أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - تميم منصور - روايات من ممارسات القهر القومي -2-















المزيد.....

روايات من ممارسات القهر القومي -2-


تميم منصور

الحوار المتمدن-العدد: 5963 - 2018 / 8 / 14 - 18:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


خيمة البرتقال

افقنا في مطلع الطفولة المدرسية على واقع سياسي عربي وشرق أوسطي مرير ، لم يكن ادراكنا قادراً على اتساع وهضم جميع التغييرات التي شهدها وطن الآباء والاجداد ، افقنا لنجد أن الحكم العسكري الاسرائيلي امراً واقعاً ، لا أمل في تغيّره ، سوى في استوديوهات الإذاعات العربية ، كانت كل إذاعة تحاول التخلص من عار النكبة ، وتُحمل مسؤولية هذا العار لأنظمة عربية أخرى .
افقنا لنجد أبناء شعبنا وراء ما يعرف بالخط الأخضر ، غارقون في المعاناة ، اذ يرتفع منسوبها كل يوم في سلم البقاء والوجود ، حطمت هذه الأوضاع النفوس والمشاعر والاجساد ، كوننا اطفالاً لم يمنعنا من رضاعة تبعات مآسي شعبنا ، كنا نشعر بالضائقة المالية والنفسية لذوينا ، لأنها تنعكس علينا وعلى حياتنا ، فصادرت طفولتنا التي غابت حتى عن أذهاننا، وكبرنا قبل الأوان .
في المدرسة الابتدائية فتحنا عيوننا لتصطدم وجوهنا بجسم غريب لم نشارك في بناء مدماك واحد من وجوده ، بين يوم وليلة كل شيء تغيّر ، علينا في المدرسة التكيّف لهذا الانقلاب في حياتنا المدرسية ، وحياتنا في بيوتنا داخل قرانا ، في المدرسة منهج دراسي جديد ، كل كلمة فيه يجب أن تصب في قاموس سياسي اسمه اسرلة .
الحكم الإسرائيلي الجديد رأى في المدرسة مربط الفرس ، هنا بدأ التحول ، اعتبروا الطلاب أغراساً بشرية صغيرة، بالإمكان تربية سيقانها وأغصانها واوراقها ، تربية يهودية إسرائيلية ، لأنها ستروى بالمياه الصهيونية ، بعد أن قطعت كل موارد الحياة القومية والوطنية عنها .
كان الحكم العسكري يرى ببقايا الأطفال الفلسطينيين الذين قذفتهم أمواج النكبة وبقوا في وطنهم خميرة للأسرلة ، لأن آباءهم وامهاتهم من وجهة نظر هذه السلطة ، مثل قانون حاضر غايب الخاص بالأراضي ، أي لا قيمة ولا أهمية لهم .
اعتقدوا ان أطفال الفلسطينيون، مثل أطفال المهاجرين اليهود الذين تم استيرادهم بكافة الطرق غير الإنسانية ، من أجل العبرنة والاسرلة ، فالأطفال العرب من وجهة نظر الحكم العسكري سوف يصبحون مثل جنود الانكشارية في الجيش العثماني ، هويتهم عثمانية ، السلطان مولاهم ، لأن كل الروابط والتواصل الأثني مع اسرهم ومع شعوبهم قد انقطعت .
هذه كانت أحلام حكام إسرائيل بالنسبة للمواطنين العرب ، خاصة الجيل الحديث منهم ، لكن غباء هؤلاء الحكام وحقدهم وعنصريتهم افشل كل مخططاتهم ، فبدلاً من أن يتبعوا سياسة الاختلاط والدمج المتكامل بين المواطنين العرب واليهود ، من أجل الانصهار ، كما كان الأمر لدى شعوب كثيرة ومنهم اليهود، بدلاً من ذلك وضعوا خطة ثانية ، وهي اتباع سياسة الاسرلة والتدجين عن طريق اتباع سياسة القهر القومي والتميز العنصري، أرادوا اندماج وانصهار واسرلة حسب ذوقهم وسياستهم الظلامية ، فاستعملوا سياسة القبضة الحديدية مع المواطنين العرب ، استخدموا شتى أنواع الملاحقة والتنكيل ، اطلقوا سراح الكلاب المسعورة من عناصر شرطة حرس الحدود ، وكان معظمهم من البدو والشركس والدروز واليهود القادمون الجدد خاصة من الأقطار العربية ، شحنوهم بالكراهية والحقد ضد كل من هو عربي ، اطلقوا أيديهم في القرى العربية ينكلون بالمواطنين دون رحمة ، ففي المثلث أطلقوا الضابط " بلوم " والشاويش ادريس وأبو زيد ودنغور وغيرهم ، أسماء مقيتة زرعت الرعب في ذاكرة الأهالي ، حتى اليوم ما زال الذين عاشوا تلك الفترة يحكون عن بشاعة وكره ووحشية هؤلاء .
