أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هاله ابوليل - الزهد في الحياة ,الزهد في الناس















المزيد.....

الزهد في الحياة ,الزهد في الناس


هاله ابوليل

الحوار المتمدن-العدد: 5933 - 2018 / 7 / 14 - 18:58
المحور: الادب والفن
    


لطالما أبدت والدتي إعجابها الأثير تلك المقولة المتداولة عن "أن الزهد في الحياة هو الزهد في الناس"
وذلك تبريرا لإفتقارها للصداقات الحقيقية في العراق فعندما تزوجت الجنرال -الضخم ذو الصوت الجهوري ,غضبت منها نساء العائلة السعدونيات جميعا حتى القواعد منهن و العجائز ذات العمائم .
هجرنها , لأنهن كن يعتقدن إنهن أحق منها بهذا الرجل العظيم الذي كان يحمل مسدسه على جنبه حتى وهو نائم
و الأمر الآخر , كن يرفضنها بسبب غيرتهن الشديدة منها كونها فلسطينية لاجئة لا ظهر يسندها , فكيف تتزوج رجلا له مكانة في العراق و راسم سياسات الحزب و الرجل الأكثر تمردا وسيطرة ونفوذا !
لذلك بقيت غريبة بينهم , ليس بالمعنى النفسي للغربة ب , ل غريبة باللهجة والتفكير و أسلوب الحياة و لكنها كانت تحب العراق كما كانت تحب فلسطين و كما تحب الأردن حاليا بعد أن عاشرت أهله وكما أحبت الشام عندما زارت إبنتها زينب في الغوطة الدمشقية
لمرة وحيدة في حياتها .وكما ستحب الوطن الكبير كما لم يحبه أحد .

لذلك كانت تقضي معظم حياتها الماضية في بيتها , تجدها فعليا في مطبخها , حيث تقوم بأعمال فيزيائية وكيمائية تعجز عنها مطابخ القنابل النووية في العالم وكل ذلك من اجل أن يظل الجنرال مسرورا .
وكيف لا يكون زوجا سعيدا مع زوجة لا يهمها الزيارات النسائية المتبادلة ولا تركض وراء التقليعات النسائية السخيفة ولا تبحث عن شيء خارج جدران بيتها .
لقد سمعتها يوما تعلق ساخرة على النساء اللواتي يبحثن عن المتع خارج بيوتهن بالدول الفاشلة
" أن الدول الفاشلة مثل النساء الماجنات , لا يمكن وقف جماح تمردهن ما دمن لم يحيظن بتربية عميقة !
فتعجبت لإستخدام والدتي مثل هكذا تشبيهات

