أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عمّار المطّلبي - بليخانوف














المزيد.....

بليخانوف


عمّار المطّلبي

الحوار المتمدن-العدد: 5504 - 2017 / 4 / 27 - 09:48
المحور: الادب والفن
    


قصّة قصيرة
ضاق العمّ عبّاس ذرعاً بأولئكَ الموظّفين الأنيقين الذين دمّروا سلام النّاحية برطانتهم عن الديالكتيك و الحتميّة التّاريخيّة، و أحنقَهُ حديثهم الذي كانتْ تتقافزُ منهُ أسماء لم يسمع بها منْ قبل، أسماء كانوا يذكرونها بتبجيلٍ و تعظيمٍ و حماسةٍ، و كأنّهم كانوا يتحدّثون عن الحسين أو العبّاس أو سيّد موسى الذي يقع مقامه على مسافة ميلَين مشياً على الأقدام .
باتَ كلّ فردٍ يعرف أسماء ماركس و أنجلز و لينين، منْ كثرة التكرار، و أضاف إليهم معلّم نُقِلَ حديثاً اسماً غريباً لم يستطع أحدٌ أن يحفظه: بليخانوف !
و كان هذا المعلّم يترصّد أيّ شابٍ في السّوق، فيستوقفهُ ليتحدّث إليه عن قرب انهيار الرأسماليّة العالميّة ، كنتيجةٍ حتميّةٍ لاجتماع النقائض، و سرعان ما تنشأ دائرة من الرّجال الكبار و الصبية الفضوليّين، و الصغار الذين بعثتهم أمّهاتهم لجلب شيءٍ ما من السّوق !
لمْ يكن العمّ عبّاس لينفد صبرُهُ لولا أنّهم ارتكبوا خطيئةً كانت فوق الاحتمال .. لقد أعلنوا في نوبة حماسٍ مفاجئة أنّ الوقت قد حان لسيادة الطبقة العاملة، فأرباب العمل ليسوا في نهاية الأمر إلّا طُفيليّين يسرقون جهد العمّال و يمتصّون دماءهم !
الحقّ أنّ بشارتهم تلك، لم يكن لها معنى، فلم يكن في النّاحية كلّها سوى ياسين الأقرع الذي كان عاملاً و ربّ عملٍ في الوقت نفسه !
كان يقضي وقته كلّه في مضخّة الماء البدائيّة الصغيرة التي توزّع الماء على البيوت .. لم تكن هناك إسالة، بل تلك الغرفة الصغيرة القريبة من النّهر، يتوسّطها ماطور كهربائيّ ، و كان هناك العجوز ياسين، ببدلته المُلطّخة بالزيوت و صلعته اللامعة، و عينَيه اللتين تُراقبان هدير الماكنة، و لُهاثه الذي لا ينقطع في أيّ وقت !
لكنْ لمَ ثارتْ ثائرة العمّ عبّاس، فتمنّى أنْ لو كان بليخانوف أمامهُ ليُقطّعهُ بأسنانهِ إرباً ؟!
كانَ صاحبنا قد انتهى للتوّ من بناء المطحنة على ضفّة النّهر، و كان ينتظرُ بفارغ الصبر وصول المكائن، ليبدأ العمل، و إذا بهؤلاء الحمقى يتحدّثون عن سيطرة العمّال، و حتميّة انتصارهم ، كما يقول بليخانوف !
إنَّ خيالهُ الآن يلعبُ به و يُعذِّبه .. يرى نفسهُ مطروداً من المطحنة، ثمّ يرى العمّال يتبخترون بين المكائن، و يرى النّاس قد اصطفّوا على الضفّة الأخرى رجالاً و نساءً و أطفالاً يتطلّعون إليه بإشفاقٍ و فضول، و هو يُغادر مُطأطئ الرأس مُثقل القلب !
في الصباح الباكر، وقف العمّ عباس عند رأس الجسر، يحفّ به خمسة عشر شاباً، ينتظرون خروج أولئك الموظّفين !
إنّها أفضل فرصة للانتقام، فالموظّفون الذين سيخرجون من النّادي، سيكونون فريسةً سهلةً بعد أنْ أنهكهم السهر و السّكر و الهذر المتّصل طول الليل !
وقف العمّ عبّاس، مثل ملاك يوم الحساب، يتطلّعُ إلى أولئك الموظّفين يغوصون في الماء و يبزغون، ببدلاتهم و أحذيتهم اللامعة ، و قد أمسك بكلّ واحدٍ فيهم شابّان أو ثلاثة ، يرفعونهُ من أبطيه، ثمّ يهوون به بقوّة إلى أعماق النّهر !
كول التّوبة ! ينادي العمّ عبّاس
التّوبة ! يصيح الموظّف، و هو يشهق !
هكذا خرج أولئك الموظّفون أخيراً، يترنّحون من الرّعب و منْ كثرة ما ابتلعوا من الماء، و اتّجهوا نحو بيوتهم الحكوميّة يجرّون الخطى، تاركين خطوطاً من الماء على إسفلت الشّارع ، كأنّهم غيوم هبطتْ إلى الأرض !
يُقال إنّ أولئكَ الموظّفين قد غادروا النّاحية في اليوم التّالي، و ثمّة منْ يذكر أنّهم لبثوا مدّة متوارين عن الأنظار، بانتظار اكتمال معاملات النقل إلى المركز، بعيداً عن العمّ عبّاس و رجاله القُساة !
و مهما يكن الأمرُ، فإنّ أحداً لمْ يسمعْ، بعد تلك الحادثة، باسم بليخانوف، و بشارتهِ بقربِ انتصار العمّال، في تلك البقعة النّائية !!



