أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عمّار المطّلبي - إبَّغدادْ عيب اندل حرِثتَه !!*














المزيد.....

إبَّغدادْ عيب اندل حرِثتَه !!*


عمّار المطّلبي

الحوار المتمدن-العدد: 6023 - 2018 / 10 / 14 - 08:37
المحور: الادب والفن
    


بعد ألف قُبلة و قبلة ، تجلس القرويّة أم لفتة على البساط، ليتصاعد النواح السومريّ :
البداية لأمّي :
إبَّغدادْ عيب اندل حرِثتَه
تُجيب أم لفتَه، بصوتٍ حزينٍ يُشبه السكّين حين تحزّ القلب :
وِ الرَيلْ ما عِدّيْ إجِرتَه !
أمّي : بِدموعِي ربّيتَه و هِجرْني
أم لفته : بُگْتِيه وِچْ بغداد مِنّي
أمّي : يا وَسفَه مِنّي ضِعِتْ يَبْنِي
أم لفته : إبْدَلّاليْ وَيَّتْ نارْ لَفتَه !
لا يلبث هذا الغناء الحزين، حتّى يتحوّل إلى حشرجة و آهات و صيحة آخ يُمّه ، ثمّ يتوقّف فجأةً كما تتوقّف الخيبة التي لا جواب لها، تلك التي تُشبِهُ الغصّة و هي تنام عميقاً من غير أن يكترث لها ذلك الكون القاسي و المُسرع أبداً !
أتوقّف عن اللعب، و أُنصِت و قد سمّرني في مكاني وجومٌ لا تستطيع سنِيّ عمري القليلة فهمهُ أو استيعابه .. تلتفت أم لفته، و كأنّها اكتشفت وجودي فجأةً ، فتنشر ذراعيها باتّجاهي و يُشرِقُ وجهها من تحت الدموع التي كانت ما تزال تنتقل ببطء فوق خَدَّيها المغضّنَين .. تحتضنني و تُقبّلني، ثمّ تجلسني في حجرها، فأجلس ساكناً كما طائرٍ أسكرتْهُ رائحة المِسِچ التي كانت تنبعث منها .. أعود إلى مكاني في باحة البيت، مُستغلّاً حديث أم لفته مع أمّي ، و انشغالها بإشعال الجِكارة و نفث دخانها في الهواء !
بيتنا الطينيّ القديم لم يعد له وجود .. قام محلّه بيت أخرس من طابوق .. إختفى عش الخطّاف، و اختفت الرازُونه القريبة من السقف، مع الشمس التي كانت تحاول عبثاً الدخول إلى الحجرة منها .. أمّا السماء، فكان عليّ أن أرتقي إلى السطح، لأراها كما كنتُ أراها من قبل !
لم يكن لفته في بغداد، لكنّ تلك المرأة التي لم تسافر قطّ، كانت ترى في كلّ مكانٍ آخر بغدادَ النائية و الغامضة.. إحتفظتْ، كما احتفظت القرويّات بإحساس الصِّغار بالبعد و القُرب .. كانت ترى المسافات بعينَي طِفل، و تُحِسُّ بالزّمان كما يُحِسّ به طفلٌ: مديداً بعيداً كأنّهُ البحر !
كان لفته جنديّاً سِيقَ إلى شمال العراق، ليُقاتل أناساً لا يعرفهم، و ليُدافع عن جبلٍ شاهقٍ صامتٍ أجرد لا يعنيه، لكنّ تلكَ القرويّة لم تكن تعرف سوى ذلك الاسم المُخيف القاهر : بغداد !!
تقول أم لفته لأمّي و هي تنفثُ دُخان الجكاره الثانية : ليش خَيّه بدلتُو البيت .. چان وسيع و فرِه .. بيوت الطابوگ چنهه بيوت الحکومه .. سجن تقبض الروح ! ..
تضيف : البيت مثل الجِلِد يا خَيَّه ما يتبَدَّل !
الحجي ما چان راضي .. تجيب أمّي
بس الولد كبروا و تعلموا على بغداد !
آخ يمّه لفته .. تقول تلك القرويّة، صديقة أمّي، فجأةً ، و كأنّها تؤنّب نفسها على نسيانهِا له في خضمّ الحديث ..
خَذوهِ الظِّلّام !
في تلك اللحظات يدخل أخي الكبير الذي قدم في الإجازة الصيفية .. سيمكث شهراً ، أُحِس فيه أنّي في سجن ! أنسلُّ في الظهيرة على أطراف أصابعي خوف أن يستيقظ !
