أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري يوسف - [9]. وللزهور طقوسها أيضاً! ، قصّة قصيرة














المزيد.....

[9]. وللزهور طقوسها أيضاً! ، قصّة قصيرة


صبري يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 6095 - 2018 / 12 / 26 - 01:26
المحور: الادب والفن
    


9. وللزهورِ طقوسُها أيضاً!

قرعَتِ الطَّبيعةُ أجراسَها .. النَّرجسُ البرِّي هبَّ يتنقلُ من زهرةٍ إلى أخرى .. يوزِّعُ بطاقات فرحٍ لإقامةِ حفلٍ اخضراريّ حولَ أبجدياتِ الحياةِ، تحضرُهُ الزُّهورُ البرّيّة والأهليّة كلّ مئة عام مرَّة واحدة!
توافدَتِ الزُّهورُ وبدأتْ تنشدُ على إيقاعِ حفيفِ الأشجارِ أنشودةَ البراعمِ، فجاءَتْ إيقاعاتُ الأنشودةِ معطَّرةً بعبقِ الياسمينِ وتناهَتِ الألحانُ إلى آذانِ شجرةٍ غجريّةٍ أفلَ نجمُها منذُ مئاتِ السّنين. نهضَتْ ونشوةُ الفرحِ باديةً على أغصانِها .. أمسكَتْ بوقاً وبدأتْ تعزفُ فيهِ لحناً غجريّاً قديماً، فاستيقظَتْ أشجارُ اللَّوزِ الموغلة في الأفولِ وأعلنَتْ انضمامَها إلى أسرابِ البلابلِ والطّيورِ المغرِّدة ترتِّلُ أخصبَ الألحان!
هناك! .. بينَ سهولِ القمحِ المباركة وُلِدَ برعمٌ فنّي مقمَّطاً بينَ أكوامِ الحنطة وعلى رأسِهِ تاجُ الاِخضرارِ .. وفي كنفِ هذهِ الطَّبيعة الوارفة ترعرعَ هذا الرَّحيق الفنِّي فاحتضَنَهُ النَّسيمُ المندَّى بأريجِ العشقِ .. وبدأ شيئاً فشيئاً يتشرَّبُ عبقَ الحياةِ .. وسرعانَ ما بنى علاقةَ حبٍّ مستديمة معَ عالمِ المروجِ، مستمدّاً من تغريدِ البلابل أجملَ الأغاني، ومستلهماً من خصوبةِ الحياةِ الممتدَّة على مدى البصرِ أبهجَ الألوانِ!
وقفَ الفنّانُ في ليلةٍ قمراء متأمِّلاً المدرَّجات الّتي يرتقيها الإنسانُ فوجدَها باهرةً من الخارجِ ومسوّسةً من الدَّاخلِ. تألَّمَ جدّاً .. عيناهُ حزينتان وحائرتان .. أمسكَ ريشتَهُ وبدأ يرسمُ حالة مشاجرة نشبَتْ بينَ البنفسجِ والأقحوانِ. كانَ البنفسجُ مغتاظاً من أولئكَ الَّذينَ أدمَوا قلوبَ الأطفالِ فجاءَتْ ألوانُهُ حزينةً للغايةِ وتتطايرَتْ نفحاتٌ من الاِنذهالِ على وجنتيِّ الأقحوانِ!
الجوُّ كانَ بهيَّاً ومشمساً، فتهاطلَتْ أسرابُ البلابلِ من بين السُّهولِ الفسيحةِ مغرِّدةً تغريدةَ الرَّحيلِ، رحيلِ الإنسانِ في بحرِ الظُّلماتِ .. ارتعشَ اللُّبلابُ الممتدُّ فوقَ أسوارِ البساتينِ وأطلقَ تنهيدةً في وجهِ الرِّياحِ المنبثقةِ من شراراتِ هذا العالم.
حاولَ الفنَّانُ مراراً أنْ يخلقَ جوَّاً من الوئامِ والإنسجامِ فيما حولَهُ من متحرِّكاتٍ، لكنَّهُ كلّما كانَ يمدُّ جسراً من التّناغمِ الإنسانيّ، كانَ يصادفُ زوابعَ مخيفة تقتلعُ الجُّسورَ الَّتي يبنيها .. وسرعانَ ما كانَتْ هذهِ الزَّوابعُ تبني على أنقاضِ هذه الجُّسورِ سلالم مجوَّفة من الأشواكِ المسمومة. جحظَتْ عينا الفنّان بشيءٍ من الغضبِ عندما شعرَ أنَّ هذه الأشواك أوشكَتْ أنْ تلامسَ قلبَهُ .. نهضَ والمرارةُ مبرعمةٌ عندَ شواطئِ روحِهِ ثمَّ أطلقَ أجنحتَهُ للنسيمِ تاركاً خلفَهُ أزقَّتهُ وألعابَهُ والبيت العتيق، قاصداً الشّواطئ البعيدة البعيدة! .. كي يستحمَّ هناكَ تحتَ شلَّالاتِ العشقِ ويطهِّرَ الرُّوحَ المنكسرة الأجنحة من غربةِ الأيّامِ، ويصعدَ بعدئذٍ رويداً رويداً فوق الجبالِ الشَّامخاتِ، متوازناً معَ موشورِهِ اللَّونيّ، واضعاً في الاِعتبارِ تنصيبَ خصوبتهِ الفنّيّة عرشاً فوقَ أشجارِ البيلسان!