#عمّار_المطّلبي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- برزخ أحمد صبحي منصور ! ( 2)
- برزخ أحمد صبحي منصور ! (1)
- بئرُ الفراق !!
- أَمُدُّ يَداً مِنْ وراءِ الحُجُبْ !
- البرقيّة
- زينب
- إلى شُويعرة !!
- سَلُوا تِكريت
- حين خرجتُ ذاتَ مساء للشاعر د. ه. أودن
- أهلي تُفَجَّرُ منهم الأجسادُ !! ( قصيدة عتاب)
- أكبر شارع في بغداد باسم طاغية و قاتل إمام !!
- بائِعو البيض في باب المُعظَّم
- تمسكُ ألبومَنا في الأعالي
- د. قاسم حسين صالح: ان العراقيين في الخارج..قد طلّقوا العراق!
- دليلكَ إلى نكاح الإنسيّات !! (1)
- الشّيعة
- مشعانُ يا مِشعان !!
- عمر بن الخطّاب و محمّد علي كلاي !!
- أنا لا أحد ! مَنْ أنت ؟!!
- الجنادريّة : هداية الحيران فيما كتبهُ د. عبد الحسين شعبان !! ...


المزيد.....




- -خماسية النهر-.. صراع أفريقيا بين النهب والاستبداد
- لهذا السبب ..استخبارات الاحتلال تجبر قواتها على تعلم اللغة ا ...
- حي باب سريجة الدمشقي.. مصابيح الذاكرة وسروج الجراح المفتوحة ...
- التشكيلية ريم طه محمد تعرض -ذكرياتها- مرة أخرى
- “رابط رسمي” نتيجة الدبلومات الفنية جميع التخصصات برقم الجلوس ...
- الكشف رسميًا عن سبب وفاة الممثل جوليان مكماهون
- أفريقيا تُعزّز حضورها في قائمة التراث العالمي بموقعين جديدين ...
- 75 مجلدا من يافا إلى عمان.. إعادة نشر أرشيف -جريدة فلسطين- ا ...
- قوى الرعب لجوليا كريستيفا.. الأدب السردي على أريكة التحليل ا ...
- نتنياهو يتوقع صفقة قريبة لوقف الحرب في غزة وسط ضغوط في الائت ...


المزيد.....

- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عمّار المطّلبي - بليخانوف