أم كلثوم. وأن العبقريةَ ليست موهبةً والغباءَ ليس وراثيًّا، والكمالَ والجمالَ لله والنقصَ والقبحَ للبشرِ، والعلمَ ليس موضوعيًّا ولا محايدًا، لكن اليومَ خيرٌ من أمسٍ، ولولاه ما كان لي وأنا في هذا العمر، لا ابتسامةَ على شفتايَ أرسمُها مجاملة ولا تفاحةً بأسناني البيضاءَ أقضمُها.
وأن الحيادَ والموضوعيةَ والصدقَ والإخلاصَ خصالٌ بشريةٌ؟ كذا التضامنَ والتآزرَ والتزاورَ والتطوّعَ والرفقَ والتقوى والكرمَ والأمانةَ وانعدام الغدر. الكذبُ حقٌّ، والبؤسُ حقٌّ، والنفاقُ حقٌّ، واللؤمُ والمحسوبيةُ والرشوةُ، حقٌّ أيّدَه وأبّدَه البشرْ ليشقَى بذنبه، لا بذنب غيره، البشرْ.
أشهِدكم أن الإنسانَ أقربُ إلى الحيوانِ منه إلى الإنسانِ، وأنه وعِفةُ النفسِ مَرَجُ البحرين لا يلتقيانْ بينهما برزخٌ لا يبغيانْ، أشهِدكم أن الله حضرَ طيلة الحِقَبِ النبوية ثم غابَ في النفوس قبلَ وبعدَ، وغابَ الحقُّ معه والعدلُ والرحمةُ وكل صفاتِه التسعة والتسعين، في مكةَ لم نعثرْ عليه منذ زمانْ، ولا في القدسِ وجدناهُ ولا في الفاتيكانْ.
أشهِدكم أن الطبيعةَ ليست وحدَها الخلاّقةُ والولاّدةُ، والأملُ في الإنسان عبادةْ، والرجاء فيه وحده آية من آيات الله لا نقصانَ فيها ولا زيادةْ، ومن حسن حظ البشريةِ أن العدوانيةَ والدونيةَ والتمييزَ والعنصريةَ ليست وراثيةً. كذا الأنانيةَ والجشعَ والربحيةَ والثقافةَ والأميةَ والإيثارَ وحب النفس الأمّارة بالسوء. بلاءٌ أصَبْنا به أنفسَنا وما ابتلانا به الواحد الأحد الله الصمد، فكأن الابتلاءَ من جِبِلتنا وهو في الواقع ليسَ كذلك.
صحيحٌ أن جيناتَنا الثلاثينَ ألفٍ ما زالت تبرمجُ لإنسانِ الغابةِ ولم تسمعْ بعدُ بأن المُبرمَجَ أصبحَ يُبرمِجُ وأن المخلوقَ الصغيرَ أصبح يَخلقُ الطائرات والكبائرَ. جيناتُنا لم تسمعْ بعدُ بأن الفراعنةَ تفرعنوا وأن البابِلِيّينَ علّقوا الحدائقَ وأن أثينا أنجبت رَقِيقًا مَهَّدَ للفلسفة ولولاه ما وُلِد سقراط ولا أفلاطون وما نَظَمَ هوميروس ملحمةَ الألياذة بخمسة عشر ألف بيت وما غزا طارق إبيرييا ولا كَتَبَ ابن خلدون المقدمةَ.
وصحيحٌ أيضًا ومن حسن حظنا أن خلايا مخنا تمرّدَتْ على هذا البرنامج ولم تخضعْ له إلا عند التكوين (La genèse du cerveau) ثم شيئًا فشيئًا شَقتْ عصا الطاعةِ وتفاعلتْ مع جاراتِها والمحيطِ والناسِ فنجحتْ في نَسْجِ مليون مليار علاقةٍ عصبيةٍ أو وصلةٍ عصبيةٍ، هي جميعُها مُولّدُ ذكائِنا ومنها انبثقتْ شخصيتُنا وبها تميزنا وبها بين ملايين البشر تفرّدنا (L`épigenèse cérébrale). ولولا تمرّدِها على برمجية "الآدِآن" لَكُنّا اليومَ نتكاثر كالقِرَدَةِ ونقفزُ في فرحٍ ومرحٍ من غصنٍ إلى غصنٍ (ADN: C`est un logiciel performant et sophistiqué mais il est très ancien).

وقالت ليَ نفسي لمّا سألتُ: أيا نفسُ أتقنعينَ بالعيشِ عيشِ الحُفَرْ؟ دنت منّي, رمقتني بنظرات، "نظرات مَن دنا وتدلَّى فكانت مني قاب قوسين أو أدنَى.. إنها تعلم السرَّ وما يخفى"، ثم قالت لي: أباركُ فيك صعودَ الجبالِ واقتحامَ الصعابِ وركوبَ الخطرْ!
بنيتُ لها فوقَ الربوةِ عُشًّا، في عليائِها تشمُّ هواءً نظيفًا ومنه تَرصُدُ حركات البشرْ، أوصيتُها أن لا تقتربَ منهم وقلت لها أن البشرَ خطرْ، وهل في الطبيعة كائنٌ أشَرّْ. زياراتُ الأقاربِ تباعدتْ بل كادتْ تندثرْ، فلا مؤنسَ لي غير الذكرى أجترُّها وأنتظرُ الأمَرّْ، الموتُ. أما الأصدقاءُ فلم أعدْ أراهُمُ إلا في أحلامِ القيلولةِ وعند السَّحَرْ، يا لخُدعةِ العقلِ وسُخريةِ القَدَرْ! "عُدتُ وحيدًا بدونِ وِحدةٍ"، عُدتُ وأصحابِي، السجائرُ والحاسوبُ والكتابُ والقَمَرْ.