خططوا لأسرلة مجبولة بإلاذلال ، بسبب الفقر والمجاعة وسياسة التقشف التي استخدمتها الحكومة في العقد الأول من قيام الدولة ، فكانت المدارس هي الهدف ، فاستخدموا طرقاً خسيسة ومدروسة استمدتها الصهيونية للحط من قيمة العرب ، ولإقناع العالم بأننا لا نستحق هذا الوطن ، فكانوا يرسلون السياح الأجانب الى القرى العربية في سنوات الخمسين والستين كي يشاهدوا صور التخلف ، طريقة بناء البيوت ومحتوياتها، الحيوانات في الطرقات ، خاصة الحمير والجمال ، كما كانوا يقومون بتصوير الفلاحين الذين يستخدمون آلات درس الحبوب القديمة على البيادر ، مثل النورج ولوح الدراس وغيرها، كي يعرضونها في العالم ، قاموا بتصوير النساء وهن ينقلن المياه على رؤوسهن من مصادرها الى البيوت ، وقد نقلت هذه المشاهد الى الكتب العبرية ، كي يقتنع اليهود أحقيتهم بهذا الوطن ، الذي ينتظر بصمات تطويرهم بدل التخلف الذي يغرق به العرب .
من المناظر التي لا يمكن ان تفقدها الذاكرة ، اذكر عندما كنت في أحد الصفوف الدنيا ، قدمت سيارة الى المدرسة كان صندوقها الخلفي مغطى بشادر تغطية محكمة ، حتى لا أحد يعرف ماذا بداخل الصندوق ، عندما توقفت السيارة في ساحة المدرسة نزل منها خواجات ، قيل ان احدهم كان مساعد الحاكم العسكري ، لكنه كان يرتدي الملابس المدنية . تساءلت الف مرة كيف قبلت إدارة المدرسة والتفتيش تمرير هذه المسرحية الكاذبة المخادعة ؟ تجمع الكثير من الطلاب حول السيارة ، لأن وجودها في المدرسة ملفتاً للنظر، لكن بعد أن دخل الطلاب للصفوف ، رفع الشادر عن السيارة ، واذا بداخلها بضعة صناديق من البرتقال .
قام بعض العمال بنصب خيمة قرب السيارة ، تم افراغ صناديق البرتقال التي كانت مملوءة بالتراب الملتصق بقشر البرتقال، كأن هذا البرتقال كان من الذي يسقط على الأرض بعد القطيف. ومع تدحرج حبات البرتقال ، كنا من بعيد ، نحن الأطفال الصغار في الصفوف، تتدحرج عيوننا وراء اللون البرتقالي .
خرجنا الى الساحة للتنفس ، وإذ بمدير المدرسة يقف في وسط الساحة ويقول لنا بفرح ظاهر : البرتقال هدية الحاكم العسكري بمناسبة اقتراب يوم الاستقلال ، وطلب منا التوجه الى الخيمة ، فلكل واحد برتقالة .
تدفق الطلاب ، منهم من سقط على الأرض ، ومنهم من تشاجر يريد أن يكون في الأول ، ومع التدافع والصراخ كان كل واحد يريد نيل هذه الهدية .
هذا ما كان ينتظره مساعد الحاكم العسكري ، فقد استعد هو ومن معه للتصوير ، كان طاقم التصوير جاهزاً ، وكلما التقط احد الطلاب برتقالة التقطت الصورة ، وحتى تكتمل صورة الجوع ، عندما فرغت الخيمة من البرتقال ، ذهب العمال الى الشاحنة وأتوا بصناديق جديدة ، ليعود البرتقال الى التدحرج ، ويعود الطلاب لقضم البرتقال بقشره ، لم نكن نعلم أن هذا البرتقال القادم كهدية بصناديق مغلقة ، كان من بيارات يافا وغيرها من الأراضي الفلسطينية ، ولم نكن نعلم أن كل برتقالة عبارة عن مصيدة، يصيدون بواسطتها جوعنا وحزننا وخوفنا ، لقد كانت الصور والضحكات والابتسامات التي يرسمها الحاكم العسكري جزءاً من التواطؤ الذي كان مفروضاً على شعبنا ، اما مدير المدرسة والمعلمين ، فقد كانوا مثلنا شريحة ضعيفة لا حول لها ولا قوة على الاعتراض او الرفض.
يتبع



