أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - شيرين وفرهاد: الفصل الثاني 4














المزيد.....

شيرين وفرهاد: الفصل الثاني 4


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6039 - 2018 / 10 / 30 - 20:15
المحور: الادب والفن
    


بصرف الطرف عن بساطتها، كانت شخصية " إدريس " صعبة التصنيف. إلا أنها ليست عصية تماماً على الفهم، طالما تتسم بالتناقض والمزاجية. بكلمة مختصرة، كان قروياً في عقليته ومسلكه. ما كان إذن بلا مغزى، اختياره الإقامة في ضاحية على طرف المدينة وارتباط وظيفته بأشغال ساكنيها الريفيين.
كما سبق القول، كان " إدريس " الوحيد بين أشقائه، الذي ترك بلدة الأسلاف ليستقر مع أبيه في مراكش. على ذلك كانت علاقته بامرأة أبيه، وأخوته منها، لا تقل إشكالية عن شخصيته. وكان " إدريس "، بحسَب ما فُهِمَه أولاً، قد استدعيَ إلى المدينة الحمراء لإكمال الدراسة الثانوية تحت رقابة أبيه. بيْدَ أنّ هذا الأخير، وعلى نحو مفاجئ، أعلن عن عزمه السفر إلى فرنسا بغية العمل في إحدى الشركات بموجب عقدٍ مبرم مع فرعها المغربيّ. بالنظر لغياب رأس الأسرة سنيناً في كل مرة، فإنّ الابن الكبير كان هوَ وليّ الأمر الفعليّ. من ناحية أخرى، كان " إدريس " الأكثر شبهاً بوالده في الملامح والهيئة. إلا أنه أضخم جثة، وفي المقابل، أقل هيبة وصرامة. عقدان من الأعوام تقريباً، قضاها الأبُ في المغترب، ولم يعُد منه إلا وهوَ قد تجاوز سن التقاعد. لم يكد يستقر في موطنه، بين أفراد أسرته، إلا ومرض السكّري يفتك رويداً بجسده المتين إلى أن ذوى واضمحل. ذات مرة، قال " إدريس " لصهره السوريّ متضاحكاً عن أسنانٍ شوهها التبغ والكيف: " ورثتُ عن المرحوم أبي شيئين، السكّري واحتقار النساء! ".

***
في فترة مرضه، أعتكف الأب في حجرة بالدور العلويّ نظراً لوجود الحمّام بقربها. صار يلازم السرير طوال الوقت تقريباً، بعدما ضربَ السكّري بشدّة أنسجة إحدى القدمين. وإنها نفس الغرفة، التي آلت إلى الصهر السوريّ في خلال هذا الصيف. قبلاً، وتحديداً من حوالي خمس سنين، كان " دلير " أثناء زياراته المغربية يقيم في الصالة الكبيرة، المقسومة إلى حجرتين، والمتمتعة بنافذتين تسلقت على قضبان إحداهما عريشة المجنونة بوريقاتها الفاتنة والمسحورة. غير أنه تخلى عن الصالة لابنة حميه الصغرى، وذلك على أثر إصابتها في حادث سير أدى لكسر مضاعف في قدمها. أما امرأته، فإنها دأبت وطفلهما على النوم في صالة الدور الأرضيّ. فلم يكن في وسعه التواصل جسدياً مع المرأة سوى في آناء النهار، في غياب ذكرَيّ الدار! في واقع الحال، أنّ حجرة الأب كان يشغلها الابن الأصغر، والذي ما لبثَ أن انتقل عمله الفندقيّ إلى مدينة الصويرة ( موغادور ). أما شقيقه الأكبر، الموظف مثلما ذكرنا في مناسبة أخرى، فإنه أقام مع امرأته بحجرة على ذات الدور.
في هذه الحالة، يُمكن القول أن مكانة " دلير " في منزل الأسرة كانت تتراوح بين صفتَيّ الصهر والمستأجر. كذلك كان شعوره الشخصيّ، على أقل تقدير. مع أن أفراد الأسرة، بما فيهم الأم، استمروا في معاملته كأنه واحد منهم، فضلاً عن مراعاة خاصّة. وكان معفياً، فوق ذلك، من أيّ واجب من واجبات المنزل. حتى أنّ الأم كان ينتابها الغضبُ على البنات، حينما ترى صهرها بعد فراغه من الطعام قد نزل إلى المطبخ وبيده الصينية. مقارنة بعديله، زوج كبرى البنات ( وهوَ فرنسيّ أشهرَ إسلامه )، كان الصهر السوريّ محبوباً ومدللاً.. ومتغنجاً أيضاً!

