|
حي المداويخ
محسن كفحالي
الحوار المتمدن-العدد: 5876 - 2018 / 5 / 18 - 21:08
المحور:
الادب والفن
يوجد حيينا وسط البلدة ، تتوسطه ساحة كبيرة بها بعض الأشجار ، مقابل الساحة حمام شعبي ليلا لرجال و نهارا لنساء ، على القرب منه مسجد و في الجهة المقالة مقهى يحكى أنه كان عبارة حانة أيام الفرنسين. في المدخل الأساسي للحي يوجد دكان " عمي علي" كما يحلو لأهل الحي تسميته ، ابن الحي، ولد فيه و عاش مع أهله ، يحكي أهل الحي أنه لم يغادر الحي إلا مرات قليلة لأشياء مهمة ، يفتخر بعدم مغادرته الحي قائلا "الحي يسكنني قبل أن أسكنه ، الحي جزء من وجداني بل هو الوجدان ذاته ، فيه ولدت و تربيت ، فيه الأصدقاء و الأهل ، في الحب و الألم و الاشتياق" . إلى جانب عمي " علي" يوجد قدور الخياط و السوسي صاحب المواد الغذائية الذي استقر في الحي بعدما هاجر قريته ، اليوم يعتبر واحدا من أبناء الحي و لا يغادره إلا مرة في السنة . في الجهة المقابلة للساحة توجد المقهى تعود في الأصل إلى عهد الفرنسيين كما هو متداول بين أهل الحي ، كانت تعتبر ملجأ الفرنسيين و بعض القواد المغاربة من أجل تناول الخمر على ايقاع الموسيقى و الرقص ، و بعد مغادرة الفرسيين انتقلت إلى أحد أبناء الحي . مساء كل يوم يجتمع أهل الحي في المقهى ، يقصون القصص و يناقشون حال المدينة و الحي ، من أوضاع سياسية و اقتصادية و علاقات إنسانية ، مناقشة قيم الحي و الحفاظ عليها ة تربيتها للأجيال اللاحقة ،يتوج النقاش على أنغام الموسيقى و بعض القصائد الشعرية التي يلقها أبناء الحي بحضور الناي . عادت المقهى إلى سكونها المعتاد، أخذ كل شخص مكانه ، رائحة الكيف تنتشر في الحي ، تتعالى الأصوات أحيانا حول جودته و قيمته ، يتدخل أحد الحضور قائلا : "الأصناف الجديدة غزت الأسواق و قضت على الزراعةلأصيلة ، و يحذر من أضرارها على الأرض و الإنسان" و يختم حديثه بالقول التالي " ما أجمل بنت البلد و هل هناك أحلى من بنت البلد " . هاهي الشمس تبعث قبلاتها للحي و أهله ، أصوات من هنا و هناك ، نساء يتجهن نحو عملهن و أطفال تجاه المدرسة و المحلات تفتح أبوابها للزبائن ، في الحي تدب الحياة بعد الفجر مباشرة ، امتلئ الحي بأهله و بعض الزوار مع وصول وقت الظهيرة . كانت رائحتها تنبعث قبل أن تظهر في الحي هكذا علق عمي علي الحلاق ، رائحة جميلة الحي ، خرجت زينب تتغنج ، يتمايل جسدها و تضع قدمها على الأرض بكل رفق و حنان ، قال قدور الخياط " من يرفق بالأرض ماذا يفعل بقلب إنسان متيم ، يقال في عالمنا أن المرأة مجرد زي ، يقطع الجسدو يظهر الجمال المختفي ، معك سقطت هذه النظرية يا حسناء الحي " . لم تنظر إليه و استمرت في حركتها و كأنها حركات مقصودة ، حركات يمكن أن يقال عنها استفزازات أثنى ، تقابلت مع عمي علي الحلاق ابتسمت قائلة " كيف حالك يا أجمل عم " رد " كان لساني في مضى يشبه المقص ، كان الغزل أهلي و داري و عيناي عاشقة للجمال و قلبي للحب تواق ، ولكن عندما أراك أيتها الجميلة ألوم القدر لأنك أتيت في زمان غير زماني و جئت في زمن غير زمانك ". زينب بنت الحي ذات الوجه الحسن ، هلال في اكتماله ، طويلة ، رشيقة ، ذات جسد مكتنز ، تتمايل في مشيها ، لا تتحدث كثيرا ، لا تتحدث كثيرا مع رجال الحي باستثناء شاب أحمق أو يطلق عليه بلغة أهل البلد " مدواخ الحي " "مدواخ "الحي شاب في عقده الثالث ، طويل القامة ذو لحية و شعر طويل ،لا أحد يعرف أصله أو أهله أو بلدته التي جاء منها ، كتوم و لا يتحدث إلا قليلا ، يغادر الحي في الصباح و لا يعود الا مساء. يوم الخميس ليلة خاصة فيها تكثر الحكايات و القصص فيها تتبارى ألسن أهل الحي على نسج أجمل العبارات ، ليلة خميس ليلة رقص على أنغام الحي ، ليلة يتوقف فيها الزمن قليلا ليعود إلى الوراء ناسجا من حياة الناس قصصا و حكايات ، حياة مطبوعة بالآمال و الأمل ، بالسعادة و الشقاء ، حياة تحولت إلى قصص يتداولونها الناس فيما بينهم ، و قصص مستوحاة من حياة الناس . توقفت الحركة في الحي ، فقط ضوضاء منبعث