تجمهرَتِ البلابلُ فوقَ شجيراتِ التّينِ معلنةً الحدادَ على رحيلِ عاشقِ الشَّلّالاتِ .. بهتَتْ سهولُ القمحِ عندما رأتِ الأرضَ تتماوجُ من تحتِها، مغتاظةً من غربةِ الإنسانِ معَ أخيهِ الإنسانِ في طابورِ الحياةِ.
وهناكَ عندَ سفوحِ الجِّبالِ والمنحدراتِ التُّرابيّة حيثُ ترعرعَ الفنَّان، تلملمَتِ الزُّهورُ البرّيّة والأهليّة وبدأتْ ترقصُ رقصةَ الموتِ على أنغامِ تهاليلِ الأمَّهاتِ الثَّكالى. سمعَ الفنّانُ نحيبَ الأمَّهاتِ فيما كانتْ فرشاتُهُ تنسابُ بفرحٍ على بيادرِ القمحِ تارةً وعلى ملاعبِ الصِّبا تارةً أخرى.
وفيما كانَ غائصاً مع اِنكساراتِهِ، فجأةً جنَحَتْ مخيَّلتهُ بعيداً، وبدأَ يرسمُ بعفويّةٍ بالغةٍ جماجمَ الأطفالِ مهروسةً في وَضَحِ النَّهارِ .. هزَّ رأسَهُ مردِّدَاً: إنَّ هذا الزَّمان لم يَعُدْ يهمُّهُ أبجدياتِ العشقِ ولا أبجدياتِ الطُّفولة .. كلّ ما يهمُّهُ هو تشكيلُ نهرٍ كبيرٍ من دماءِ الفقراءِ وتوجيه مجراه نحوَ الهاوية!
اِغرورقَتْ عينا الفنّان بالدُّموعِ أمامَ هذهِ المعادلاتِ المجنونة .. سقطَتْ من يدِهِ الفرشاة وراحَ يستعرضُ أمامَهُ رحلةَ الإنسانِ البليدة على هذا الكوكبِ اليتيمِ.
كانَ رأسُهُ يتأرْجحُ نحوَ اليمينِ واليسارِ، إبتسمَ إبتسامةً صفراء ساخرة .. ثمَّ قفزَتْ مخيّلتُهُ تجوبُ الصَّحارى والبراري، تبحثُ عن فرشاةٍ كبيرةٍ تحملُ بينَ ثناياها خصوبةَ الحياةِ .. وكم كانَ يراودُهُ أنْ يرسمَ بهذهِ الفرشاةِ لوحةً كبيرةً على خارطةِ الوجودِ، مركِّزاً على اِخضرارِ المروجِ وزرقةِ السَّماءِ، ماسحاً بفرشاتِهِ العريضة كلّ الأقزامِ البشريّة، الَّذينَ يتشدَّقونَ بأبراجِهم العاجيّة ويقودونَ الأوطانَ على أسسٍ جمجميّة، متصوِّرينَ أنفسهم آلهةَ الأرضِ .. ناسينَ أنَّهم ذو علاقة حميمة معَ عالمِ الثَّعالبِ والوحوشِ الضَّارية!
سمعَ الفنَّانُ دقَّاتِ جرسِ الطَّبيعة، فتذكَّرَ أزقَّته وتراءَتْ لهُ كالغمامِ شجرةَ التُّوتِ الكبيرة في بيتِهِ العتيقِ .. كانَتْ خلفيّةُ اللَّوحةِ الَّتي رسمَها تموجُ بالحمائمِ النَّاصعةِ البياضِ .. فرشَتِ الحمائمُ أجنحتَها للنسيمِ، حاملةً مرسالاً يبشِّر بميلادِ إنسانيّةِ الإنسانِ، تطالبُ حمايةَ عالم الطُّفولة من الدّبّاباتِ الغادرة .. وفي نهايةِ المرسالِ ملحوظةً تشيرُ إلى أنَّ هناكَ اِحتفالاً باخضرارِ الحياةِ، تحضرُهُ الزُّهورُ البرّيّة والأهليّة كلّ مئة عام مرّةً واحدة .. فليحضرْ جميعُ البشرِ هذا الاِحتفال لتعميقِ الاِخضرارِ الإنساني جنباً إلى جنبٍ مع أبجدياتِ اِخضرارِ الزُّهور!!!


