|
ماذا حدث يوم 14 جانفي2011 في تونس ؟
فريد العليبي
الحوار المتمدن-العدد: 6114 - 2019 / 1 / 14 - 15:38
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يجدر التساؤل عما حدث بالضبط يوم 14 جانفي في تونس و الأيام القليلة التي سبقته ؟ كثيرون يسألون هذا السؤال ، وبرأينا فإن هذا اليوم يجب فهم أحداثه على ثلاث مستويات ، أولا مستوى الكفاح الشعبي و ثانيا مستوى الصراع داخل النظام وثالثا مستوى التدخل الامبريالي و إذا كان المستوى الأول يمكن الحديث عنه بقدر من التدقيق فان المستوى الثاني يكتنفه الغموض فصراعات القصر و الدسائس و المؤامرات تمت وراء الكواليس و لن يفصح عن فحواها بسهولة و هنا بالذات نذكر درس ماكيافال حول الأمير و المؤامرة فـ" على الأمير أن لا يخشى كثيرا من المؤامرات إذا كان الشعب راضيا عنه ، أما إذا كان مكروها و يحس بعداء الشعب له فإن عليه أن يخشى من كل إنسان و من كل شئ " و يبدو أن بن على قد تآمر عليه أقرب أعضاده بما في ذلك حرسه الخاص. إذا عدنا إلى المستوى الأول أمكننا القول بيسر أن الحديث عن شارع بورقيبة باعتباره قاهر بن على و رمز الثورة التونسية يرقى إلى مستوى الخرافة ، ففي ذلك اليوم تراجعت قوات البوليس على غير العادة و أفسحت المجال أمام بضع مئات من المتظاهرين مما مكن لاحقا من تزايد الأعداد بشكل كبير ، و بدا رجال الأمن وديعين و متسامحين و هو ما لوحظ قبل ذلك بيومين في مدينة صفاقس كما بيناه ، و عندما أيقنوا أن الأمر اقترب من الخروج عن السيطرة عند محاولة المتظاهرين اقتحام وزارة الداخلية ، أطلقوا بعض قنابل الغاز المسيلة للدموع فتفرقت الحشود ، و بالتالي فإن القول أن شارع بورقيبة كانت له الكلمة الفصل في إسقاط بن على مجانب للصواب ، فما حصل خلال ذلك اليوم ربما يفسره المستوى الثاني فقد بدا أن هناك من يسعى إلى الضغط بالجماهير و توظيفها لصالحه في خطوة محسوبة بدقة ، و هذا لم يحصل لأول مرة في تونس بل حصل سابقا ايضا عندما مارس وزير الداخلية خلال انتفاضة 3 جانفى 1984 ضغطا على رئيس الحكومة بتوظيف احتجاجات جماهيرية كبيرة فأوعز إلى جهاز البوليس بالتساهل في التعامل مع المتظاهرين غير أن خطته فشلت ربما لأنها لم تجد دعما خارجيا ، أما في الحالة موضوع حديثنا فإن العامل الخارجي كان حاضرا ، و هنا نصل إلى المستوى الثالث فنحن نرجح أن الامبرياليتين الأمريكية و الفرنسية خاصة هما من وضعتا الخطة و راقبتا التنفيذ . لقد كنت الجماهير تريد الحرية و مطلب إسقاط النظام على ألسنتها و كانت في حركة كفاحها مصممة على بذل ما يجب في سبيل ذلك ، هذا ما لا ينبغي أن يكون موضع شك و لكن أعداءها كانوا يريدون شيئا أخر ، و هو التخلص من بن على والحفاظ في نفس الوقت على نظام لم يعد بإمكانه ضمان بقائه ، خاصة بعد تواتر الانتفاضات في أكثر من جهة من جهات البلاد. إن ما حصل حتى الآن ضمن سيرورة " الربيع العربي " هو تحويل الانتفاضة إلى مسخ و عندما ينظر المنتفضون اليوم إلى ما صنعت أيادي خصومهم بذلك المولود الذي صرخ صرخته الأولى بين أحضانهم في القرى و المدن المهمشة و الأحياء المفقرة لا يتعرفون عليه ، لقد غدا مخلوقا مشوها يزعم غرباء أبوتهم له ، و خاصة هؤلاء الساسة الذين تمت استنساخهم كقادة في ما وراء البحار ، و جرى فرضهم على المشهد السياسي بقوة المال و الإعلام و العسكر . و في تونس اليوم يمكنك معاينة ذلك بيسر ليس فقط على صعيد الأحداث الكبيرة الماكروسياسية و إنما على صعيد المشاهد اليومية الميكروسياسية أيضا ، ففي يوم من الأيام كنت واقفا في طابور طويل فيه نساء و رجال تجمعوا لخلاص معلوم العلاج في مستشفى عمومي و كالعادة لم يلتزم أحدهم بالدور فصرخ كثيرون في وجهه مما أحدث حالة هرج و مرج فعلقت مازحا : لا بأس إن هذا من ثمار الثورة ، و جاء الرد سريعا من امرأة معدمة قائلة : " أي ثورة ؟ إنها غورة " . إن من يحكمون تونس ما بعد بن على لا يختلفون كثيرا عن ذلك الرجل الذي لم يحترم الطابور فقد قاموا بما يشبه الإغارة على الانتفاضة فسلبوا الشعب نصره . الربيع العربي والمخاتلة في الدين والسياسة الصادر سنة 2013
#فريد_العليبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عرب عارية
-
الانقلاب التونسي
-
تونس المتسولة !
-
الاحتجاج بالموت حرقا.
-
خطاب منتحر .
-
تونس : رئيس تحت التهديد.
-
راعية المواشي ،المجازة في الانكليزية ،مفجرة جسدها !
-
خاشقجي وثروة السعودية.
-
أسئلة خاشقجي وأجوبة أمريكا المعلقة .
-
عودة كارل ماركس .
-
مملكة الأغبياء .
-
مارسال خليفة وجوائز المستعمرين .
-
الشعبوية
-
تونس : لقاء الشاهد والطبوبي وخطة الإغتيال .
-
موريس أودان : الدم يفور في العروق .
-
الفلسفة والفلاحة
-
طفل لواء الاسكندرون .
-
الفيلسوف - فتح الله غولن .
-
حوار مع المفكر التونسي فريد العليبي.
-
بائع الفلافل ( الساندويتش ) في ذكرى استشهاده
المزيد.....
-
مصر: بدء التوقيت الصيفي بهدف -ترشيد الطاقة-.. والحكومة تقدم
...
-
دبلوماسية الباندا.. الصين تنوي إرسال زوجين من الدببة إلى إسب
...
-
انهيار أشرعة الطاحونة الحمراء في باريس من فوق أشهر صالة عروض
...
-
الخارجية الأمريكية لا تعتبر تصريحات نتنياهو تدخلا في شؤونها
...
-
حادث مروع يودي بحياة 3 ممرضات في سلطنة عمان (فيديوهات)
-
تركيا.. تأجيل انطلاق -أسطول الحرية 2- إلى قطاع غزة بسبب تأخر
...
-
مصر.. النيابة العامة تكشف تفاصيل جديدة ومفاجآت مدوية عن جريم
...
-
البنتاغون: أوكرانيا ستتمكن من مهاجمة شبه جزيرة القرم بصواريخ
...
-
مصادر: مصر تستأنف جهود الوساطة للتوصل إلى هدنة في غزة
-
عالم الآثار الشهير زاهي حواس: لا توجد أي برديات تتحدث عن بني
...
المزيد.....
-
في يوم العمَّال العالمي!
/ ادم عربي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|