من المقهى و رائحة الكيف ، دخل " عمي علي الحلاق " و قدور الخياط و باقي الزوار ، قال نادي المقهى من سيحكي الليلة ، إنها ليلة الخميس يا أهل الحي . تقدم المعلم قدور قائلا : من سيحدث غير من أكتوى قلبه بحب حسناء الحي . من تنام الشمس في حضرته ، من يقبله القمر ، من يتمتع بتلك العينين الساحرتين ، ذاك المجهول الذي أخذ ذهب الحي و أزهاره . صمت الحاضرون ، نظروا إلى" الدواخ" الذي كان صامتا ، يفكر فيما قاله المعلم قدور هل عفوي أو مقصود . تململ " المدوخ " من مكانه ، ماذا تريدون أن تسمعون ، قصة حياة أم حياة قصة ، يقال أم الصمت من ذهب صحيح لكن الكلام من ذهب . أنا الذي تعددت أسماءه في هذا الوطن ، لكن مهما تعددت الأسماء فأنا واحد ثابت لا أتغير أنا الذي يسكنني الحب ، أحببت كل شيء في هذا الكون ، أحببت الحي و أهله ، أحببت وطني و بلدي ، و أحببت زينب . أحيانا يطلق علي "المدواخ " و أحيانا " المجهول " و أحيانا " المقاطع " و عند البعض الخائن . قصتي بدأت مع المقاطعة في وقت كانت تستعمل كل الوسائل لتبخيس الناس و قمت حياتهم قربان للمال آنذاك قررت المقتطعة ، خرجت في المظاهرات ووزعت البيانات ، حلمت بالحرية و الكرامة ، قاطعت الظلم و الكراهية ، قاطعت التعصب و التمركز حول العرق و الدين ، قاطعت كل استغلال للإنسان ، قاطعت الزواج ليس رفضا للعلاقات الوجدانية و لكن رفضا لثقافته الاستهلاكية ، الزواج ككل المؤسسات التي تساهم في مص دماء البسطاء ، قاطعت كل شيء لا يتأسس على الحب ، قاطعت كل شيء قائم على الاستغلال ، فكانت تهمتي الخيانة. أنا خائن في نظري الناس لأنني رفضت تزييف الحقائق و المشاعر ، خائن لأني رفضت الكذب و النفاق ، خائن لأنني فضلت الحقيقة في عالم اللاحقيقة ، و فضلت العقل في واقع أستسلم لللاعقل ،خائن لأنني أحببت هذا البلد ضدا على لصوصه ، أحببت هذا الوطن ضدا على مصاصي دماء الفقراء و المحرومين ،خائن لأني حلمت بالحرية و الكرامة ، في نظرهم إما عبيدا لهم و لأبنائهم و إما خونة ، و خائن في نظركم لأني أحببت زينب و أنا الغريب الذي لا عائله له ، أحببن زينب الحسناء كما قلتم لأنها تختلف عن الأخرين ، و الأهم هو أني ليس خائنا في نظرها ، أو ربما زينب أحبتني فقط ، لا تتحدث ماذا سنفعل غدا ، و ما سيكون وضعنا غدا ، ما فائدة هذه الأسئلة في حضرة الحب ، زينب أحببتها لأنها كانت تتحدث عن الحب فقط ، و هل يبقى للعالم طعم دون حب . خلاصة زينب غير الأخرين ، زينب منتهى الحب و بدايته ، مهما اختلفت أسماء الروايات و القصص تعرف أني أقصدها هي. قاطعت كل شيء إلا زينب ، كيف أقاطعها و هي التي تشاركني نفس الهموم و نفس الروح ، نفس المشاعر و العواطف . بصوت مرتفع قال " أفضل أن أكون من المداويخ ، و أن اكون مجهولا و خائنا على أن أكون عبدا ". رد الحاضرون " كلنا مدوايخ "
#محسن_كفحالي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السواد
-
فاس: تحتضن المؤتمر التأسيسي للائتلاف المدني من أجل الجبل بال
...
-
حكت لي جدتي .....
-
الإتلاف المدني من أجل الجبل تجربة متميزة في عالم الترافع
-
الزفزفة
-
أوراق بلا عنوان - نهاية ورقة و بداية أوراق-
-
أوراق بلا عنوان - الجزء الثاني - ورقة المرأة-
-
أوراق بلا عنوان
-
موعد مع الموت
المزيد.....
-
نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم
...
-
هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية
...
-
بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن
...
-
العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
-
-من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
-
فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
-
باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح
...
-
مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل
...
-
لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش
...
-
مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|