خاتمة: بيدَيَّ اقتلعتُ جذوري وانطلقتُ، ظننتُ أنني منها تحرّرتُ وبلهفةٍ عدوتُ، في الكلم ستين تعبتُ ففتحتْ لي ذراعَيها وفي حضنها ارتميتُ!

ملاحظة للأمانة الأدبية: القالِبُ (Le moule) لِصاحبِه الروائي المصري جمال الغيطاني (كتاب التجليات السفر الثاني، 1985) والحشوُ حَشوِي بما يَحمِلُ اللّفظُ الأخيرُ من معنى مزدَوَجٍ.

إمضاء مواطن العالَم
أنا اليومَ لا أرى خلاصًا للبشريةِ في الأنظمةِ القوميةِ ولا اليساريةِ ولا الليبراليةِ ولا الإسلاميةِ، أراهُ فقط في الاستقامةِ الأخلاقيةِ على المستوى الفردِيِّ وكُنْ كما شِئتَ (La spiritualité à l`échelle individuelle).
"النقدُ هدّامٌ أو لا يكونْ" محمد كشكار
"المثقّفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العموميةِ" فوكو
"وإذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إذنْ إلى فجرٍ آخَرَ" جبران
لا أقصدُ فرضَ رأيِي عليكم بالأمثلةِ والبراهينَ بل أدعوكم بكل تواضعٍ إلى مقاربةٍ أخرى، وعلى كل مقالٍ سيءٍ نردُّ بِمقالٍ جيّدٍ، لا بالعنفِ اللفظيِّ.

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الأربعاء 20 فيفري 2019.



#محمد_كشكار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محمد كشكار يُجامِلُ والعِلمُ لا يُجامِلُ !
- شهادة الدكتورا في البلدان العربية: الكثرة وقلة البركة!
- سِيرةٌ ذاتيّةٌ وغير ذاتيةٍ، موضوعيةٌ وغير موضوعيةٍ
- عنف لفظي ورمزي، أردّ عليه بلطف ديونتولوجي: إلى كل صديق يساري ...
- رسالةٌ يساريةٌ ودّيةٌ أبعثُ بها إلى العقلاءِ من اليساريينَ ف ...
- التصويتُ النافعُ: بارادوكسالّومان، ارتفاعُ التصويتِ للسبسي ف ...
- ماذا علّمتني فلسطين حول العنصرية في الولايات المتحدة الأمريك ...
- تَوْنَسَةُ مطلب -السترات الصفراء- (gilets jaunes) المتمثل في ...
- في الجزائر وتونس، تخلّى اليسار عن تناقضه الرئيسي مع السلطة و ...
- انتصارًا للعِلمِ اختصاصِي وليس انتصارًا للإسلامِ دينِي، ولكل ...
- ميثاق شرف، أود من كل مواطن مُرشِّح للحكومة القادمة 2019، أن ...
- هل الشعبُ هو الذي يَكتبُ دستورَه أو الدستورُ هو الذي يَخلقُ ...
- رئيس اللجنة، شفيق صرصار يَمنحُ شهادةَ الماجستيرْ بملاحظةِ حَ ...
- الأطفال لا يولَدون ملائكة كما يعتقد الكثيون ولا شياطين أيضًا ...
- القانون لا يحمي المغفلين من أمثالي!
- هل اهتدى المثقف العربي إلى حل للأزمة العربية الراهنة؟
- رُبَّ عُذرٍ أقبَحُ من ذنبٍ: عندما تَصنِّفُ الدولةُ الصينية م ...
- إشكالية مطروحة منذ بداية التاريخ: هل نجحت الأخلاق الفلسفية و ...
- -ڤوڤل- 3 والأخير: التجسس المقنّع وصل إلى غرف نوم ...
- -ڤوڤل- 2: من الرأسمالية إلى الشمولية الناعمة ترا ...


المزيد.....




- وزير دفاع أمريكا يوجه - تحذيرا- لإيران بعد الهجوم على إسرائي ...
- الجيش الإسرائيلي ينشر لقطات لعملية إزالة حطام صاروخ إيراني - ...
- -لا أستطيع التنفس-.. كاميرا شرطية تظهر وفاة أمريكي خلال اعتق ...
- أنقرة تؤكد تأجيل زيارة أردوغان إلى الولايات المتحدة
- شرطة برلين تزيل بالقوة مخيم اعتصام مؤيد للفلسطينيين قرب البر ...
- قيادي حوثي ردا على واشنطن: فلتوجه أمريكا سفنها وسفن إسرائيل ...
- وكالة أمن بحري: تضرر سفينة بعد تعرضها لهجومين قبالة سواحل ال ...
- أوروبا.. مشهدًا للتصعيد النووي؟
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة بريطانية في البحر الأحمر وإسقا ...
- آلهة الحرب


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد كشكار - -وأبغضُ الحَيْرَةِ الجهلُ بالوِجْهَةِ-؟