***
إلى حجرته إذاً، كان قد انتقل قبيل الغداء، منتظراً فراغ " إدريس " من صلاة الظهر في المسجد المجاور. هذا المصلى، كان ملتصقاً بالمنزل من ناحيته القبلية، وكان صوت المؤذن عند الفجر كابوساً حقيقياً لصهر الأسرة. كان الرجلُ يرتل أولاً الأدعية والأذكار بصوته الأجش المبحوح، وبالطبع عبرَ المكبّر الكهربائيّ. الحال أن غالبية زملاء مهنته يتشاركون في قبح الصوت والأداء، على العكس من المألوف في المشرق ومصر. حتى تجويد القرآن، كان يتم بطريقة جافة خالية من التنغيم والترخيم. في تحليله لهذه الظاهرة، المسجّل بأحد مقالاته المنشورة، عزاها " دلير " لحالة نفسية أكثر منها تأثراً ببدع الوهابية، المتغلغلة في بدن المجتمع المحليّ: " في بلد كالمغرب، يميل سكانه إلى المتع الحسية من غناء وموسيقى وقصف، كان من الطبيعي أن تؤدى الطقوس بصوت معاكس تماماً. هكذا صوت، خشن وقبيح، من المفترض أيضاً أن يجعل الناسَ يفيقون هلعين إلى واقع كونهم ضيوفاً على الدار الأولى وأن مستقرهم الحق هوَ في الدار الآخرة ".
هنالك في الحجرة الضيقة، على السرير الممدد بالعرض والملتصق بالجدارين المتقابلين، أخذ وهوَ يغالب حرّ الهاجرة في تقليب أوراق التذكرة المراكشية، الخاصة بصديقة أيام زمان. وكانت " تينا " قد أرسلتها بالبريد العاديّ، مع كونها منضدة بالكومبيوتر. فجأة، عنّت له فكرة الاتصال إلكترونياً مع الصديقة الأخرى، " سوسن خانم "، وكان قد تكلم معها آخر مرة قبل أقل من سنة. خاطبَ نفسه عند ذلك مُحبطاً: " ماذا تنتظر من امرأة متوحدة في الغرب الأمريكيّ، كانت قد قطعت كل صلة بالآخرين سواء في الوطن أو هنا في المغرب؟ ". ولكن ماذا كان يأمل منها لو كان على قناعة، حقاً، بصدق تأكيدها؛ بكونها بقيت منعزلة خلال الخمس سنين الأخيرة من إقامتها في مراكش: أوراق سيرتها، توحي بذلك وبما لا يدع مجالاً للشك والريبة. مع أنّ حدثاً مستطيراً، كواقعة مقتل " رفيق " العراقيّ، كان لا بد أن يصل إليها بشكل من الأشكال..؟
" لقد أمضيتَ بنفسك الأعوام المراكشية الخمسة في شبه عزلة أيضاً، فلم تتعرف في خلالها حتى بحلقة ضيقة من المثقفين على غرار أصدقاء رواق الفنون "، عادَ إلى مخاطبة داخله متنهداً.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شيرين وفرهاد: الفصل الثاني 3
- شيرين وفرهاد: الفصل الثاني 2
- شيرين وفرهاد: الفصل الثاني 1
- شيرين وفرهاد: الفصل الأول 5
- شيرين وفرهاد: الفصل الأول 4
- شيرين وفرهاد: الفصل الأول 3
- شيرين وفرهاد: الفصل الأول 2
- جزيرة مهجورة
- شيرين وفرهاد: الفصل الأول 1
- زين وآلان: الفصل السابع 5
- شجرتان وأسطورة صغيرة
- زين وآلان: الفصل السابع 4
- زين وآلان: الفصل السابع 3
- أُضحِيّة
- زين وآلان: الفصل السابع 2
- زين وآلان: الفصل السابع 1
- زين وآلان: الفصل السادس 5
- زين وآلان: الفصل السادس 4
- زين وآلان: الفصل السادس 3
- زين وآلان: الفصل السادس 2


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - شيرين وفرهاد: الفصل الثاني 4