فعلى ما يبدو أن لوالدتي فلسفة عميقة في معنى الدولة العميقة والدولة الشفافة والدولة الرشيقة ولكنها تختصر ذلك بالقول الفصل :" أن المطبخ هو دولة الإمرأة العميقة والشفافة والرشيقة .
لذلك تجدها دائما في مطبخها كما قلت تبتدع تجارب نووية شفافة و عميقة و رشيقة في أكلات لم نسمع عنها ومنها طبخة الكوارع والرؤوس التي تقضي في تنظيفها ثلاث ليالي بلياليها حيث تقوم بتنظيف المصارين من غاز الدمار الشامل بماء الأوكسجين المشبع بغاز الأعصاب المدمر ثم تطهر الأجواء بمزيل روائح هيدروجيني مع كربون و ماء.
حزمة من الغازات والتفاعلات في طنجرة ضغط قابلة للإنفجار الذري وتحطيم دولة الجنرال بلحظة , وإحداث فجوة في كوة الزمن الضائع من أجل وجبة فاخرة - كما يسميها الجنرال .
حزمة من تفاعلات كيمائية وفيزيائية تعجز عنها مطابخ القنابل النووية في العالم تجري في مطبخنا العامر
. كل ذلك من اجل سعادة الرجل الذي كان يتزوج عليها كلما تسنى له ذلك .
كنت ما زلت اراقب اللوحة بعين مغمضة وعين مفتوحة وافكر كيف سينتهي ذلك كله
وكيف سانجو !
انهمكت والدتي بالعمل الذي تحبه ,كانت تعصر القميص الذي بين يديها بحب .
هذا العمل الذي تحبه و لطالما عملته بدون تذمر - خدمة عائلتها شيء أثير بل مقدس !
نعم, تعتبر ذلك عملا مقدسا
وستظل والدتي و هي أكثر الناس تقديسا لأشياء لا قداسة فيها إمراة لها فلسفتها الخاصة في علاقة الرجل بالإمرأة ولا نعرف ان كانت قد سمعتها من آخرين او أنها هي من إبتدعتها
مثل قصة ندم ماري إنطوانيت التي لم اسمع ذلك إلا منها
وكنت أضحك لقولها ذلك وخاصة ذلك الهمس الخافت المزعج - الذي يرفض تلك الفلسفة .
لماذا على ماري انطوانيت أن تندم في اللحظة الأخيرة !
لقد عاشت السيدة حياة سعيدة وراقصة واحتفالات يومية وعندما ثار الشعب كان من المفروض أن تخاف مثل كل الآخرين .
ستساق السيدة الإرستقراطية إلى حبل المشنقة و ستموت مثل كل الطغاة
لذا عليها ان تخاف لا أن تندم ,اليس كذلك !
كان ذلك رياض الذي كان يعلق ساخرا على فلسفة والدتنا الحكيمة بدون أن يجرؤ على قول ذلك صريحا كعادته خوفا من غضب والدتي التي باتت تظهر تبرمها منه هذه الأيام وخاصة إنه يصر على إزعاجي دائما ناسيا فرق العمر بيننا .
ومن فلسفات والدتي العجيبة إنها تؤمن إيمانا قويا أن الله خلق الإمرأة من ضلع الرجل لغاية سامية ,
حيث لا سيطرة ولا إذلال بل توازن واستقرار
هكذا قالت بالحرف الواحد ,كلمات قوية و متزنة ولا ينقصها السجع أبدا
الإستقرار !
هكذا شهقت زينب بالعبارة !
وتتابع , كما تقول : الإستقرار بأن " تظل قريبة من مصدر حركته واتزانه و لكي تظل الزوجة قادرة على تحريكه و الميل نحوه وملامسة قلبه .
تقول ذلك كإمرأة فيلسوفة لم يتسنى لها نشر افكارها إلا في محيط عائلتها الصغيرة :"أن القلب أقرب جزء من ضلع الرجل و قريب من صدره حيث يحتضنها بداخل قفصه , و يحجزها لبقية حياته داخل قفص الضلوع ذلك
حيث تتسمع لخفقان قلبه ,
حيث القلب وهو مصدر الحياة لهما
فإما أن تكون الزوجة مصدرا لدفق ذلك القلب بالحب أو هجرانه
وتنابع :"
لذلك لم يخلق الله الإمرأة من قدمه لكي لا يدوسها برجليه .
وماذا عن رأسه !
هكذا ببساطة دخلت المؤلفة التي إزعجها أن لا يكون لها موقف في هذه اللحظة
ولكن أمي ردت بتواضع لا يليق بذكائها وفطنتها
ل:" و خلقت من رأسه ,لتكبر عليها و تكبرت عليه ".
تكبرت عليه !

نعم ,حينها ستشعر بنقائصه وإنه لا يمتاز عنها بشيء ,فتتكبر عليه و ترفض دخولها في قفص ضلوعه
ضلوعه!
أقصد - حياته .

هكذا هي والدتي , نعرف كيف تفلسف الأشياء و لا تهتم بما وراء ذلك و لكن ما دامت سعيدة بالعمل الذي تعتقد انه يجلب السعادة لعائلتها

فليس علينا أن نصدع رأس الإمرأة العجوز بترهات حقوق الإمراة وحقوق النساء وخاصة مقولة " أن تترك مساحة حرية تخصها لهواياتها "
فمثل هذا الكلام سيزعجها لامحالة .
لقد كانت هواية تلك الزوجة هي السهر على سعادة أولادها وجعل الجنرال سعيدا بطبخ كل أنواع الحلوى التي يحبها ,لكي لا يتسنى له التفكير أن وراء تلك الحلوى اللذيذة تختبأ زوجه تحبه أكثر مما تحب نفسها .
لقد كانت فعلا زوجة تخشى أن تبوح له بكم المحبة التي تحبها له مادامت تعلم يقينا إنه لا يبادلها نصف ما تملكه من مشاعر له .
فيا لعظمة هذه الأم الجليلة !



#هاله_ابوليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقبرة النسيان
- وحش , بحجم فيل
- بعد المخدرات , على الدنيا السلام
- حدود وهمية
- عيد الكفّ ار
- - فلسطين العربية في نظر ام القرى غير موجودة -
- عجوز تصف أدوية
- عظات أبي لهذا اليوم
- كنت بائعا للزهور
- عائلتي و خلاصات النساء وكاما سوطرا
- حفلة المطر
- من يجرؤ على القول إننا لا نستحق مناصبنا !!
- ولكن قد يحدث ذلك بسبب الندم
- لم تكن أمي جميلة ولكنها كانت الأجمل
- هل تسمح بدخول المؤلفة للنص !
- أي حزن يبعث المطر !
- جمعة الكوشوك والثقب
- لعبة تصحيح الأخطاء الإملائية والمعنى الضائع
- مسيرة العودة – الكبرى في يوم الأرض
- فيلم الأوسكار -The shape of water- والفلسطينيون الذين عذبوا ...


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هاله ابوليل - الزهد في الحياة ,الزهد في الناس