#تميم_منصور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- روايات من ممارسات القهر القومي
- التضامن و السلاح الوحيد للتصدي لكل قوانين العنصرية
- استقالة أعضاء الكنيست العرم تخدم العنصرية الاسرائيلية
- وايزمن والعرب 3 الحلقة الأخيرة
- وايزمن والعرب 2
- وايزمن والعرب 1
- رايخ العنصرية لن يستطيع قلع ذورنا
- طالت طريق الانتصار يا شعب الجبارين الحلقة الأخيرة
- طالت طريق الانتصار امام شعب الجبارين (3)
- طالت طريق الانتصار امام شعب الجبارين (2)
- طالت طريق الانتصار يا شعب الجبارين
- لا خيار أمام الفلسطينيين سوى وحدة الصف والهدف
- نتنياهو في أسواق العنصرية
- عندما تكون المرأة مقاومة وسجينة
- امرأة تعيش خارج الذاكرة .. لماذا ؟؟
- هنا القاهرة من دمشق
- صور من حالات التعليم في زمن الانتداب - الحلقة الاخيرة
- صور من حالات التعليم في فلسطين زمن الانتداب 5
- صور من حالات التعليم في فلسطين - 4 -
- صور من جالات التعليم في فلسطين زمن الانتداب -3-


المزيد.....




- بآلاف الدولارات.. شاهد لصوصًا يقتحمون متجرًا ويسرقون دراجات ...
- الكشف عن صورة معدلة للملكة البريطانية الراحلة مع أحفادها.. م ...
- -أكسيوس-: أطراف مفاوضات هدنة غزة عرضوا بعض التنازلات
- عاصفة رعدية قوية تضرب محافظة المثنى في العراق (فيديو)
- هل للعلكة الخالية من السكر فوائد؟
- لحظات مرعبة.. تمساح يقبض بفكيه على خبير زواحف في جنوب إفريقي ...
- اشتيه: لا نقبل أي وجود أجنبي على أرض غزة
- ماسك يكشف عن مخدّر يتعاطاه لـ-تعزيز الصحة العقلية والتخلص من ...
- Lenovo تطلق حاسبا مميزا للمصممين ومحبي الألعاب الإلكترونية
- -غلوبال تايمز-: تهنئة شي لبوتين تؤكد ثقة الصين بروسيا ونهجها ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - تميم منصور - روايات من ممارسات القهر القومي -2-