أمسكني بين يديه قبل يومَين، و قال لي كلاماً غير مفهوم .. ضربة الشمس .. تيفوئيد، عليكَ أن تنام الظهر .. لكن كيف لطائرٍ صغيرٍ أن ينام ؟! أركض جرياً إلى الگرمَه التي تعجّ بالصغار .. قبل أن أصل إلى الباب شعرتُ بعطش شديد .. تسلّقتُ الكرسي الخشبي إلى ( الحِبّ ) الفخاريّ البارد ، بدا لي الماء مثل ينبوع صاف، لكنّه بدا لي أيضاً بعيد الغور، ثمّ لاحتْ لي الطّاسة النحاسيّة الصّفراء ترقصُ على صفحة الماء .. مددتُ يدي نحوها، فلم أستطع سوى مسّها بأصابعي .. حاولتُ ثانيةً فتحرّكت الطّاسة بعيداً و اصطدمت بجدار الحِبّ .. إنّها النهاية .. حبستُ أنفاسي و انتظرت .. مرّ الأمرُ بسلام .. لم يوقظ الصّوت أخي الذي كان ينام في الغرفة المحاذية !
لا فائدة من المحاولة .. أمسكتُ بحافة الحِبّ، و طفقتُ أُدلي رأسي في ذلك الحِبّ الفخاري .. لا حاجة للطاسة .. سأشرب الماء بفمي !
هوى نصف جسدي في غيابة الحِبّ، و لم يلبث رأسي أن غطس في الماء.. كانت رجلاي مثل جَناحَي طائرٍ أمسكَ به شرَك، و رحتُ أصرخ، لكنّي لم أكن أسمع سوى صوت بقبقة تُشبهُ صوت طبلٍ ضخم .. كنتُ أختنق وحدي في تلك البئر !!
قالتْ لي أختي و هي تمسح دموعي التي امتزجتْ بماء الحِبّ : إشلون تِشَلْبَه على الحِب ؟! چان مِتتْ ولَك .. الله ستَر!
ضاعتْ الگرمه عليّ هذا اليوم .. هذا ما كنتُ أفكّرُ فيه .. و قلتُ لأختي و هي تحملني إلى الحجرة : يمتَه يرجع إلبَغداد يمتَه؟!!
.....................
بعد ثلاثة أيّام، كانت أمّي تمسكُ بيدي، و نحنُ نعبرالقنطرة الخشبيّة فوق النّهر، سائرَين في ذلك الطريق الذي غطّاه العشب .. منْ بعيد لاحتْ راية العباس الخضراء تُرفرف فوق ذلك الكوخ بجانب شجرة الصفصاف ..
إنّه بيت أمّ لفته ، لكنّهُ بدا هذه المرّة مختلفاً .. كان يعجُّ بالنسوة المتّشحات بالسّواد، و كلّما اقتربنا، كان صوت النحيب و العويل يصّاعدُ منه، و لم تلبث أمّي أنْ صرخَت، حين رأتْ أم لفته تخرج لملاقاتها مُحاطةً بالنّساء المُعْوِلات!!
..................................................................
عاد لفته هذه المرّة جثّةً هامدة !!
.................
* ببغداد لا أعرف دربَه !



#عمّار_المطّلبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عليّ
- الإيقاع الدّاخلي في القرآن (1)
- القصر
- بليخانوف
- برزخ أحمد صبحي منصور ! ( 2)
- برزخ أحمد صبحي منصور ! (1)
- بئرُ الفراق !!
- أَمُدُّ يَداً مِنْ وراءِ الحُجُبْ !
- البرقيّة
- زينب
- إلى شُويعرة !!
- سَلُوا تِكريت
- حين خرجتُ ذاتَ مساء للشاعر د. ه. أودن
- أهلي تُفَجَّرُ منهم الأجسادُ !! ( قصيدة عتاب)
- أكبر شارع في بغداد باسم طاغية و قاتل إمام !!
- بائِعو البيض في باب المُعظَّم
- تمسكُ ألبومَنا في الأعالي
- د. قاسم حسين صالح: ان العراقيين في الخارج..قد طلّقوا العراق!
- دليلكَ إلى نكاح الإنسيّات !! (1)
- الشّيعة


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عمّار المطّلبي - إبَّغدادْ عيب اندل حرِثتَه !!*