أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بديع الآلوسي - المساء الصوفي














المزيد.....

المساء الصوفي


بديع الآلوسي

الحوار المتمدن-العدد: 6048 - 2018 / 11 / 8 - 13:47
المحور: الادب والفن
    


في الريف بيت أهلي ، أهلي الفرنسيون أو من أنتسبت لهم منذ ربع قرن . بيت شيد في بداية القرن الماضي ، حين كان القتلة يلهون بحروب كونية .. غرفتي في الطابق الأعلى ، بسرير كبير ، وأرضية ببلاط هندسي ، ورفوف من خشب الزان وضعت عليها طناجر من نحاس وأواني فخارية . عند العشاء في بهو الاستقبال نجتمع ونتحدث عن أمجاد ومغامرات قديمة وكذلك عن القديسين والآلهة التي بعيون زرقاء .
ولكني قبل العشاء أهرب إلى حقول الكروم الخريفية ، هنالك أعيد تنظيم حواسي واحاول خلق فراغ في ذهني ، هنالك أتذكر ترف طفولتي ، وأصرخ بوجه الوحش الكاسر الذي يريد ان يسلب حريتي . لم أكن شخصا ً جديا ً طيلة حياتي ، كنت أرى الحرية في تدافع الغيوم ، وفي تفجر الماء من اعالي الجبل ، وفي شوق العشاق المصابين بالحب الاذع . أنا الأن ، أكثر حرية بين الحقول التي تستعد لمواجهة الشتاء الذي يعاقب كل الكائنات . حين أصلُ إلى الأراضي الجرداء التي بلا نهاية ، أعجل الخطى ، وأركض أحيانا ، مرددا ً اغنية تمجد خلود الروح ، وأحيانا ً كالملدوغ اندهش ما أن أحس ان وجودي على هذه الأرض حالة مؤقته .
في الحقول الصفراء ، عرائش الكروم بلا سياج يحاصرها ، التفت رأيته يركض حولي قلت له : ماذا تفعل هنا أيها الكلب الأبلق ؟
أتذكر جيدا وجهه ، كانت تطوق رقبته سلسله تتدلى منها مدالية فضية، كان الشعرالكثيف يغطي عينية ، ثلاثون دقيقة لم نفترق ، كان يبتعد ويعود ، كأنه يريد ان أساعده بالرجوع إلى أهله .. لم انتبه كيف غاب عن نظري ، أختفي كما تختفي أشياء جميلة كثيرة في حياتنا دون ان ننتبه .
حقول الكروم تنعم بحياة مثالية ، لكنها اليوم ترزح تحت كآبة السكون القاتلة . هذه المرة .. المرة الوحيدة التي رأيت الريف الفرنسي يصغي لي ، لذلك اطلت الثرثرة معه عن المخلوقات الملائكية التي اثرت في حياتي ، وعن الهزائم التي تركت وشما ً كجرح غائر في وعيي .
إله المساء يترك على الحقول جزءا ً من روحة كطائر جنائزي ، في طريق العودة . تيقنت من ان جولتي دون غاية ، لكنها بهدف صغير هو : ان رياضة المشي تطيل العمر . وحين طالني التعب ، وقبل ان يهبط الليل وتنطفيء سعادتي ، وقبل ان تعصر الغيوم ماءها ، وقبل ان يبللني الشجن . عدت الى بيت أهلي الفرنسيين ، ما أن وصلت أمام الفرن حتى شعرت ان الأخطاء الصغيرة تخلق المآسي وتزهق أرواحنا ، تسللت الى الطابق العلوي ، طاردا عن ذهني ان في حقل الكروم بكيت بغزارة ، مرددا ً مع نفسي : الأفضل حين نموت أن ندفن معنا حماقاتنا وخيباتنا ...



#بديع_الآلوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة : لينافا أرملة الرب
- قصة قصيرة : حانة الملائكة
- قصة قصيرة : الصديقان
- قصة قصيرة : لعنة النزيف
- قصة قصيرة : القط همنغواي
- قصة قصيرة : الومضات الخرافية
- قصة قصيرة : قولوا له أن يتركني
- قصة قصيرة : ما الحكمة
- قصة قصيرة : متاهة الخلود في الهور
- قصة قصيرة : قمر اللوكيميا وأنياب التنين
- قصة قصيرة : غواية الفيسبوك
- حديقة كيفين
- قصة قصيرة : نجمة في القلب
- خفقات ناي غريب / البوح الثالث
- خفقات ناي غريب / البوح الثاني
- خفقات ناي غريب / البوح الأول
- قصة قصيرة :عجيبة هي الحياة
- الرأس
- صباح أسمر
- هواجس : اللومانتية 2011


المزيد.....




- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بديع الآلوسي - المساء الصوفي