ديريك: كانون الأوَّل (ديسمبر) 1987



#صبري_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- [8]. مشاهد من الطُّفولة، قصّة قصيرة
- [7]. احمرار السَواقي، قصّة قصيرة
- [6]. اللّص والقطّة، قصّة قصيرة
- [5]. قتل النَّاطور الحمامة، قصّة قصيرة
- [4]. حالات اِنفلاقيّة قُبَيْلَ الإمتحان قصّة قصيرة
- 3 رنين جرس المدرسة، قصّة قصيرة
- 2 . امطري علينا شيئاً يا سماء! قصّة قصيرة
- المجموعة القصصية الأولى، احتراق حافات الروح، استهلال، [1] اح ...
- خمس مجموعات قصصية المجلّد الأول، مدخل للقصص
- تصفّح العدد السّادس من مجلة السَّلام الدولية الصادرة في ستوك ...
- حملة تضامن مع الشاعرة المبدعة فاطمة ناعوت
- صباح الخير يا مالفا أيّها المرفرف فوق تاج الإرتقاء في سماء ا ...
- إصدار جديد للأديب التَّشكيلي السُّوري صبري يوسف بعنوان: ديري ...
- طفولةٌ مزدانةٌ بأريجِ النّعناعِ البرّي
- كتابةُ الشِّعرِ إنغماسٌ عميق في رحابِ أحزانِنا وأفراحنا
- الكتابة معراج العبور إلى فراديسَ الجنّة، حلمٌ متطايرٌ من مرا ...
- تمتلكُ الفنّانة جاهدة وهبة حنجرة حريريّة صافية من شوائب هذا ...
- قراءة تحليليّة لقصائد الشَّاعر القس جوزيف إيليَّا
- تورنيه كونسيرت مشاهير -في الظِّل- إلى أرقى مسارح السُّويد
- يغوصُ العالم رويداً رويداً نحوَ القاع


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري يوسف - [9]. وللزهور طقوسها أيضاً! ، قصّة قصيرة